أجرى الجيش الجزائري قبل أيام قليلة مناورات بالذخيرة الحية في منطقة عين أمناس الحدودية مع ليبيا شاركت فيها قوات من مختلف فروعه، وهي الثالثة من نوعها في غضون عامين و يرى خبراء عسكريون أنها تحمل رسائل سياسية للداخل والخارج وتعكس أن السلطات تعتبر هذا الشريط مصدر تهديد أمني خطير .
كان الفريق أحمد قايد صالح قائد أركان الجيش ونائب وزير الدفاع الجزائري قد أشرف يومي 19 و20 أبريل على تمرين قتالي شاركت فيه قوات جوية وبرية من وحدات مدرعة ووحدات مشاة ووحدات من القوات الخاصة بالإضافة إلى قوات إسناد في منطقة عين أمناس ( 2000 كلم جنوب شرق العاصمة الجزائرية) في موقع لا يبعد عن الحدود مع دولة ليبيا المجاورة التي تعاني من اضطرابات أمنية خطيرة إلا بكيلومترات قليلة حسبما ذكرت وكالة الأناضول.
و قال بيان لوزارة الدفاع الجزائرية نشرته على موقعها إن رئيس أركان الجيش الجزائري أكد في كلمة بهذه المناسبة أنه "مهما تعاظمت مشاكل المنطقة وتعقدت أزماتها، ومهما تم الاستثمار الرخيص في الإرهاب وجعله معول هدم ضد الشعوب الآمنة، فـتـيـقـنـوا أن حدود الجزائر، كل حدود الجزائر، لن تكون معبرا لظاهرة اللاأمن، ولن تكون منفذًا لمخاطر عدم الاستقرار".
وأوضح أن هذه الحدود "ستكون مصدرا لا ينضب لنعمة الأمن والسلام، فالدفاع عن سيادة الجزائر وحفظ استقلالها الوطني هي منتهى غايتنا ومبلغ مسعانا".
وحسب الصحفي الجزائري فوزي بوعلام المتخصص في الشأن الأمني فإن هذه المناورات هي "الثالثة من نوعها في غضون عامين ، وهي تؤكد على أن السلطات الجزائرية تعتبر أن الوضع الأمني في ليبيا هو مصدر تهديد حقيقى للأمن الوطني ".
وأضاف المتحدث للأناضول: "يجب أن نتذكر هنا أن الجيش الجزائري لم ينفذ أية مناورات في هذه المنطقة الصحراوية منذ الاستقلال إلى غاية اندلاع الحرب في ليبيا، وما أعقبها من اضطراب أمني وانتشار للجماعات الإرهابية في هذا البلد".
وقال مصدر أمني جزائري طلب عدم الكشف عن هويته "إن التمرين القتالي هذا تشارك فيه وحدات من ألوية قوات خاصة ووحدات من لواء مدرع و لواء مشاة، ووحدات مدفعية وقوات جوية وطائرات هليكوبتر هجومية".
ولا تتوفر أرقام رسمية حول تعداد القوات التي تشارك في هذا التمرين إلا أن ذات المصدر الأمني قال للأناضول "إن عدد المشاركين في هذه المناورة أو التمرين لا يقل عن 2000 عسكري ، وهو الثالث من حيث الأهمية بعد التمارين القتالية في منطقة تيندوف على حدود المملكة المغربية وفي منطقة وسارة بوسط البلاد وهي ميدان الرماية الرئيسي في الجزائر".
وقال الخبير الأمني الجزائري الدكتور محمد مراني من جامعة مستغانم إن "طبيعة الأسلحة التي استعملها الجيش الجزائري في هذه المناورات التي شارك فيها لواء مدرع وقوات مشاة وقوات خاصة وطائرات حربية وطائرات عمودية تؤكد أن الجيش الجزائري يعتبر أن احتمال سيطرة الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وتنظيم داعش على مناطق شاسعة في ليبيا ما يزال قائما مع ما سيترتب عن مثل هذه السيطرة من تهديد جدي للأمن الوطني في الجزائر".
وأضاف للاناضول "لو أن القيادات العسكرية العليا في الجزائر تفكر في المخاطر القادمة من ليبيا كمنطقة لتصدير التهديد الإرهابي فقط لما تطلب الأمر تنظيم مثل هذه المناورات الكبيرة نسبيا في هذا المكان".
وأشار إلى أن "القيادة العسكرية والسياسية في الجزائر تعتقد أن الجماعات الإرهابية في ليبيا يمكنها تنفيذ هجوم يتعدى مجرد عملية تسلل إرهابيين عبر الحدود، ولهذا السبب تستعمل القيادة العسكرية قوات كبيرة في المناورات التي تتم في الصحراء الواقعة على الحدود بين البلدين".
ومنطقة عين أمناس التي جرت فيها المناورات مؤخرا شهدت أكبر عملية إٍرهابية تتعرض لها الجزائر في تاريخها حيث هاجمت جماعة محسوبة على القاعدة يوم 16 يناير 2013 مصنعا للغاز في موقع تيقنتورين بالمنطقة .
وأسفرت العملية عن تخريب جزئي في أكبر مصنع للغاز في الجزائر بالإضافة إلى مقتل 38 رهينة من عدة دول مثل أمريكا، بريطانيا، النرويج واليابان .
وقد كشفت التحقيقات أن الجماعة الإرهابية التي نفذت العملية تسللت عبر الحدود البرية بين الجزائر ليبيا.
ويبدو أن الجيش الجزائري يتوقع هجوما إرهابيا جديد في المنطقة كما يقول الصحفي الجزائري عبد الحي بوشريط الذي يضيف للأناضول " اعتقد أن سبب تنظيم عدة مناورات في ذات الموقع في عين أمناس على بعد 80 كلم من الحدود مع ليبيا له هدف أكبر وأهم وهو إرسال رسالة غير مباشرة للدول التي ترغب في الاستثمار في مجال النفط في الجزائر بطمأنتهم حول وجود قوات عسكرية ضخمة في منطقة الجنوب الشرقي للجزائر المتاخمة لليبيا وهي الأغنى في الجزائر باحتياطيات الغاز والنفط".
أما الرسالة الثانية حسب محدثنا فهي "للجماعات الإرهابية في ليبيا ، مفادها أنه لا مجال للاقتراب لأن الجنوب الشرقي للجزائر الغني بالنفط والغاز مؤمن بشكل كامل بوجود هذا الكم الكبير من القوات العسكرية".
وقال الخبير في مجال الاقتصاد الدكتور حرّان توفيق صاحب مكتب استشارات اقتصادية ومستشار ومكلف بالدراسات سابقا في شركة سوناطراك النفطية الحكومية الجزائرية: "يجب أن نتذكر هنا أن منطقة عين أمناس التي تم فيها تنظيم المناورات هي الثانية من حيث احتياطي الغاز في الجزائر بعد حقول عين صالح (أقصى الجنوب)، كما أنها تضم عشرات الحقول النفطية والغازية".
وتابع في حديثه للاناضول "تدرك القيادة السياسية في الجزائر أن وقوع أي عملية إرهابية جديدة في هذه المنطقة ستترتب عنه نتائج غاية في الخطورة على الاقتصاد الوطني الجزائري الذي يعتمد بشكل شبه كلى على عائدات تصدير النفط والغاز و لهذا السبب تولي القيادة العسكرية الجزائرية أهمية قصوى لتركيز قوات كبيرة في منطقة الحدود مع ليبيا".
وقال الصحفي الجزائري المختص في الشأن الأمني بوعلام فوزي "تشير أغلب المصادر إلى وجود ما لا يقل عن 50 ألف عسكري جزائري على الحدود مع ليبيا معززين بوحدات مدرعة وطائرات ومروحيات ".