التصريحات الأخيرة لقطبي المحرك الأوروبي “فرنسا وألمانيا” تؤكد العودة إلى فكرة بناء الدفاع الأوروبي، ولم يخف البلدان تحميل بريطانيا معارضة المشروع الأوروبي منذ سنوات لفكرة بناء الدفاع الأوروبي.
أوروبا و منذ تأسيس الاتحاد الأوروبي تبحث في مسألة تأمين دفاعها بنفسها، ولكن التناقض في السياسات داخل الاتحاد الأوروبي والتي لا ترى ضرورة من بناء دفاع أوروبي مستقل عن الحلف الأطلسي، أجلت الحسم في القرار ليعود اليوم من جديد إلى الساحة السياسية والإعلامية.
مختلف الاجتماعات التي عرفتها المؤسسات الأوروبية حول قضية الدفاع الأوروبي والصناعة العسكرية توصلت إلى نتيجة واحدة مفادها، أن القدرات المالية والتكنولوجية لدولة وحدها غير قادرة على تأمين الدفاع الأوروبي وضمان صناعة عسكرية في مستوى طموحات الأوروبيين، وهذا ما أكده سارج داسو في أحد لقاءاته في البرلمان الأوروبي عندما قال إنه بدون دفاع أوروبي ستشتري أوروبا في السنوات القليلة القادمة طائرتها من السوق العالمية.
هذا التصريح يؤكد استشرافا دقيقا من أحد ممثلي الصناعة العسكرية في أوروبا، لبمستقبل الإنتاج العسكري الأوروبي والقدرات الدفاعية الأوروبية.
الدول المنتجة للسلاح العسكري ليس كثيرة ولا يتعدى عددها الخمس أو الست دول في الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا، ويمكن الآن العمل في إطار التعاون الممركز داخل الاتحاد الأوروبي على تطوير فركة الدفاع الأوروبي كما صرحت به ألمانيا و فرنسا، وفكرة التعاون الممركز تعتمد على تجميع الدول الأوروبية التي يهمها الأمر داخل الاتحاد والبدء في العمل فيما بينها دون انتظار لاقتناع كل الدول الأعضاء ثم التقدم في المشروع مع محاولة إقناع الدول الأخرى وضمها إلى الفكرة في الوقت الذي تقتنع فيه.
أزمة الدفاع الأوروبي هي إذن سياسية، رغم أن الاتفاقية الأوروبية تؤكد أن الدفاع الأوروبي هو أحد أعمدة البناء الأوروبي وهو مبدأ متفق عليها ويظهر الخلاف عندما يتم الحديث عن استقلاله عن حلف الأطلسي أو يكون بداخل الحلف الأطلسي، وهنا يظهر الصراع جليا بين القطبين.
يتعين على الدول التي عادت لفكرة تأسيس الدفاع الأوروبي حل هذه المعضلة ومواجهة أزمة التشرذم الذي تعرفه الصناعة العسكرية في دول الاتحاد الأوروبي وتوحيدها وإعادة انتشارها على أساس تكميلي وليس تنافسيا كما هو حاصل الآن لأن الكثير من الدول تنتج نفس الأسلحة.
بريطانيا لم تكن تعارض الدفاع الأوروبي فقط بل عارضت كل أشكال الوحدة السياسية والاقتصادية والعسكرية وهو نابع من رؤيتها للاتحاد الأوروبي التي لا تخرج عن كونه سوقا تجارية لها، وعادت فرنسا وألمانيا إلى فكرة بناء الدفاع الأوروبي الموحدة وقد تجد معارضة أخرى تقودها الدول المرتبط بالولايات المتحدة الأمريكي، وترى أنها قادرة عبر حلف الأطلسي أن تضمن حمايتها.
الرئيس الفرنسي أعاد طرح قضية الدفاع الأوروبي والتعاون بين الأعضاء بمناسبة انعقاد القمة الأوروبية غير الرمية في براتيسلافا، وأعاد طرح مسألة الأمن الأوروبي والدفاع من جديد بقصد إحياء فكرة التعاون في بناء فكرة الدفاع الأوروبي المشترك بين الدول الأوروبية، والذي يمر حتما عبر إعادة هيكلة الإنتاج الحربي وتنظيمه حسب الحاجة الأوروبية، وإخراجه من حالة التشرذم الحالية، والأزمة المالية من شأنها إقناع قادة أوروبا أو على الأقل قادة الدولة التي لديها قاعدة صناعية عسكرية على قبول فكرة إعادة هيكلة الصناعة حسب مبادئ التكامل بين الدول الأعضاء وهي الطريق الأوحد الذي سيؤسس لدفاع أوروبي مشترك ولا يوجد طريق آخر لضمان أمن أوروبا في السنوات القادمة.
ومن هنا تأتي المقترحات التي سيتقدم بها الرئيس الفرنسي حسب تصريحاته لباقي الدول الأعضاء في المستقبل القريب. و تعتبر الفكرة من بين الأفكار التي ستعيد إحياء المشروع الأوروبي