الجزء الاول
مازالت قصة التصنيع العسكري العراقي غير مكتملة الفصول لدى الكثيرين، فبرغم مرور أكثر من أربعين عاما على تحرك العراق باتجاه تأسيس صناعة عسكرية وطنية طموحة، ما تزال العديد من التساؤلات والاستذكارات ترافق ملف التصنيع العسكري الذي مثّل واحدة من أكبر وأحدث ترسانات الصناعة العسكرية على المستوى العربي والإقليمي في حينها بحسب معنيين.
يأتي التوقف عند هذه التجربة بالتزامن مع المواجهة العسكرية المستعرة اليوم بين القوات العراقية والفصائل المساندة لها من جهة، وبين مسلحي تنظيم داعش الذين سيطروا في لحظة دراماتيكية في حزيران 2014 على مساحات شاسعة من البلاد وأسقطوا مدناً مهمة مثل الموصل وتكريت وقبلها العديد من مدن الانبار.
يكشف المدير العام السابق وأحد رواد انشاء التصنيع العسكري في العراق سعدي أبو ركيبة عن ان حادث اغتيال سياسي نفذه مسلحون بداية السبعينات استخدموا فيه سلاحا من مخابرات احدى الدول المجاورة اثار تساؤلات لدى القيادة العراقية حينذاك، تتعلق بذخيرته النوعية حيث كان المقذوف يُحدث انفجارين، الاول داخل المسدس، والثاني في جسم الانسان المستهدف، ولم يكن معروفا حينذاك هذا النوع من الذخيرة ثنائي الفِعل Double actions وقد استعان الرئيس الأسبق احمد حسن البكر بأحد ألمع المختصين في مجال صناعة الذخيرة حينذاك والذي كان عاد للتو من دراسته العليا في اوروبا، وهو الدكتور عامر السعدي، ليكشف للمسؤولين اسرار ذلك السلاح والذخيرة المستخدمة.
"السعدي" وفريقه الصغير يرسمون مستقبل "التصنيع"
حينها كُلف الدكتور السعدي بالتحرك لاقتراح خطط وبرنامج لتأسيس صناعة عسكرية بما يتيح للعراق "توطين" تلك الصناعة كجزء من مستلزمات السيادة التي تسعى لها اغلب البلدان بحسب ضيف برنامج حوارات أبو ركيبة، الذي كان ضمن فريق يراسه السعدي من خمسة اشخاص عراقيين من الكفاءات والخبرات الشابة، وبالإستعانة بالخبير المصري أحمد زيتون وهو مدير معامل أبو زعبل للصناعة الحربية المعروفة في مصر منذ الثلاثينات.
وخلال الحوار، الذي يمكن الاستماع اليه في الملف الصوتي المرفق، يروي أبو ركيبة مراحل انشاء البنى التحتية لمنشاة القعقاع التي تعد الأكبر والأكثر تخصصا وتعقيدا من عشرات المنشآت من نظيراتها، والتي نُفذت وفق عقود مع يوغسلافيا، تلك الدولة التي سُمِح لها، (وفق اتفاقات دولية غير معلنة بحسب رأي ضيف حوارات)، بالتعاقد مع العراق لبناء صناعته العسكرية الوطنية خلال السبعينات والثمانينات وفق مراحل تشييد متصاعدة، وتضمنت التعاقدات تدريب المئات من الكوادر الهندسية والفنية والإدارية العراقية وبمستويات تخصصية عالية لتأمين تشغيل وادارة وإستثمار تلك الترسانة الصناعية بمنشأتها المتطورة.
ويكشف سعدي أبو ركيبة أنه كان ضمن الوجبة الأولى التي ابتعثت الى يوغسلافيا للتدريب على إدارة منشآت صناعة الذخائر والاسلحة، كون تخصصه الأول هو علوم الكيمياء، وكيف تسنم عند عودته نهاية السبعينات مهام الإدارة في منشأة القعقاع، التي كانت أعمال تشييدها قد شارفت على الإنتهاء وتستعد لبدء التشغيل التجريبي لإنتاج الأسلحة والذخائر (على البارد) بإشراف الكوادر اليوغسلافية والعراقية وفق شروط التعاقد.
المزيد حول "هيئة التصنيع العسكري"، وقصة تحمّل الكادر العراقي المسؤولية المباشرة عن التشغيل للمنشآت بغتة، بعد اندلاع الحرب مع إيران في أيلول 1980، حين غادر الخبراء اليوغسلاف، مثل الآلاف من الخبراء الأجانب، العراق،
فكيف تصرفوا؟
وما المخاطر التي واجهوا؟
اللقاء الصوتي على هذا الرابط