08.11.2014   10:55:50  

 لم يكن سيناريو الاجتياح البري الكبير الذي قام به ما يعرف بتنظيم "داعش"، ضمن توقعات المحللين و المتابعين السياسيين لما يجرب بالمنطقة و لو في الحدود الدنيا، بسبب عدم قدرة أي تنظيم مسلح على مواجهة أكثر من 4 جيوش مدججة بتركة النظام السابق من الأسلحة إضافة إلى الأسلحة الأمريكية الحديثة من جهة ، و الانتماء الطائفي لتنظيم الدولة الاسلامية المحسوب على السنة، الذي لم يكن ليسهل عملية العودة إلى المشهد العراقي و لو بشبه جيش، بعد الإبادة و التصفية التي تعرض لها السنة على المستوى البشري من خلال عمليات التهجير القسري و الإعدامات و الاختطافات، أو المالي بتجفيف الولايات المتحدة لمصادر تمويل تنظيماته التي تمثله، و انحياز بعض شيوخ القبائل إلى القادة العراقيين الذي يمثل الشيعة أغلبيتهم.

   أسبوعان كانا كافيان لدفع أكثر المحللين العسكريين إغراقا في التفاؤل إلى مراجعة منطلقات تكهناتهم، بعد أن تحولت ميليشيات "داعش" المسلحة في لمح البصر إلى قوة عسكرية نظامية، و أكثر تنظيما من الجيش العراقي نفسه المشكل أغلبية قياداته من الشيعة الموالين لطهران، و باتت أنباء زحفها على مدائن العراق و قراها بتنوعها الطائفي و العرقي أمرا طبيعيا يتناوله الإعلام الغربي بكثير من الدهشة و الاستغراب، سواء لطبيعة المواجهات "الذكية" التي يصطاد بها "داعش" فيالق و فرق عسكرية كاملة بعُدتها و عتادها من الجيش العراقي، أو لنوعية الأسلحة المتطورة التي يستخدمها، كما لم تتمكن مثيلاتها من جيش البشمركة الكردي من تحقيق نتيجة أفضل، بعد أن قررت داعش استهداف إقليم كردستان الغني بالنفط.

   وضع كهذا يعني وفق خبراء عسكريين وصول الدولة الاسلامية إلى العاصمة بغداد في القريب العاجل، و هو ما سيتطلب تدخلا عسكريا أكثر تطورا لتمييل كفة اللاتوازن بين "داعش" و جيوش العراق لصالح هذه الأخيرة، سواء من خلال القصف الجوي، أو مدِّ المقاتلين المدافعين بأسلحة ثقيلة و أخرى متطورة، لوقف الزحف الداعشي على الأقل مؤقتا، إلى حين تشكيل حكومة عراقية موحدة لتقرير كيفية المواجهة.

    بعدَ النداءات المتكررة للمالكي و القيادات الكردية للولايات المتحدة بمساعدتها، و بعد إبداء حلفائها الفرنسيين و الإنجليز و الألمان موافقتهم على توجيه مثل هذه الضربات الجوية خاصة بعد فشل طيران الجيش العراقي عن تحقيق نتائج ملموسة، قامت طائرات أمريكية بدون طيار بقصف معاقل و بعض تجمعات مقاتلي "داعش" قرب نينوى العراقية، و هو ما اعتبره القادة الأكراد عاملا مهما في تسهيل استعادتهم للمدن التي سقطت بيد هذا التنظيم، و التي تأكد لاحقا أنها ضربات "محدودة" و غير كافية لصد التقدم الداعشي صوب كردستان وباقي الأقاليم العراقية.

  تعليقا على هذا التدخل الأمريكي، قال الجنرال الأمريكي المتقاعد "مايكل باربيرو" الذي سبق و أن قاد الحرب ضد العراق عدة مرات، أن هذا التدخل الجوي ليس من شأنه منع تقدم مقاتلي "داعش" المتمرسين، بعد أن تعلمت مثل هذه التنظيمات المسلحة خلال حروبها السابقة كيفية تتجنب صواريخ الأجواء المظلمة، من خلال الانشطار إلى مجموعات صغيرة و متباعدة تصعب عملية استهداف هدف محدد و استراتيجي، أو بالاحتماء في البنايات و تجنب الأراضي المفتوحة.

  في بيان لها حول عملياتها الأخيرة، فقد أصدر البانتاغون الأمريكي بيانا حول طبيعة و أهداف الغارات التي شنها الطيران الأمريكي هذا اليوم، و التي استهدفت أربع شاحنات و عربة عسكرية، و ذلك ما بين الساعة 2 :15 و 7:25 من صباح هذا اليوم قرب أربيل، فيما بثت العديد من القنوات منها الجزيرة مباشر عمليات عسكرية حية لقوات البشمركة بعد القصف الأمريكي، في محاولة منها لدخول بلدتي مخمور و الغوير، اللتان أعلن قائد عسكري كردي استعادتهما لاحقا.