سفير سوفيتي سابق يكشف خفايا الحرب العربية - الإسرائيلية في عام 1973 – 2
أثار تراجع مكانته في العالم العربي القلق في نفس السادات . وبدأ يشعر ان الرئيس السوري حافظ الاسد لا يثق به ، بالرغم من ادراكه ان سوريا الصغيرة بحاجة الى التحالف مع مصر القوية. ولا يمكن اقامة علاقات مع " خير صديق " – الزعيم الليبي معمر القذافي. فان القذافي شعر بالمهانة للغاية من سلوك السادات الذي لم يسمح الى مسيرة تتألف من 100 ألف ليبي للزحف الى القاهرة من أجل تسليم الرئيس المصري عريضة موقعة بالدم تتضمن المطالبة باندماج ليبيا مع مصر فورا.
وكان الملك السعودي فيصل " العبقري الشرير " في العالم العربي ينظر بامتعاض الى مواقف السادات. وبالرغم من انه راض عن سلوك السادات في معاداة السوفيت والناصرية ومغازلة الاميركيين ، لكنه غير راض عن تردد الزعيم المصري في تحرير الاماكن المقدسة لدى كل عربي والتي يحتلها الغزاة الاسرائيليون ، وهو- أي السادات- يقف خلال فترة طويلة جدا مترددا في التوجه الى الاتحاد السوفيتي ام الى الولايات المتحدة. الا ان الملك فيصل يمثل الاموال ، الاموال الكثيرة جدا . والملك يهبها متى ما رغب في ذلك ، وبسخاء ...
اما الزعيم الجزائري هواري بودمين فكان ينظر الى السادات بشيء من الريبة منذ وقت بعيد. وكانت الجزائر تصبو منذ وقت بعيد الى تولي زعامة الامة العربية ، كما كان ذلك في زمن عبدالقادر. كما ان الجزائر تمثل في العالم العربي " بلاد الشهداء" ، والبلاد التي ضحت بمليون شهيد من أجل نيل الحرية. وكان لدى بومدين مفهومه حول كيف تجب ممارسة دور الزعيم. لكن السادات ليس الشخصية المناسبة لذلك. فهو من عيار آخر. ان مصر اكبر بلاد عربية ، لكنها صارت تتخلف في تطورها السياسي بعد رحيل عبدالناصر.
ومكانة السادات ليست افضل في البلدان العربية الأخرى. لكن بوسعه عدم ايلاء الاهتمام لها ، ودعها نفسها تأخذه في الحسبان.
بدا ان السادات قد أوضح موقفه من الاتحاد السوفيتي . وبإعتقاده انهم هناك يعرفون بأنه ليس صديقا لهم: فقد أودع في السجون رفاق عبدالناصر ، وطرد الخبراء العسكريين السوفيت مجللين بالعار ، ورفض تسديد الديون بشكل استعراضي ، وكذلك اقصاء حكومة صدقي ، والاقوال الفظة التي اوردها السادات بحق القادة السوفيت – وقد فعل هذا كله بغية ان تصل احاديثه الى موسكو حتما : وفي عام 1973 رفض السادات استقبال رئيس الدولة السوفيتية بذريعة أراد نفسه ان تكون مضحكة وان يظهرها للروس كما طلب ان يأتي الى القاهرة رئيس لجنة أمن الدولة السوفيتي كما لو انه يجب ان يقدم تقريره اليه وهلم جرى ، وبضمن ذلك بث الاشاعات بين فترة وأخرى بصدد رغبته في إلغاء معاهدة الصداقة السوفيتية – المصرية، وخلق المضايقات للسفن الحربية السوفيتية في الاسكندرية. وكذلك نشر افراد حاشيته المقربين بإيعاز منه مقالات معادية للسوفيت وغير ذلك.
كان السادات واثقا بأن الاتحاد السوفيتي يهتم باقامة علاقات طيبة مع مصر ، أكثر من إهتمام مصر بإقامتها مع الاتحاد السوفيتي . ومعنى ذلك انه قرر خياره في الجهة التي ينضم اليها. وحتى ذلك الحين يمكن الاستفادة من الاتحاد السوفيتي قدر الامكان.
.. وفي الغرب
كما لم يكن السادات يتمتع بمكانة في الغرب ، ولوحظ ذلك من سلوك البلدان حياله. وكانت البلاد الوحيدة التي غالبا ما تخاطبه وبكل احترام هي الولايات المتحدة وقادتها. وعندما اعلن هنري كيسنجر وزير الخارجية الاميركي الجديد بصراحة ان الهدف الرئيس لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط هي ابعاد الاتحاد السوفيتي من هذه المنطقة ، شعر السادات ان هناك قوة واحدة فقط يمكن ان تساعده في البقاء في السلطة. انها ليست ممثلة بالكادحين في مصر والبلدان العربية الاخرى – بل انها قادة الولايات المتحدة. فهم وحدهم يتمتعون بالامكانية ما اذا ارادوا في الضغط على اسرائيل. ولا ينتظر ذلك من الروس ، وهم انفسهم اعترفوا أكثر من مرة ، بأنه لا تتوفر لديهم الوسائل لآجبار اسرائيل على تغيير سياستها. انهم كانوا يعنفون الولايات المتحدة بهمة مشيرين الى ان سياسة الولايات المتحدة بالذات تحول دون احلال السلام العادل في الشرق الاوسط : لأن الولايات المتحدة تتمتع بالامكانية لممارسة الضغوط على اسرائيل ، لكنها لا تريد ذلك. ومعنى ذلك ان الروس يعترفون بان الولايات المتحدة قادرة على الضغط على اسرائيل ، أي مساعدة السادات.
ويتبقى أمل واحد هو اقامة العلاقات مع الولايات المتحدة.بيد ان سمعة الولايات المتحدة مشينة في العالم بأسره ، ناهيك عن منطقة الشرق الاوسط. وقد وجه السادات نفسه اللعنات أكثر من مرة الى الامبريالية الاميركية. اذن ما العمل اذا لا يوجد مخرج آخر؟ ألا يمكن عقد صفقة والتوصل الى حل وسط مع العدو ؟..أي الولايات المتحدة – يجب امعان الفكر في هذه المسألة. وبرأي السادات ان الولايات المتحدة ليست عدوا سياسيا ، بل انها فقط احدى " الدولتين الاعظم" التي تكافح من اجل السيطرة على العالم. وبرأيه ان الاتحاد السوفيتي لا يختلف عن الولايات المتحدة في شيء من هذه الناحية. تلك هي فلسفة النزعة القومية البرجوازية.
يجب من اجل اقامة علاقات مع الولايات المتحدة التخلي عن العلاقات الوثيقة مع الاتحاد السوفيتي. وقد ادرك السادات ذلك منذ وقت بعيد. وقد عمل كل شيء من أجل ذلك. وفي هذا المضمار كان كل شيء جاهزا. والاميركيون يعرفون ذلك. انهم يرون ما يجري في مصر ، ويتلقون الرسائل من السادات.
كان السادات بحاجة فقط الى ذريعة جيدة جدا من اجل القيام بالانعطاف السافر. الذريعة التي تكون مقنعة لشعبه ولحكام الاقطار العربية الاخرى وشعوبها ، لأنه يجب ان يعاد تكوين هالة حول رئيس مصر باعتباره زعيم الأمة العربية بأسرها.
وهكذا أتخذ القرار: يجب تعديل مكانته المتزعزعة ( والتي كان الشعب يتحدث عنها بصراحة) في داخل البلاد وفي الخارج بمعونة الولايات المتحدة. لكن يجب القيام بذلك بواسطة تظاهرة علنية ، امام سمع وبصر الجميع ، وبغية صعود المنصة ، وبعبارة مجازية " المجيء على صهوة جواد".
حرب مصممة
ماذا يمكن القيام به لهذا الغرض من العمليات العسكرية؟ فقد قال الرئيس نفسه مرة في نوبة صراحة غير مفهومة ( او ثرثرة؟): " اذا ما تم تحرير الاراضي العربية بدون حرب ، ولو بدون حرب صغيرة ، فسيكون ذلك أسوأ من مواصلة احتلال العدو للأرض".
ومعنى ذلك لا بد من خوض العمليات العسكرية. كلا ، ليس الحرب ، بل العمليات التي لن تقود الى الهزيمة ، بل تساعد على حفظ الكرامة. لكن من يعرف كيف سيكون سلوك الاسرائيليين ؟ اذ يمكن ان يوجهوا ضربة جوابية عنيفة تعادل الهزيمة. من هنا يستخلص الاستنتاج التالي: يجب العمل على ألا يحدث ذلك. ولا يمكن بلوغ ذلك إلا عبر الاميركيين.
اذن كانت خطة العمل واضحة بالنسبة للسادات. يجب خوض العمليات العسكرية ، وهي ستساعد على " تخفيف الضغط" في داخل الجيش. ويجب ان تظهر قدرات القوات المسلحة المصرية، ويقصد بذلك طبعا اظهاره نفسه بصفته القائد الاعلى ( اذ يكسب الحروب دائما القادة الكبار) من خير وجه. ويجب ألا يراد من هذه العمليات تحقيق نصر كبير ، فلا حاجة اليه ، بل انه حتى غير ممكن – اذ يقول الجميع ان القوات المسلحة المصرية مجهزة بأسلحة سوفيتية من نوعية غير جيدة. طبعا ان الاتحاد السوفيتي سيدعو صارخا مجددا الى السلام وسيعمل كل ما في وسعه من أجل ايقاف اطلاق النار ( اذ ليس من مصلحتهم – أي السوفيت-الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة ). واذا فضح الاتحاد السوفيتي نفسه فسيكون من الاسهل بالنسبة له اقامة العلاقات لاحقا مع الاميركيين ، اذ سيكون مطلق اليدين و حرا في العمل. وسيلقى اللوم في جميع الاخفاقات والهزائم العسكرية وغيرها على السلاح السوفيتي السيئ، وقلة الارساليات والموقف السياسي للأتحاد السوفيتي الذي يمكن اتهامه بأنه انتزع النصر من ايدي العرب. بالمناسبة ان هذا ما قاله الرئيس المصري للسفير السوفيتي في سياق العمليات العسكرية :"انتم تريدون انتزاع النصر من أيدي العرب !". ولكنه استطرد قائلا :" لقد تبين للعرب بوضوح احتمال تكبدهم هزيمة عسكرية ساحقة لا نظير لها. مع هذا ان استخدام السادات لهذه العبارة له دلالته".
لهذا وضعت أمام القوات مهمة الحد الأدنى وهي عبور قناة السويس والاستيلاء على رأس جسر – لا يهم كم ستكون مقاييسه- والاحتفاظ به اطول فترة ممكنة بغية بدء اللعبة السياسية .. بمعونة الاميركيين. ووجب استدعاؤهم الى الشرق الاوسط.
الولايات المتحدة
لقد ابعدت رياح حركة التحرر الوطني الولايات المتحدة عن الشرق الاوسط ، لكن هذه المنطقة هامة جدا بالنسبة لها : فهناك أضخم احتياطيات للنفط في العالم ، وفيها قناة السويس الاستراتيجية ، كما توجد هناك المشارف الجنوبية القريبة من الاتحاد السوفيتي ، ويوجد هناك أسوأ شيء – الا هو مركز الصراع ضد الاستعمار والامبريالية ، ولذلك فان نفوذ الاتحاد السوفيتي السياسي هناك كبير جدا. وتوجد هناك اسرائيل – القلعة الامامية للولايات المتحدة ، والتي تبقى على مدى أكثر من خمسة وعشرين عاما في حالة فزع مما يترك انطباعا بالغا لدى العرب ، والاعتماد على القوة ، حقا يجب تعزيزها. ينبغي دعم اسرائيل ، وينبغي الحفاظ عليها حتى لدى اتباعها النهج السياسي الذي تتبعه حاليا – رفض اية " تصرفات يسارية " ، ويجب التمسك بالعنصرية الخالصة اي الصهيونية. علما بأنه لابد من ملاحظة ان الدول العربية تتطور وتغدو أقوى يوما بعد يوم ، ولا تفتر عزيمتها في تحرير الاراضي التي احتلتها اسرائيل ، ومع تناميها تزداد قوتها فحسب . وبفضل الاتحاد السوفيتي اصبحت قوتها العسكرية أكبر ، اما عدد نفوس اسرائيل فلا يمكن مقارنته بالدول العربية المجاورة.
يجب على اسرائيل ابداء مرونة أكبر. ان سياستها متشددة وفظة ، وهي تسيء الى سمعة صديقتها وحاميتها – الولايات المتحدة ، وتعرقل مساعي اميركا في اقامة العلاقات مع البلدان العربية.
ومعنى ذلك تنبثق لدى الولايات المتحدة مهمة مزدوجة حيال اسرائيل – هي عمل كل ما يمكن من اجل الحفاظ على دورها كسند لها ، والعمل على تخفيف عجرفتها قليلا ، وارغام الاسرائيليين على التنازل قليلا خدمة لمصلحتهم انفسهم من اجل المحافظة على الشيء الرئيس. فكيف يتم ذلك ؟
يجب الحصول على امكانية " انقاذ" اسرائيل ، حين تواجه المصاعب ، لكن يجب "انقاذها" بصورة دراماتيكية وجلية للعيان ، بغية ان يرى ذلك في اسرائيل وان يظهر بصورة منطقية بالنسبة للعرب – فهم اعتادوا على اعتبار ان الولايات المتحدة تقف الى جانب اسرائيل في كافة الاحوال.
وفي الوقت نفسه يجب ان يبين للاسرائيليين إنهم يجب أن يقدموا شيئا من التازلات وبهذا يتولد انطباع مؤثر لدى العرب بغية ان تنتشر الاشعات حول " تغير" موقف الولايات المتحدة من الدول العربية. ومن هنا يبرز الحل المحتمل : يجب منح العرب امكانية توجيه الضربات الى اسرائيل – ضربات غير عنيفة بإسلوب يتم التحكم به أن جاز القول : التضحية ب " عدد ما " من الاسرائيليين من اجل " إنقاذ " اسرائيل لاحقا.
ومعنى ذلك ان المعلومات التي وردت الى الاميركيين عبر المخابرات حول الاستعدادات العسكرية في مصر اتاحت لهم فرصة إقامة اتصال مع السادات ، والتلميح له بان الولايات المتحدة موافقة على العمليات العسكرية – طبعا اذا لم تتجاوز الاطر اللازمة. وهذا سيساعد الولايات المتحدة على " ادارة وجهها نحو مصر" ، ويبرر افعال الحكومة الاميركية امام الرأي العام.
ولربما ان الولايات المتحدة قد ألمحت الى السادات بأنها لاتعارض البتة في شن عمليات عسكرية " محدودة".
ولسخرية القدر ان ما حدث هو ان الولايات المتحدة علمت بالتحضير للعمليات العسكرية ، اما الاتحاد السوفيتي حامي مصالح العرب فلم يعلم شيئا من ذلك.
إسرائيل
لا تستطيع الفئة الحاكمة في اسرائيل الإمتناع عن مساعدة حاميتها الرئيسة وولية نعمتها – الولايات المتحدة الاميركية. ولو تصورنا للحظة وجود اسرائيل بدون الدعم الاميركي الكامل ، بالاخص في المجالين العسكري والاقتصادي ، فأنه يتضح للجميع ان الدول العربية ستقضي على اسرائيل في لحظة خاطفة – مهما كانت سياستها. علما ان الولايات المتحدة بحاجة الى ان يكون الوضع في الشرق الاوسط اكثر استقرارا. وليس لديها من صديق آخر فيما عدا اسرائيل سوى الملك فيصل. وهذا قليل. يجب ان يتوطد نفوذ الولايات المتحدة في البلدان العربية ، على أقل تقدير الكبيرة منها ، التي تهدد اسرائيل ، وعندئذ يمكن التعويل على ان تراقب الولايات المتحدة افعالها. والشيء الرئيس هو انه في حالة دخول الولايات المتحدة الى الشرق الاوسط فمعنى ذلك تقلص نفوذ الاتحاد السوفيتي فيه. فكل شيء يستثني الآخر. وسيعني ذلك تقلص الايديولوجية التقدمية ، وتحول الانظمة الداخلية بإتجاه اقامة دول رأسمالية عادية الطراز. والرأسمالي يجد لغة مشتركة مع الرأسمالي دائما بشكل أسرع: فالنقود عديمة الرائحة ولا تفرق بين الناس طبقا للون البشرة او المعتقدات.
اذن ان تقوية نفوذ الولايات المتحدة في العالم العربي مفيد لاسرائيل. اذن يجب مساعدة الاميركيين فهذا في مصلحة اسرائيل نفسها. لكن كيف يتم ذلك؟
قبل كل شيء يجب البحث عن الحلقة الاضعف. وتعتبر مصر بلا جدال هذه الحلقة في العالم العربي. ويعرف الجميع موقف السادات من الحركة التقدمية في داخل البلاد وبشكل خاص حيال الاتحاد السوفيتي. بالاضافة الى كونها اكبر دولة عربية. اما سوريا فيمكن ان تتم المحاولة للتخلص منها بطريقة عسكرية، فالفرص عندئذ طيبة.
هل يستعد السادات للحرب ؟ حسنا. كيف يمكن ان يقاتل؟ فقط بعبور قناة السويس . هل تحتاج اسرائيل من وجهة النظر الاستراتيجية الى خط دفاع طويل على امتداد قناة السويس كلها؟ انه لا ينفع. والأفضل بكثير اقامة الدفاع بنقاط حيوية صغيرة – مثلا في ممري متلا والجدي الجبليين في شبه جزيرة سيناء. ففي حرب عام 1967 أصر كثيرون ، ومنهم موشي دايان ، على الانسحاب من القناة واقامة خط الدفاع في هذين الممرين. لكن انتصرت يومذاك الاعتبارات السياسية. اذن فخط الدفاع على القناة لا يعتبر مكانا مباركا. وفي أغلب الظن ولدت بالاشتراك مع الاميركيين فكرة احتمال الانسحاب لدى الضرورة من خط الدفاع على امتداد القناة. طبعا ان هذا سيتم في أسوأ الاحوال ، لكن يجب القتال ، فلا يسلم الخط بلا قتال.
أما فيما يتعلق الأمر بسوريا فإن المسألة اكثر صعوبة. ان المسافات هناك قصيرة وقد يزحف السوريون الى الوديان في داخل اسرائيل نفسها. وهنا لا يمكن التنازل عن شيء. هنا يجب العمل في الاتجاه المعاكس مباشرة – يجب استغلال الفرصة السانحة وتفتيت القوات المسلحة السورية بغية ألا تستطيع الصمود.
ولهذا وجهت القيادة العليا الاسرائيلية جميع القوات الى الحدود مع سوريا ، في اغلب الظن انها تلقت معلومات حول تحشد القوات المصرية والسورية بشكل منقطع النظير ، ولم ترسل اية تعزيزات الى سيناء وقناة السويس حيث تقدمت قوات مصرية ضخمة وبقدر أكبر . ووجب على الجنود الاسرائيليين في سيناء القيام بدورهم في المسرحية السياسية – دور المعذبين الذين حكم عليهم بالهلاك مسبقا.
الاتحاد السوفيتي
لقد كان استئناف العمليات العسكرية في الشرق الاوسط فعلا امرا غير مرغوب فيه كليا بالنسبة الى الاتحاد السوفيتي.ولو انطلاقا من انها لم تكن محاولة نزيهة من مصر لاستعادة الاراضي العربية التي احتلتها اسرائيل. علاوة على ذلك فان العمليات العسكرية بحكم طابعها كانت دوما غير معروفة النتائج . انها الوسيلة القصوى وغير المرغوب فيها جدا. بالاخص ان احتمال هزيمة الجيوش العربية كان كبيرا جدا لاسيما بعد سحب الخبراء العسكريين السوفيت.
لكن ما دامت العمليات العسكرية قد بدأت يجب تحديد الموقف. ولم يكن ذلك أمرا عسيرا. نعم استجاب الاتحاد السوفيتي الى رغبة الاسد قبل بدء العمليات العسكرية بأن يطرح الاتحاد السوفيتي بعد بدء العمليات العسكرية مبادرة ايقاف اطلاق النار وبقاء القوات في المواقع التي تشغلها.
ودعا الاتحاد السوفيتي مصر وسوريا ، الى جانب تقديمه مساعدات عسكرية عاجلة بكميات ضخمة ، الى ايقاف اطلاق النار ، بينما كان ذلك في ذلك الوقت غير نافع بالنسبة الى مصر وسوريا. فقد حقق العرب نجاحات عسكرية كبيرة وغير متوقعة في الايام الاول : اذ تم عبور القناة في جبهة واسعة واستعاد السوريون مرتفعات الجولان وفي بعض الاماكن بلغوا حدود عام 1967 . لكن السادات ابدى العناد والاصرار. لماذا ؟
يمكن الافتراض بان لعبة السادات احبطت منذ البداية . وسارت جميع الامور في مسار غير مقرر.
ووقف الاتحاد السوفيتي بحزم الى جانب الدول العربية ليس سياسيا فقط بل بإرسال احدث المعدات العسكرية. وفي الواقع انه غامر بالدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة. ولكن السادات لم يضع هذا في حسابه ابدا.
والضربة الاخرى هي ان السلاح السوفيتي الذي كان لدى الجنود والضباط المصريين كان كما تبين عالي الكفاءة. وكان أفضل من السلاح الاميركي الموجود لدى الاسرائيليين.
وثمة ضربة أخرى هي ان تدريب القوات الذي جرى ايامذاك تحت اشراف المستشارين والخبراء السوفيت بموجب طرق التدريب القتالي السوفيتية كانت تتفوق في حالات كثيرة على كفاءة تدريب الاسرائيليين. تضاف الى ذلك الروح المعنوية العالية للجنود والضباط المصريين. وكان هذا كله شيئا غير متوقع.
لقد عبرت القوات المصرية القناة في الوقت المحدد وفي فترة أقصر لحد ما مما كان مخططا له.اما الخسائر فكانت بنسبة 10 بالمئة من الافراد بينما كان من المتوقع ان يبلغ الثلث. وانتصر العرب على الاسرائيليين. وكان هذا نبأ رائعا لدى السادات ، كما كان في الوقت نفسه نبأ سيئا: فقد انهارت خطط اللعبة. فماذا سيعمل الاميركيون ؟ وكيف سيكون دورهم ؟ ان السادات تجاوز قواعد اللعبة التي حددها لنفسه ، ومارس دوره جيدا جدا فيها.
ولهذا أوقفت القوات المصرية زحفها بعد عبور القناة. انها وقفت فحسب على مسافة 3-5 كيلومترات عن القناة - ولم تتوفر الخطط العسكرية لما يجب عمله لاحقا. كما لم تكن امامها قوات اسرائيلية ، لأن القوات الرئيسة الاسرائيلية كانت على الجبهة السورية.
وصار السادات ينتظر مجيء القوات الاسرائيلية! شيء غريب ، لكنه واقع . وقال السادات الحقيقة تقريبا :... قال الحقيقة للاتحاد السوفيتي.. وتوقف وانتظر، حدث هذا في الحرب التي تلقى فيها السوريون ضربة الجيش الاسرائيلي كله.
لم يقبل السادات اية نصائح : بشأن ايقاف اطلاق النار او مساعدة السوريين. كان ينتظر لأنه وجب ان يعطي الفرصة الى الاميركيين للانخراط في اللعبة ، بعد ان انتهكت جميع الخطط.
اما الولايات المتحدة فإنها خلال اسبوع تقريبا لم تقدم اية مساعدة عسكرية تذكر الى اسرائيل: فقد حدث اختلال في قواعد اللعبة لديهم أيضا. ولم يكن يشغل بالهم مصرع الاسرائيليين على القناة ، فقد كان هذا " ضمن الخطة".
يتبع .....