عندما تمكنت قوات البشمركة الكردية من إسقاط طائرة من دون طيار صغيرة الحجم (أو ما يُعرف بالدرون) تابعة لداعش، ظنّت أنها فازت بصيد ثمين، لكن النتيجة كانت دموية. سارع عناصر من البشمركة لتفحص "الدرون" وكشف خباياه، فانفجر بين أيديهم وقتل اثنين منهم.
داعش إذاً باتت تفخّخ الطائرات الصغيرة من دون طيار وترسلها في الفضاء إلى ساحة المعركة. هو السلاح الجديد الذي فاجأ المتابعين، فبعد أن عمد التنظيم إلى "الدرون" لغرض التصوير ثم الاستطلاع، فها هو على ما يبدو قد استفاد من التكنولوجيا الحديثة ليجعلها مشروع سلاح فعال.
بالنسبة للخبراء العسكريين، وكذلك لخبراء هذا النوع من الطائرات، فإن البنتاغون لم يكن يتوقع أن تصل الأمور بالتنظيم إلى هذه المرحلة من الابتكار، وبالتالي فقد كان بطيئاً في ردة فعله على استخدام داعش للتكنولوجيا الجديدة. ومع ظهور السلاح الجديد على الساحة، ازدادت المخاوف من صعوبة حسم معركة الموصل سريعاً.
يوضح مسؤولون عسكريون أن البنتاغون كرّس جهوداً ملحوظة لإيقاف "الدرون"، وفي الفترة الأخيرة قامت كل من وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الاستخبارات الدفاعية بتقييم سري بشأن استخدام داعش الطائرات من دون طيار كأسلحة، بينما كلّف وزير الجيش الأمريكي إريك فانينغ مسؤولاً خاصاً لبحث هذا التهديد الجديد، ودراسة كيفية وقف الطائرات من دون طيار التي يستخدمها التنظيم. وخلال الصيف الماضي، طلب البنتاغون 20 مليون دولار إضافية كتمويل من الكونغرس للمساعدة في مواجهة هذه المشكلة.
"الدرون" بمتناول الجميع
لكن هل يُعدّ هذا الجهد كافياً؟ لا يبدو الأمر كذلك. انتقد محللون عسكريون في حديث لـ"نيويورك تايمز" التحرّك البطيء للمسؤولين العسكريين الأميركيين، بينما حذروا من أن استخدام داعش لـ"الدرون" التجارية المتوفرة في السوق للجميع كـ"دي جي إيه فانتوم" الذي يستخدم في تصوير الأعراس والمناسبات والتقارير التلفزيونية، على عكس الخاصة بالجيش الأميركي التي تحتاج لمدرج تقلع وتهبط فيه، يجعل مواجهتها أصعب.
في حوار لرصيف22، يوضح ريكاردو فيليبيني، أحد الخبراء المتخصصين في مجال التصوير بـ"الدرون" أن الأخير يمكن الحصول عليه بسعر 1500 دولار من أي محل تجاري للتصوير، ويمكنه أن يطير 65 كيلومتراً في الساعة ويصل إلى 4 كيلومترات كحدّ أقصى، ومع تعديل بسيط يمكنه أن يطال 8 كيلومترات. يمكن تحميل هذا الموديل من "دي جي آي فانتوم" وزناً إضافياً يصل إلى نصف كيلوغرام. وإذا كانت من المواد المتفجرة يمكنها أن تقتل بالتأكيد. أما النسخة المتطورة منه، وهي "دي جي إيه فانتوم أم 600"، فتستخدم اليوم في التصوير السينمائي لقدرتها على حمل كاميرا إضافية تصل إلى 7 كيلوغرامات. ويمكنه أن يصل إلى مسافة 8 كيلومترات على ارتفاع 300 متر.
.
يوضح فيليبيني أن هذه المعلومات تتعلّق بالنسخة الجديدة من هذه الطائرات من دون طيار وهي "فانتوم 4"، بينما "فانتوم 1" و"فانتوم 2" و"فانتوم 3" يمكن الحصول عليها بأسعار زهيدة تصل إلى 300 و400 دولار. في المقابل، يؤكد أن السوق في حال تطور سريع، ويعمل المتخصصون بتصنيع هذه الطائرات على تطويرها لجهة الطيران لمسافات أطول وتعزيز قدرة بطارياتها على الصمود، فضلاً عن مواجهتها لظروف المناخ المختلفة.
"عدو لا يتعب"
تنقل "نيويورك تايمز" عن الجنرال العسكري سيان ماكفارلند قوله "نحن نتعامل مع عدو يتعلم ويطور قدراته بشكل مستمر"، فعندما استخدم داعش "الدرون" للمرة الأولى كان بهدف تصوير هجوم انتحاري بسيارة مفخخة ونشرها على موقعه الإلكتروني. بعد ذلك، كان واضحاً للمسؤولين أن داعش بدأ يستخدم "الدرون" لأغراض استخبارية تساعده في التعامل مع المعارك، إذ نشر في إحدى المرات تسجيلاً مصوراً يظهر مواقع تمركز للقوات الأميركية والعراقية في شمال العراق.
وبعد أيام على نشر هذا الفيديو، نزل صاروخ كاتيوشا في المكان حيث ينتشر 100 جندي من المارينز، وقد قتل واحداً منهم. قد لا تكون الضربة مؤلمة بالمعنى العسكري، لكن فيها الكثير من الدلالات عن مساعدة التكنولوجيا لداعش في تطوير قدراته الاستطلاعية. وحتى لو لم تكن القدرات الاستطلاعية للتنظيم بهذه الدقة، فإن وضع صور ملتقطة من السماء على مواقعه، تساعده بشكل كبير في عملية البروباغندا وإظهار القوة. هذا ما يشير إليه الجنرال ماكفارلند للصحيفة الأميركية.
وعلى الرغم من استهداف قوات التحالف في الأشهر الماضية للعديد من "الدرونز" التي أطلقها داعش، يبدو أن الوضع سيكون أكثر خطورة في سوريا والعراق بحسب مركز محاربة الإرهاب في كلية وست بوينت، الذي أكد أن المستقبل بما يحمله من تعقيد في تصنيع "الدرونز" المتاحة للاستخدام المدني، يجعل الأمور أكثر خطورة.
دخل "الدرون" إذاً إلى ساحة القتال من أبوابه العريضة، في البروباغندا ثم التجسس، ثم الاستهداف اليوم مع تفخيخه وقتل عناصر البشمركة. في المقابل، يدرس خبراء مكافحة الإرهاب وسائل مواجهة التهديد وتطوير تقنيات تعترض "الدرون" كالذبذبات التي تفقد من يسّيره القدرة على التحكم به. لكن لا يبدو أن التطوّر التقني ينتظر كي يطوّر المسؤولون عن مكافحة آثاره السلبيّة، أدوات محاربته.