كيف استطاع الانتحاري السوري صنع قنبلة وتنفيذ عملية انتحارية في مهرجان موسيقي بألمانيا؟
مازالت ألغاز قضية اللاجئ السوري محمد دليل الذي فجّر نفسه الأحد 24 يوليو/تموز 2016 أمام مدخل مهرجان موسيقي بولاية بافاريا الألمانية غير مكتملة الوضوح، حيث لم يُعرف بعد كيف صنع القنلبة التي نفّذ بها عمليته، وأسباب إقدامه على ذلك.
وشككت صحيفة بيلد الألمانية أيضاً في هدف الشاب السوري ذي الـ28 عاماً، والذي يلقب بين أصدقائه بـ"رامبو" لشعره الطويل وجسمه الرياضي، حيث تساءلت إن كانت القنبلة التي أعدها قد انفجرت بشكل سابق لأوانه لأنها لم تصنع بشكل جيد، وإن كان محمد "لم يرغب بالموت حقاً لأنه كانت لديه خطط أخرى".
وقال وزير الداخلية الألماني يواخيم هيرمان الاثنين إن السلطات عثرت على فيديو في هاتف اللاجئ السوري يُعلن فيه ولاءه لزعيم "داعش" أبي بكر البغدادي، كما نشرت وكالة أعماق التابعة للتنظيم صوراً وشريط فيديو لرجل ملثّم تقول إنه محمد دليل، "أحد الجنود التابعين للدولة الإسلامية".
من المؤكّد أن صنع قنبلة لتفجيرها في أحد شوارع ألمانيا ليس بالأمر السهل، خصوصاً إن كان من المفترض أن يتم ذلك في غرفة داخل مركز لإيواء اللاجئين في نفس البلد، لكن مع ذلك، فقد تمكن محمد دليل، الذي ينحدر من مدينة حلب السورية، من القيام بذلك.
وحسب ما نشرته صحيفة بيلد، فإن الشرطة عثرت داخل الغرفة التي كان يقطنها محمد في الطابق الثاني من فندق "كريستل" في مدينة أنسباخ بولاية بافاريا بعد عملية تفتيش على علبة معبأة بالديزل، وحمض هيدروليكي، ومنظف كحولي، وبطاريات، وحصى، ومكواة للحام الحديد، وأسلاك.
وأفادت السلطات بأنها عثرت أيضاً إلى جانب صندوق لأغراضه، على جهاز كمبوتر محمول، يحتوي على مواد متعلقة بتنظيم "داعش" والفكر السلفي الجهادي.
وذكرت بيلد أن المواد الكيمياوية التي استعملها محمد تُظهر أنه أراد صناعة عبوة ناسفة من نوع “أنفو”، التي تتضمن المواد المسببة للانفجار فيها نترات الأمونيوم والديزل، وهي من المواد المفضلة لدى الانتحاريين لسهولة الحصول عليها، مشيرة إلى أن العبوات هذه تبقى غير مستقرة إذ تتفاعل بسرعة مع الحرارة والاحتكاك والارتجاج.
وقال وزير الداخلية الألماني إن محمداً، الذي ينحدر من مدينة حلب السورية، كان يملك في غرفته مواد كافية لصنع قنبلة أخرى لو تمكن من النجاة سالماً في التفجير الأول، ما يطرح أسئلة إن كانت لديه خطط أخرى.
يبدو أن العملية التي قام بها محمد، ابن صاحب إحدى معامل الصابون بحلب، كان يمكن أن تصبح أكبر، حيث تشتبه صحيفة بيلد فيما إن كانت القنبلة التي أودت بحياته وجرحت 12 شخصاً بالقرب من مهرجان موسيقي، قد انفجرت بشكلٍ سابق لأوانه.
وكتبت الصحيفة أن القنبلة يمكن أن تكون قد انفجرت قبل موعدها المحدد "لأنها لم تصنع بشكل جيد"، ما يرجح حسبها فرضية أن تكون للمنفذ خططٌ أخرى لم يرغب قبل تنفيذها بالموت.
ولفتت بيلد إلى أن صورة الحقيبة التي كان يضع فيها العبوة لم تتضرّر بسبب الانفجار إلا قليلاً، ما يدل على أن مفعول الانفجار لم يكن عنيفاً حتى يتسبب بالكاد في الموت المباشر للمنفّذ، حيث إن سبب وفاته هو تعرّضه لجراحٍ داخلية، وقطع في الشريان الأبهر، وقد تم إنعاشه لفترة قبل أن يفقد حياته.
ونقلت الصحيفة عن محققين شكوكاً حول ما إن كان المنفذ يريد وضع القنبلة أمام مدخل المهرجان وتفجيرها عن بعد، وما إن كان يتلقى الأوامر حول ذلك عبر الهاتف الذي كان يتحدّث فيه، بحسب ما شوهد، خصوصاً وأن التفجير لم يكون عنيفاً جداً.
وأمام هذه الشكوك وضعف قوة التفجير، تساءلت بيلد إن كانت المادة التي تتسبّب في الانفجار داخل القنابل هي التي انفجرت فقط وليست العبوة الناسفة كلها، بسبب سوء صنعها.
وأشارت إلى أن طريقة التفجيرعن بعد باستخدام الهاتف المحمول منتشرة بشكل واسع في العراق، لذا تستخدم السلطات الأمنية في النقاط المعرضة للخطر ما يسمى “جامر” وهي أجهزة تقطع الاتصالات الهاتفية.
قال وزير الداخلية يواخيم هيرمان الثلاثاء 26 يوليو/تموز إنه يجب إعادة النظر في قرار عدم ترحيل اللاجئين بسبب محاولتهم الانتحار كما وقع في حالة محمد دليل.
وحسب صحيفة بيلد دائماً، والتي نشرت ملفّ لجوء محمد، أو "رامبو" كما يلقب في مأوى اللاجئين تشبيهاً بالشخصية السينمائية التي لعبها النجم الأميركي سلفستر ستالوني منذ سبعينيات القرن الماضي، فإن السلطات الألمانية أصدرت قراراً بترحيله بعد أن تبين أنه تقدّم بطلب لجوء في بلغاريا أولاً.
وتوصل محمد بالقرار من إدارة الأجانب في بايرن 2 ديسمبر/كانون الأول 2014، رغم تواصل محاميه مع مكتب الهجرة، وإخباره إياه بأن موكله لا يستطيع الامتثال لقرار الترحيل لإصابته في الركبة، والتي لم يتم علاجها في بلغاريا مسبقاً، مرفقاً معها تقريراً من طبيب جرّاح في مدينة أنسباخ.
ووفقاً للمعلومات التي حصلت عليها الصحيفة من دوائر أمنية، أرسل عضو البرلمان الألماني، هارالد فاينبرغ، من حزب “دي لينكه” اليساري، بعد وصول رسالة الترحيل لـ”محمد دليل”، كتاباً إلى مدينة أنسباخ، طالباً منها التغاضي عن ترحيله، حتى يتم الانتهاء من الرعاية الطبية الضرورية المقدمة له.
ودافع عضو البرلمان عن نفسه في حديث مع الصحيفة، قائلاً إنه في ضوء ما كان يعرفه حينها عن الأمر، سيتخذ القرار نفسه إن حصل اليوم.
وطعن دليل في قرار ترحيله أمام المحكمة الإدارية، وتم إيقاف ترحيله في الـ18 فبراير/شباط 2015، بسبب محاولته الانتحار مرتين عبر حفره جلد ذراعه، بحسب ما أوضح نائب رئيس الشرطة رومان فيرتنغر.
وتم حينها إصدار بطاقة سماح في البقاء بألمانيا لفترة مؤقتة، ألغاها في الـ 25من شهر فبراير/شباط 2016مكتب الهجرة واللاجئين، وطلبت مجدداً ترحيله، ليتم إخباره في الـ13 من شهر يوليو/تموز بأن عليه مغادرة البلاد خلال 30 يوماً، ليقدم على تفجير نفسه 10 أيام بعدها.
نقل موقع شبيغل أونلاين عن المقيمين في المأوى نفسه تساؤلهم عن الطريقة التي حصل بها جارهم على القنبلة.
وقال أحد المقيمين في الفندق ويدعى محمود موباريز، وهو باكستاني، إنه "لم يشاهد البتة محمد وهو يصلي “، مضيفاً أنه “كان من المؤكد ليس مسلماً متعصباً”. وفي حين كان الباكستاني يعمل في “ماكدونالدز”، كان يحاول دليل العثور على عمل.
ويقول موباريز إن محمد دليل كان يبقى غالباً مستقلاً عنهم، وأنه "غالباً كان يطبخ شيئاً لنفسه في المطبخ". وفيما يتعلق بوطنه سوريا وعن أسباب هجرته منها كان يتحدث بشكل عام، بحسب الشاب الباكستاني: “اندلعت الحرب هناك، وكان عليه أن يفر منها”. ووصف موباريز الشاب بأنه كان “رجلاً طبيعياً”.
ونشر شبيغل أونلاين أن المقيمين في المأوى لم يكونوا على علم بأن محمد دليل كان قد عولج بحسب السلطات في مصح نفسي، بينها فترة قضاها في المشفى، وكان يغيب لفترات عدة، بينها لارتكابها جنايات متعلقة بالمخدرات.
وقالت بليد بدورها إنه كان يعرف في المأوى بكذبه، وأن من الجرائم التي ارتكبها، الاعتداء الجنسي، لافتةً إلى عدم ملاحظة المقيمين معه شيئاً بخصوص تطرفه.
حسب ما كشفته جريدة بيلد عن دليل، فإنه قال خلال مقابلته لطلب اللجوء إنه مسلم سني من حي أنصاري شرقي بمدينة حلب السورية، ودرس فيها بعد استكماله تعليمه فصلاً في كلية الحقوق، وكان يعمل في نفس الوقت في معمل صابون عائد لوالده.
وأضاف دليل إن صاروخاً ضرب منزلهم وأصابه بأضرار وتعرض هو نفسه لإصابات بليغة نُقل على إثرها لتركيا، ثم أعيد لسوريا بعد فشل محاولة تهريبه لأوروبا.
وادعى أنه اعتقل لعدة مرات من قبل الحكومة ومن قبل تنظيم القاعدة، لأنه كان ينشر أشرطة فيديو للمظاهرات. وقال إنه يخاف من العودة لسوريا، وإن الموت والإهانة ينتظرانه هناك، وإنه خائف أيضاً من العودة لأنه لا يريد حمل السلاح ضد الناس، ومن إمكانية أن يتحوّل لمجرم.
وفيما يتعلق بعائلته، زعم أن زوجته وأطفاله متوفين، بعد إصابتهم بشظايا، جراء قصف منزله، فيما اعتقلت الحكومة والديه “يوسف” (70 عاماً)، و “كاميلة” (60 عاماً) لتظاهرهما ضد الحكومة، وأنه لم يعد على تواصل معهما.
وذكر دليل إنه ترك سوريا في الـ 16 من شهر يوليو/تموز 2013، وانتقل عبر سيارة نقل عامة (فان) إلى تركيا، ثم ذهب بمساعدة مهربي البشر إلى بلغاريا.
وأقر للسلطات الألمانية أنه قدّم طلب لجوء هناك، في شهر سبتمبر/أيلول 2013، وسُجن لشهرين في مدينتي صوفيا ولوبيميدز، وتعرض للضرب فيهما، وقال إنه لم يحصل على الرعاية الطبية على الرغم من وجود شظايا في جسمه.
وأوضح أنه عاش هناك بعد ذلك مدة 8 أشهر في خرابة، ثم سافر جواً في 17 أبريل/نيسان 2014 إلى فيينا عبر طائرة تابعة للخطوط الجوية النمساوية، فقبضت عليه السلطات هناك، وقدم طلب لجوء في 20أبريل/نيسان من العام نفسه، لكنه استقل سيارة أوصلته لميونيخ.