يعتمد أمن الدول على ما تتخذه من إجراءات لضمان البقاء وتشمل تلك الإجراءات القدرات العسكرية والمعاهدات والاتفاقات الدولية، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية ظهر الأمن الدولى كمجال جديد مستقل للدراسة ثم ما لبث أن أصبح لب دراسات العلاقات الدولية. ويـرى الخبراء أن الأمن هو القدرة على تجنب الحروب وعدم التعرض للمخاطر، وقد اتسع مفهوم الفاعلين فى الأمن الدولى منذ التسعينات ليشمل إضافة إلى الدول المنظمات غير الحكومية والمجموعات والأفراد.
وإذا ما نظرنا إلى رؤية بعض الدول الكبرى للأمن الدولى نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً ترى أن تكامل عناصر القوة العسكرية والدبلوماسية والإقتصادية ضرورياً لتحقيق مصالحها بما فى ذلك النظام والسلم الدوليين. وترى الصين أن الأمن الدولى يجب أن يكون متبادلاً وعلى أساس الثقة المتبادلة وأن تكون لديها القدرة على مواجهة التهديدات التقليدية، فى حين ترى روسيا أن قدرتها على حماية مصالحها الحيوية وتشكيل عالم متعدد الأقطاب هو ما يمكن أن يحفظ الأمن العالمي.
وترى استراليا مثلا أن مفهوم الأمن هو حماية أرض الوطن والحفاظ على الإستقرار الإقليمى والدولى وضمان نمو التجارة والإقتصاد الدوليين ونشر حقوق الإنسان، وترتكز استراتيجيتها الأمنية بشكل أساسي على تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية واليابان.
ويتناول هذا الموضوع الجيش الإسرائيلى وعقيدته القتالية حيث يكتسب الموضوع أهميته كون الجيش الإسرائيلى لازال يحتل الأراضي الفلسطينية وهو السبب الرئيس لتوترات تلك المنطقة الحيوية والهامة من العالم وظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة والتى انتشرت فى معظم الدول العربية والإسلامية.
التاريخ القديم لجيش الدفاع الإسرائيلى
تعود بداية الجيش الإسرائيلى إلى ما قبل قيام الدولة العبرية على أرض فلسطين فى 15 مايو عام 1948 حيث تكونت بعض المجموعات المسلحة خلال الفترة من 1904 إلى 1914 مثل مجموعة بـار جيورا التـى تشكلت فى سبتمبر عام 1907 ثم تحولت إلى هاشومير في إبريل عام 1909 والتي ظلت قائمة حتى الإنتداب البريطانى على فلسطين عام 1920 وكانت هاشومير تضم أبرز اليهود المدربين على حمل السلاح ( النخبة ) وكان عملها ينحصر فى توفير الحماية لليهود من سطو العصابات المسلحة، وخلال الحرب العالمية الأولى كان الرعيل الأول من مجموعة الهاجاناه يتكون من مجموعات صهيونية إضافة إلى الفيلق اليهودى واللذان كانا جزءاً من الجيش البريطانى وبعد ثورة العرب ضد اليهود فى فلسطين فى إبريل عام 1920 إرتأى قادة اليهود أن هناك حاجة لوجود منظمة دفاع سرية فتم تأسيس الهاجاناه فى يونيه من نفس العام والتى إنتشرت فى أرجاء فلسطين بعد الثورة العربية الثانية فى فلسطين عام 1936 وأصبحت تتألف من المجموعات الميدانية ومجموعات الحرس ومجموعات البالماخ كما وافقت مجموعتا إرجون وليهى على الانضمام للجيش الجديد.
وقد تأسس الجيش الإسرائيلى فى 26 مايو عام 1948 وتمت المـوافقة على إسم " جيش الدفاع الإسرائيلى " كرمز لغرضه الدفاعى كما وافق مجلس الوزراء الإسرائيلى على قرار رئيس الوزراء ووزير الدفاع وقتئذٍ "ديفيد بن جوريون" بتشكيل الجيش الإسرائيلى فى 31 مايو 1948 وتكون الخدمة فيه إلزامية مع إلغاء كافة المجموعات المسلحة الأخرى التى تشكلت قبل قيام الدولة.
العقيدة القتالية للجيش الإسرائيلى
تكمن مهام جيش الدفاع الإسرائيلى المعلنة فى الدفاع عن وجود وسلامة وسيادة دولة إسرائيل، وحماية سكانها ومواجهة كافة أشكال الإرهاب من خلال وجود جيش صغير الحجم مستعد بنظام إنذار مبكر وقوات جوية وبحرية إضافة إلى قوات احتياط فعالة يمكن تعبئتها من خلال نظام نقل فعال.
وترتكز العقيدة القتالية للجيش الإسرائيلي على المبادئ التالية:
- ألا تتعرض إسرائيل لخسارة ولو حرب واحدة.
- معدل خسائر ضئيل للغاية.
- حسم نتيجة الحرب سريعاً.
- سرعة نقل المعركة إلى أرض العدو.
إلا أن الإستراتيجية الأمنية للجيش الإسرائيلى على أرض الواقع هى توسيع حدودها من خلال الإستيلاء على أراضى الغير وفق رؤيتها الاستراتيجية، حيث لا توجد لها حدود معترف بها سوى مع مصر يؤكد ذلك ما قالته جولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضى إذ قالت إن حدود إسرائيل حيث يقف جنودها.
لقد اعتمدت العقيدة القتالية الإسرائيلية منذ بن جوريون على النظرية الهجومية بسبب الإحساس بالضعف والتوجس بشكل كامل من جيرانها وعدم الإحساس بالأمان مما يدفعها لمهاجمة مصادر التهديد منذ ظهوره أوإتباع نهج الحرب الوقائية ضد العرب وهو ما جعل القيادة العسكرية الإسرائيلية تعمل على دعم سلاحها الجوى والحصول على أجهزة إنذار مبكر والعمل على نقل المعركة إلى أرض العدو وتقصير أمد الحرب.
ويقول مناحم بيجين رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق خلال سبعينات القرن الماضي "إن العالم لا يشفق على المذبوحين بل يحترم المقاتلين، والسياسة هي فن القوة وعندما تضرب بالمطرقة فإن الجميع يتهيبون صوت الدوى وعندما تستخدم القفاز فلا أحد ينتبه لك، إن الأحذية الثقيلة هي التي تصنع التاريخ".
وهناك رأى داخل إسرائيل يقول أنه يمكن للجيش الإسرائيلى إستئجارمرتزقة من الموالين لإسرائيل والمعادين للمسلمين، ويمكن للمرتزقة أن يشكلوا معظم وحدات المشاة فى جيش الدفاع الإسرائيلى خلال الحروب مما يجعل إسرائيل توفر ملايين الدولارات لعدم تجنيد شباب جدد وعدم بقاء الجيش على أهبة الإستعداد بشكل دائم كما أن إعتماد إسرائيل على نظام تعبئة جنود الإحتياط الذين يشكلون عماد قوة العمل الإسرائيلية (نظراً لقلة تعداد إسرائيل) يؤثر سلباً على اقتصادها.
تغير العقيدة العسكرية الإسرائيلية
تعتمد إسرائيل على تحقيق المفاجأة للعدو من خلال اختيار زمان ومكان المعركة وسرعة تحريك القوات وقد استمرت تلك المبادئ قائمة حتى حرب أكتوبر 1973 والتى منيت فيها إسرائيل بأول هزيمة قاسية لها على يد العرب مما جعل إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق يقول إن قدرة إسرائيل على الردع كانت غير كافية.
وبعد حرب أكتوبر 1973 عملت إسرائيل على تطوير عقيدتها القتالية من خلال الإعتماد على الوحدات الخاصة المحمولة جواً لتجنب الإشتباكات مع عناصر المقاومة وخفض خسائرها البشرية وتتبع عناصر المقاومة المطلوب تصفيتها فى دول العالم إضافة إلى زيادة الدعم لسلاحها الجوى لضمان تفوقها وقد استمر ذلك النهج حتى حرب لبنان عام 2006 وعن تلك الحرب قال رئيس الأركان الإسرائيلى وقتئذٍ أشكينازى إن سلاح الجو الإسرائيلى لم ينجح خلال حربه مع حزب الله اللبنانى فى حماية الجبهة الداخلية من صواريخ حزب الله وتأكدت إسرائيل من أن سلاح الجو وحده لا يحسم المعارك فعملت على تدعيم القوات البرية والتدريب على حرب العصابات.
الكتاب المقدس والعقيدة العسكرية الإسرائيلية
يستمد الجيش الإسرائيلى عقيدته القتالية من معتقدات كتابهم المقدس "التوراه" (العهد القديم) رغم ما يشوب هذا الكتاب من شكوك لبعدها عن المنطق حيث تتخذ الدولة الصهيونية مما ورد فى التوراه من مطالبات بأن تكون فلسطين هى أرض الميعاد موطناً لليهود كمعتقد أساسى وهذه الفكرة متأصلة فى الفكر العسكرى التاريخى لليهود وهو ما يتجسد في احتلال فلسطين.
وهناك عدة أفكار فى العهد القديم تستند عليها العقيدة العسكرية الإسرائيلية وهى:-
× العدوانية ويبررها وعد الرب في التوراه بأرض الميعاد، من النيل إلى الفرات، ومن ثم الرغبة فى التوسع.
ويقول بن جوريون إن مملكة داوود لا تقوم إلا بالدم وأن مصير اليهود مرتبط بقوتهم العسكرية، وبسبب وجود إسرائيل فى قلب العالم العربى فإنها تدرك خطورة وضعها وعلى ذلك فإن مبدأ الدولة المسلحة هو ما تعتمد عليه الدولة العبرية فى عقيدتها العسكرية مما يجعلها تعتمد على نظام تعبئة متقدم تستطيع من خلاله تجميع قرابة نصف مليون جندي خلال ثلاثة أيام.
× اعتماد فكرة "الخيار الوحيد" أي أنه كي يعيش الشعب اليهودى فعليه الإستعداد دائما للحرب أمام العرب، وقـد قال موشى ديان ( وزير الدفاع الإسرائيلى وقت حرب أكتوبر عام 1973 ) إن الدفاع بالنسبة لإسرائيل كان وسيظل دائما "الهجوم على العدو في أرضه".
وقال ديان خلال حفل تأبين في 9/4/1956 "نحن جيل استوطن الأرض ودون خوذة وبندقية لن نستطيع أن نزرع شجرة أو نبنى منزلاً، فدعونا لا نخشى جيراننا العرب ودعونا لا نغفل عن سلاحنا، إن هذا هو قدر جيلنا وهذا هو خيار حياتنا أن نكون مستعدين ومسلحين أقوياء وذوى عـزيمـة خشية أن يقع سيفنا من أيدنا ونموت".
إن عقيدة الجيش الإسرائيلى تؤكد على نوعية السلاح وليس الكم لمواجهة نقص العدد وتكامل الأسلحة فى أفرع الجيش الثلاثة وقيادة ميدانية فعالة وجهاز إتصال قوى ومعلومات إستخبارية فى الوقت المناسب واستخدام أسلحة دقيقة التصويب ونظام كُفئ للتعبئة.
العمق الإسرائيلي
تعانى إسرائيل من عدم وجود عمق استراتيجى لها وعدم القدرة على استيعاب هجوم برى حيث يمكن لأى هجوم من الشرق أو الشمال أو الجنوب أن يصل إلى تل أبيب خلال ساعات وهو ما يجعل إسرائيل من أكثر بلاد العالم عرضة للخطر.
وخلال الفترة من 1948 إلى 2010 لقى ما يقرب من 26654 إسرائيلى مصرعهم فى حروب وهجمات فى نفس الوقت الذى زاد فيه تعداد إسرائيل خلال نفس الفترة من 600 ألف إلى 7.5 مليون نسمة وعلى ذلك فإسرائيل تدرك الحاجة لسرعة إنهاء الحرب بسبب عدم وجود وفرة فى الأفراد والإعتماد على إحتياطى من الجنسين يشكلون القوى العاملة فى المجتمع الإسرائيلى مما يجهد الاقتصاد الإسرائيلي، مع اللجوء للضربات الاستباقية.
وعلى ذلك تعتمد إسرائيل على رادع قوى مثل القوة النووية غير المعلنة (سياسة الغموض النووي) وتطوير تفوقها التكنولوجي وهو من بين أدوات الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية.
إن هدف إسرائيل الدائم هو ضمان وجود الدولة وأمن الشعب اليهودى إلا أنه ينقصها العمق الإستراتيجى ولا تستطيع تعبئة قوات كبيرة مقارنة بجيرانها ومن ثم فهى تعتمد على الإحتياطى الإستراتيجى وتستعيض إسرائيل عن ذلك النقص بالكيف والقدرة على المناورة وقوة النيران وجهاز استخبارات قوى.
وقد ارتكزت عقيدة إسرائيل بعد قيامها مباشرة على الردع والتفوق النوعى القائم على التفوق التكنولوجى وسرعة التدخل العسكرى بواسطة سلاح الجو والإعتماد على تعبئة قوات الاحتياط، وكانت نظرية الأمن الإسرائيلي (قديماً) تقوم على الأخذ فى الإعتبار قلة تعدادها فى ظل وجودها وسط جيرانها من العرب وعدم وجود عمق إستراتيجى مما يجعلها تعتمد على توجيه ضربات جوية سريعة وقوية فى أرض العدو حتى يضطر إلى طلب التفاوض وهو ما يجعل من الصعب عليها الدخول فى حرب طويلة الأمد.
وبعد فشل العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 قررت إسرائيل عدم الإعتماد فى التسليح على قوى خارجية وأصبح الإعتماد على الذات مبدأً إستراتيجياً للجيش الإسرائيلى فاهتمت بالصناعات الحربية مما مكنها من تجاوز حظر الأسلحة الفرنسى بعد عدوان عام 1967.
سياسة الردع الجسيم
وخلال حرب الإستنزاف ( 1968-1969 ) اعتمدت إسرائيل على عقيدة الردع الجسيم من خلال مهاجمة العمق المصرى جواً وإلحاق خسائر ضخمة بالتجمعات السكنية والصناعية وبعد حرب أكتوبر عام 1973 قامت بإنشاء مراكز لمراجعة العقيدة العسكرية للجيش الإسرائيلى ودراسة الأمن الوقائى وذلك فى الوقت الذى قل فيه تقبل الشعب الإسرائيلى لإخضاع حياتهم للإعتبارات الأمنية التى فرضت عليهم الخوف الدائم إضافة إلى رفضهم زيادة الإنفاق العسكرى.
وبسبب حرب 1973 راجعت إسرائيل عقيدتها العسكرية المستقبلية لتكون جيش محترف لا يعتمد على فترات التجنيد الطويلة مع وجود حوافز للمتطوعين للخدمة الطويلة والإعتماد على النوع وليس الكم والإعتماد على الأسلحة الهجومية والذكيـة وتزويد طائراتها بصواريخ مضادة للصواريخ أرض / أرض وإعداد القوات البحرية لتكون قوة إستراتيجية لتنفيذ مهام بعيدة عن إسرائيل، وعقب حرب أكتوير 1973 قامت إسرائيل بنشر ما لا يقل عن ثلاث بطاريات مدفعية تستخدم قذائف نووية عيار 175مم مزودة بما لا يقل عن 108 رأس حربى كما وضعت ألغام أرضية نووية فى هضبة الجولان أوائل الثمانينات.
وكان مساعد رئيس الأركان الإسرائيلى الأسبق ماتان فيلنا (أواخر الثمانينات) قد ذكر أنه ينبغى مراجعة نظم الأمن الإسرائيلية لأنها لم تعد توفر الأمن للشعب الإسرائيلى بسبب حصول العرب على صواريخ أرض/أرض التي تستطيع الوصول للعمق الإسرائيلى كما حدد أبرز جوانب الخلل فى العقيدة العسكرية الإسرائيلية خلال التسعينات وهى: -
1- فشل نظرية التوسع على حساب الأراضى العربية خاصة بعد حصول الجيوش العربية على صواريخ متوسطة وبعيدة المدى وطائرات ذات مدى أكبر.
2- تعرض الشرطة الإسرائيلية للاستنزاف جراء الانتفاضة الفلسطينية.
3- زوال أحد أهم مبادئ الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية بنقل المعركة لأرض الخصم بسبب توقيع معاهدات سلام مع بعض جيرانها العرب.
4- قيام بعض الدول العربية بتطوير أسلحة كيماوية وبيولوجية.
5- صعوبة تعامل أفراد احتياط مع الأسلحة الحديثة.
6- تحمل الإقتصاد الإسرائيلى لأعباء ضخمة نتيجة إعلان التعبئة العامة لقوات الإحتياط مما يعرض الاقتصاد للشلل التام.
إن عامل الردع فى إستراتيجية الأمن الإسرائيلية يعتمد على قدرة إسرائيل على البقاء بقوة السلاح ومنع أى عمليات هجومية عليها وهزيمة أعدائها فى حال نشوب حرب إذا ما أخفق عامل الردع.
ونتيجة للمتغيرات الكثيرة التى طرأت على المنطقة فقد عملت إسرائيل على وجود نظام للإنذار البكر على الحدود وتحديد هدف العمليات الهجومية لتكون ضربات وقائية فى ظل إنتفاء هدف ضم الأراضى وأن يكون هدف الحرب هو تدمير قوات العدو لصعوبة الاحتفاظ بتلك الأراضي.
الدور الأيدولوجي في العقيدة العسكرية الإسرائيلية
وبالنسبة للجانب السياسى الأيدولوجى ودوره فى رسم العقيدة العسكرية للجيش الإسرائيلى فقد اختلف ذلك الدور تبعا لإختلاف التوجهات السياسية والإيدولوجية لأصحاب القرار فى إسرائيل فهناك الجيش كما توجد توجهات الأحزاب العلمانية والدينية وهناك من يريد ربط السياسات الإسرائيلية بسياسات الحكومة وليس الجيش كما كان الحال فى السابق حيث كانت السياسات الإسرائيلية مرتبطة بأهداف المؤسسة العسكرية مما جعلها ذات دور جوهرى فى توجيه سياسات الدولة منذ نشأتها على اعتبار أن مرحلة قيام الدولة وتثبيت أركانها يقع على عاتق المؤسسة العسكرية، والسؤال الآن يدور عن دور المؤسسة العسكرية فى المستقبل فى ضوء المتغيرات الإقليمية وصراعات السياسة الداخلية فى المجتمع الإسرائيلى فى ظل وجود محاولات لتحجيم دور الجيش فى توجيه سياسات الدولة، ويقول رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أنه فى ظل السلام الشامل أو حالة الجمود على حد سواء فيجب أن نحافظ على قوات متطورة للغاية لأن القوة هى التى أقنعت العرب بالجنوح للسلام وعلى ذلك فالعقيدة الأمنية الإسرائيلية تعتمد على إستمرار تطوير القوات الإسرائيلية حتى فى وقت السلم وإدارة حروب المستقبل بأسلوب الردع المسبق والقيام بهجوم وقائى اعتماداً على تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية والإنذار المبكر.
إن ضرب المفاعل النووى العراقى يؤكد ويوضح بشكل عملى العقيد القتالية للجيش الإسرائيلى ورغم أنه منذ حرب 1967 تؤكد إسرائيل على حاجتها للإعتراف بحدود معترف بها وآمنة يمكن الدفاع عنها إلا أنها حتى الآن لم تحدد أى حكومة إسرائيلية حدودها كما أكدت أنها لن تقبل بحدود ما قبل 1967.
وعلى ذلك فإسرائيل لديها حدود متنازع عليها والنتيجة هى الحاجة الملحة لدعم قوتها العسكرية.
برامج تطوير الجيش الإسرائيلى
تتضمن برامج الجيش الإسرائيلى حتى عام 2020 تعظيم القدرات المعلوماتية وخفض الإعتماد على القوى البشرية ومواجهة تهديدات متعددة والإعتماد فى ذات الوقت على نظام القبة الحديدية للدفاع الجوى مع تطوير نظام الدفاع الجوي "أرو" الحالي بالاشتراك مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وبموجب إتفاق تم مع الولايات المتحدة الأمريكية عام 1997 ستحصل إسرائيل على مساعدات عسكرية بقيمة 3.8 بليون دولار سنوياً حتى عام 2018، كما توجد برامج أخرى مشتركة بين الجانبين تتعلق بالقذائف الدفاعية.
كما سيتم دمج أقسام التكنولوجيا والإمداد والتموين مع القوات البرية من أجل أداء أفضل كما سيتم إنشاء قيادة مشتركة للمعلومات الإكترونية بهدف تكامل القدرات الدفاعية والعمليات الهجومية التى تقوم بها وحدات مختلفة من الاستخبارات العسكرية، وخلال عام 2016 سيتم دمج وحدة الدفاع المعلوماتى " 41 س " لتضم كافة وحدات الجيش الإسرائيلي في هذا المجال.
وسيشهد عام 2017 دمج الوحدة المعلوماتية الدفاعية الموسعة مع إلغاء فرقتين عاملتين وثلاثة مواقع قيادة لكتائب مدفعية وإعادة توزيع بعض أسراب الطائرات مع الإبقاء على وحدات المدرعات، كما يوجد إتجاه لإحلال إحدى الغواصات القديمة طراز دولفن إضافة إلى سفن السطح القديمة بقطع بحرية جديدة والإستغناء عن حوالى 6% من الرتب العاملة التى لا تدعم مباشرة العمليات القتالية.
خاتمة
ترتكز العقيدة القتالية للجيش الإسرائيلى على تحقيق معتقد أرض الميعاد الوارد فى التوراه مما يؤدى إلى إنتهاج الفكر التوسعى على حساب أرض الغير ومن ثم تعتمد عقيدة الأمن الإسرائيلية على فرضية عدم جواز خسارة ولو حرب واحدة والإعتماد على رادع موثوق به والذى يتضمن القيام بضربات استباقية، كما تستخدم إسرائيل إستراتيجياً القذائف طويلة المدى والطائرات ذات قدرات لحمل روؤس نووية لمنع الهجمات التقليدية وغير التقليدية إضافة إلى بعض السياسات التكتيكية على المستوى التنظيمى والإدارى للجيش الإسرائيلى بهدف دعم التوجه الأساسى المرتكز على تحقيق المعتقد الديني.
لقد أصبحت إسرائيل فى ظل سيطرة فكرة الحرب على فكرها الإستراتيجى عبارة عن جيش فى شكل دولة كما أنها أيضاً ضحية لفكرها الإستراتيجى ودائما ما يفترضون الأسوأ مما سيجعلها دائماً أسيرة فكر وتوجهات المؤسسة العسكرية لطبيعة نشأتها ولن تتغير عقيدتها وإستراتيجيتها العسكرية التى تعتمد على التفوق النوعى على كل الدول العربية وخاصة دول الجوار مصر وسوريا ولبنان والأردن وغزة وخاصة فى ظل ارتفاع وتيرة الجماعات الإسلامية المتشددة والمسلحة قرب إسرائيل.