بادرت مصر بشن هجوم على اسرائيل عشية عيد الغفران بصورة فاجات المستوى الاستخباري الاسرائيلي وفي يوم السادس من اكتوبر تمكن الجيش المصري من اجتياز القناة في اكبر صفعة عسكرية لاسرائيل، هذه المفاجاة دفعت الجيش الاسرائيلي لجدل عنيف حول اسلوب التعامل الامثل.
وبدا شارون يروج في الاوساط العسكرية ان هيئة الاركان وقائد المنطقة الجنوبية اللواء شموئيل غونين اخطاوا حينما لم يتبعوا خطته المسماة (عش الحمام) والتي تهدف الى حماية الخطوط الامامية لقناة السويس عبر قوات نظامية، والقيام بضربة وقائية يقودها سلاح الجو الاسرائيلي ضد المضادات الجوية المصرية.
وبصفته قائدا للمدرعات اقترح شارون على اللواء يسرائيل طال مسؤول شعبة الاستخبارات شن هجوم في القنطرة واجتياز قناة السويس من الجانب الاخر. الا ان هيئة الاركان اعتمدت خطة مخالفة تقوم على هجوم مضاد وحذر، يقضي على القوات المصرية التي اجتازت القناة دون ان تحاول تشكيلة شارون عبور القناة.
وفي العاشر من اكتوبر تولى بارليف القيادة الفعلية للجبهة الجنوبية، حيث كان الجيش قد اكمل في الجبهة الشمالية عمليته ضد الجيش السوري الى ما بعد الحدود الدولية كما تم تدمير نظام الدفاعات الجوية مما افسح المجال لمواجهة الجبهة المصرية.
وهنا عاد شارون للتاكيد على وجوب توسيع الثغرة بين الفرقتين المصريتين الثانية والثالثة وعبور القناة للضفة الغربية، الا ان هيئة الاركان ووزارة الدفاع فضلا العمل على الجبهة السورية وشن هجوم واسع النطاق في عمق الاراضي السورية وتهديد العاصمة دمشق واكتفاء تشكيلة شارون في الجهة الجنوبية بصد الهجمات المصرية.
ظل هذا الوضع على حاله حتى يوم الرابع عشر من اكتوبر، لكن ايام الانتظار هذه افقدت شارون صوابه خاصة مع اعتقاده ان اي تاجيل في شن هجوم مضاد سوف يمكن مصر من تنظيم صفوفها وترسيخ تمسكها على ضفة القناة الشرقية الى حين التوصل لوقف لاطلاق النار بضغوط من المجتمع الدولي.
وفي ظل ذلك تناهى الى مسامعه الانباء التي تتحدث عن امكانية اقالته من قبل قيادة الجيش بسبب خلافاته مع هيئة الاركان، مما جعل شارون ينظر لتلك الشائعات باعتبارها محاولة للتاثير عليه خلال الانتخابات المؤجلة لما بعد الحرب.
امام كل ذلك ازدادت قناعة شارون بان عبور القناة وابادة بطاريات الصواريخ المصرية والوصول الى عمق الفرقتين الثانية والثالثة لا يمكن ان يتم الا عبر جسر، وبالفعل تم اعتماد هذه الفكرة حيث طرح بارليف على رئيسة الحكومة غولدا مائير خطة العبور ليلة الخامس عشر من اكتوبر والتي تقوم على تعزيز تشكيلة شارون بلواء مظليين للسيطرة على راس الجسر في الضفة الغربية للقناة في منطقة الدفرسوار، ونقل فرقة مظليين وفرقة مدرعة الى الضفة الغربية اثناء الليل لتعمل على حماية راس الجسر.
وبعد ان تقوم تشكيلة شارون بانشاء راس الجسر على طرفي القناة وتعبر طريقها، يتاح لتشكيلة القائد ادان اقتحام العمق المصري، على ان تكون مهمة شارون اللاحقة توسيع خط التماس بين الفرقتين الثانية والثالثة.
وبالفعل اتبعت القيادة الجنوبية هذه الخطة التي مكنت القوات الاسرائيلية من الوصول لحافة القناة، الامر الذي جعل المصريين يعتقدون ان اسرائيل تحاول الاستيلاء على منطقة المزرعة الصينية ولم يعتقدوا ان الخطة تقضي بعبور القناة في العمق المصري، وفي الساعة الواحدة من ليلة السادس عشر من اكتوبر امر شارون اللواء «داني مات» بعبور القناة.
وبعد نصف ساعة ابحرت الزوارق المطاطية بمعداتها من الضفة الشرقية الى الضفة الغربية من القناة، وفور رسوها على الجانب الاخر فجّر المظليون عبوة انبوبية مزقت الاسلاك الشائكة ورسخت القوات الاسرائيلية وجودها على الضفة الغربية لقناة السويس.
وعند الساعة الخامسة من فجر يوم السادس عشر من اكتوبر توجه شارون وبرفقته قوة طلائعية من عشر دبابات الى احدى التلال القريبة من القناة ونزل من احدى المدرعات.
واشار الى سائق الجرافة باتجاه نقطة محددة في التلة الترابية ليعمل على ازالتها، وحين فشل في ذلك، قصد شارون الجرافة بنفسه وحل مكان سائقها ليريه كيف يفعلون ذلك، مسقطا التلة في مياه القناة، وهكذا فشلت القوات المصرية في سد الثغرة.
وتحول وجه الحرب في سيناء، ولاول مرة منذ بدء الحرب في السادس من اكتوبر يتمكن الجيش الاسرائيلي من شن هجوم مضاد في العمق المصري قالبا موازين القوى، وهنا اراد شارون اكمال العبور الا ان هيئة الاركان وقيادة المنطقة الجنوبية رفضوا ذلك، بحجة ان الجسر الذي اقامته تشكيلة شارون ضيق وضعيف .
ولن يكون بالامكان نقل القوات الى الضفة الاخرى ومواصلة القتال، اذ قد ينصب المصريون كمينا قاتلا لهم، لكن شارون يدرك ان الامر لا يتعلق بالنواحي العسكرية كما تدعي هيئة الاركان، بل هناك اعتبارات سياسية محضة، اذ انهم لا يرغبون ان يجتاز القناة مبتعدا عن سيناء.
وفي السابع عشر من اكتوبر وبينما كانت الجبهة مشتعلة تماما صرخ احد الضباط باتجاه شارون محذرا اياه، وبحركة سريعة خفض شارون راسه وانبطح داخل ناقلة جنود مما ادى الى انقاذ حياته، اذ سقطت قذيفة مصرية خلف مجنزرته. وما هي الا ثوان معدودة حتى سمع دوي انفجار هائل على مقربة من المجنزرة، فارتطم راس شارون بالرشاش الثقيل المثبت في المدرعة وغطت وجهه الدماء فاقدا الوعي لبضع ثواني.
استمرت الحرب بين كر وفر دون ان يتم حسمها لاي من الطرفين الى حين اعلن مجلس الامن في الثاني والعشرين من اكتوبر قراره رقم 338 والذي يتضمن وقف اطلاق النار، ولان شارون كان لا يزال على ارض المعركة يواصل مسيره باتجاه مدينة الاسماعيلية بهدف اكمال محاصرة الجيش الثاني، عمل كل جهده لمنع اسرائيل من الموافقة على قرار 338.
ولاجل ذلك اجرى اتصالا مع عضو الكنيست مناحيم بيغن طالبا منه الضغط على غولدا مائير لرفض قرار 338، ولكن دون جدوى حيث تم الالتزام بقرار وقف اطلاق النار.
*ملك اسرائيل
في اعقاب ذلك تصاعدت شعبية شارون لدرجة كبيرة، وبدات مركبات تشكيلته تجوب مناطق سيناء تحمل لافتات كتب عليها (اريك ملك اسرائيل). حتى ان هذه العبارة انتشرت في كل الطرق والمحاور حتى في اوساط جنود الاحتياط كان اريك ملك اسرائيل.
لقد اصبح شارون المنتصر الاول في هذه الحرب، على الاقل في اوساط الجمهور الاسرائيلي، فهو الرجل الذي عبر قناة السويس وحسم المعركة في وجه الجيش المصري على خلفية التقصير الاستخباراتي وعدم جاهزية الجيش للحرب.
وفي ظل تلك الاجواء تصاعدت حرب الاتهامات بين الجنرالات حتى ان اللواء افراهام ادان شن هجوما على شارون قائلا: لقد حاول شارون اجتياز القناة باي ثمن من اجل الحصول على المجد، واحاط نفسه بزمرة من الصحافيين الذين زرعوا انطباعا عنه بانه قادر على قتال الارواح الشريرة والشياطين والاشباح وانه هو من حقق النصر في نهاية الحرب.
وبعد مرور ثلاثة اشهر على الحرب وتحديدا في شهر ديسمبر 1974 اصدر شارون بيانا خاصا لجنوده اعلن فيه عن تسريحه من الخدمة العسكرية وخلافا للاجراءات المتبعة في صفوف الجيش لم يعمل على اخذ مصادقة رئيس هيئة الاركان.
الامر الذي تم تفسيره باعتباره اجراء سياسيا يهدف لكسب ود الجماهير، خاصة انه عقد بعد ذلك مؤتمرا صحافيا في تل ابيب استهزا خلاله بحزب العمل الذي قاد مفاوضات مع مصر لوقف اطلاق النار وفصل القوات.
وتوجه بعدها الى ميدان ملوك اسرائيل للمشاركة في اجتماع احتجاجي تحت عنوان «الانسحاب مقابل لا شيء من قناة السويس» حيث القى كلمة اثناء الاحتجاج جاء فيها «انسحاب جيش منتصر تقوده حكومة مهزومة» في حين هتف المشاركون «اريك ملك اسرائيل».