وصل إلى القاهرة العالم الهندى الدكتور «بهابها» المشرف على برنامج الطاقة النووية فى الهند، واجتمع بالرئيس جمال عبدالناصر يوم 29 مارس «مثل هذا اليوم» 1967، حسبما يؤكد محمد حسنين هيكل فى كتابه «الانفجار»، مضيفا: «كان جمال عبدالناصر مشغولا بشؤون التعاون فى مجالات الذرة وإنتاج الطائرات مع الهند، وجاء «بهابها» بدعوة خاصة نتيجة محادثات جرت فى الهند بين جمال عبدالناصر ورئيسة الوزراء «أنديرا غاندى»، وفى هذه الزيارة، وفى حديث سرى تم الاتفاق على روابط أكثر بين برامج تطوير التكنولوجيا فى البلدين.
يحدد «هيكل» مجالات «برامج تطوير التكنولوجيا» بقوله: «الهند متقدمة فى المجال النووى، ومصر أكثر تقدما فى مجال الصواريخ، وإن ظلت هناك مشكلة فى التوجيه بعد غياب الدكتور بيلز، خبير الصواريخ الألمانى، الذى خاف من التهديد الإسرائيلى وهجر البرنامج المصرى إلى البرنامج الصينى، كذلك كانت مصر أكثر تقدمًا فى صنع المحركات النفاثة، والهند أكثر تقدما فى بناء هياكل الطائرات».
يضيف هيكل: «جاء (بهابها) للحديث فى مجال التعاون النووى، وبعدها بأيام وصل جسم طائرة من الهند طراز (ه 24)، ووضع فيها محرك مصرى طراز (هـ 300)، وقام طيار التجارب الهندى الشهير (شابرا) بتجربة الطائرة الجديدة (محرك مصرى وهيكل هندى)، وحققت التجربة نجاحا كاملا، فقد نزل (شابرا) مندفعا فى اتجاه (آبابانت) سفير الهند وقتها فى مصر»، وكان أحد شهود التجربة ليعانقه قائلا: «مدهش، لم أكن لأصدق لو لم أكن بنفسى الذى اختبر الطائرة».
يعلق هيكل: «فى حين أن جمال عبدالناصر كان سعيدا بهذا التعاون، كان آخرون يرقبون ما يجرى بتربص كاد صبره أن ينفد»، ويقودنا هذا التعليق إلى قصة طموح مصر فى مجال التصنيع العسكرى عامة وتصنيع الصواريخ والطائرات خاصة، الذى بدأت أولى خطواته فى آواخر خمسينيات القرن الماضى، حسبما يؤكد الدكتور «بهى الدين عرجون» فى كتابه «الفضاء الخارجى» (عالم المعرفة - الكويت)، مستشهدا بما قاله جمال عبدالناصر فى إبريل عام 1957: «علينا أن نعيد بناء القوات المسلحة فى ضوء تجربتنا فى حرب السويس، وهناك مجالات لا بد أن ندخل إليها، لابد أن نتمكن من صنع سلاحنا بما فيه الطائرات، عندنا مصانع سلاح على نطاق محدود، وقد وضعنا برنامجا لبناء صناعة سلاح، الطائرات أكثر تعقيدا، ولابد أن نتعاون فيها مع أحد، أفكر فى الهند أو يوغسلافيا، أيضا هناك الصواريخ، وهناك علماء ألمان يتخاطفهم العالم بمن فيهم الولايات المتحدة، وحاول بعضهم جس النبض معنا، وقلت إننا نرحب، هناك واحد بالذات اتصل بنا، ويظهر أنه شارك بشكل كبير فى صنع الصاروخ ف2، وافقت على قدومه، ليست المسألة هى أن نتمكن من صنع صواريخ أو طائرات، المهم أن هذه المجالات هى تكنولوجيا المستقبل، ولابد أن نتيح للمصريين التعرف عليها والتخصص فيها، وهذا عندى أهم من سرعة إنتاج الطائرات أو الصواريخ».
ترجم «عبدالناصر» كلامه عمليا، فعالم الصواريخ الألمانى الذى تحدث عنه هو «بيلز» وحسب كتاب «قصة صناعة الطائرات والصواريخ فى مصر» تأليف «محمد ضيائى نافع» (الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة): «كان بيلز مساعدا لمصمم الصواريخ الألمانى الشهير فون براون الذى صمم الصواريخ (v2 وv1) إبان الحرب العالمية الثانية، ومن العلماء الذين اعتز بهم المستشار الألمانى هتلر، وتلك الصواريخ استخدمتها ألمانيا فى ضرب سواحل إنجلترا».
جاء بيلز إلى مصر ومعه فريقه المتخصص، لتدور عجلة صناعة الصاروخين «القاهر» و«الظافر» وفقا لخطوات طويلة يشرحها محمود مراد فى كتابه «الحرب الخفية.. قصة العلماء الألمان فى مصر»، موضحا قصة الطرود الناسفة التى أرسلتها إسرائيل لهؤلاء العلماء فى القاهرة، وتهديدهم بالقتل والخطف، والضغوط الأمريكية والإسرائيلية على ألمانيا بسببهم، مما أسفر عن ترك «بيلز» مصر إلى الصين.
أما قصة الطائرات فتحتوى على جهود عظيمة تم اقتسامها بين الهند ومصر بتفاهم تام بين الزعيمين نهرو وعبدالناصر، وحسب محمود مراد: «كانت مصانع هندوستان فى الهند تعمل فى إنتاج جسم الطائرة، بينما تنتج مصانع حلوان المحرك، وزارت بعثة عسكرية هندية مصانع الطائرات فى حلوان، والتقت بالمسؤولين عن المشروع، وكانت ثمرة التعاون نجاح التجربة وطارت المقاتلة بالمحرك المصرى والجسم الهندى، وشهد التجربة مسؤولون من مصر والهند والمسؤولون عن المشروع، وحملت الطائرة اسم «ه- أ- 300»، وصنفت باعتبارها أحدث طائرة مقاتلة نفاثة فى العالم، ودخلت مصانع حلوان ضمن مصانع الطائرات العالمية».