08.01.2014   14:03:20  

عندما يسقط الأبرياء ضحايا فوق تقاطعات الحروب العبثية، نصبح جميعاً أهدافاً محتملة لمثل هذه الحوادث. لا تهدف مقاربة هذا الموضوع لتوجيه أصابع الاتهام لمن أسقط الطائرة أو من هي الجهة المسؤولة عن الحادث. بل هي رسالة مفتوحة للقيمين على أمن وسلامة المدنيين الأبرياء في مراكز المسؤولية وعلى المستويات كافة.

لو صح احتمال أن تكون الرحلة الماليزية قد أسقطت بفعل صاروخ أرض- جو، وهو أمر لا نملك الإجابة الصحيحة عنه، لكننا نملك القدرة على تحليله وفقاً لهذه الفرضية وأن نتوصل إلى الاستنتاج أنه كان من الممكن تحاشي حصوله لو أن أحداً ما في مكان ما اعتبر أن تعريض حياة المدنيين الأبرياء للخطر يستوجب اتخاذ الإجراءات المناسبة للحؤول دون ذلك.

ما حصل مع الرحلة الماليزية يمكن أن يحصل مع أية خطوط جوية أخرى. لذلك نسال اليوم ببساطة عن ماهية معايير الوقاية والسلامة الجوية التي تنتهجها الدول، منظمات الطيران المدني، الخطوط الجوية والشركات المصنّعة لضمان أمن وسلامة الركاب جواً.

أعقب أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر تعاون وتنسيق دولي لتبني إجراءات أمنية تهدف لضمان عدم تكرار هذه الهجمات الإرهابية. ونتج عنها زيادة العاملين في مجال أمن المطارات والخدمات الخاصة بها وتم التشدد في إجراءات المراقبة الحسية والإلكترونية في المطارات وداخل الطائرة. وقد تم اعتماد تكنولوجيا الكشف عن المواد المتفجرة وتحديد الهوية بالاعتماد على البصمات البيومترية، وتركيب أجهزة التصوير والمراقبة، حتى أن إجراءات الحصول على سمات السفر أصبحت معقدة وكل ذلك تلافياً لحصول حوادث مشابهة.

اليوم وعقب سقوط الطائرة الماليزية يتوجب علينا جميعاً الدفع باتجاه التعبئة العامة والتعاون والتنسيق الدولي لضمان أمن وسلامة المدنيين المنتقلين على المسارات الجوية فوق المناطق الساخنة وبؤر التوتر.
ان موضوع الوقاية الجوية من الحوادث يرتبط بتقييم وتحليل المخاطر المصاحبة لها واتخاذ الإجراءات اللازمة لخفض احتمالات حدوثها إن لم نقل تحاشي حدوثها.

وباعتبار أن فرضية إسقاط الطائرات المدنية بواسطة الصواريخ أرض- جو فرضية قائمة، إذ أن تكنولوجيا هذه الصواريخ أصبحت متقدمة جداً وأن امتلاكها لم يعد محصوراً بالجيوش النظامية. لذلك يمكن تقليل المخاطر المصاحبة لها، في حال اضطرت للتحليق في أجواء خطرة، من خلال: تعديل المسار الجوي لتحاشي التحليق فوق المناطق الساخنة، زيادة علو المسار الجوي عندما يستحيل تعديله، تزويد الطائرات المدنية بأجهزة إنذار تنبئ باحتمال تعرضها لإطلاق الصواريخ، إضافة إلى تزويدها بأجهزة مضادة للصواريخ تطلق بالونات حرارية شبيهة بتلك المستعملة على الطائرات المقاتلة.

فور اندلاع الثورة السورية اتخذت بعض الخطوط الجوية قراراً بتعديل مسارها الجوي لتحاشي عبور الأجواء السورية خوفاً من حصول حوادث غير متوقعة في حين أبقت بعض الخطوط الجوية الأخرى على مساراتها دون تعديل.

ان السلطة صاحبة الصلاحية بتعديل المسار الجوي أو زيادة ارتفاعه أو اتخاذ أي من الإجراءات التقنية الأخرى هي الدولة صاحبة السيادة. لذلك المطلوب اليوم هو السعي لتمكين منظمات الطيران المدني الوطني والإقليمي والدولي بإجراء تحليل وتقييم مستمر للمخاطر، ومشاركة مقترحاتها مع أجهزة الدولة ومع الدول الأخرى المعنية، والتأكد من تطبيق الخطوط الجوية وكافة المعنيين بالنقل الجوي للمعايير الجديدة للسلامة والأمن الجوي.

ان الرحلة الماليزية لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة التي يتم إسقاطها عمداً أو عرضاً. لكننا سنبقى نحمل ذنب أولئك الضحايا الأبرياء الذين سقطوا أو سيسقطوا ما لم نحرك ساكناً أو لم نسع جاهدين لاتخاذ الإجراءات المناسبة والكفيلة بضمان أمنهم وسلامتهم مهما زادت تكلفة هذه الإجراءات.