المنتدى العسكري العربي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة

مرحبا بك في المنتدى العسكري العربي

يرجي التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدى

سنتشرف بتسجيلك

شكرا

ادارة المنتدى
المنتدى العسكري العربي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة

مرحبا بك في المنتدى العسكري العربي

يرجي التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدى

سنتشرف بتسجيلك

شكرا

ادارة المنتدى
المنتدى العسكري العربي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالقوانينالتسجيلدخول

شاطر
 

 رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه الأسبق

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة

mi-17

مشرف
مشرف



رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Unbena20رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Unbena11رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Unbena30
رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Unbena23




رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Empty
مُساهمةموضوع: رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه الأسبق   رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Icon_minitimeالجمعة مايو 27 2016, 21:05

الحلقه الاولى 

سيرتي :

• ولدت في بغداد في محلة السور المحاذية لسور بغداد العظيم، سنة 1925 من أبوين عراقيين عربيين، من عشيرة العزة المشهورة بمواقفها الوطنية.
• قضيت دراستي الابتدائية والمتوسطة والثانوية في بغداد وبعد تخرجي عام 1945 التحقت طالباً في الكلية العسكرية.
• تخرجت في الكلية العسكرية عام 1948، وعُيّنت ضابطاً في فوج الحرس الملكي الأول في 15/8/1948.
• في 19/6/1957 التحقت بكلية الأركان وتخرجت فيها في 20/8/1959 وكنت الأول على دورتي.
• انتميت إلى منظمة الضباط الأحرار في العراق في تشرين الثاني 1952.
• عند قيام ثورة 14 تموز 1958 كنت في الأردن مع الدورة 24 لكلية الأركان لدراسة الحدود الأردنية مع فلسطين المحتلة.
• ترفعت إلى رتبة مقدم ركن في 14 تموز 1961 والى رتبة عقيد ركن في 14 تموز 1965.
• ساهمت في ثورة 8 شباط 1963 مساهمة فعالة حيث كلفني الرئيس عبد السلام محمد عارف، أنا والعقيد الركن محمد مجيد، للالتحاق بالقوات المقاتلة في وزارة الدفاع لقيادة القطعات حتى استسلام عبد الكريم قاسم.
• نقلت العقيد فاضل المهداوي رئيس محكمة الشعب والمرافق لرئيس الوزراء قاسم الجنابي بعد انتهاء معركة وزارة الدفاع بسيارة مدرعة وسلمته إلى القيادة العامة للثورة في دار الإذاعة العراقية.
• ساهمت في حركة 18 ت2 1963 مرافقاً للرئيس عبد السلام محمد عارف لاحتلال المرسلات، وبعد احتلالها قدمت الرئيس لإذاعة البيان الأول ثم أذعت بصوتي البيان مرة ثانية والبيانات الأخرى.
• عُيّنت مديراً للاستخبارات في 21/11/1963، وانتخبت عضواً في مجلس قيادة الثورة وسكرتيراً للمجلس الوطني.
• ساهمت في حركة عارف عبد الرزاق الأولى في أيلول 1965، وبعد فشلها لجأت إلى القاهرة.
• ساهمت في حركة عارف عبد الرزاق الثانية في 30 حزيران 1966 التي لم تتكلل بالنجاح.
• أُحلت على التقاعد في 20 أيلول 1965.
• 27/أيلول/68 اعتقلت في القصر الجمهوري وأطلق سراحي بعد خمسة اشهر.
• 23/تموز/69 صدر أمر بإلقاء القبض علي وتمكنت من الهرب وتم إعفائي بعد ما يقارب 16 شهر.
• 28/تموز/1970 نفاني مدير الأمن العام ناظم كزار مع الأخوة العقيد الركن محمد مجيد والعميد نهاد فخري واللواء الركن محمد إلى القاهرة وعشنا هناك لاجئين.
• 29/ت/1970 اصدر الرئيس احمد حسن البكر أمراً بإعفائي وعدت إلى بغداد.
• 30/حزيران/1971 تم اعتقالي في مقر قصرالنهاية بأمر مدير الأمن العام ناظم كراز وقد حققت معي لجنة برئاسة طه ياسين رمضان وعضوية ناظم كراز وحسن المطير. شكلت لجنة التحقيق برئاسة سالم الشكرة .
• 29/ت/1973 تم أطلاق سراحي مع الأخ العقيد الركن علي حسين جاسم.
• مارست الصحافة ولي مقالات كثيرة نشرت في جريدة الثورة والجمهورية وصوت العرب وراية العرب والمشرق.
• بعد الاحتلال الأميركي للعراق واحتلال بغداد في 9 نيسان 2003 عدت للعمل السياسي وشكلت مع رفاقي صبحي عبد الحميد وعبد الكريم هاني ومعن عمر نظمي وغيرهم من المناضلين حركة التيار القومي العربي التي تهدف إلى تحرير العراق من الاستعمار الأميركي الجديد.

المقدمة

منذ الحرب العالمية الأولى وما تلاها من ويلات أيام الاستعمار البريطاني البغيض، والشعب العراقي كما هو معروف عنه لا يخضع أو يلين لهذا الاستعمار، وقد توج هذا النضال بثورة العشرين الخالدة التي قضّت مضاجع الإنكليز وأكدت لهم أن استعمارهم لن يدوم ولا بد لهم أن يرحلوا يوماً ما، وأن هذا اليوم آت لا ريب فيه بعُدت الشقة أم قربت. وهكذا كانت تلك الثورة، التي  سعى أبناء العراق الغيارى بعدها إلى تأسيس دولة وطنية تعمل على ضم أبناء الشعب بوحدة وطنية صامدة، وتستطيع بإمكانياتها المحدودة وأيمانها الثابت بعدالة قضيتها تأسيس حكم وطني ينبثق من الشعب ويعمل من أجله. واستقر الرأي على أن يكون احد أنجال الشريف حسين ملكاً على العراق ليؤسس أول حكم وطني في هذا البلد. وبعد مداولات واتصالات مع الحسين وأطراف أخرى تقرر أن يكون الأمير فيصل هو الملك على العراق وقد تم استدعاؤه وتتويجه في 23 آب 1921.
 
لقد كان الملك فيصل الأول واحداً من الزعماء البارزين في عصره لما كان يتمتع به من إمكانات سياسية عالية وفطنة وذكاء أهلته لتكوين الدولة. ورغم الظروف الصعبة التي أحاطت بملكه وتعنت المستعمرين ونكوثهم بالوعود، فقد حقق الملك فيصل الأول الكثير من المنجزات التي كانت مفخرة لحكمه، فتمكن من إرساء النظام البرلماني ووضع دستور للبلاد وإصدار قانون التجنيد الإلزامي وحل مشاكل الحدود المستديمة بين العراق وتركيا وأهمها أعادة ولاية الموصل إلى العراق والتي كانت تطالب بها تركيا. لقد انتقل الملك فيصل الأول، في سويسرا عام 1932، إلى رحاب الله غدراً وغيلة ولو أمدّ الله في عمره لحقق للعراق الاستقلال والكرامة. وقد وصفه الكولونيل لورانس في كتابه الشهير (أعمدة الحكمة السبعة) بأنه أمين كضوء الشمس.
 
بعد وفاة الملك فيصل، بويع ابنه الأمير غازي ملكاً على العراق، وكان غازي شاباً وطنياً متمسكاً بالوحدة ساعياً لها، إلا انه كانت يفتقد الخبرة السياسية وألاعيبها، فكان يقاتل في جبهتين: جبهة السياسيين الضالعين في ركاب الاستعمار وجبهة الاستعمار ذاته التي كانت تحرك هؤلاء الساسة. وقد انتهج العراق في عهده خطاً وطنياً. ولعل من أهم ما يُذكر به الملك غازي سعيه لضم الكويت إلى العراق بوصفها جزءاً منه. هذه السياسة التي انتهجها الملك غازي أغضبت الاستعمار فقرروا أن يتخلصوا منه، فكان لهم ما أرادوه، إذ يُعتقد أنهم دبروا حادثة اصطدام سيارته في عمود الكهرباء في ليلة 3/4 نيسان 1939 والتي أودت بحياته.
وبعد وفاة الملك غازي انتقل العرش إلى ابنه الصغير فيصل الثاني وانتخب خاله الأمير عبد الإله وصياً على العرش. وفي عهد الوصاية ثار الجيش في مايس سنة 1941 وفشلت الثورة وحُكم على قادة الثورة صلاح الدين الصباغ ورفاقه بالإعدام، وقد صادق الأمير عبد الإله على الحكم وتم إعدامهم. ولقد ترك إعدام قادة الثورة الأبطال أثراً  في نفوس العراقيين لا يثنى وصمموا على استمرار النضال والعزم بإصرار على القضاء على النظام الذي أعاد هيمنة الاستعمار البريطاني وبشكل سافر على العراق. وهكذا تأججت الروح القومية في الشارع العراقي، بعد فشل ثورة مايس الوطنية، وأصبح من المستحيل أن يستقيم مثل هذا الوضع المضطرب خصوصاً بعد أن أخذت رياح التغيير تهب على المنطقة كلها، فحدث أكثر من انقلاب في سوريا، وجاءت الثورة المصرية في 23/تموز/1952 لتحرّر مصر من الاستعمار، وأصدرت القرارات الاشتراكية وأمّنت قناة  السويس وكسرت احتكار السلاح.  وتعلّقاً بالعراق،  فقد تشكل تنظيم الضباط الأحرار بين صفوف الجيش  وهو الذي نفذ ثورته التاريخية الكبرى في 14 تموز عام 1958فكانت حدثاً تاريخياً كبيراً يعتد به في تأجيج المشاعر القومية في هذا القطر، كما في الأقطار العربية الأخرى.
 
لقد كانت تموز 58 حدثاً تاريخياً ضخماً أذهل الاستعمار وقدمت حكومة الثورة في أعقابه انجازات كبيرة. ولكن رغم هذه الانجازات سرعان ما خابت الآمال نتيجة الصراع الذي حدث بين قطبي الثورة عبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف، وهو الصراع الذي أدى إلى أعفاء عبد السلام عارف من كل مناصبه لينفرد عبد الكريم قاسم بالحكم، وكان هذا الحكم موضع خلاف الشارع العراقي الذي انقسم حول زعامته حينذاك، فنظر إليه البعض كطاغية حكم البلاد من جهة، بينما نظر آخرون إليه كحاكم وطني ناصر الفقراء والمحرومين من جهة أخرى. ولكن من أهم الظواهر التي شهدها حكمه وعهده أن الشيوعيين جيروه لصالحهم، وفي ظل ذلك حدثت الاضطرابات والانتفاضات الشعبية المعروفة في الموصل وبغداد وكركوك، فأُعدم الأحرار من ضباط تموز وعُلقوا على أعواد المشانق في أم الطبول.
 
كان واضحاً، تعلّقاً بثورة 14 تموز، أن أسوأ ما قامت به أنها أقدمت على قتل العائلة المالكة رجالاً ونساء، كما أقدمت على التمثيل بجثة عبد الإله وسحلته في شوارع بغداد، في سابقة حُسبت على الثورة، إذ هي لا تخرج عن أن تكون أعمالاً إجرامية تأباها الشرائع السماوية والأخلاق الإنسانية. بل نعتقد أن تلك الأحداث إنما هي أعمال إجرامية تستوجب محاكمة من أقدم عليها. في ظل الإحساس بهذا، وما أُخذ على عبد الكريم قاسم، وتزايد المد العربي الجارف، تكاتفت الفئات القومية على إسقاط هذا الحكم، فتم ذلك على يد حزب البعث العربي الاشتراكي في 8 شباط 1963 الذي أشعل فتيل الثورة، لتتولى الفئات القومية عامةً مسؤولية إنجاحها.
 
وما أن استقر الحكم للبعث حتى أخذ يخطط بدوره للانفراد بالحكم على حساب الفئات الأخرى التي كانت عاملاً حاسماً في نجاح ثورة شباط. وقد تبع موقفَ حزب البعث هذا ردة فعل الفئات القومية الأخرى، صراعٌ دموي قاس بين عناصر الحزب من جهة والقوميين الآخرين من جهته أخرى. وفي ظل الانفراد البعثي والصراع الناتج عنه، تشكل الحرس القومي وفُتح مكتب عمار علوش الذي مارس أنواع الانتهاكات ضد الشعب العراقي بمختلف فئاته، فسجن وأعدم وابتز وحارب الحكم وتحداه. فلم يكن ممكناً، والحالة هذه، لمثل هذا الحكم بأن يستديم، فكان لا بد لأحد أن يتحرك من أجل التغيير، فكانت حركة 18 ت2 1963 التصحيحية التي سعت الى القضاء على مظاهر الإرهاب تلك، وأصدرت القرارات الاشتراكية، وأظهر الحكم رغبةً جادةً للتقرب من الجمهورية العربية المتحدة والسعي لتنظيم الحياة السياسية وتأمين الحرية والأمان لأفراد الشعب.
 
لقد تبدد الأمر مرة أخرى ودب الخلاف واشتد بين رفاق الأمس ورئيس الجمهورية عبد السلام محمد عارف، وقد وجدنا أن الرجل كان يفرق ولا يجمع، وكان كل همه أن ينفرد بالسلطة إلى درجة أدت إلى أن ينشب خلاف بينه وبين من عمل معه سواء كان كتلةً أو أفراداً لأن مصدر الخلاف مع عبدالسلام هو ما يتعارض أو يعتقد هو أنه يتعارض مع مصالحه الشخصية، فحارب في سره القرارات الاشتراكية وهاجم دعاة الوحدة وزرع التكتلات في الجيش وسار على قاعدة (فرّق تسد). ومرة أخرى ما كان لمثل هذا الحكم أن يدوم، فقرر رفاقه في الأمس، وكنا منهم، أن لا بد من تنحيته وقمنا بمحاولتين الأولى في 15 أيلول 1965 والثانية في 30 حزيران 1966، ولكن كلتا المحاولتين فشلتا، فبقي عبد السلام عارف في الحكم حتى وفاته في حادثة الطائرة الشهيرة، ليتولى أخوه عبد الرحمن عارف الحكم بعده. ثم دار الزمن دورته فأطاح حزب البعث العربي الاشتراكي به وعاد إلى الحكم مرة ثانية في انقلاب 17/تموز/1968.

حياتي السياسية

لقد عاش جيلنا والجيل الذي سبقنا في العراق عصر الصراعات بين القوى المناوئة للاستعمار الذي كان يعمل جادا للحفاظ على مصالحة والسيطرة على العراق باعتبارها منطقة وصل تؤمن له المصالح البريطانية في القارة الهندية. وقد بذل الملك فيصل الأول الذي توج ملكا على العراق في 23 آب 1921 جهودا كبيرة للحصول على استقلال العراق وإنقاذه من الظروف القاسية التي تحيط به متخذاً له مساراً واضح الأهداف لتأمين الوحدة الوطنية، ثم التحرك بعد ذلك لتخلص العراق من الاستعمار ونيل حريته. إلا أن القدر لم يمهله أن يكمل مشواره فأدركه الموت في برن بسويسرا عام 1933. ومرت السنون بعد ذلك وبدأ جيلنا يدرك ويعي ما يراد به وما يريده هو حيث كان العراق معقلاً لكل أحرار العرب الهاربين من بطش الاستعمار ومنهم أساتذة ومثقفون تشبعوا بروح القومية وآمنوا بأن الوحدة العربية هي الطريق السليم والأمثل لإنهاء عهد الاستعمار، ومن هؤلاء الشيخ علي الطنطاوي وعثمان الحوراني من سوريا وعبد المنعم مرسي من مصر، وكانوا، وأقولها يفخر واعتزاز، مثالاً يُقتدى بهم بالوطنية والإخلاص ونكران الذات، وكانوا بحق دعاة وحدة فغرسوا في نفسي بذور القومية العربية التي تجمع ولا تفرق، وتلقفنا ما علمونا بنهم وشغف زادا في توسيع مداركنا. كما أن لمؤلفات المربي الكبير ساطع الحصري عن القومية والوحدة الأثر ذاته فيّ وفي جيلنا. وهكذا نشأنا وحدويين، وكرسنا حياتنا، في ما بعد، لتحقيق الوحدة ونلنا من أجلها الويلات والعذاب.

حياتي العسكرية

أنهيت مرحلتي الثانوية في مدرسة التفيض الأهلية، فيممت وجهي شطر الكلية العسكرية كونها مصنع الأبطال ومحط آمال الرجال، وكان من رفاق دراستي العسكرية الأخوة صبحي عبد الحميد وعرفان عبد القادر وعدنان أيوب صبري ومحمد خالد وخالد مكي الهاشمي وجاسم العزاوي ممن هم  من دورتي أو أقدم منى بسنة واحدة. وقد تتلمذت في سنيّ الثلاث في الكلية العسكرية على يد أستاذي أحمد حسن البكر. وفي الكلية تنامت شخصيتي ووعيت ما يحاط ببلدي من ظلم وتعسف واستقلال، فقررت بنفسي أن الطريق أصبح سالكاً أمامي وأمام رفاق عسكريتي لإنقاذ بلدنا من محنته التي كان يعيش فيها، وصممنا على أن لا بد من تحقيق أهدافنا التي تربينا عليها في إقامة مجتمع الرفاهية والحرية والاستقلال في بلدنا ليكون نواة في المستقبل لأهدافنا الكبرى في التحرر والاستقلال.
 
لقد اخترت في دراستي العسكرية صنف المشاة الذي يُلقب بانه سيد الصنوف وبدونه لا تُكسب معركة، وكنت الرابع في دورتي التي تعدادها 96 طالباً، والأول على صنف المشاة، وهي الدرجة العلمية التي أهلتني لأن اشغل أهم مناصبي العسكرية. لقد كان تخرجي ضابطَ مشاةٍ عام 1948 لأدخل معمعة التفكير بأين سيستقر بي العمل وفي أي وحدة ومع أي آمر. وأنا في خضمّ هذا التفكير أرسل بطلبي آمر الكلية العسكرية العقيد الركن عبد القادر سعيد بصفتي رئيس عرفاء الطلبة وأحمل على كتفي الأيمن أربعة خيوط، وأمرني بأن أجمع من خريجي الكلية صنفَي المشاة والخيالة، لأن الأمير عبد الإله سيحضر لاختيار البعض منهما لقوات الحرس الملكي. وحين حضر الأمير وقام بتفتيش الضباط من الصنفين اختار من صنف المشاة.. الضباط:
1. هادي خماس
2. صبحي عبد الحميد
3. عبد الغفور محمد أمين
4. سامي جاسم
ومن صنف الخيالة الضباط.:
1. فاضل مهدي البياتي
2. عدنان أيوب صبري
3. عبد النبي حامد
4. نعمة صادق.
وهكذا كان نصيبي حيث نقلت في 15/8/48 إلى الفوج الأول من الحرس الملكي آمراً للفصيل الأول في سرية المشاة الأولى التي كان آمرها ياسين السامرائي. أما آمري فكان العقيد الركن ناظم الطبقجلي، والعقيد ناظم كان ضابطاً قومياً وطنياً نزيهاً مخلصاً شديد التواضع، من غير ضعف، صارم الضبط من غير عنف، يرعى الصغير ويحترم الكبير، وقد تعلمنا الكثير منه في حياتنا العسكرية، فقد غرس فينا روح الضبط والعمل الجاد والعطف على الجنود وحل مشاكلهم، حتى العائلية منها. وآنذاك، وإذ كنا شباباً ذوي طموحات وآمال وطنية عراض، ونستعجل الأمور فنحاول أن نستبق الزمن ونعيش على هذه الطموحات وتلك الآمال، كنا بحاجة إلى يد أمينة ترعانا وتلم شملنا وتهدينا إلى العمل الصالح في الطريق الصالح لتحقيق أهدافنا.

تنظيم الضباط الأحرار

لقد انبثقت منظمة الضباط الأحرار في شهر أيلول من عام 1952 وكان قائدها المقدم المهندس رفعت الحاج سري الذي أبلى بلاءً حسنا في معارك فلسطين وشهد مأساتها واطّلع على خيانة بعض القادة العرب المتعاونين مع الاستعمار  لتأسيس دويلة إسرائيل.
 
وأثناء وجودي ضابطاً في فوج الحرس الملكي الأول، توطدت علاقة متينة وصادقة بيني وبين الرئيس (النقيب) محمد مرهون الصفار ضابط الفوج، وصارت تجري بيننا أحاديث كثيرة تتخللها انتقادات للوضع وسوء الحكام فاعجبتني طروحاته وقلت في نفسي لا بد من هدف أراده الأخ محمد مرهون فقلت له، وتحديداً يوم 27 ت1 من العام نفسه: أرى وراء طروحاتك هدفاً! هلاّ أخبرتني به وأرحتني؟ وليكنْ قلبك مفتوحاً لي وأفصح عما تريد قوله وكن مطمئناً من أني مؤمن بكل طروحاتك. عندها انفرجت أساريره وانطلق متحدثاً دون خوف: أنت على علم بانبثاق منظمة الضباط الأحرار وقد انتميت لها، وما أعهده فيك من وطنية أرى أن تشاركنا هذا الانتماء. قلت له: قبل الانتماء لا بد أن أكون على علم بأهداف التنظيم ومبادئه، فقال: هذا من حقك، إن أهداف التنظيم تتلخص بـالأهداف الآتية:
1. تحرير العراق سياسياً واقتصادياً من الهيمنة الاستعمارية.
2. محاكمة الساسة الموالين للإنكليز، وعلى رأسهم نوري السعيد.
3. القضاء على الفساد الإداري والمالي، وتطهير أجهزة الدولة من المفسدين والمتعاونين مع الاستعمار والرجعية.
4. تحرير الفلاح من عبودية الإقطاع، وتحرير الأرض و توزيعها على الفلاحين.
5. إصلاح النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ونظم التعليم والقضاء.
6. العمل على تحقيق الوحدة العربية.
   ورغبةً بزيادة في الإيضاح وبيان التفاصيل، سألته عن موقف تنظيم الضباط الأحرار من العائلة المالكة. أجابني بأنه لم يفكر الضباط عند تأسيس الحركة بإلغاء النظام الملكي، وكان أول أهدافهم هو التخلص من الساسة الضالعين في العمل مع الاستعمار والموالين له. وبعد سماعي لهذه التفاصيل التي كنت مؤمناً بها قبل سماعها منه، قلت له إني موافق على الانضمام إلى الحركة بشرط لا أحيدُ عنه أبداً، وهو ألا يُصاب الملك فيصل الثاني بسوء وأن يبقى ملكاً على العراق، ويحاكم كل من أساء للوطن محاكمة عادلة وعلى رأس هؤلاء نوري السعيد. بعد ذلك أطلعت زميلي وصديقي في الفوج الملازم صبحي عبد الحميد على تفاصيل ما جرى مع الرئيس محمد مرهون عن تنظيم الضباط الأحرار ومبادئه وأهدافه وعلى انضمامي إلى التنظيم، ودعوته إلى الانضمام معي فوافق فقدمته إلى الأخ محمد المرهون، وهنكذا أصبحنا ثلاثة ضباط في الفوج منتمين إلى التنظيم.
 
قبل ذلك كنت  قد بدأت أمارس واجباتي بتدريب المراتب في الفصيل الذي كنت آمره، وكانت أهم واجبات الضباط هي الخفارة ليلاً ونهاراً. وكان الفوج يقوم بواجب الحراسة والحماية في قصرَي الزهور والرحاب الملكيين، وكانت في كلّ منهما قوة لا بد من ضابط خفر فيها يومياً ليلاً ونهاراً. وكانت الأصول المتبعة في حالة خروج الملك أو الوصي أو كليهما أن يخرج الضابط الخفر لأداء التحية لهما. في أحد أيام حزيران من عام 1951 كنت أنا الضابط الخفر في قصر الرحاب الذي يسكنه الملك فيصل وخاله الأمير عبد الإله والعائلة المالكة. في ذلك اليوم اتصل بي مأمور البدالة وأخبرني بأن الوصي سيخرج الآن، فخرجت من مقري وإذا بالأمير عبد الإله يقف بسيارته بالقرب ويطلب مني الصعود والجلوس إلى جانبه، صعدت السيارة فانطلقت ولا أدري إلى أين نحن ذاهبان، إلى أن وصلنا إلى معسكر الرشيد فالقاعدة الجوية فيه. وهناك ذهبنا رأساً إلى أوكار الطائرات، وكان في استقباله الضابط الخفر الملازم الأول الطيار كمال العزاوي. ثم بدأ الأمير بتفتيش الطائرات حتى وقف بجانب طائرة من نوع فيوري القاصفة، فسأل الضابط الخفر عن صلاحية هذه الطائرة؟ فأجابه الضابط الخفر إجابة غاية في الصدق والجرأة بأن فيها عيباً سياسياً. فاستغرب الأمير من أجابته وسأله عما يقصده؟ ولم يتوانَ الضابط الخفر عن أن يقول: سيدي، إنّ تشغيل هذه الطائرة يكون بطلقة تشغّل المحرك تشغيلاً ابتدائياً، ولما كانت هذه الطائرة إنكليزية الصنع، فمعنى ذلك أنه إذا امتنعت بريطانيا عن تجهيزنا بهذه الطلقات فيعني أن هذه الطائرة لا تفي بالغرض الذي من اجله يتسلح الجيش.
 
لم يعلق الأمير عبد الإله على ما قاله الملازم الأول الطيار كمال العزاوي واستقلينا السيارة وعرجنا عائدين إلى قصر الرحاب الملكي.


رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق 17124236_taree5-291



يتبع ......
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Unbena20رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Unbena11رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Unbena30
رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Unbena23




رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه الأسبق   رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Icon_minitimeالسبت سبتمبر 17 2016, 12:12

الحلقه الثانيه 


السياسة حالت من دون قبولي في كلية الأركان

طلبت دائرة الأركان العامة بواسطة مديرية التدريب العسكري ترشيح الضباط الراغبين في الانتماء إلى كلية الأركان التي تمنح شهادة الماجستير في العلوم العسكرية. ومعروف أن كلية الأركان محط آمال الضباط الجيدين لأن شهادتها تؤهل الضباط لإشغال مناصب قيادية مهمة في وحدات الجيش ومقراته. وحين وصل طلب دائرة الأركان العامة إلى الفوج للترشيح، أوائل عام 1952، رشح آمر الفوج العقيد الركن ناظم الطبقجلي كلاً من الضباط التالية أسماؤهم: 

1. هادي خماس   
2. صبحي عبد الحميد
3. عبد الغفور محمد أمين
4. سامي الشيخلي

وكان قبول الطالب في هذه الكلية يتطلب توفر شرطين، الأول رأي آمره بالقبول، والثاني نجاحه في الامتحان بالمعلومات العسكرية واللغة الانكليزية من جهة وتقديم أطروحة يختارها الممتحنون ليعرفوا أهلية الضابط في سعة معلوماته العسكرية واللغوية والسياسية من جهة ثانية. ولعل أهم ما كانت تراه لجنة القبول الممتحنة هو النجاح في كتابة الأطروحة وكان موضوعها هو:
"هل تعتقد أن مبدأ قابلية الحركة، وما له من أهمية في كفاءة الجيش سلماً وحرباً، متوفر في الجيش العراقي؟ وما هي مقترحاتك لتعزيز ذلك"
تناولُ هذا الموضوع خضع لعدة عوامل يجب مناقشتها، أهمها من نقاتل أو من هو العدو الذي نقاتله؟ وأي ساحة يجري فيها القتال. ومهما طالت مناقشة هذا واتسعت، فإن الجيش العراقي في حينه لم يكن ليقاتل إلا في فلسطين التي هي قضية العرب الأولى. ولمّا كان تسليح الجيش العراقي إنكليزياً، وفي حالة قيام حرب مع إسرائيل، والحرب تحتاج إلى تعويض في الأسلحة والأعتدة لإدامة الحرب وتأمين النصر، فقد كان لا بد للمسؤولين السياسيين وقادة الجيش أن يطلبوا ذلك من بريطانيا، ومعروف أنها هي التي خلقت إسرائيل وأمّنت لها كيانها. وعليه فقد كان من الطبيعي أن تمتنع بريطانيا عن تجهيز الجيش بما يحتاج، وفي هذه الحالة سيصبح عاجزاً عن القيام بمسؤولياته،لأنه سيفتقد بسبب ذلك أهم مبدأ من مبادئ الحرب، وهو فقدان قابلية الحركة. من هنا فقد اقترحت بأن ننوّع مصادر شراء السلاح فنتجه نحو الدولة الاشتراكية لتجهيزنا بما نحتاج وحينذاك فإن الجيش سيتحسن له مبدأ قابلية الحركة ويكون مستعداً للقتال.
   
ظهرت نتائج الامتحان وكنت فاشلاً فيه، وكانت النتيجة صدمة لي وموضع استغراب آمري العقيد الركن ناظم الطبقجلي، الذي لم يسكت على هذه النتيجة غير المتوقعة، فاتصل بآمر اللواء العقيد عبيد عبد الله المضايفي مستفسراً عن أسباب رسوبي وعدم قبولي في كلية الأركان أسوة بزملائي الذين نجحوا، فأجابه العقيد المضايفي بالحرف الواحد: "هل الملازم هادي خماس جاء ليمتحن أم لينتقد سياسة الدولة؟ وإن اقتراحه بإيجاد مصادر جديدة للتسلح والتيمم شطر الدول الاشتراكية كان السبب في حرمانه من القبول في كلية الأركان".
ولأن الطبقجلي كما هو معروف كان عنيفاً وجريئاً في معالجة مثل هذه المواقف، اقترح على آمر اللواء ترشيحي لمنصب نائب مساعد في الفوج، وهو المنصب الذي يمثل المرتبة الثالثة من حيث الأهمية. وما كان اللواء في حينه يجرؤ على أن يرد طلبا للطبقجلي، فأصدر أمراً بتعييني نائب مساعد للفوج في 27 شباط عام 1954، وكان هذا المنصب أقل ما يعوَّض به طالب عند عدم قبوله في كلية الأركان. لقد هيأ مركزي هذا التماس المباشر بمقر لواء الحرس الملكي ومرافقي الملك والوصي والعائلة المالكة، وكان هذا الاختلاط مشوباً بالحذر، فالمثل يقول "القرب من الملوك خطر". وهنا لا بد لنا من وقفة قصيرة ومختصرة عند النظام الملكي، مبتدئينها بالتساؤل:
هل كان ذلك النظام سيئاً؟ وهل رمى بكل ثقله على الاستعمار ليبقى؟ أم كان يسعى للحصول على ما يمكن الحصول عليه دون تفريط باستقلال العراق والتخلص نهائياً من سيطرة الإنكليز بخطى مدروسة ومتزنة بعيداً عن المناورات والقفزات الطائشة. وكان لا بد لمؤسس الحكومة الوطنية المغفور له الملك فيصل الأول أن يسعى إلى ذلك 


يقول شيخ المؤرخين العراقيين الأستاذ عبد الرزاق الحسني:
"كان الملك فيصل الأول من طراز خاص ولعله أقرب إلى الخلفاء في المصدر الأول منه إلى ملوك اليوم. كان جم التواضع رحب الأناة ظاهر الوداعة زاهداً في أبهة الملك عازفاً عن مظاهر السلطان، وقد اضطلع وحده بأعباء الحكم والزعامة فكفكف من شر الانتداب وخفف بحكمته من عسف الوزراء ولطف بحكمة من غضب الشعب وصرف شؤون الدولة على قدر ما يسلم به الرأي الرصين".
ويقول محمد مظفر الادهمي في كتابه الملك فيصل الأول:
"يعد الملك فيصل الأول من قبل العديد من الباحثين واحداً من زعماء عصره البارزين لما كان يتمتع به من إمكانات سياسية عالية وفطنة وذكاء وحكمة وخبرة أهّلته لتكوين الدولة العراقية بعد الحرب العالمية الأولى رغم المصاعب والمشاكل العديدة والمعقدة التي كانت تواجهه سواء على المستوى القطري أم القومي. لقد كان على الملك فيصل الأول أن يؤمّن الوحدة الوطنية للبلاد في وقت لم تكن حدودها قد استقرت بعد بل أن تركيا كانت ما تزال تطالب بولاية الموصل، وكانت إيران تقف موقفاً معادياً مع الإصرار على عدم الاعتراف بالدولة الجديدة، وكانت هناك مشاكل الحدود مع النجديين وابن سعود المنافسين لوالده حول السلطة، ولم يكن هناك جيش عراقي قوي أمام إصرار بريطانيا على عدم إصدار قانون التجنيد الإلزامي وتحديد موارد السلاح ونوعيتها بالذي يجعل هذا الجيش محدوداً في تأثيره وأداء واجباته المناطة به.
"أما ميزانية الدولة فكانت شبه خاوية ولا يوجد فيها سوى مبلغ متواضع من الروبيات الهندية، ولم تكن أنظمة الدولة وقوانينها واضحة بل متداخلة بين ما هو موروث عن الحكم العثماني وما فرضه البريطانيون. وفوق كل هذا يأتي الانتداب البريطاني على العراق وسلطته المتنفذة في أجهزة الدولة، فالملك يقابله المندوب السامي والوزير يقابله المستشار البريطاني في الوزارة والمتصرف من اللواء يقابله المفتش الإداري البريطاني، والموظفون العراقيون ضائعون وسط العديد من الموظفين البريطانيين والهنود الذين كانوا يخلطون بين أوضاع العراق وأوضاع بلادهم ويتصرفون تصرفاً متعجرفاً متعالياً."
ورغم هذه السياسة وسط ظروف العراق الصعبة والتي تعني التأسيس والبناء، حقق الملك فيصل الأول الكثير من المنجزات. فقد تمكن من جمع المجلس التأسيسي ووضْع دستور للبلاد وعقْد مجلس نيابي وإصدار قانون التجنيد الإجباري وتنويع مصادر السلاح وبناء ميزانية جديدة وإيجاد عملة عراقية وتحقيق وحدة البلاد الوطنية وحل مشكلات الموصل وبقية مشاكل الحدود وتحقيق دخول العراق عصبة الأمم. ولوطنية هذا الرجل الصادقة ومواقفه الرجولية الجريئة ضد الاستعمار البريطاني مات شهيداً في بون سويسرا سنة 1933 بتدبير قاتل لئيم.
                               
إن الملك غازي نموذج بوطنيته وشجاعته وإيمانه بوحدة الأمة العربية من محيطها إلى خليجها إيماناً لا يزعزعه أحد ولا يستطيع أن يحول دونه أحد. يقول السيد فؤاد عارف مرافق الملك غازي الأول:
"كان غازي الأول رحمه الله إنساناً بسيطاً في مأكله وملبسه، متواضعاً في تعامله، صادقاً مع نفسه وغيره، أقل الناس حقداً، صريحاً أكثر مما يجب، وجريئاً بما فيه الكفاية. كان شديد الحب للعراق والعراقيين، بعيداً عن كل أنواع التعصب العنصري والطائفي، لكنه كان يعوزه دهاء والده وحنكته. فهو لم يفهم الأعيب السياسة ولم يُجدْ فنونها، لم يعرف كرهه للإنكليز حدودا، إذ كان يرى فيهم ناكثين للعهود متجنين على جده الحسين، ومن هنا جاءت حساسيته المفرطة تجاه الساسة التقليديين الذين رافقوا والده باستثناء اثنين منهم هما محمد الصدر ورضا الشيبي رحمهما الله. حتماً ما كان بوسع غازي، مثل غيره، أن يمتلك نزاهة الدراويش والرهبان الورعين، فقد كان يجب الانطلاق ويعد نفسه "سجيناً محترما" على حد تعبيره، ولكن لا شك أن أعداءه بالغوا في تصوير جوانب معينة من حياته الخاصة فتجنوا عليه وحاولوا النيل من فضائله الأصيلة التي لمستُها فيه منذ أن كنا زملاء في الكلية العسكرية، وسأبقى احتفظ بحبي وتقديري لهذا الإنسان النبيل."
ويقول الدكتور لطفي جعفر فرج:
"كسب الملك غازي تأييداً واسع النطاق لأن مطامحه القومية والوطنية جاءت منسجمة مع تطلعات الرأي العام العراقي والعربي، ولكن ما من جانب آخر نال جفاء الإنكليز وبعض الساسة العراقيين ممن كانوا يؤمنون بشروط معاهدة 1930 وتضررت مصالحهم بسبب سياسة الملك غازي الذي أراد ممارسة سلطاته الدستورية بصورة واقعية."
لقد كان طبيعياً أن تصطدم مصالح الإنكليز بسياسة الملك الوطنية والقومية خصوصاً بعد أن أخذ يلعب دوراً تحريضياً ضدهم في كل من الكويت وفلسطين، وحين أصبحت أذاعته الخاصة إذاعة مقر الزهور وسيلة فعالة لإذكاء الشعور القومي ومقاومة النفوذ الأجنبي في الوطن العربي.
كاد الملك غازي سنة 1939 أن يكون زعيم الاستقطاب الوطني والقومي، لا في العراق فحسب، وإنما في كل من سوريا وفلسطين والكويت أيضاً. وظهرت بوادر ساعية لرص الصف العربي لتوحيد تلك الأقطار تحت زعامة العراق، كما ظهرت محاولات للاستفادة من الظرف الدولي، الذي اخذ يتأزم قبل نشوب الحرب العالمية الثانية، لخدمة الأغراض التي يهدف إليها الوطن العربي في التحرير والوحدة. وأشارت الدلائل إلى احتمال انحيازه إلى جانب دول المحور عند اندلاع الحرب.   
في تلك الظروف برزت فكرة التخلص من غازي نهائياً وبأي وسيلة، فكان مصرعه في ليلة ¾ نيسان 1939 في حادث السيارة الشهير.
هذا هو غازي.. لقد أدركت تشييعه وكان موكباً مهيباً وحاشداً شاركت فيه بغداد عن بكرة أبيها وإن كنت أنسى فلن أنسى أحد الشعراء الذي وقف على قبره الطاهر منشداً:
قل للوفود إذا ندبت تجبني   ذكر العروبة عنده إقداماً
قسماً بعروبته الأبية اننـــــي   أخشى عليه أن يثور عظاماً
لست مؤرخاً في كتاباتي هذه بل كان لزاماً علي أن أعرج على العهد الملكي في العراق وأنا أعيش بحكم منصبي بين العائلة المالكة لأسرد ما شاهدت أو سمعت منها أو فيها خلال عملي في فوج الحرس الملكي. ومعروف أن الحكومات في العهد الجمهوري قد فرضت تعتيماً إعلامياً على ما يكتب عن العهد الملكي في عهده الزاهر تحت ظل الملك فيصل الأول وابنه الملك غازي الأول، فظل الجيل المعاصر يجهل ماضي هذين الملكين الجليلين وظل جيلنا الذي عاش تلك الفترة الزمنية لا يعلم إلا القدر اليسير عنها. ومن هنا يجيء تسليطي الضوء على جوانب لا أظن أطّلع عليها إلا نفر قليل.
   

أنا والوصي على العراق

لقد صرع الملك غازي، إذن، فكان ابنه فيصل الثاني وريثه على العرش، ولما يزل طفلاً ورصيده في الحياة جده فيصل الأول الذي أدى دوره وطنياً وقومياً في تأسيس المملكة العراقية، وأبوه غازي الأول الذي سجل دوراً وطنياً وقومياً، كما قلنا، لا لوطنه العراق فحسب بل للعالم العربي كله حتى يوم مصرعه بما يعتقد أنها مؤامرة أجنبية، فصار خاله الأمير عبد الإله وصياً عليه وبالتالي أخذ هو الذي يدير شؤون البلد وسياسته، ولم يكن للملك الصغير عمراً أي تأثير يذكر في ما يفعله خاله الذي أصبح الحاكم المطلق يدير البلاد كما يحلو له، فاشتد نفوذه، وكبر اعتماده على الإنكليز بعد فشل الثورة الوطنية القومية في عام 1941 والتي عرفت بثورة مايس أو ثورة رشيد عالي الكيلاني. والواقع لقد أدى فشل تلك الثورة إلى عودة الاستعمار ثانيةً بكل ثقله وسعى جاهداً إلى الضغط على الوصي لتصديق الأحكام الصادرة بحق أبطال ثورة مايس 1941 وتنفيذ إعدامهم، وهم الشهداء صلاح الدين الصباغ ورفاقه الكرام.
لقد رافقتُ العائلة المالكة  خلال ثلاث سنوات إلى مصيف سرسنك في شمالي الوطن، وكان الوصي مجاملاً في تصرفاته، بسيطاً في تعامله مع الآخرين، حريصاً على كسب حبهم ومودتهم. وكان قليل الكلام في السياسة وشؤون البلد، وازدات معاقرته الخمر بعد وفاة شقيقته المرحومة الملكة عالية. أما أغرب ما لمسته فيه فهو أنه كان كثيراً ما يستمع إلى تلاوة القرآن للقراء المصريين، وكان في ذلك عاطفياً حد البكاء أحياناً.
في 30/6/1955 ثُبّتُ في منصب مساعد آمر الفوج الذي يأتي بالمرتبة الثانية من حيث الأهمية في الفوج، لكن هذا المنصب فرض عليّ حصاراً، حيث صدرت لي الأوامر من التنظيم السري بأن أحدد علاقاتي إلى أقصى حد وأن لا اتصل بأي ضابط أو اشترك بأي فعالية اجتماعية وذلك حرصاً على بقائي في منصبي هذا أطول مدة ممكنة خصوصاً وأن قيادة التنظيم ستسرع من التحرك لتغيير النظام في العراق.
في نهاية عام 1955 نُقل العقيد الركن ناظم الطبقجلي آمر الفوج وعُيّن محله المقدم الركن ياسين محمد حليم، وكان الفرق بين الآمرين كبيراً من حيث الشخصية والكفاءة والضبط، فأحدث هذا النقل ثغرة في بيئة الفوج بدأت صغيرة وأخذت بالاتساع، وبدأ الفساد يدب في هذه البنية. وكان من واجباتي كمساعد آمر الفوج أن أحيط الأمر علماً بكل ما يحدث فيه. لما كان الآمر أحد بُناة هذا الفساد فقد اضطُررت على أن اتخطى المراجع وأخبر اللواء بواسطة صديقي المرافق سعدي صالح، فبادر هذا بإخبار الوصي مباشرة( ). ولمعالجة الموضوع شُكل مجلس تحقيقي، سيقود إلى طلب الأمير عبد الإله الوصي على عرش العراق مقابلتي.
             

وجهاً لوجه مع الوصي

في يوم 18/6/1956 وفي الساعة الثامنة مساءً رن جرس الهاتف في بيتي، وإذا بالمتكلم الأمير عبد الإله. قال لي: "هادي لقد صرفت المُرافق والانضباطية، وسأرسل لك سيارة لتأتي مرتدياً ملابسك المدنية، فلا أريد أن يعرف أحد بهذه الزيارة".
حضر السائق ونقلني إلى قصر الرحاب الملكي الذي كان بسيطاً في بنائه بسيطاً في أناقته، لا تبريد فيه، بل ليس فيه ما يدل على أنه قصر ملك. استقبلني الرجل ورحب بي فبرّد ما بداخلي من خوف أو أي شك من عاقبة هذه الزيارة المفاجئة والغريبة التي ظننت أن لها علاقة بعلاقتي بتنظيم الضباط الأحرار.
وبعد الاستقبال والترحيب بادرني بسؤال مفاجئ: ما قصة الفساد الذي طلبت التحقيق فيه؟
قلت بكل جرأة وصراحة: "سيدي لو صعدت على سطح القصر، ألا ترانا في ساحة التدريب؟"، وقبل أن يجيب فجرت قنبلة ما كان ليتوقعها بقولي: "إذا كنا نحن تحت نظرك وهناك من يسرق، فكيف الحال في زاخو والفاو؟"
فظهرت عليه علامة الارتباك وقال: شوف أنا والعائلة المالكة مدينان للشعب العراقي حيث جئنا للعراق ونحن لا نملك من حطام الدنيا إلا سمعتنا ونسبنا ونضالنا، وقد أصبحنا والحمد لله أصحاب جاه وملك وسطوة، ولأعد قليلا إلى يوم وصولنا العراق، وراح يقص:
"أنا أبي ملك وعمي ملك وجدي ملك، سكنت مع أبي في بيت متواضع جداً في دار مقابل دار الإذاعة في الصالحية، ولتكن على علم كيف نشأت وكيف كانت تربيتي، أحكي لك أنني في عصر يوم ربيعي جميل كنت وأبي رحمه الله جالسين في شرفة الدار وإذا بشخص يمر من أمامنا رث الثياب أشعث الشعر حافي القدمين، فأشار اليه والدي مباغتاً إياي بسؤال استغربت منه: "هل تعرف هذا يا بني؟"، أجبته مستغرباً: "ومن أين لي أن أعرفه؟". فقال لي: "إذا لم تتربى التربية الصالحة وتنشأ على المبادئ التي سار عليها اباؤك وأجدادك في الإخلاص والتضحية، فسيكون مصيرك عندما يُسال عنك كهذا الذي سألتك عنه ولم تعرفه".
ثم واصل الوصي الحديث قائلاً:
"لنترك هذا.. في مطلع شبابي ليس من المعقول أن أبقى بدون عمل، فوجدت أنسب عمل لي هو السلك الدبلوماسي فقابلت السيد ياسين الهاشمي وعرضت عليه رغبتي، فرفض دون أن يبدي سبباً مقنعاً. ناقشته بالمنطق فأصرّ على رفضه. هل تدري ما كانت النتيجة؟ ستعجب عند سماعها. ما كان للهاشمي إلا أن رفع الدواة التي أمامه وقذفها على صدري وسال الحبر مدمراً ملابسي، وخرجت لا ألوي على شيء. نعم حدث هذا وأنا أمير وابن ملك".
لقد أخذ رشفة من كأسه وظهرت ملامح الدمع تترقرق في عينيه، ثم واصل حديثه قائلاً:
"يقولون ويشاع عني بأني أتدخل في شؤون الدولة والوزراء والحكام وأطلب تصريف الأمور على هواي، وهذا محض افتراء، فمثلي كمن يتمرى- يرى وجهه- في مرآة سوداء".
قلت: "لم افهم سيدي ماذا تعني بهذا؟"
   

حكايات عبد الاله الحزينة

قال: "سأروي لك حدثاً حدث لي يؤكد لك ما قلت ويدحض كل افتراء أشيع ضدي والذي أطلبه منك إلا تسألني عن شخوص الحدث. زارني يوماً وفد من لواء الديوانية شيوخاً ووجهاء شكوا لي متصرف اللواء ونعتوه سارقاً ومفسداً ومقامراً ومهملا، وطلبوا نقله، فوعدتهم خيراً. اتصلت برئيس الوزراء شارحاً له وجهة نظر الوفد الذي زارني وطلب نقل متصرف اللواء. أجابني رئيس الوزراء: سيدي أمهلني حتى أرى ما سيكون. وبعد يومين أخبرني رئيس الوزراء بأن موقف متصرف اللواء سليم وما نعتوه من أوصاف افتراء وكذب، وبقي وضع اللواء متردياً كما كان. عاد الوفد نفسه بعد مدة راجياً وملحّاً بنقله، فقلت لأتصل بوزير الداخلية مختصراً الطريق، فكان جوابه لا يختلف عن جواب رئيس الوزراء وبقي اللواء كما اشتكاه الوفد في زيارته الأولى. ثم عاد الوفد نفسه بعد مدة بطلب جديد أقرب إلى الاستخفاف، وعدّوا متصرف اللواء نزيهاً وجاداً وأنه أحدث في اللواء ثورة في البناء والتعمير، ثم أردفوا بتهكم: ألا يوجد في العراق يا سيدي لواء مهمل لتنقله أليه ليعيد بناءه كما بنى وعمر لواءنا؟ وانصرفوا". 


رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Alwasi.BN

وبدت الدموع واضحة في عينه بعد أن قال: "عجزت وأنا الرئيس الأعلى عن نقل متصرف، فكيف تصدق أن أتدخل في شؤون الدولة وأصرفها على هواي. والآن سأقول لك ما لم أقله لأحد". وأسرّ لي بخبر غاية في الخطورة أسرده هنا بأمانة كما سمعته منه بالضبط فقد قال:
"قادة العراق وزعماؤه، حسب التعامل معهم، كل يريد ما يعتقد أنه صحيح وكل فئة أياً كان اتجاهها تسفّه الفئة الأخرى. لقد ظهرت بوادر أن العراق مقبل على أحداث خطيرة حيث سيطر القادة العسكريون الأربعة صلاح الدين الصباغ ورفاقه وعلى رأسهم السيد رشيد عالي الكيلاني، وبيّت هؤلاء أمراً لإعلان الثورة ضد العرش وضد الانكليز، وكان هذا الأمر في رأيي ورأي عقلاء القوم انتحاراً، إذ أن ظروفه غير ملائمة لوقت يخوض فيه الإنكليز وحلفاؤهم حرباً ضروساً ضد المحور. حاولت جاداً وصابراً تسوية الأمر وإبعاد الوطن عن خطر يراد له، وجمعت الساسة المدنيين في هذه الصالة الذي نجلس فيها والعسكريين في صالة أخرى دون أن يعلم أحدهم بالآخر، وكنت انتقل بين الصالتين، وعبثا حاولت تقريب وجهات النظر أو إقناع الطرفين بأن القيام بثورة سيعيد العراق إلى هيمنة الإنكليز، وتكون هذه المرة هيمنة كاملة، وعليه ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تخفيف هيمنة الإنكليز على العراق قررت أمراً غاية في الخطورة، فأمرت العقيد عبيد عبد الله المضايفي بأن يأخذ غدارة ويقتل القادة الأربعة في داري هذه، إلا أن العقيد عبيد اعتذر عن تنفيذ الأمر".


رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Hadi.Kamas.W
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Unbena20رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Unbena11رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Unbena30
رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Unbena23




رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه الأسبق   رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Icon_minitimeالسبت سبتمبر 17 2016, 12:17

الحلقه الثالثه 

اعترافات خطرة

.. وأجهش الأمير بالبكاء. لقد ساد صمت بيننا حسبته دهراً، منتظراً ما سيكون بعد هذه المعلومات الخطيرة التي سردها لي، وإذا به يبادرني بسؤال لم يكن ليخطر في بالي، وأدركت أن في باله أمراً لا يقل أهمية وخطورة عما رواه لي قائلاً:   
"هل تتصور أن الجيش غير موال للعرش؟ وان هناك ضباطا ينوون تغيير الوضع؟.
وقبل أن تجيبني، لقد وردتني معلومات من مصادر شتى داخلية وخارجية حسبتها في حينها نوعاً من الدس الرخيص أو محاولة للإطاحة ببعض الضباط ، وكما يعلم الجميع إني أهتم اهتماماً بالغاً بمراقبة أوضاع الجيش خصوصاً بعد فشل حركة مايس سنة 1941، كما سعيت لإبعاد الجيش عن السياسة وضمان ولائه للعرش الهاشمي. ورغم ما وردني من أنباء لم أقم بأي أجراء أو تحقيق جاد عن ذلك، غير أني قررت إنشاء دائرة استخبارات برئاسة رئيس أول محمد شيخ لطيف الذي كان ينقل لي أخبار الضباط ونشاطهم". وبعد أن أسرف الأمير عبد الإله في تناول الخمر سألني: هل تعرف الأستاذ علي حيدر الركابي؟
أجبته :           
إني أعرفه وهو مقرب من المغفور له الملك فيصل الأول ومخلص للعائلة الهاشمية، وقد عملت معه فترة عندما كنت عضواً في لجنة يرأسها الرئيس محمد مرهون الصفار وكنا نقدم منهج القوات المسلحة الذي يذاع كل جمعة من إذاعة بغداد والمشرف على هذا المنهج الأستاذ علي الركابي يعاونه الأستاذ دزموند ستيوارت الذي كان معادياً للسياسة البريطانية والذي طُلب منه أن يغادر العراق فغادره.
ولما أكملت سرد معرفتي بالأستاذ علي الركابي قال لي: "هل تعلم ما روى لي الركابي والذي له علاقة ببعض ضباط الجيش أمثال محمد نجيب وعبد المطلب الأمين ونعمان ماهر الكنعاني، لقد روى لي بعد لقائه بالسيد نعمان بأنه انتقد سياسة نوري السعيد نقداً لاذعا ومؤكداً استعداد ضباط الجيش للقيام بعمل للقضاء على نوري السعيد وسياسته."
لقد كنت قلقاً وأنا استمع إلى هذه المعلومات الخطيرة، خائفاً مما سوف يحرجني بتماديه في ذكر مثل هذه المعلومات الخطيرة أمامي. وأنا أفكر في ذلك ترك الغرفة التي نحن فيها وجاء بعد فترة ليست بالقليلة حسبتها دهراً ليكمل حديثه بالقول: إن أهم ما وردني من معلومات، أن لدى جلالة الملك حسين معلومات خطيرة تهم العرش في العراق طالباً مني أن أرسل من اعتمد عليه ليبلغه بها.
               
لقد أرسلت له رئيس أركان الجيش العراقي الفريق الركن رفيق عارف، وعند مقابلته جلالة الملك حسين روى له كامل تفاصيل مؤامرة يراد منها تغيير الحكم في العراق ذاكراً من يرأسها من ضباط وطلب جلالة الملك إيصال هذه المعلومات مباشرة إليّ. وأؤكد رغم هذه المعلومات وغيرها لم اتخذ أي إجراء مؤمناً أيماناً ناصعاً إذا كان الجيش والشعب غير راغب فينا ولا يريدنا فنحن مستعدون لتسليم أمور البلد وحكمه إلى من يشاؤون".


رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Hadi.Kamas.M.M



حادثتان 

أدركنا الصباح أو كاد، وتركت الرجل وأنا في حيرة مما سمعت. أيكون صادقاً فيما قال وعاجزاً في آن ؟ أم هو أراد أن يبرئ ساحته مما يشاع ويقال عنه؟ وبما أني كنت بتماس مع العائلة المالكة، وخدمة للحقيقة والتاريخ، أروي الحادثتين اللتين كان طرفها الأمير عبد الإله بصفته وصياً على عرش العراق وأنا بصفتي مساعد آمر فوج الحرس الملكي الأول الذي مقره في قصر الزهور، وهما حادثتان تدلان على أن بعض المسؤولين لا ينفذون الكثير من أوامره.
الحادثة الأولى: كان الملازم الأول ماجد عبد الستار والنقيب يوسف شفيق النائب، اللذان كانا من منتسبي الفوج المسؤول عن حماية وحراسة القصور الملكية، رائدي الملك فيصل الثاني والمسؤولين عن مصاحبته والإشراف على تنقلاته وألعابه، وليس لهما أي واجب آخر. استحق ماجد عبد الستار الترفيع إلى رتبة رئيس وكان منصبه حينذاك آمر فصيل في السرية الثانية في الفوج، وكان من شروط ترفيع الضباط الأعوان أن يكون لهم ملاك يتحمل ترقيتهم ، فكلم الأمير عبد الإله رئيس أركان الجيش بشأن ترفيعه إلى رتبة رئيس. فصدر جدول الترفيعات ولم يكن ماجد عبد الستار ضمن المرفّعين.

الحادثة الثانية: كان الرئيس يوسف محمد سليم، معاون آمر السرية الثانية من الفوج، في مفرزة حماية العائلة المالكة في مصيفها شمال الوطن في سرسنك، فاستغل وجوده قرب العائلة واسترحم من الوصي أن يعينه معاوناً للملحق العسكري في لندن..
  
ومثل هذه التنقلات هي عادة من مسؤولية معاون رئيس أركان الجيش للحركات وكان يشغل هذا المنصب اللواء الركن غازي محمد فاضل الداغستاني الذي، عندما وصله الطلب، علّق بالآتي: "إنها سابقة خطيرة أن يعيَّن في مثل هذا المنصب ضابط غير ركن، وعليه يتعذّر تنفيذ الطلب".

قضية الفساد

ولأعود إلى المجلس التحقيقي الذي أمر بتشكيله الأمير عبد الإله بشأن تقريري الذي رفعته عن الفساد، وما كانت نتيجة التحقيق. فبعد أخذ إفادات الشهود وإفادتي أنا قرر المجلس ما يأتي:
1. إني أسأت إلى القصر والجيش بأن فضحت مساوئ وفسادا كان عليّ أن أعالج ذلك بشكل هادئ ودون أحداث مثل هذا الصخب.
2. نقل آمر اللواء عبيد المضايفي كآمر للواء الحرس الملكي وتعيين العقيد الركن محسن محمد علي بدلاً عنه. والموما اليه اشتهر بمعاداته للجمهورية العربية ورئيسها جمال عبد الناصر، وكان يلقي محاضرات دورية على وحدات الجيش في محاربة الوحدة والقومية، وكان رجعياً إقليمياً والدليل على ذلك التجاؤه إلى السعودية بعد ثورة 14 تموز 1958.
3. نقل آمر الفوج العميد الركن ياسين محمد حليم، وتعيين العقيد طه البامرني بدلاً عنه.
4. نقل المقدم حمدون سعيد من منصبه في مقر اللواء إلى وحدات أخرى.
5. تم نقلي من منصب مساعد آمر الفوج إلى آمر سرية الإسناد في الفوج نفسه، وتعيين الرئيس هاشم الحاج كمال بدلاً عني.
لقد كان قرار المجلس التحقيقي تأييداً لوجهة نظري في إثارة قضية الفساد وسوء التصرف في الفوج، ولكن كانت أمكانية استمراري بالفوج مع الآمر الجديد ضرباً من المستحيل. اتصل بي آمر اللواء الجديد تلفونياً وطلب مني الاجتماع به في داره لمعرفة تفاصيل ما حدث وأدى إلى هذه التنقلات، فأجبته: سيدي إني ضابط واعتز بضبطي العسكري، وأنا مستعد للاجتماع معك لشرح ما حدث إما في مقري أو في مقرك. أما أن اجتمع في دارك فلا. لقد أسلفت أنه أصبح من المتعذر الاستمرار بمنصبي كآمر سرية الإسناد في الفوج وطبيعة ما حدث تلح علي أن أطلب النقل ولكن الذي حدث إني رشحت للقبول في كلية الأركان الدورة 24 فامتحنت ونجحت فقبلت.
وفي 19/9/1957 نقلت من منصب آمرية الإسناد إلى تلميذ في كلية الأركان بعد سنين حافلة بالأحداث والمشاكل بعد أن قضيت فترة من شبابي تزيد على التسع سنوات بشهر واحد للعمل مع العائلة المالكة.. وقد كان من ضمن دورتي في الكلية الطالبان الأردنيان الرئيس الأول عمر المدني والرئيس الأول محمد الحاج.
لقد انصرفت في هذه الفترة كطالب في السنة الأولى بالدراسة لتوسيع معلوماتي العسكرية، وقد تجمد نشاطي السياسي في هذه الفترة ولكني كنت، مع ذلك، على اتصال دائم بالتنظيم.
 

14 تموز.. تقاطع الخطوط وتقاطع الإرادات

لقد نجحت في دراستي من الصف الأول إلى الصف الثاني. قررت دائرة الأركان العامة سفر دورتنا بهيأتيها التدريسية والتدريبية إلى المملكة الأردنية لدراسة خطوط الهدنة بين الأردن وفلسطين المحتلة. لقد تركنا بغداد في صبيحة الخميس10/7/1958 ووصلنا الأردن في اليوم نفسه وكان لنا فيها قطعات من الجيش العراقي المتمثلة باللواء المدرع السادس الذي كان يعسكر في معسكر الزرقاء ، وكان في اللواء ضباط ينتمون إلى تنظيم الضباط الأحرار وهم الرئيس الأول الركن خالد مكي الهاشمي والمقدم الركن عبد الكريم فرحان، وكان اللواء لا يعلم بموعد تنفيذ الثورة كما لا يعلم بها أحد من الهيئة التدريسية إلا أن الرئيس محمد شلاش كان قد بلغ بموعد الثورة التي ستنفذ خلال مرور اللواء العشرين من بغداد في 14 تموز 1958.
لقد عسكرنا في معسكر خو في الزرقاء وكان آمر المعسكر يوسف رتيمه والملازم (كرسي) ضابط الارتباط بين تلاميذ الدورة وآمر المعسكر. ولما كنت أقدم ضابط في الدورة كانت الأوامر من الهيئة تبلغ لي وأقوم بدوري بتبليغها إلى تلاميذ الدورة وفي معسكر الزرقاء. وقبيل اندلاع الثورة وفي مساء 12 تموز طلبني آمر معسكر الزرقاء رئيس أول يوسف رتيمه واخبرني أن الرائد مازن العجلوني وهو ضابط أردني درس معي في الكلية العسكرية في بغداد يريد مقابلتي. وصلت إلى المعسكر فكنت وجها لوجه مع مازن ورحب بي واستصحبني بسيارته إذ كان حينذاك يشغل منصب مرافق الملك حسين.. وتجول بي في عمان ماراً بنقاط حراسة القصر التي كانت تستوقفه للتأكد من هويته ، وقد حاول عبثاً استدراجي للأوضاع عن وجود تنظيم للضباط يخطط بالإطاحة بالنظام الملكي ولم يفلح.
ويبدو من ذلك أن المخابرات الأردنية كانت لديها معلومات أكيدة عن تنظيم الضباط الأحرار في العراق وأرادت أن تتأكد من ذلك فاستغلت مازن العجلوني كتلميذ زاملني في الدراسة في الكلية العسكرية وكصديق لي عله يفلح في استدراجي.
ولم تيأس المخابرات الأردنية، ففي منتصف ليلة 13/14 تموز زارني العقيد الركن زهير عمر مطر المعاني وهو زميلي في الكلية العسكرية ومن دورتي فيها وقد حاول عبثا استدراجي وفشل في مهمته كما فشل من قبله مازن العجلوني.
       
وفي صباح 14 تموز تحركت دورتنا من معسكرها باتجاه معسكرها الجديد في البحر الميت وقبيل الانطلاق بالمسير جاءنا الطالب الأردني محمد الحاج مهرولاً ومبشراً عن حدوث انقلاب في بغداد وأن إذاعة بغداد تذيع بيانات قيادة الثورة وقد أعلن النظام الجمهوري. وبعد زيارة قصيرة إلى البحر الميت بلغت أن تتهيأ الدورة للحركة إلى نابلس وهناك بدأنا نسمع بيانات الثورة وعلمنا أن منفذي الثورة كل من عبد السلام محمد عارف وعبد الكريم قاسم.


رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Aljamhuria.AH
           

وفي منتصف ليلة 14/15 أرسل علي آمر معسكر نابلس وبلغني بالتهيؤ غداً صباحاً للحركة إلى عمان لمقابلة الملك حسين في القصر الملكي، على اثر هذا الخبر اجتمعت الهيئة المعلمة عدا آمر كلية الأركان مع الطلبة حيث تم درس الموقف واحتمالاته وقررنا تأييد الثورة ورفض أي طلب للعمل ضدها.
وصلت الدورة بهيأتها التدريسية والتدريبية والطلبة إلى القصر الملكي في عمان ولم نعرف سبب استدعائنا ورغم انتظارنا الطويل لم تتم المقابلة لا للملك ولا أحد حاشيته ولكن الذي سمعناه في القصر أن رتلاً من اللواء الأول والذي يقوده شقيق رئيس أركان الجيش يتجه نحو بغداد لإحباط الثورة. وفي نفس اليوم نقلنا جميعاً إلى مقر القيادة العامة الأردنية حيث أخبرنا العقيد عبد الله المجالي أن القيادة العامة قررت قطع جولتنا ونقلنا إلى معسكر خو في الزرقاء حيث صدر أمر بمنعنا من مغادرة المعسكر، وقد كان محل اقامتنا في هذا المعسكر غير مريح وغير لائق فاعترضنا وتم نقلنا إلى دار الاستراحة في عمان وهي الدار التي كانت مقراً لكلوب باشا الانكليزي الجنسية والقائد العام للقوات الأردنية. وفي محل اقامتنا زارنا المقدم صالح عبد المجيد السامرائي لابسا رباطاً اسود وقدم لنا مغريات كثيرة طالبا منا اللجوء السياسي وعدم العودة إلى بغداد.
وفي الزرقاء بدأنا بمفاوضة السلطات الأردنية في موضوع عودتنا إلى العراق وأخبرونا إن أمر عودتنا مرهون بعودة الأردنيين المحتجزين في العراق ولما كانت العلاقات قد قطعت بين البلدين اقترحنا عليه إرسال أحدنا إلى العراق لأخبار حكومة الثورة بالموقف والسماح للأردنيين المحجوزين العودة إلى بلدهم وبعد مفاوضات وتشدد أبدى العقيد صالح الشرع الذي كان يمهد الموضوع لوجود أخيه اللواء صادق الشرع بين المحجوزين في العراق أبدى رأيه بموافقة السلطات الأردنية بالسماح للعقيد الركن إبراهيم فيصل والرائد الركن حقي أحمد الجودي بالسفر إلى بغداد وبعد مغادرتهما بخمسة أيام وصل الأردنيون بصحبة العقيد الركن إبراهيم فيصل وتخلف كل من السفير الأردني في بغداد وخلوصي خيري أحد وزراء الاتحاد الهاشمي لأسباب اضطرارية وبوصولهم تأكدت إشاعة مقتل أربعة أردنيين في التظاهرات التي حدثت في يوم الثورة في بغداد فأسفنا لهذا الحدث الغوغائي. ورغم وصول الأردنيين لم تسمح الحكومة الأردنية لنا بالعودة إلى العراق وأصرت على أن تستجيب حكومة الثورة إلى ما يأتي:
1. عودة باقي الأردنيين وهم ثلاثة.
2. عودة الطائرة الأردنية الموجودة في بغداد.
3. عودة 40 سيارة نفطية أردنية.
وبعد أسبوع وافقت السلطات الأردنية على عودتنا إلى العراق على أن يبقى ستة ضباط محجوزين في الأردن إلى أن تستجيب السلطات العراقية إلى مطالبها وهكذا وصلنا بغداد مساء يوم 18 تموز 1958 .

العودة إلى الدراسة و(كاسترو العراق)

لقد عادت الدورة من الأردن وابتدأت الدراسة للسنة الثانية في كلية الأركان في 18 أيلول 1958 وتخرجت في الكلية في أيلول 1959 بتفوق وكنت الأول على دورتي وحصلت على درجة الماجستير في العلوم العسكرية. وبعد تخرجي في الكلية عينت بمنصب ضابط ركن الحركات الثالث في مقر اللواء العشرين الذي يسكن في القصر الجمهوري والذي كان آمره العقيد الركن الشيوعي هاشم عبد الجبار، الذي كان يُلقّب بـ(كاسترو العراق)، وكان لهذا التعيين وقته ولآمري الجديد قصة. طلب آمري الجديد مقابلتي وما ان دخلت إلى مقره حتى لمحت ورقة مدونا عليها اسمي بالقلم الأحمر سلمت عليه ولم يرحب بي بل كان عابس الوجه متجهم السمات قال لي هل تعلم أن عبد الكريم فرضك علي ولم أكن راضياً أو راغباً على هذا التعيين ويبدو أن عبد الكريم قاسم بدأ سياسة الموازنة: يعين أمام كل آمر شخصا آخر يخالفه في العقيدة والمبدأ وهل يظن عبد الكريم أن هذه الموازنة تفيده؟ ومنذ متى عبد الكريم قاسم يخشى هاشم عبد الجبار حتى يعين من يكون رقيباً عليه.
دهشت من هذه اللقيا الخالية من المجاملة والبعيدة عن الذوق وما كان علي أن أرد الصاع بصاع مثله وليكن ما يكون فقلت له: "سيدي لقد أفرغت ما في جعبتك وأرجو أن تسمع ما بجعبتي ولو ترك لي الخيار في هذا التعيين ما قبلت به مطلقاً ووصلت أن اعمل في أي وحدة ومع أي آمر إلاك".

والعقيد الركن هاشم عبد الجبار، آمري الجديد، من مواليد بغداد أصيب بطفولته بمرض الجدري وترك هذا المرض حفرا وندبات كثيرة شوهت وجهه حيث غرست هذه الحفر وتلك الندبات عقداً نفسية حادة في شخصيته، ولم يتزوج وكان يشعر دائماً أنه غير مرغوب فيه. هذه العقد جعلته معاقراً للخمرة لحد الإدمان ميالاً إلى الترف واللامبالاة محباً للجنس فاستغل الشيوعيون هذه العقد واستمالوه إلى جانبهم بتأمين ما يؤمن له الترف إلى ابعد الحدود حتى اللا أخلاقية ، وبعد أن سيطروا عليه وأصبح ألعوبة بأيديهم استغلوه أبشع استغلال ووضعوه على رأس هيئة التحقيق المؤلفة منه رئيساً وعضوية كل من سعيد كاظم مطر وجلال للسلطة والحاكم داود خماس. وقد مارس أبشع أنواع التعذيب للضباط القوميين المعتقلين في معتقل الدبابات ومعتقل أبو غريب فاستعمل مع المعتقلين جميعاً سياسة غسل المخ من تجويع وتعذيب وعزل عن المحيط الخارجي وأهلهم بالذات.

ولكي أدلل على شعوبية الموما اليه وقسوته كنا جلوسا في حديقة نادي الضباط في جلولاء بعد نقل اللواء إليها وكان الموما إليه ثملاً مخموراً وكنا نستمع إلى إفادة المقدم رفعت الحاج سري وهو يدلي بشهادة أمام محكمة المهداوي انطلق العقيد هاشم عبد الجبار (الآن أصبحت منبوذاً ثق إن الصنعة التي كنت اصنعها للخونة المتآمرين كان صداها في أذن عبد الكريم قاسم وكنت عندما أعود من أحدى حفلات التعذيب في التحقيق أجد في انتظاري عبد الكريم قاسم وفاضل المهداوي ووصفي طاهر وطه الشيخ احمد وماجد أمين وبعد الترحيب يطلبون مني أن اصف لهم أساليب التعذيب التي مارستها، واني غير نادم على ما فعلت بل أني نادم على عدم استعمال الكي بالنار وإدخال القوازيق في مؤخرات الخونة المتآمرين". فانتقدته انتقاداً مراً لاذعا أدت إلى حدوث مشاجرة معه كادت أن تصل إلى الضرب وهو أضعف ما يكون أمامي.

إلى لواء المشاة العشرين

لقد كان في أمرة العقيد الركن هاشم عبد الجبار الآتي:
1. اللواء العشرون والذي كانت وحداته معسكرة في الفوج الأول والفوج الثالث في معسكر جلولاء.
2. الفوج الثاني الذي آمره العقيد الركن سعدون حسين ومقره في دار الإذاعة في بغداد وهو مسؤول عن حمايتها وحماية المرسلات في أبو غريب والمطار الدولي وعن امن قاطع الكرخ كاملاً.
3. مقر اللواء في القصر الجمهوري في الصالحية.
بعد أفول نجم هاشم عبد الجبار واستنفاد ما أناط به الحزب الشيوعي نقل هذا المقر بآمره وضباطه إلى جلولاء. وللحقيقة أقول أنه رغم كل مساوئ هذا الرجل كان يثق بي ثقة كاملة وقد وضع على عاتقي مسؤولية اللواء دون الاعتبار لمن هم أقدم مني رتبة وأنصرف هو إلى معاقرة الخمر والتجوال وممارسة هواية الصيد. في 24/4/1960 عينت بمنصب مقدم لواء العشرين وهو أهم منصب في اللواء وبهذا التعيين ازدادت مسؤوليتي في إدارة اللواء، ورغم كل النصائح التي كنت أبديها له بقي على تصرفه كارهاً لعبد الكريم قاسم ناقداً له حتى في مجالسه الخاصة لا يمتثل لأمر صادر له ولا يعرف ما يجري في اللواء. وفي 9/7/1960 عينت معاوناً لآمر الفوج الثاني في بغداد وكان هذا التعيين متنفساً لي ورفع عن كاهلي عبءاً ثقيلاً فالتحقت إلى منصبي الجديد بأمرة العقيد الركن سعدون حسن الذي كان قومي الاتجاه وحدوي العقيدة. في 22/7/1961 نقل آمر الفوج فعينت آمراً للفوج وكالة. في 15/2/1962 تثبت تعيني كآمر للفوج نفسه وهنا ولخطورة هذا المنصب أصبحت امثل أهم قوة في بغداد وذلك لسيادة قوتي الكاملة على قاطع الكرخ ودار الإذاعة والمراسلات في بغداد ومطار المثني الدولي ومما ساعدني في تولي هذا المنصب الخطير صديقي الأخ المقدم الركن جاسم العزاوي سكرتير الزعيم عبد الكريم قاسم والمشرف العام على دار الإذاعة والتلفزيون.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Unbena20رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Unbena11رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Unbena30
رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Unbena23




رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه الأسبق   رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Icon_minitimeالسبت سبتمبر 17 2016, 12:25

الحلقه الرابعه 

لقد استغليت فرصة وجودي في هذا المنصب بدار الإذاعة والتلفزيون لاستمالة كافة العاملين في هذه المؤسسة وكسب مودتهم والقرب منهم لليوم الموعود وهو الإطاحة بعبد الكريم قاسم وكان للمذيع المعروف قاسم نعمان السعدي دور كبير في اطلاعي على شؤون الإذاعة وعلى يده تدربت على تشغيلها والبث دون حاجة إلى فنيين.
لقد حدث ما ليس بالحسبان إذ قام الانفصاليون في الإقليم الشمالي من الجمهورية العربية المتحدة بانقلابهم في 28 أيلول 1961 وذلك لتفتيت الوحدة مع الإقليم الجنوبي وكان من الفئات التي ساهمت في هذا الانفصال حزب البعث العربي الاشتراكي.
لقد هلل الشيوعيون وفرح عبد الكريم قاسم لهذا الحدث الخياني فشكل وفداً يرأسه العميد الركن عبد الكريم محمد آمر لواء التاسع عشر لواء عبد الكريم قاسم لزيارة سوريا وكنت أحد أعضاء هذا الوفد لقد كانت لي في سوريا خلال هذه الزيارة مواقف متطرفة جداً منتقداً قادة الانفصال ومندداً بالعملية نفسها واعتبرتها خيانة لكل المبادئ والقيم فوصلت انتقاداتي إلى القيادة العامة للانفصاليين وفي زيارتنا إلى حلب وقبل إكمال هذه الزيارة طلب الوفد للحضور إلى دمشق بدعوة من رئيس الأركان عبد الكريم زهر الدين، ولما حضرنا دمشق اجتمع الموما إليه بنا في مقر قيادته ومما قاله لنا في هذا الاجتماع:
"لقد وصلني أن بعض أعضاء الوفد انتقدوا قادة الانفصال ونعتوهم بأقسى النعوت دون أن يعرفوا سبب إقدامنا على ذلك فاسمحوا لي أن أشرح لكم دوافع ذلك كما يأتي:
1. الفرد السوري منذ ولادته وحتى مماته يعيش بعقلية تاجر وهو دائماً وأبداً يتجه نحو التجارة وقد حرمته الوحدة من أن يمارس ما تعود عليه وضاقت به سبل العيش وأصبح الشعب السوري كله يعيش فقيراً محروماً وقد طوقت قيادة الوحدة الإقليم السوري بعداوات لا ناقة لنا فيها ولا جمل. علاقات متوترة مع تركيا.. علاقات متوترة مع الأردن.. علاقات متوترة مع العراق.. علاقات متوترة مع لبنان. وفي هكذا حالة سدت أسواق هذه الدول أمام منتجاتنا وصناعاتنا.
2. سيطرة قيادة الوحدة وعلى رأسها عبد الحكيم عامر على شؤون سوريا وتعريف الأمور بما تؤمن المصالح المصرية على حساب المصالح السورية.
3. استغلال الضباط المصريين في سوريا مناصبهم للإثراء السريع على حساب المصلحة العامة للشعب السوري.
4. نقل الضباط السوريين الوطنيين والمخلصين دون سبب مقنع إلى الإقليم الجنوبي.
5. والأهم من كل ذلك أخذت قيادة الوحدة تفرض منتجاتها العسكرية على الجيش السوري رغم أن مصانعنا تنتج نفس المنتجات وبجودة أفضل."
لقد تركتُ الاجتماع وأنا أفكر كيف وصل هذا الرجل بمنطقه المهزوز إلى الدرك الأسفل من الخيانة في تبريره بشرعية الانفصال لوحدة كانت نواة لوحدة اكبر واعم. وفور عودة الوفد إلى بغداد ومن المطار توجهت إلى مقر عملي في دار الإذاعة وإذا بي أجد برقية على مكتبي تنص على ما يأتي:
"ينقل الفوج الثاني من لواء العشرين من معسكر في بغداد إلى السليمانية ويكون بإمرة فق2 لأغراض الحركات"
وفي نهاية عام 1962 تحرك الفوج وعسكر في جلولاء لإعادة التنظيم وإكمال نواقصه وبعد اكمال نواقصه وإعادة تنظيمه تحرك الفوج إلى السليمانية وشارك في معارك الشمال وعلى الأخص في معركة آغجلر.
وفي 1/1/1963 نقلت إلى منصب مدير الشعبة الثانية في مديرية الحركات العسكرية والتي كانت مسؤولة عن تسليح الجيش العراقي بالأسلحة والاعتدة والآليات.
 
ثورة 14 تموز 1958 ما لها وما عليها

أولاً، ما لها:
كانت ثورة 14 تموز 1958 ضرورة ملحة ومطلباً شعبياً ملحاً أملته الظروف التي عاشها الشعب العراقي بعد فشل حركة مايس سنة 1941 التي أعادت الهيمنة البريطانية على العراق بأبشع ما كانت عليه قبل الحركة إذ خضع حكام العراق للانكليز خضوعاً مطلقاً وأصبحت السفارة البريطانية في بغداد هي الموجه الحقيقي للحكم ومن هذا التوجه الذي أغاض الجيش وقرر القيام بثورته.
لقد كانت الثورة تعبيراً ثورياً ناضجاً عن آمال الشعب الذي كابد الأمرين من حكامه فهي ثورة سياسية واجتماعية استهدفت نقل الشعب العراقي من عهد تميز بالتخلف المستشري إلى عهد لا مكان فيه للاستعباد والقهر والإقطاع والتخلف والجهل عهد يساهم فيه الشعب العراقي بناء وطنه مستقلاً كريماً موحداً.
لقد أذهلت هذه الثورة رموز الاستعمار وأعوانه وأفسدت عليهم أحلامهم في استمرار سرقة نفطه وسلب خيراته لتسهل عليهم قيادته وترد فيه وقد خاب عملهم هذا واستطاعت الثورة من انجازات عظيمة أذهلت العالم العربي والأجنبي وتنحصر هذه الانجازات في:
1. الاستقلال السياسي ممثلاً بالخروج من حلف بغداد.
2. الاستقلال الاقتصادي ممثلاً بالخروج من النظام الإسترليني.
3. إعلان النظام الجمهوري والتخلص من أعوان الاستعمار وخدمه.
4. القضاء على الإقطاع ونفوذ رؤساء العشائر.
5. رفع مستوى الفلاح الأجير وتمليكه الأرض التي يزرعها ليعود اليه وحده ناتجها وبذلك حققت له الثورة كرامته ورزقه.
6. سرعت قانون رقم 80 إذا عادت بموجبه 90% من الأراضي العراقية الغنية بالنفط التي كانت قد منحت إلى الشركات الأجنبية بموجب الاتفاقيات مع رجال العهد البائد.
7. أطلقت الحريات إلى العمال لتشكيل نقاباتهم وحفظت كرامتهم وحقوقهم.
8. أمنت للجيش العراقي السلاح من الكتلة الاشتراكية.
9. شجعت الصناعة وأسست عدة معامل إنتاجية.
 
ثانياً، ما عليها:

لقد أخطأت الثورة وانحرفت عن مبادئها من أول يوم من قيامها لقد كان واضحاً الاختلاف البين بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف في انتمائهم السياسي والعقائدي اذ ان عبد السلام عارف له علاقات بحزب البعث العربي الاشتراكي بواسطة فؤاد الركابي وعبد الكريم قاسم له علاقات بالحزب الوطني الديمقراطي والشيوعي عن طريق رشيد مطلك وحسين جميل ، والفرق بين الحزبين واضح . البعث قومي الاتجاه وحدوي العقيدة والحزب الشيوعي والوطني الديمقراطي أحدهما أممي والآخر اشتراكي وهذا الانتماء وسع فجوة الخلاف بينهما، هذا الخلاف الذي حاد الثورة عن أهدافها ومبادئها من مهد لهذا الخلاف. لقد أحاط الشيوعيون عبد الكريم قاسم وأججوا حقده على عبد السلام محمد عارف فقام قاسم بإعفاء عارف من كل سلطاته كما حدث ذلك في عزله في 10 أيلول 1958 وتعيينه سفيراً في 30 أيلول من العام نفسه.
كان من مبادئ الثورة قبل قيامها والتي آمن بها الشعب العراقي السعي للقيام بالوحدة بين العراق والجمهورية العربية المتحدة وكان هذا مطلب رئيس لتوحيد الجيشين ليصبحا قوة دفاعية ضد المؤامرة التي تدبر للأمة العربية ولفلسطين بالذات. ولأجل أن تكون القيادة جماعية قررت اللجنة العليا للضباط تشكيل مجلس قيادة الثورة لإدارة شؤون البلاد بعد الثورة ويكون هذا المجلس ضماناً لمنع حدوث حكم فردي ديكتاتوري إلى أن هذا لم يحدث لسببين:
الأول: أن ثنائي قاسم وعارف خانا- قبل الثورة- اللجنة العليا للضباط الأحرار وأخفيا عنها يوم الحركة وساعة الصفر وقاما في 14 تموز 1958 بتنفيذ الثورة دون علم اللجنة.
الثاني: امتنع عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف عن تشكيل المجلس الوطني لقيادة الثورة وكان ما كان بينهما من خلاف واستقر الحكم على نظام ديكتاتوري إقليمي تسلطي يقوده عبد الكريم قاسم.
 
وبعد إعفاء عبد السلام من مناصبه وعدم تشكيل المجلس الوطني لقيادة الثورة أحاط الشيوعيون بقاسم محاربين القوميين وما يؤمنون به وقد أدى ذلك إلى صراع حاد بين صفوف الجيش وضباطه خاصة مما أحدث انقساماً خطيراً ومتنافراً بين الضباط هذا ينادي بالوحدة والحرية وذاك يحارب الوحدة ويسلب حرية المواطنين مما أحدث صراعات دموية قام بها الشيوعيون في كل من كركوك والموصل وذلك بتشجيع من عبد الكريم قاسم وزمرته المحيطة به.
لقد شكلت محكمة المهداوي ولجان التعذيب وامتلأت السجون بالقوميين والضباط وتزايدت أحكام الإعدام التي أصدرتها محكمة المهداوي وللتدليل على حجم وعدد الإعدامات اذكر بعد فشل حركة العقيد الشواف تم قتل وإعدام الشهداء المدونة أسماؤهم أدناه من قبل أعضاء الحزب الشيوعي في الموصل:
         
1. العقيد الركن عبد الوهاب الشواف.
2. المقدم صديق زين العابدين.
3. المقدم عبد الله الشاوي.
4. المقدم سعد الله الراوي.
5. الرائد أحمد منخي.
6. الرائد يونس خليل.
7. الرائد محمد طاهر.
8. النقيب محمد سعيد شهاب.
9. النقيب عبد الجواد حميد.
10. النقيب إسماعيل القصاب.
11. الملازم غانم إسماعيل.
12. الملازم الطيار صائب الصافي.
13. المقدم جلال الخشالي.
14. النقيب حسين علوان.
15. الملازم الأول خيري الخيرو.
16. الملازم حازم حمطاني.
17. الملازم حسام شاكر.
18. الملازم عبد الغني الحلبي.
19. الملازم محمد جميل.
 
أما الشهداء الذين حكمت عليهم المحكمة العسكرية الخاصة بالإعدام وتم تنفيذ الحكم فيهم في ميدان الرمي في أم الطبول في بغداد فهم:

1. عقيد الجو عبد الله ناجي.
2. النقيب الطيار قاسم العزاوي.
3. الملازم الطيار احمد مهدي عاشور.
4. الملازم الطيار ناصر.
لقد نفذ فيهم حكم الإعدام في شهر رمضان وهم صيام في يوم 5 نيسان 1959 في ميدان أم الطبول في بغداد.
5. الرئيس الركن نافع داود.
6. الرئيس محمد أمين عبد القادر.
7. الملازم الأول سالم حسين.
8. الملازم محسن إسماعيل عموري.
9. الملازم مظفر صالح.
10. السيد فاضل الشكره.
ونفذ فيهم الإعدام في 25 آب 1959 في ميدان أم الطبول في بغداد.
   
11. العميد الركن ناظم الطبقجلي.
12. العقيد رفعت الحاج سري.
13. العقيد خليل سلمان.
14. المقدم الركن عزيز احمد شهاب.
15. المقدم الركن على توفيق.
16. المقدم إسماعيل هرمز.
17. الرائد توفيق يحيى أغا.
18. الرائد مجيد الجلبي.
19. النقيب الركن داود سيد خليل.
20. النقيب يحي حسين.
21. النقيب هاشم الدبوني.
22. النقيب زكريا طه.
23. الملازم خطاب.
وقد نفذ فيهم حكم الإعدام في 20 أيلول 1959. هذا بالإضافة إلى أحكام السجن لسنين محددة صدرت بالعشرات من أبناء الشعب العراقي.

جريمة بشعة تُرتكب باسم الثورة

لقد ذكرت الصفحات الأولى من مذكراتي أن منظمة الضباط الأحرار لم تقرر مطلقاً قتل صاحب الجلالة الملك فيصل الثاني ولم تبد رأيها في تغيير نظام الحكم على هذا المبدأ، وعندما فاتحنى الرئيس محمد المرهون بالحركة اشترطت عليه أني سأنضم بناءً على ما يقول بشرط ألا يمس الملك بسوء ويبقى ملكاً على العراق ولقد شاءت الأقدار أن أكون في المملكة الأردنية الهاشمية عند قيام ثورة 14 تموز 1958.
  
بعد محاصرة القصر من قبل سرية الرائد منذر سليم وانضمام عبد الستار العبوسي إلى المحاصرين 


رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Ab.ST.EB.1



وقرار آمر فوج الحرس الملكي طه البامرني الانضمام إلى الثائرين أصبح الأمير عبد الإله والعائلة المالكة في خطر بعد أن فشلت المفاوضة بين قوات الثورة والأمير عبد الإله. لقد قرر الأمير الاستسلام وخرج مع الملك فيصل الثاني ووالدته الملكة نفيسة وشقيقته الأميرة عابدية وزوجته الأميرة هيام وهم يحملون المصحف الشريف والراية البيضاء. وفي الساعة السابعة والدقيقة العشرين تماماً وبخروج العائلة من القصر، تم أطلاق رشات من الأسلحة الأوتوماتيكية على الأمير وعائلتهم وأردوهم قتلى مضرجين بدمائهم. كما قتل نوري السعيد بعد أن ظل مختفياً أياماً قليلة بعد الثورة. ويذكر رجب عبد المجيد أن عبد السلام عارف كان يدعو إلى قتل الملك وعبد الإله ونوري السعيد ومما قاله في هذا الصدد المثل البغدادي "اقطع رأس وموت خبر"
وبعد هذه المجزرة الإجرامية نقل الأمير عبد الإله في سيارة اعترضتها الجماهير وسحبته منها ومثلت بها ثم سحلتها في شوارع بغداد وفي النهاية توارث الجثة في خضم التقطيع والتمثيل حتى لم يبق منها قطعة معروفة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Unbena20رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Unbena11رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Unbena30
رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Unbena23




رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه الأسبق   رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Icon_minitimeالسبت سبتمبر 17 2016, 12:29

الحلقه الخامسه 

ميتة جماعية أرادها الأمير

في أحدى سفراتي مع العائلة في شهر رمضان إلى سرسنك في شمال العراق وكان الكل صائما، وبعد الإفطار يجتمع الأمير عبد الإله ومن معه للسمر وتناول الأحاديث ولعب المحيبس. فكان المجتمعون.
1. الأمير عبد الإله.
2. تحسين قدري رئيس الديوان.
3. جسام الشاهري طيار العائلة.
4. محمد المرهون آمر قوة الحماية.
5. هادي خماس آمر فصيل الحماية
6. فاضل مهدي البياتي.
ولقد تطرق الحديث فيما تطرق المتحدثون موضوعاً أثاره المقدم جسام الشاهري طيار العائلة عن حوادث الطيران وأثناء الحديث اقترح الشاهري على الأمير عبد الإله إلا تكون العائلة عند تنقلها في الطائرات مجتمعة لتجنب ما يحدث عند سقوط الطائرة التي يستقلونها.. ولا أدري ما دعاه طيار العائلة المالكة إلى التحدث في مثل هذه الأمور. فأجابه الأمير عبد الإله إني مقرر أن تجتمع العائلة ككل إذا تم لها التنقل في الطائرات لتموت سوية..
 
سبحان الله لقد تمنى فشاء الله تنفيذ ما تمناه! فقتلت العائلة في 14 تموز 1958 مجتمعة فكانوا شهداء اختارهم الله إلى جواره فرحمهم الله حين استشهدوا في ذلك اليوم الحزين. وهو صفحة سوداء في ثورة 14 تموز 1958 كانت تستوجب محاكمة الفاعلين بتنفيذها بعد أن تركت الألم والحسرة في نفوس الشعب العراقي مؤيداً ومعارضاً

 14 رمضان وسنوات النار

كان العراق قبل 14 تموز 1958 يرسف بقيود ثقيلة في جميع مجالات حياته ومفرداتها وكان الاستعمار يعمل جاهداً لمنع العراق من النهوض اقتصادياً وإن سمح بذلك فبقدر بسيط وفي المجالات العلمية والفكرية كانت برامج التعليم تمنع انفجار أي أبداع وفي المجال العسكري تعرضت القوات المسلحة وخصوصاً بعد انتفاضة عام 1941 إلى ألوان من التنكيل والاضطهاد وامتص الاستعمار عوائد العراق النفطية ولم تستثمر لبناء اقتصاد وطني متين لخدمة الشعب ومصالح الأمة وقد تحول العراق إلى قلعة من قلاع الرجعية لضرب كل حركة تحررية في الوطن العربي وقد وسع العراق هذه القلعة وربطها بأحلاف لا ناقة له فيها ولا جمل وقُيّد بحلف بغداد البغيض.
   
هكذا صار العراق قبل 14 تموز الذي لم يرض به المناضلون المخلصون من أبناء الشعب العراقي الغيور، فكانت ثورة تموز والتي كانت حلقة من حلقات طويلة من نضال شعبنا ضد التخلف والرجعية والاستعمار، وأن أحداث 14 تموز لم تكن إلا تعبيراً ثورياً عن آمال الشعب الذي كابر وعانى من آفات اجتماعية قاتلة مثقلة بالفقر والجهل والمرض. وقد أذهلت ثورة تموز الاستعمار وأعوانه وأفسدت كل مخططاتهم للهيمنة على هذا الشعب الصامد الصابر ، ورغم انحراف الثورة عن الخط القومي كانت لها انجازات عظيمة وكبيرة في القضاء على حلف بغداد والخروج من النظام الإسترليني والقضاء على الإقطاع وإصدار قانون الإصلاح الزراعي والاهم من كل ذلك شرعت قانون رقم 80 إذ أعادت بموجبه 90% من الأراضي العراقية الغنية بالنفط وشجعت الصناعات وأسست عدة معامل إنتاجية ضمن الخطة الخمسية بالاتفاق مع الاتحاد السوفيتي.
لقد كانت ثورة تموز نقلة كبيرة من الاستعمار إلى التحرر ومن الملكية إلى الجمهورية، ألا أن هذه النقلة تعرضت إلى مطبات كبيرة غيرت فرحة الناس من قيامها وتبدلت بسمات غالبية الشعب إلى عبوس يوم سيطر الشيوعيون على مقاليد الحكم وتسلطت دكتاتورية الغوغاء على مقاليد الأمور وانحرف عبد الكريم قاسم عن الخط القومي ومبادئ الثورة وحدثت مجازر دموية كبيرة في كركوك والموصل وسيطرت سياسة الحبال على المنطق والعقل وسجن من سجن وعذب من عذب وحاول الجيش تصليح ما أفسده النظام لم يفلح وقد قدم الألوف من الضحايا سجناء معذبين وآخرين ينتظرون ساعة الخلاص..
   
وكان إعدام الشهيد ناظم الطبقجلي ورفاقه من الشهداء في 20 أيلول 1959 في أم الطبول نقلة أخيرة في حياة عبد الكريم قاسم ونظامه. إذن كان لابد والحالة هذه من تفكير جدي لأزاحته والقضاء على نظامه الفردي فكانت ثورة 14 رمضان.
   
الضباط القوميون

ولثورة 14 رمضان قصة طويلة، فقد كان على الساحة العراقية في حينه فئتان قوميتان متفقتان في المبادئ والأهداف ألا أنهما مختلفتان في التنظيم والالتزام، كان حزب البعث حزب له ميثاق وله قاعدة وكان القوميون أشتاتا متفرقة منهم من انضم إلى أحزاب لها مواثيق وليس لها قاعدة ومنهم من بقى مستقلاً لا ينتمي إلى أي من تلك وهؤلاء هم الضباط الذين انضموا إلى تنظيم الضباط الأحرار وساهموا مساهمة فاعلة ومؤثرة في ثورة 14 تموز وما تلاها من حركات ثورية تصحيحية. لقد حدث تعاون بين هؤلاء الضباط الذي أشرت إليهم وحزب البعث العربي الاشتراكي لتشابه الأهداف والمبادئ وفي أيلول 1960 اجتمع الضباط القوميون للعمل بالإطاحة بنظام قاسم. وهم:
                 
صبحي عبد الحميد وإبراهيم جاسم وخالد حسن فريد وخالد مكي الهاشمي وصالح مهدي عماش وبدأوا بتكوين تنظيم عسكري للإطاحة بالحكم..
           
ثم انضم إلى التنظيم كل من احمد حسن البكر وعبد الكريم فرحان وحردان التكريتي، ولم يكن في هذه المجموعة بعثيون إلا صالح عماش واحمد حسن البكر، وبدأ الكثير من ذوي الرتب الصغيرة لينضمون إلى هذا التنظيم والذي كان أكثرهم غير حزبين كما رجح قوة الضباط غير الحزبين ومن كانت لهم قوات كبيرة في بغداد يقودها ضباط غير بعثين وكان من أبرزهم المقدم الركن هادي خماس آمر فوج الإذاعة والمسؤول عن مرسلات أبي غريب الإذاعية وعن مطار المثنى الدولي وقاطع الكرخ قاطبة بما في ذلك مرافق ومنشآت أهمها دار الإذاعة والتلفزيون ومرسلات أبو غريب اللتين هما عماد كل ثورة ولسانها الناطق.
                         
وفي مطلع عام 1961 اجتمعت القيادة واستقر الرأي بعد نقاش طويل على الإبقاء مع مجلس السيادة بينما برز الاختلاف على من يشغل منصب رئيس الوزراء وأصر الضباط القوميون على ترشيح اللواء الركن ناجي طالب لأشغال هذا المنصب ولما لم يصلوا إلى أي اتفاق بدأ نشاط صالح عماش المعروف بطموحه وانتهازيته الاتصال بالضباط وتأليبهم على الضباط القوميين ، وأخذ الحزب يهاجم الفئات القومية ويهاجم سياسة الجمهورية العربية المتحدة ورئيسها جمال عبد الناصر.
       
وركز عماش جل هجومه على اللواء الركن ناجي طالب ووصفه بالانتهازية لوجوده في فينا هروبا من بطش قاسم ونظامه ، وللحقيقة أن اللواء ناجي طالب كان كفءاً ونزيها مخلصاً وملتزماً مما لا يمكن المقارنة بينه وبين أحمد حسن البكر المعروف بضعف الشخصية وعدم الكفاءة.
                       
وفي أيلول 1961 انسحب الضباط القوميون من التنظيم وتشكلت قيادة جديدة تألفت من عارف عبد الرزاق ومحمد مجيد وعبد الكريم فرحان وصبحي عبد الحميد وهادي خماس وإبراهيم جاسم وخالد حسن فريد وعرفان عبد القادر وجدي وعدنان أيوب صبري وجاسم العزاوي ويلاحظ على هذه القيادة أن جميع أعضائها من الضباط الأحرار وليس لهم أي ارتباط حزبي وعرفوا بالنزاهة والالتزام.
لقد فكرت القيادة الجديدة بالقيام بحركة للإطاحة بنظام الحكم وكانت لهم قوة كبيرة وضاربة من الجيش في بغداد متمثلة ثلاث كتائب دبابات آمروها كل من:
1. خالد حسن فريد- قومي.
2. إبراهيم جاسم - قومي.
3. خالد مكي الهاشمي- بعثي.
والأهم من كل ذلك كان هناك فوج مشاة كامل الملاك بإمرة المقدم الركن هادي خماس مقره مع سرية مشاة في دار الإذاعة وسرية إسناد في المطار المدني وسرية إسناد معسكره في أم العظام وسرية معسكره في مرسلات آبي غريب.
إن هذه القوة الضاربة المجهزة بسلاحين سلام الإعلام وسلاح الجيش مضمون لها النجاح إذا ما أقدمت هذه القيادة على القيام بأي حركة لتغيير نظام الحكم ، ولكن ماذا حدث في نيسان عام 1962؟ اجتمعنا في دار السيد صبحي عبد الحميد في الوزيرية وحضر هذا الاجتماع:
العميد الركن محمد مجيد
المقدم الركن هادي خماس
المقدم الركن خالد حسن فريد
المقدم الركن إبراهيم جاسم التكريتي
المقدم الركن خالد مكي الهاشمي
وتباحثنا في امكانية الإطاحة بنظام قاسم، وتكلمت وقلت للمجتمعين لا يمكن أن تتهيأ فرصة تواجد ثلاث كتائب دبابات وفوج مشاة في بغداد كما هي متهيأه الآن فلا تضيعوها وأحملكم مسؤولية معاناة وآلام هذا البلد إن لم تتفقوا على التنفيذ، وطلب كل من خالد حسن فريد وإبراهيم جاسم وخالد مكي الهاشمي أسبوعاً للتفكير وإعطاء القرار الأكيد في الاشتراك أو عدمه وبعد أسبوع اجتمعنا في دار صبحي عبد الحميد وكان أول المتكلمين المقدم الركن خالد مكي الهاشمي وقال: "أنا حزبي بعثي مرتبط بقيادة ولا استطيع المساهمة في هذا العمل".
أعقبه المقدم الركن إبراهيم جاسم بالكلام فقال: "أنا لا استطيع إنزال كتيبتي من الدبابات وإشراكها بتنفيذ الثورة إلا بعد مقتل عبد الكريم قاسم."
قلت له: "هذا أمر غاية في البساطة وبعد إذاعة البيان الأول وأنا المسؤول عن الإذاعة، أُذيع بيانا إلى الشعب العراقي بان اللواء عبد الكريم قاسم قد قتل".
وكان آخر المتكلمين خالد حسن فريد الذي قال:أنا مرشح مع الأخ إبراهيم جاسم لدورة لأمريكا وأطلب أن يكون التنفيذ بعد عودتنا.
وعند ذاك انفجرت غاضباً قلت لهم يا أخوان هل تريدون أن أقدم لكم الثورة بطبق من ذهب هذه فرصة لا تضيعوها وأني أحملكم مسؤولية ما يحدث بعد رفضكم هذا".
ورغم هذا الألم الذي انتابني من الحدث، قررت الاستمرار مع هذا التنظيم الذي قرر تنفيذ عملية اغتيال عبد الكريم قاسم في أيام عيد الفطر حيث اعتاد عبد الكريم قاسم الالتقاء بمثل هذه المناسبة بالضباط إلا أن حزب البعث علم بذلك واتفق على تنفيذ الثورة في رمضان الذي يسبق عيد الفطر المبارك.
 
تنفيذ الثورة

الساعة التاسعة من يوم الجمعة 8 شباط 1963 الموافق 14 رمضان انطلق المذيع من مرسلات "أبو غريب" معلنا قيام ثورة أطاحت بنظام عبد الكريم، وكان البث وراء إشعال فتيل الثورة وتحمل مسؤولية نجاحها القوميون حيث أن هناك حقيقتين آمن بهما حزب البعث لتأمين نجاح الثورة بعد تفجيرها وكان ذكيا غاية الذكاء في ذلك.
الحقيقة الأولى: أن القوميين حزبيين وغير حزبيين إذا ما اندلعت الثورة سيكونون مجبرين للمساهمة فيها لأن مصيرهم والبعثيين واحد ومسؤولياتهم واحدة إذا ما فشلت الثورة وسيكون المصير واحداً هو الإعدام رمياً بالرصاص في ميدان أم الطبول.
الحقيقة الثانية: تؤكد عدم قدرة حزب البعث على الانفراد بالثورة فأعلنها مستنداً على الحقيقة الأولى، وسنرى صحة ذلك بعد ذكر تفاصيل معركة وزارة الدفاع حيث كانت الثورة حتى الساعة 1200 من يوم 8 شباط فاشلة، ولولا تدخل القوميين وتحريك قطعاتهم من معسكر الحبانية واشتراكهم في معركة وزارة الدفاع ما نجحت ثورة 14 رمضان.

معركة وزارة الدفاع

1- موقف عبد الكريم قاسم :
يقول المقدم الركن جاسم العزاوي:
"ذكر لي قاسم الجنابي مرافق الزعيم عبد الكريم قاسم إنه كان نائماً عندما اندلعت الثورة وجاء الجنود الحرس وطرقوا باب غرفته وابلغوه بإذاعة بيانات ثورية من دار الإذاعة، ذهب قاسم على الفور إلى عبد الكريم قاسم فوجده استيقظ وأنهى حلاقة ذقنه وهو مرتدي ملابسه العسكرية لقد علم بخبر الثورة فأخذ يتصل ببعض الضباط وصفي طاهر فاضل المهداوي طه الشيخ احمد صالح العبيدي وبعد حضور هؤلاء داره عقد اجتماعا للتداول في الموقف وظهر أنه لم يقدر خطورة الموقف وكان يردد بسيطة بسيطة هؤلاء ضباط صغار وأنا أعرف العملية منذ مدة وأردت أن يشرعوا بالعملية حتى ينالوا جزاءهم العادل. اقترح عليه الحاضرون أن يذهبوا إلى معسكر الرشيد حيث مقر لوائه ومنه يتخذ الإجراءات المطلوبة في حين اقترح عليه وصفي طاهر الذهاب إلى كتيبة الدبابات بالقرب من ساحة السباق القديمة في بغداد الجديدة لأن آمرها المقدم صفاء محمود أخ اللواء الركن علاء محمود مدير الطيران المدني والموالين لعبد الكريم قاسم وبين وصفي طاهر أن الدبابات أكثر أهمية من المشاة واقترح أن ينقسموا إلى عدة جماعات تكون في أماكن متفرقة. أما طه الشيخ احمد وهو ضابط ركن جيد فقد اقترح الذهاب إلى وزارة الدفاع لعدة عوامل منها إن وجوده في وزارة الدفاع يعطي أنصاره قوة في العمود لأن الوزارة محصنة وفيها قوات جيدة ولوجود هواتف مباشرة ووسائل اتصالات مع قادة الفرق والقوات الفعالة. واستقر الرأي الأخير على ذلك فغادر عبد الكريم قاسم داره متوجهاً إلى وزارة الدفاع".
ويستطرد جاسم العزاوي:
"أما أنا فقد كنت نائماً في بيتي المجاور لدار الإذاعة استيقظت على صوت زوجتي بحدوث ثورة وسمعت البيان ولم أكن أعرف من يقف وراء تلك الثورة، اتصلت هاتفياً بصبحي عبد الحميد رد علي أهله بعدم وجوده واعدت الاتصال به أكثر من مرة إلى أن قال لي ابنه أنه كان وجماعته مجتمعين في غرفة الاستقبال وقد ذهبوا للإذاعة لتأييد الثورة وفعلا أرسلوا برقية تأييد دون ذكر اسمي أظن أن ذلك له علاقة بالمشادة الكلامية التي حدثت بيني وبين صالح مهدي عماش".
ويستطرد العزاوي قائلاً:
"اتصل بين الزعيم عبد الكريم قاسم هاتفياً في البيت مستفسراً عما يجري في الإذاعة وكان في نبرات صوته استجداءً للنجدة وبانفعال البدوي الفطري ومع صراخ زوجتي لمنعي من الخروج ذهبت للإذاعة والتلفزيون من خلال الفتحة التي تربط بيتي بها ودخلت أستوديو التلفزيون وأنا لا أدري ماذا افعل ولماذا ذهبت إلى هناك وبعد قليل جاءني سائق سيارتي واخبرني إن الدبابات قد وصلت إلى دار الإذاعة وفعلا سمعت أصوات الرمي وعدت إلى بيتي دون أي عمل بعد أن بقيت هناك بعض الدقائق".
ويقول قاسم الجنابي:
"اتصل عبد الكريم قاسم بآمر اللواء التاسع عشر لكنه لم يكن موجوداً فطلب مقدم اللواء ولم يكن موجوداً وأخيراً رفع السماعة طه الشكرجي فطلب منه عبد الكريم تحريك بعض قطعات اللواء لمقاومة الثورة فأجاب الشكرجي بكلمات خشنة وشتمه وأغلق الهاتف بوجهه.
"في هذا الوقت أخذت الطائرات تقصف وزارة الدفاع لتثبط عزيمة الموجودين فيها ومع ذلك فقد واصل عبد الكريم اتصالاته فقد اتصل بقائد الفرقة الثانية العميد عبد الرزاق محمد وطلب منه تحريك قطعاته لنجدته فاستجاب ووعد بتحريكها كما اتصل بالمقدم عبد الستار الجنابي مرافق رئيس أركان الجيش وكان في بيته وطلب منه جلب قوة الحرس الموجودة بحراسة بيت احمد صالح العبيدي رئيس أركان الجيش، ويذكر عبد الستار أنه تباطأ في جمع القوة وجاء بها إلى باب المعظم وبلغ بناية الإصلاح الزراعي المجاورة لمصلحة نقل الركاب المقابلة لقاعة الشعب ثم صعد إلى سطح البناية فشاهد الدبابات تطوق وزارة الدفاع المخترقة فقرر الالتحاق بقوات الثورة والذهاب إلى الإذاعة.
"سجل عبد الكريم شريطاً بصوته وأرسله بيد مرافقه حافظ علوان لإيصاله للإذاعة لأذاعته ولكن ألقى القبض على حافظ علوان في باب وزارة الدفاع ومعه النقيب نوري ناصر وبعد أن تأخر حافظ في إذاعة الشريط دون أن يعرف عبد الكريم قاسم ما حل بحافظ سجل شريطاً ثانياً حمله الرائد سعيد الدوري السكرتير الصحفي لإيصاله للإذاعة لكن سعيد سلم الشريط بواسطة زوج أخته إلى طاهر يحي والتحق بالثائرين فكوفئ على ذلك".

التوقيع الأخير لعبد الكريم قاسم

ويذكر قاسم الجنابي أن تصرفات عبد الكريم خلال حصاره دلت على عدم تقديره لعواقب الأمور فقد طلب مسودة قانون شركة النفط الوطنية قانون رقم 80 وراح يعدل في نصوصها ثم وقع عليه وكان هذا أخر توقيع له في حياته وفي اللحظات الأخيرة من حياته حلق ذقنه وغير ملابسه قبيل انتقاله إلى بناية قاعة الشعب.
حدثت مقاومة في وزارة الدفاع كان يقودها عبد الكريم الجده آمر الانضباط العسكري الذي استمر يقاوم حتى قضي عليه وخلال الليل انتقل عبد الكريم قاسم إلى قاعة الشعب بعد أن استبد به اليأس وعندئذ أدرك خطورة الوضع وقال لمن كان حوله إن من يريد الذهاب فليذهب فهرب احمد صالح العبيدي ماشياً بمحاذاة نهر دجلة في الظلام ولكن ألقى القبض عليه ووضع رهن الاعتقال أما عبد الكريم قاسم فقد اتصل بعبد السلام محمد عارف يذكره بأيام الصداقة ويطلب منه التدخل لدى زملائه واتفق على أن يقوم يونس الطائي صاحب جريدة الثورة بالمفاوضة وبالفعل قد دخل يونس وزارة الدفاع ووصول إلى عبد الكريم قاسم لم تؤدِّ جهوده إلى نتيجة.
         
تفاصيل معركة وزارة الدفاع

الآن وبعد أن أوضحت موقف عبد الكريم قاسم وزملائه وكيف تصرفوا في إدارة المعركة دفاعاً عن النظام لابد لي من ذكر تفاصيل المعركة التي كنت أحد أركانها.
أولاً: بعد أن أذيع البيان الأول للثورة وعرفنا هويتها بأنها بعثية استبشرنا خيراً بذلك وقرر تنظيمنا العسكري الاجتماع في دار المقدم الركن صبحي عبد الحميد في الوزيرية وحضر هذا الاجتماع كل من:
1. العميد الركن عبد الكريم فرحان.
2. العقيد الركن محمد مجيد.
3. المقدم الركن صبحي عبد الحميد.
4. المقدم الركن عرفان عبد القادر وجدي.
5. المقدم الركن هادي خماس.
6. الرائد الركن فاروق صبري.
بعد التداول والمناقشة قررنا تأييد الثورة تأييداً مطلقاً ببرقية رفعناها إلى قيادة الثورة والتحقنا مباشرة إلى مركز القيادة لنتلقي الواجبات التي تعهد ألينا.
ثانياً: لقد أناط عبد السلام محمد عارف رئيس الجمهورية الواجبات التالية لنا:
‌أ. يقوم العميد الركن عبد الكريم فرحان بواجبات آمر موقع بغداد ومقره في الثكنة الشمالية "الكرنيته" ثم صدر أمر بتعينه في الموقع المذكور.
‌ب. يبقى في دار الاذاعة كل من:
المقدم الركن صبحي عبد الحميد
المقدم الركن عرفان عبد القادر
الرائد الركن فاروق صبري
وذلك ليكونوا حلقة وصل بين قيادة المعركة في وزارة الدفاع وبين المجلس الوطني لقيادة الثورة.
‌ج. العقيد الركن محمد مجيد والمقدم الركن هادي خماس: يتوجهان إلى وزارة الدفاع لإدارة المعركة وقيادتها بعد أن فشلت الثورة في القضاء على المقاومة حيث لاقت الدبابات مقاومة عنيفة أدت إلى تحطم بعضها ورابط البعض الآخر في ساحة الميدان حيث بدأت مشاغلة وزارة الدفاع بالنار.


رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه  الأسبق Harakat.8.FB.BT

ثالثاً: وفي الساعة 1400 من يوم الجمعة وصلت مع العقيد الركن محمد مجيد إلى وزارة الدفاع وحال وصولنا بدأنا مع الرائد الركن داود عبد الجبار بترتيب وتوزيع الدبابات على جميع مداخل الوزارة ووضعنا خطة تعاون الدبابات مع فوج المشاة الذي يقوده المقدم الركن محمد يوسف. والمعروف أن الدبابات لا تكون سلاحاً فاعلاً ما لم يسندها المشاة الذي وحده يستطيع الحفاظ على الأماكن التي يحررها فأصبحت الحاجة ملحة لوفر قوة من المشاة تستطيع اقتحام وزارة الدفاع وتطهيرها من المقاومة.
رابعاً: لم يكن صبيحة 8 شباط أي قطعة عسكرية من المشاة تسند الثورة حتى تحرك اللواء الثامن من الحبانية بأفواجه الثلاث، وللحقيقة والإنصاف نقول كان آمرو أفواج هذا اللواء ضباطاً قوميين لم ينتموا إلى حزب البعث، ولن نكون مجافين للحقيقة إذا ثبت هنا أن 95% من منتسبي هذا اللواء ضباطاً ومراتب لم يكونوا من الحزبين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

رجل مـن زمـن الثائرين , مُذكّرات العقيد الرّكن المتقاعد هادي خمّاس مدير الاستخبارات العسكريّة العراقيه الأسبق

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» العقيد المتقاعد الاردني محمد خلف الرشدان : ذكرياتي في الحرب
» من حرب السنوات الثمان ( معركة تحرير شبه جزيرة مجنون ) الفرقه الآليه الاولى - كتابة العقيد المتقاعد قحطان السامرائي
» الفريق اول الركن المتقاعد محمد فتحي امين قائد الفرقه المدرعه الثالثه العراقيه في حرب اكتوبر 1973
» وفاة رئيس الوزراء الروسي الأسبق يفغيني بريماكوف
» الاجنحه العراقيه فوق مصفى طهران .....من قصص سفر الحرب العراقيه - الايرانيه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى العسكري العربي :: الأقســـام العسكريـــة :: التاريخ العسكري - Military History :: شخصيات تاريخية-