يُبرز تكوين القوة الجوية التي تولت الضربات الجوية لقوات داعش "ISIS" في سوريا التعقيد اللوجستي لهذا النوع من العمليات. من المعلوم ان غالبية الطائرات المولجة انجاز ضربات ضد داعش في العراق وسوريا متمركزة اما في قواعد بعض دول الخليج او حول منطقة الخليج، مما يعني انها تعمل بعيدا عن مراكزها الاصلية. وبالاضافة، فقد افادت الاخبار في هذا المجال ان اسلحة جو البحرين والاردن والمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة وقطر ساهمت في العمليات الاولى في الاجواء السورية مما يعز ضرورة التنسيق بين اسلحة جو تلك الدول وبالتالي رفع مستوى تعقيد تلك العمليات الجوية.
تحليل الضربات الجوية
جرت الضربات الجوية ليل 22 ايلول الماضي 2014 من خلال ثلاث موجات الاولى باستخدام صواريخ "Tomahawk" الجوالة التي هاجمت اهداف قريبة من مدينتي حلب والرقة. واستخدمت في الموجة الثانية طائرات F-22 الاميركية وذلك للمرة الاولى من اجل توجيه العمليات القتالية وضرب اهداف بالقرب من مدينة الرقة. اما في الموجة الثالثة، فاشتركت فيها مقاتلات اميركية متواجدة في البلدان القريبة من الخليج ومن حاملة الطائرات الاميركية USS George H.W. Bush بالاضافة الى طائرات من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، كما ضربت تلك المقاتلات اهدافا قريبة من الحدود العراقية في غرب سوريا اما الطائرات التي اشتركت في الموجة الثالثة فكانت تابعة لاسلحة طيران الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين والاردن. اما قطر فشاركت مقاتلاتها ايضا في العمليات العسكرية هذه ولكن في دور المراقبة.
يعتقد ان هذه الضربات سوف تليها في المراحل التالية طلعات جوية حيث تقوم الولايات المتحدة وحلفائها ابانها بتقييم مدى تحقيق الاهداف التي توختها هذه الضربات بالاضافة الى مدى الاضرار التي لحقت بالاراضي السورية تمهيدا لتحديد مدى تأثير هذه العمليات على العدو.
يرى المراقبون ان هذه الضربات الجوية سوف تستمر ولكن بوتيرة عالية مما يؤدي الى الاستنزاف المستمر لموارد الدولة الاسلامية ومقاتليها مع الحد من قدراتهم القتالية ودفعهم الى تغيير طريقة قتالهم. من المؤكد ان الولايات المتحدة وحلفائها لديهم عناصر استراتيجية اخرى الى جانب الضربات الجوية لمواجهة الدولة الاسلامية كزيادة الدعم للثوار السوريين الذين يقاتلون الدولة الاسلامية. ويتوقع الخبراء العسكريون استمرار العمليات الجوية وان تهدف الى زيادة الدعم لمقاتلي الثوار على الارض كما كانت الحال في العراق.
ولعل اهم التحديات التي صاحبت تشكيل القوة الجوية لاميركا وحلفائها تمثلت بوجود الدفاعات الجوية السورية في طول البلاد وعرضها. لكن استخدام صواريخ Tomahawk الجوالة من على متن احدى المدمرات الموجودة في مياه البحر الاحمر وحاملة الصواريخ في الخليج العربي لضرب الاهداف المتواجدة في العمق الغربي لسوريا حول حلب كان هذا الاختيار بالدرجة الاولى من اجل الاحتياط حتى لا تحرك سوريا دفاعاتها الجوية ضد طائرات مقودة. اما الطائرات التي عملت في الموجات التالية لضرب اهداف متواجدة قرب الدفاعات الجوية السورية فكانت من طراز F-22 التي ضربت الاهداف بالقرب من مدينة الرقة حيث اعتبرت هذه الطائرات الاحدث في الترسانة الاميركية وتتميز بالمقطع الراداري الاصغر الموجة الثانية.
عملت الموجة الثالثة، بعيدا عن الدفاعات الجوية السورية اي في اتجاه الشرق وشملت طائرات EA-6B Prowler للحرب الالكترونية وهي طائرات تستخدم خصوصا لتدمير قدرة العدو على الدفاع الجوي. اتخذت هذه الاحتياطات حتى مع اليقين ان الدفاعات الجوية السورية لم تصدر اي اشارات عن اي نشاط تعتزم القيام به مما يعزز القول بان سوريا حصلت بالفعل على معلومات مفادها ان الولايات المتحدة تعتزم بدء الضربات الجوية وانها سوريا اختارت الا تعارض مثل هذه الضربات في مواجهة الدولة الاسلامية على اراضيها.
هذا، ويذكر ان الطائرات الاميركية منتشرة عبر العديد من القواعد في دول الخليج، علما ان غالبية المقاتلات الاميركية متمركزة في المنطقة على متن حاملة الطائرات "USS George H.W. Bush" المتواجدة حاليا في مياه الخليج. ومن بين هذه الطائرات 48 طائرة "F/A-18" وعدد منها اشترك من الموجة الثالثة للعمليات فوق سوريا في الثاني والعشرين من ايلول الماضي وطائرات من طراز آخر مثل "EA-6B Prowler". وهكذا قامت تلك الطائرات بهجماتها بعيدة عن قواعدها باكثر من 850 ميل اي ابعد من مداها القتالي بكثير.
وهكذا اضطرت هذه الطائرات التزود بالوقود جوا للعمليات فوق سوريا تماما كما كانت هي الحال حين كانت عمليات تلك الطائرات فوق شمال العراق اخيرا. من المعلوم ان التزود بالوقود جوا يوسع مدى عمل المقاتلات كثيرا، الا ان الاعتماد على طائرات صهريج متخصصة في تزويد الوقود جوا لانجاز هذه الضربات الجوية كان من بين الصعوبات التي واجهتها الولايات المتحدة، فقد اشارت المصادر الاميركية انها تفتقد الى قدرات كبيرة في مجال تزويد الوقود جوا وطلبت واشنطن من حلفائها العون لتعزيز هذه القدرة لانجاز العمليات الجوية الجارية حاليا من مواجهة مقاتلي الدولة الاسلامية.
بالاضافة الى استخدام طائرات صهريج للتموين بالوقود جوا والطائرات المتخصصة في تدمير دفاعات العدو الجوية تضمنت هذه العمليات نشر طائرات للقيادة والتحكم، والانذار الجوي المبكر. وان نشر مثل هذه الطائرات يساعد في قيادة تلك الضربات الجوية المعقدة وتلك ميزة في غاية الاهمية لتأمين التنسيق مع القوات الجوية الحليفة. وبالاضافة الى المساعدة على التحكم في المجال الجوي حيث تدور العمليات لدى هذه الطائرات قدرات كبيرة على المراقبة ومن جهة اخرى ان الاستعانة بهذا النوع من الطائرات يرفع كثيرا من العمل اللوجستي لهذه العمليات. تخطط الولايات المتحدة لشن عمليات جوية من قواعد في العراق من بغداد واربيل بالتحديد علما ان مثل هذه القواعد الجوية استخدمت حتى الآن لادوار لوجستية بينما، حتى الان تستخدم المقاتلات الاميركية قواعد بعيدة في بلدان منطقة الخليج والسفن في مياهه.
ومن جهة اخرى اعلنت الولايات المتحدة انها سوف تستخدم في القريب العاجل طائرات A-10 للمساندة الارضية في مسارح العمليات لتنفيذ الضربات ضد داعش وذلك لان هذه الطائرات تتميز بقوتها النارية الضخمة ابان الدعم الجوي القريب ولكن مداها قصير نسبيا. يشكل نشرها في القواعد العراقية استراتيجية صائبة لجهة الاستفادة من قدراتها في الحد الاقصى. كما ان استخدام قواعد جوية ضمن العراق والاردن يوفر امكانية اجراء عمليات بحث وانقاذ جوية خصوصا اذا امتدت العمليات ضد داعش لتشمل سوريا ايضا.