أكد جنرال تركي معزول ومطلوب لصلته بمحاولة انقلاب فاشلة في يوليو/تموز أن حملة الحكومة لعزل كبار القادة والطيارين تلحق أضرارا عميقة على المدى البعيد بثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي.
وقال محمد يالينالب الذي كان رئيسا لاستراتيجية القيادة الجوية لحلف شمال الأطلسي في ألمانيا أثناء محاولة الانقلاب إنه عزل من منصبه بعدها بأسبوع. وهو واحد من مئات ضباط الحلف الأتراك الذين جرى عزلهم. وسعى بعضهم للجوء في أوروبا.
وقال يالينالب عن الحملة المستمرة منذ محاولة الانقلاب في 15 يوليو/تموز والتي نفى أي دور له فيها "التداعيات كارثية".
وتابع "الجيش يضعف. نحن نخسر أفراد الجيش لأنهم يؤخذون رهن الاحتجاز لأجل غير مسمى"، في إشارة إلى الضباط المسجونين بانتظار محاكماتهم.
وأضاف "قد يستغرق الأمر أعواما وربما عقودا للتعافي".
وبعيدا عن غضبه بسبب تدمير مستقبله المهني يقول يالينالب إن عملية التطهير أضعفت الروح المعنوية وقلصت الكفاءة وتركت الجيش دون ما يكفي من الطيارين لتشغيل طائرات إف-16 المقاتلة.
ويرفض مسؤولون أتراك مثل هذه التلميحات. ويقولون إن الجيش أصبح أكثر ولاء وكفاءة بعد عزل الضباط المارقين الذين قاد بعضهم الدبابات والطائرات وطائرات الهليكوبتر في محاولتهم لانتزاع السلطة.
ومنذ محاولة الانقلاب شنت تركيا عملية توغل عسكرية في سوريا لطرد متشددي تنظيم الدولة الإسلامية من حدودها وصعدت حملتها ضد المسلحين الأكراد في جنوب شرق تركيا وشمال العراق.
ويقول المسؤولون إن هذا دليل على أن الجيش قادر على الوفاء بالتزاماته لحلف شمال الأطلسي ومواصلة الدفاع عن تركيا.
وقال مسؤول تركي رفيع "أنشطة القوات المسلحة التركية داخل وخارج حدودنا تنفذ دون أي عوائق والعمليات مستمرة دون انقطاع".
ويعتبر حلف شمال الأطلسي الذي ندد بمحاولة الانقلاب تركيا حليفا قويا في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في ظل موقعها الاستراتيجي بين الشرق والغرب واشتراكها في حدود مع سوريا والعراق.
وعندما سئل عن وضع يالينالب قال مسؤول أمني رفيع ثان "هناك مذكرة اعتقال بحقه. سيتم اعتقاله إذا دخل البلاد".
وذكر المسؤول أن إصدار مثل هذه المذكرة يعني أن هناك أدلة دامغة ضد الجنرال إما من خلال إفادة مشتبه به آخر أو من خلال استخدام الجنرال لتطبيق رسائل على الهواتف المحمولة الذكية تعتقد السلطات أن مدبري الانقلاب استخدموه.
ويقول يالينالب إنه لم يبلغ قط بما هي الاتهامات الموجهة له ويشكك في وجود أي دليل ضده.
نقص في عدد الطيارين
يشير مرسوم نشرته الجريدة الرسمية التركية يوم الأول من أغسطس/آب إلى أن وزارة الدفاع أعادت تكليف يالينالب بمهام في أنقرة مع 43 جنرالا آخر. ويقول يالينالب إن الضباط الآخرين الذي عادوا للبلاد اعتقلوا.
قال الجنرال البالغ من العمر 48 عاما خلال مقابلة في بلجيكا "بعض زملائي القدامى رهن الاحتجاز الآن. جنرالات كانوا في إجازة آنذاك... أشخاص على مستوى راق من التعليم".
وقدم يالينالب طلبا لتحضير الدكتوراه في ألمانيا.
وذكر أنه رغم أن الضباط الذين جرى عزلهم وعددهم خمسة آلاف يشكلون شريحة بسيطة من جيش تركيا المؤلف من نحو 400 ألف جندي فإن هؤلاء كانوا الأفضل تعليما وكان الجيش يعتمد على خبرتهم. واعتقل نحو 150 من بين زهاء 360 جنرالا منذ محاولة الانقلاب.
وقال "يستغرق الأمر 25 عاما أو 30 عاما لتنضج وتصبح ضابطا كبيرا لتخطط وتفكر وتتصرف كجنرال. وجدنا بالكاد ما يكفي من الأشخاص الموهوبين لتشغيل طائراتنا". وذكر أن هناك 240 طائرة من طراز إف-16 بينما لا يوجد سوى 200 طيار لتشغيل هذه الطائرات.
وقال "هذا ضار للغاية. إذا كنت لا تستطيع أن تشغل طائراتك فستكون ضعيفا وستكون غير مؤهل".
وذكر أن الجنود الذين لا يزالون في الخدمة يتلقون رسائل كراهية بالبريد الإلكتروني ويعانون من انخفاض الروح المعنوية ويعيشون في خوف من أن يعتقلوا.
ولا يكشف الجيش التركي أعداد طياريه المقاتلين لكن القوات الجوية في سبتمبر وجهت نداء لمئات من طياريها السابقين للعودة إلى الخدمة في صفوفها المستنزفة.
وقال مصدر عسكري هذا الشهر إن الاستجابة كانت "أقل من المتوقع" لكن وزارة الدفاع دشنت نظاما يسمح للطيارين المقاتلين السابقين الذين يعملون الآن في مجال الطيران المدني أن يعودوا على سبيل الإعارة.
وعزلت تركيا أو أوقفت عن العمل أكثر من 125 ألفا من العاملين بالدولة من جنود وأفراد شرطة ومفتشي ضرائب وقضاة منذ محاولة الانقلاب الأمر الذي قوبل بإدانة من حلفاء غربيين وجماعات حقوق إنسان وهز الثقة في دعائم الديمقراطية في البلاد.
ورفض الرئيس رجب طيب إردوغان الانتقادات لحملة التطهير واتهم الغرب بالانحياز لمدبري الانقلاب ولمح إلى أن تركيا قد تصبح جزءا من تكتل أمني تهيمن عليه روسيا غريمة حلف الأطلسي إبان الحرب الباردة.
وقال يالينالب "إذا تغيرت العقلية العسكرية في تركيا فقد يعني هذا تحول البلاد من الغرب إلى الشرق بعيدا عن الولايات المتحدة".
"هل قدمت استقالتك؟"
سبق أن شغل الجنرال منصب قائد سرب كبير في قاعدة أكينجي الجوية على مشارف أنقرة والتي كانت مركزا لمحاولة الانقلاب. ولعبت القوات الجوية دورا رئيسيا في الانقلاب الفاشل الذي قتل فيه أكثر من 240 شخصا معظمهم مدنيون.
وتشير سجلات عسكرية نشرت في الصحيفة الرسمية إلى أن يالينالب كان أيضا واحدا من مجموعة صغيرة من الضباط الكبار الذين نالوا ترقية مفاجئة في 2014 ليحصل على رتبة بريجادير جنرال. ونقل بعدها إلى قاعدة رامشتاين الجوية التابعة لحلف شمال الأطلسي في ألمانيا.
ووفقا لوسائل إعلام تركية فقد سجن سبعة آخرون على الأقل من هذه المجموعة بانتظار محاكمتهم للاشتباه في أنهم لعبوا أدوارا مهمة في محاولة الانقلاب.
لكن يالينالب قال إن مسيرته المهنية لا تشوبها شائبة. وقال إنه كان في طريقه لتناول العشاء قرب رامشتاين مع زملاء بريطانيين وأمريكيين في ليلة الخامس عشر من يوليو/تموز.
ووفقا ليالينالب فإن الدليل الوحيد ضده هو قائمة بأسماء جنرالات أتراك قدمها منفذو الانقلاب.
وذكر أن عزله بدأ بمكالمة من ضابط أدنى رتبة يسأله إن كان قد قدم استقالته. وفي ظل حيرته تحدث يالينالب مع جنرالات كبار آخرين يحققون في أحداث محاولة الانقلاب.
وقال "أبلغتهم أنه لا صلة لي بالقائمة أو بمدبري الانقلاب. لست جزءا من أي مجموعة أو منظمة غير مشروعة".
وذكر أن القائمة غير منطقية. وقال "هناك جنرالات على القائمة اتهموا بدعم الانقلاب ولا يزالون يعملون في القوات الجوية ولم تتم ملاحقتهم".
ولم يتسن لرويترز التحقق من ذلك بشكل مستقل.
وقال إن اعتقال جنرال في السفارة التركية بواشنطن أقنعه بعدم العودة.
وقبل زميله البريجادير جنرال ياوز جليك التقاعد وعاد إلى تركيا لكنه اعتقل بعدها بفترة قصيرة. وشكك يالينالب في أن يكون لجنرالات بهذه الخبرة دور في أحداث الخامس عشر من يوليو/تموز.
وقال "لو تم توريطهم في محاولة انقلاب محكوم عليها بالفشل من البداية لكانوا رفضوها".