تل العزيزات، وهو من أمنع وأحصن المواقع الدفاعية السورية طبيعة،بحكم موقعه الجغرافي الاستراتيجي المطل على تلال وجبال الجليل الفلسطيني وسهل الحولة، وإعداداً بحكم مناعة التحصينات التي اشرف على بناؤها طواقم من المهندسين العسكريين الالمان السابقين، وهو جزء من التلال الامنية السورية الممتدة من هضبة المغاوير- تل الفخار- البحيرات وخربة السودا .وتل العزيزات موقع عسكري متقدم على الجبهة السورية في مواجهة إسرائيل في الجولان بعد اتفاقيات الهدنة الموقعة مع إسرائيل في العام 1949 التي شهدت خروقات عديدة متبادلة للاستيلاء على أراضي إستراتيجية جديدة، وحاولت القوات الإسرائيلية أكثر من مرة خلال عشرين عاماً قبل هزيمة حزيران 1967 احتلال الموقع واحتلال عدة مواقع سورية متقدمة سيطروا عليها خلال تلك الفترة في تل القاضي" تل دان " حيث كان الإسرائيليون يرابطون في أسفل التل والسوريون استحكموافي أعالي التل.
تل العزيزات في الجولان السوري وهو الشوكة التي ظلت تفقأ عيون الإسرائيليون بحكم انه يطل على المستوطنات الإسرائيلية في الجليل ( دان ودفنة و شأرياشوف) وكانت اسرائيل كما ذكر وزير حربها الاسبق موشي ديان ، تتعمد إثارة الاستفزازات ضد السورين بإدخال اليات زراعية أو مدنية او حتى عسكرية لجعل السوريين يطلقون النارعليها او على المستوطنات القريبة،ومن ثم تقوم اسرائيل بالرد عسكرياً من اجل السيطرة على مناطق جديدة دون التعرض لضغوطات دولية، وإنما لإظهار إسرائيل كمن يدافع عن النفس. وقد حاولت إسرائيل في العام 1948 الاحتفاظ بالتل بعد ان سيطرت عليه قوات الاتسيل الصهيونية، واحتلت قرى العباسية وغرب المدخيل، وبقيت في تل العزيزات حتى العام 1949الى حين استعادته القوات السورية وبقيت المنطقة المنزوعة السلاح الشمالية بين كيبوتس دان ودفنة ولغاية بانياس كانت خاضعة لسيطرة المواقع السورية , وإسرائيل سيطرت علي ثلث هذه المساحة عبر حراثتها وزراعتها حتى العام 1967.
لم يخطر في بال قادة إسرائيل ان بإمكان جيشهم التوغل لأكثر من 15 كلم داخل الأراضي السورية والسيطرة على التلال المطلة على الأراضي الإسرائيلية في الجنوب والوسط والشمال على طول الجبهة السورية الاسرائيلية، كما كان مخططاً منذ البداية، الا انه بعد الانتصارات السريعة التي حققها الجيش الإسرائيلي على جبهات القتال واحتلال سيناء ومدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، قرر قادة إسرائيل وبعد جدال مكثف وضغوطات من قبل قادة الاستيطان بالتقدم نحو المرتفعات السورية ، وطرد الجيش السوري من المرتفعات الإستراتيجية في الجولان صبيحة التاسع من حزيران 1967، قبل بدء الضغوطات الدولية ومجلس الأمن على إسرائيل لوقف العمليات الحربية، وقد كان لانسحاب القوات السورية الغريب والمفاجئ من مواقع الجبهة ومدينة القنيطرة ، بعد صدور بلاغ عسكري حمل رقم 66 صادر وزير الدفاع السوري انذاك حافظ الاسد من اذاعة دمشق، الحسم العسكري وجعل قادة اسرائيل يتقدمون بسرعة فائقة داخل الجولان وصولا غالى مدينة القنيطرة على الأقل وسط ذهول الجنود والضباط الإسرائيليون الذين تعرضوا لمقاومة في عدة محاور محدودة من قبل جنود وضباط سوريون رفضوا تنفيذ البلاغ العسكري بالانسحاب الكيفي وحماية دمشق العاصمة. وفي ساعات ما بعد الظهر من العاشر من حزيران طوقت القوات الإسرائيلية مدينة القنيطرة التي كان خالية من العسكر السوري وبتعداد سكاني يبلغ عدة الآلاف مدني سوري فقط ، واستسلم للقوات الإسرائيلية لواءين واحد مدرع والأخر آلي، فيما انسحبت باقي القطع والوحدات السورية نحو دمشق وفي مقدمتهم قائد الجبهة احمد المير لحماية النظام البعثي من السقوط كما برر قادة البعث فيما بعد. حيث كان شغل القيادة نقل وتأمين ذهب ورصيد المصرف المركزي السوري بحجة لتمويل مقاومة الاحتلال الاسرائيلي الغاشم من الشمال السوري بعد سقوط الجولان وخشيتهم من سقوط العاصمة دمشق ...
لقد شهد تل العزيزات في التاسع من حزيران معركة بين القوات الإسرائيلية والسورية التي كانت مرابطة هناك بقيادة النقيب "حسين ابو عزار" وهو ضابط متقاعد انضم إلى قوات الاحتياط بعد اعلان حالة الطوارئ قبل حرب حزيران،، وكان يعمل موظف في بنك دمشق الوطني، ليعيل زوجته،، حيث كان واثقاً من عدم قدرة ااي قوة عسكرية من السيطرة على التل او التقدم باتجاه المرتفعات السورية ،لتفوق السورين من ناحية الجغرافيا والإعداد العسكري الجيد للمقاتلين كما ذكر لمحققه بعد أسره في سجن عتليت " يهودا شيبر " .
الا ان الوقائع الاسرائيلية تؤكد ان لواء " غولاني" الإسرائيلي هو من قاد الهجوم على تل العزيزات بقيادة الجنرال "بني عنبر " ونائبه امير دروري ضمن خطة الاستيلاء على التلال الامنية السورية في الجنوب والوسط والشمال من الجولان، واخترق الدفاعات السورية من الجهة الخلفية وسط قصف مدفعي مكثف، حيث لم يتوقع السوريين ذلك، وكانت الخسائر البشرية 50 شهيداً سورياً وقتيل إسرائيلي واحد يوسف منصور( وهو مصري الجنسية ويهودي الدين)، و-20 أسيرا بما فيهم قائد التل ونائبه فيما استطاع آخرون من الجنود الهرب باتجاه تل الفخار..
سقط الموقع السوري المتقدم كما سقطت كل الجبهة التي كانت موقعا جغرافياً مرتفعا ومليئا بالمخابئ والمغارات تحت الأرض والخنادق واشد التحصينات العسكرية والأمنية التي منحت القوات السوري ميزة راجحة نادرا ما امتلكها جيش في مواجهة جيش في الحروب الحديثة.وكان الانهيار شاملا كان الانسحاب من الجولان عشوائيا وغير نظامي، بمعنى إعطاء الأوامر للجنود «لكي يدبر كل منهم أمره». لا قائد الجبهة ولا قيادة الأركان تمكنا من «لملمة» الجنود المنسحبين بلا معركة حقيقية، بحسب وصف الصحفي السوري غسان الأمام الذي زار الجبهة قبل الحرب بسنوات.
بعد عدة أيام من انتهاء الحرب واحتلال تل العزيزات بدأت القوات الإسرائيلية باستكشاف التحصينات العسكرية واستكشاف الموقع الذي هدد مئات الإسرائيليين منذ العام 1948، وهددهم كذلك بعد احتلاله نتيجة انفجار لغم ارضي بأحد الجنود الإسرائيليين في محيط التل، الأمر الذي أثار الخوف لدى قادة الجيش الإسرائيلي بان السورين قد وضعوا أفخاخا عسكرية للنيل من الإسرائيليين بعد هزيمتهم، ومن اجل ذلك قدمت قوة إسرائيلية بعد موافقة السلطات المعنية إلى سجن عتليت وأخرجت النقيب السوري حسين ابو عزار من السجن واستطحبته إلى الموقع الذي اشرف عليه ليحدد لهم خارطة الألغام في الموقع والأمكنة التي يوجد فيها أفخاخ، وبدون اي مرافقة أمنية من قبل الشرطة العسكرية يقول " يهودا شبير" من سلاح الاشارة والتصوير" تقدمت ومعي النقيب السوري وقائد الطيارة "يهودا شيبر" التي كانت تبث لنا صور الموقع وضابط من المخابرات العسكرية، وحين دخلنا إحدى الطرق المؤدية للتل طلب النقيب السوري من السائق التوقف لان هذه الطريق ملغمة بمئات الألغام الارضية العشوائية والمنظمة، ونزلنا من السيارة وتابعنا التقدم سيراً ببطء وحذر، ومن وراءنا كانت طواقم الهندسة تحدد المنطقة وتضع علامات الخطر، وشرح النقيب لنا كيفية استخدام سلاح مضاد للطائرات حيث كان هذا السلاح يطلق النار على الطائرة الإسرائيلية التي كان يقودها " شيبر" حيث احتفظ لنفسه ببعض الطلقات من السلاح.
استمر التحقيق مع النقيب السوري ميدانيا ساعات طويلة وكان واضحا انه متعاون ولا يرغب بالتسبب بموت أي إنسان أخر، وكان كتوما ولبقاً وثقيلاً جدا مما يدلل على شخصيته القوية وحين توجهنا معه إلى بانياس لمعرفة أين موقع الحامية السورية لفرع الاستخبارات العسكرية السورية في بانياس لم يجب لأنه ببساطة لم يكن على علم الا بالمقرات في مسعدة وكفر نفاخ، وأكثر مشهد مؤثر كان له الدور الكبير في تبديد التوتر والخوف والأجواء المشحونة حين ركض كلب نحو النقيب السوري واخذ يلعب معه ويداعبه فقد كان هذا الكلب تابع للجنود السورين في التل وبقي لعدة أيام وحيداً، وكان يتسلل إلى الموقع يبحث عن أصدقاءه الذين تركوه وحيداً بدون مأوي أو طعام، لكنه حين رأى النقيب ركض نحوه واخذ يداعبه ويشتمه وكانت دموع النقيب واضحة جدا على هذا اللقاء....