التالي هي شهاده الفريق اول الركن نزار عبد الكريم الخزرجي " رئيس اركان الجيش العراقي السابق " ويتناول بها احد المعارك المهمه في الحرب العراقيه-الايرانيه
المعركه هي " توكلنا على الله الثالثه " وهي احد معارك التحرير الكبرى في السنه الاخيره من حرب الخليج الاولى
جرت هذه المعركه في يوليو 1988
توكلنا على الله الثالثه ......تحرير الزبيدات
في اجتماع القيادة العامة التالي، أقر القائد العام خطة تحرير الطيب والزبيدات في قاطع الفيلق الرابع، وحدد يوم 12 تموز/يوليو 1988 موعدًا لها، فبُلِّغ القادة المعنيون، وشرعوا على الفور في إعداد خططهم وتهيئة متطلباتها.
كان الفريق الركن محمد عبد القادر الداغستاني قائد الفيلق الرابع من الضباط المتميِّزين، شغل منصب مدير التخطيط في معاونيّة العمليات برئاسة أركان الجيش لفترة طويلة. وعندما زرته للاطلاع على خطته لتنفيذ الواجب وفق ما جاء في خطة القيادة العامة، وسألته عن مدى معرفته بطبيعة ساحة العمليات التي ستندفع إليها تشكيلاته الآلية والمدرعة في العمق الإيراني، وهل زارها قبلًا عندما كانت قواتنا في العمق الإيراني في بداية الحرب، أجاب أن الفرصة لم تسنح له آنذاك. ولمّا كنت أعلم أن اللواء الركن إياد خليل زكي كان رئيسًا لأركان الفرقة العاشرة المدرعة التي كانت في هذا القاطع قبل انسحابنا إلى الحدود الدولية في عام 1982، أرسلت في طلبه فقال إنه يعرف تفاصيل العمق الإيراني في هذا الاتجاه معرفة كاملة، فنُقل من منصبه قائدًا للفيلق الخامس، وأُلحق على الفور قائدًا للفيلق الرابع، بدلًا من الفريق الداغستاني الذي قبِل الأمر بتفهم وانضباط عالٍ وعيِّن معاونًا لرئيس أركان الجيش للتدريب، وهو منصب أبدع فيه كعادته.
في بداية تشرين الثاني/نوفمبر 1982 كان العدو قد شنّ هجومًا واسعًا تحت اسم «محرم الحرام» على قواتنا داخل الأراضي الإيرانية، شرق منطقة الطيب والزبيدات الواقعة شمال شرق مدينة العمارة، وتمكَّن بعد معارك عنيفة من دفع قواتنا إلى داخل حدودنا الوطنية، وتعقّبها بعد عبورها نهر دويريج، واحتل العوارض والمرتفعات الحدودية ومناطق أخرى، بعمق 5 إلى 10 كلم داخل حدودنا. وسيطرت قواته نتيجة ذلك على مرتفعات الزبيدات والشرهاني وحقول نفط أبو غرب ومرتفعات الطيب. بعد قتال شديد تمكَّنت قواتنا من إيقاف تقدّمه، واستقر الموقف على حاله منذ ذلك الحين.
طبيعة المنطقة
تشكِّل مرتفعات الطيب والزبيدات النهايات الجنوبية لسلسلة جبل حمرين، والمنطقة عمومًا متموجة تكثر فيها الأودية والقطوع، وتأخذ في الارتفاع تدريجًا كلما تقدّمنا شرقًا حتى الحدود الدولية، ثم تبدأ بالانخفاض التدريجي حتى تصبح أرضًا مستوية صالحة لمسير الآليات كلها. يُعتبر نهر دويريج (عرض 70 إلى80م، وينحدر إلى الأراضي العراقية من مرتفعات حمرين في قطاعها الإيراني ويسير بموازاة الحدود الدولية) المانع الرئيس أمام تقدّم الدروع والآليات، حيث يتحدَّد العبور بالجسور أو من خلال بعض المخاضات المحدودة. وأهم الطرق والمقتربات من الجانب الإيراني للحدود:
أولًا: طريق إمام زادة عباس - جم صريم - الشرهاني - أبو غرب - الزبيدات. وهي طريق معبَّدة وصالحة لتنقّل الآليات بأنواعها كله.
ثانيًا: طريق عين خوش - الشرهاني - الزبيدات.
ثالثًا: طريق عنكيزة - جم هندي - جم صريم - موسى الحاوي. وهناك طرق فرعية ومقتربات أخرى غيرها.
تشكل العوارض والمرتفعات التي يحتلها العدو العوارض المسيطرة في ساحة المعركة.
الاستحضارات
- التدريب في أحوال مناخية قاسية، إذ تصل درجات الحرارة في هذا الشهر إلى أكثر من 50 درجة مئوية، وفي منطقة تكثر فيها المرتفعات والأودية والقطوع، ويسكنُ الهواء حتى يشقّ على الفرد التقاط أنفاسه بعد مجهود بسيط. أصبحت اللياقة البدنية والقدرة على التحمل والمطاولة من أهم ما جرى التركيز عليه من القادة والآمرين في تدريب وحداتهم وجنودهم قبل إشراكهم في المعركة. فركّزوا على تطوير قدراتهم البدنية في الفترة المحدودة المتيسّرة لهم قبل المعركة، وكثّفوا تدريبهم على الرياضة البدنية، ومسيرات التحمّل، حيث أجرت الوحدات ثلاث مسيرات تحمّل واجتياز موانع وسواتر ترابية، كما تم إنشاء ثلاثة ميادين تدريب تعبوي لكل لواء مشارك، مشابهة للأهداف التي سيهاجمونها.
- المؤتمرات: بعد أن بُلِّغت الفرق شفويًّا بتوجيهات القيادة باستعادة الأرض الوطنية، طُلب منها إجراء تحضيراتها بأقصى درجات الكتمان، وجرت لكل فيلق سلسلة من المؤتمرات:
• مؤتمر في مقرات الفيالق للتحضيرات للمعركة
• مؤتمر مناقشة الخطط
• مؤتمر التعديل والتنسيق
• مؤتمر تنسيق الخطط النارية
أجرى قائد الفيلق الرابع مؤتمرًا لشحذ الهمم للآمرين كافة.
قوات العدو
فرقة المشاة 21 وتتألف من أربعة ألوية، أحدها مدرع.
فرقة المشاة الآلية 77 وتتألف من أربعة ألوية، ثلاثةٌ منها آلية والرابع مدرع.
لواءا مغاوير.
اللواء الأربعون من حرس الخميني (سراب كون).
خمسة أفواج جندرمة.
16 كتيبة مدفعية مختلفة العيارات.
تنفتح تشكيلات مشاة العدو، ومشاة حرس الخميني على المرتفعات المسيطرة من أرضنا المحتلة في مرصد القائد والزبيدات وأبو غرب والشرهاني ومناطقَ أخرى.
يحتفظ بقواته المدرعة والآلية إلى الخلف في مناطق جم صريم وعين خوش احتياطًا، ولأغراض الهجوم المقابل.
- قواتنا
الحرس الجمهوري
فرقة مدرعة: «المدينة المنورة».
فرقتا مشاة: «بغداد» و«نبوخذنصر».
فرقة القوات الخاصّة حرس جمهوري.
20 كتيبة مدفعية، وكتيبتا صواريخ.
أربع كتائب هندسة، وكتيبة تجسير.
الفيلق الرابع
أربع فرق مشاة: الثانية والفرقة العشرون، والفرقة التاسعة والعشرون.
فرقتا مشاة آليتان: الأولى والخامسة.
لواءان مدرعان.
لواءا مغاوير.
34 كتيبة مدفعية: (19 متوسطة و15 ميدان).
كتيبتا صواريخ أرض-أرض.
سبع كتائب هندسة ميدان.
القوات الجوية
ستة أسراب هجوم أرضي، وسرب دفاع جوي.
مفارز من طائرات التشويش الإلكتروني والتصوير.
طيران الجيش
40 سمتيّة مسلحة للإسناد والقيادة والسيطرة.
100 سمتيّة نقل للإنزال وللإخلاء الطبي.
الخطة
في عمليات تحرير الفاو والشلامجة ومجنون، كان تصميمنا للمعركة يستهدف طرد العدو من الأرض الوطنية المحتلة بأسبقية عالية، وإيقاع أكبر ما يمكن من الخسائر به وبآلته العسكرية كأسبقية ثانية، وأسر من تبقى بأسبقية متأخرة، وذلك لأهميتها وتهديدها أهدافنا الحيوية أو لقيمتها الاقتصادية. أما في هذه العملية وما يليها فوضعنا تدمير آلته الحربية، وأسر أكبر عدد من أفراده كأسبقية متقدمة، مع بقاء الأسبقيات الأخرى من أهداف العمليات. وبناء عليه صُممت الخطة على اندفاع قواتنا بعد تطهير المواضع الدفاعية للعدو إلى أعماق مناسبة لتدمير احتياطاته ومعداته القتالية الثقيلة وأسر أكبر عدد ممكن من أفراده.
الحرس الجمهوري: يقوم في الساعة 7.15 يوم 12 تموز/يوليو 1988 بالهجوم على العدو في منطقة الشرهاني لتدميره، وتحرير الأرض المحتلة، والاندفاع إلى عين خوش لتدمير مدفعيته، وأسر أكبر عدد من قواته.
الفيلق الرابع: يقوم في الساعة 7.15 يوم 12 تموز/يوليو 1988 بالهجوم على العدو في منطقة الطيب - زبيدات لتدميره وتحرير الأرض المحتلة والاندفاع إلى دهلران لتدمير مدفعيته وأسر أكبر عدد من قواته.
القوة الجوية: تقوم بضرب وتدمير مقرات العدو ومناطق مدفعيته واحتياطاته والجسور في موسيان وعين خوش والنادري.
طيران الجيش: يقوم بالإسناد المسلح والإنزال السمتيّ والقيادة والاستطلاع.
فُتح المقرّ المتقدم للقيادة العامة في العمارة في الساعة الثامنة مساء 11 تموز/يوليو 1988.
المعركة
الحرس الجمهوري: شرعت مدفعيته بالقصف المدفعي في الساعة 6.45 يوم 12 تموز/يوليو 1988.
أ - الصفحة الأولى
في الساعة 7.15 عبرت قطعات الصولة الأمامية خطّ الشروع تحت ستار كثيف من نيران المدفعية، ونيران الدبابات المباشرة، بعد أن تخللت من المواضع الدفاعية لقطعات الفيلق الرابع.
في الساعة 8.00 أكملت الألوية الأمامية احتلال الساتر الدفاعي الأول للعدو الإيراني. وفي الساعة 10.00 تم احتلال الساتر الدفاعي الثاني للعدو الإيراني بعد انهيار قطعاته وهروبها، وقُبض على عددٍ من الأسرى. وفي الساعة 11.00 تمكَّن اللواء 16 قوات خاصّة حرس جمهوري ومغاوير الحرس الجمهوري من عبور نهر دويريج بالزوارق المطاطية، وتأسيس رأس جسر واسع على الضفة الشرقية لهذا النهر.
ب - الصفحة الثانية
نُصبت جسور عدّة على نهر دويريج، واندفعت التشكيلات المدرعة والآلية عبرها إلى العمق الإيراني، واستولت على مدفعية العدو، وكتيبة صواريخ هوك للدفاع الجوي في عين خوش واندفعت إلى جنانة، ودمرت القطعات الإيرانية كلها فيها، ثم بدأت بجمع الأسرى والمعدات والتجهيزات التي تركها العدو عند هروبه. وقامت وحدات القوات الخاصّة بالإنزال السمتيّ على مقر الفرقة 21، ومقرّ عمليات الغرب التي تقود العدو في هذا الاتجاه، وأسرت عددًا من هيئات الركن فيها.
الفيلق الرابع: شرعت مدفعية الفيلق الرابع بالقصف المدفعي في الساعة 6.45.
أ - الصفحة الأولى
في الساعة 7.15 شرعت قطعات الصولة بالهجوم من خلال المواضع الدفاعية الأمامية للفيلق، تحت ستار نيران المدفعية والرمي المباشر للدبابات، وفي الساعة 8.00 تمكَّنت التشكيلات الأمامية للفرقتين 20 و29 من احتلال الساتر الدفاعي الأول للعدو، وفي الساعة 8.30 أصدر قائد الفيلق أوامره للفرقتين الآليتين الأولى والخامسة، وفرقة المشاة 2 بتداخل الصفحات والاندفاع فورًا إلى تنفيذ الصفحة الثانية. وفي الساعة 9.20 أكملت الفرقتان 20 و29 أهداف الصفحة الأولى باحتلالهما الساتر الدفاعي الثاني للعدو.
ب - الصفحة الثانية
في الساعة 9.40 أصدر قائد الفيلق أوامره بقيام السمتيّات بمراقبة ودلّ رؤوس أرتال الفرقتين الآليتين المندفعتين إلى العمق ومساعدتهما في إيجاد الطرق والدلالة وتقديم الإسناد. وفي الساعة 10.30 تم التقدم باتجاه موسيان ونهر عنبر لحصر قطعات العدو.
في الساعة 11.30 استلمت الفرقة الآلية الأولى مسؤولية القاطع، وتحررت الفرقة الآلية الخامسة للاندفاع إلى مدينة دهلران. وفي الساعة 17.00 أكملت تطويق المدينة. وفي 13 تموز/يوليو 1988 احتُلت المدينة وجرى تفتيشها وجمع الأسرى والمعدات والتجهيزات. طلبت الفرقة من الفيلق إرسال عجلات وساحبات لنقل الغنائم. وفي الساعة 11.00 من اليوم التالي أمر رئيس أركان الجيش بدفع لواءٍ آلي من الفرقة جنوبًا غرب نهر الطيب لحصر العدو هناك، وجرى في أثناء التنفيذ الاستيلاء على عدد من مقراته المعادية.
القوة الجوية: قامت طوال أيام المعركة بضرب المقرات والاحتياطات البعيدة والجسور الرئيسة على أنهار الكارون والكرخة والدز. ووجهت ضربات عدّة إلى قاعدة الوحدة الجوية للعدو، عندما شعرت بمحاولتها التدخل في المعركة. وتم تدمير معدات العدو أو الاستيلاء عليها، وأُسر أكثر من 7500 من ضباط العدو وجنوده، وهو عدد أكبر ممن أُسروا في معارك التحرير الثلاث السابقة.
في هذه المعركة كان أداء الفيلق الرابع والتشكيلات التي عملت بإمرته متميزًا، ولم يكن أقل من أداء الحرس الجمهوري، إن لم يكن بمستواه، وتميز قائده اللواء الركن إياد خليل زكي بالمهارة الحرَفية وبالجرأة والمبادرة، وأثبت المقولة المعروفة أن الوحدة بآمرها. وفي معارك «التوكلات» أثبتت فيالق الجيش أنها تنافس قوات الحرس الجمهوري في الأداء والقتال.
في مساء اليوم الأول من المعركة، وفي مقرّ القيادة العامة المتقدّم، كان الرئيس وأعضاء القيادة وقائدا الفيلقين في لقاء ساده جو ودّي. كان الرئيس غاية في الأريحية ينكّت ويقص ويحكي عن ذكريات بعيدة من جو القتال والمعارك. وفجأة قال إنه أصدر في هذا اليوم أمرًا بتعيين حسين كامل المشرف على الحرس ورئيس هيئة التصنيع العسكري وزيرًا للصناعة، إضافة إلى مواقعه التي يشغلها، وأضاف: «أعتقد أن حسين كامل فحسب من يستطيع أن يجمع كل هذه المناصب»، وسكت ليسمع تعليقًا أو حماسة لإجرائه هذا. ولم ينبس أيٌّ منا بأي تعليق.
قلت في نفسي: ولمَ لا، فالرجل لم يترك لوزير الصناعةِ أيًّا من مصانعه أو صلاحياته.
أُغلق المقرّ المتقدم للقيادة العامة في العمارة في الساعة الثامنة من مساء 14 تموز/يوليو 1988.