حرب إقليمية مفتوحة تكون الوسيلة الوحيدة لإيقاف الدولة المصرية عن دعمها لحفتر والعمل على نقل المعركة لمصر وسيلة دفاعية يستطيع التنظيم بها مقاومة الجيش المصري.
لا تغيب مصر عن عقل "داعش" مطلقاً، ففي عدد مجلة التنظيم "دابق" التي تصدر باللغة الإنجليزية، كشف التنظيم عن ممثله في ليبيا، الملقب بـ"أبي المغيرة القحطاني"، ووصفوه بـ"والي الدولة الإسلامية في ليبيا"، والغريب أنه في حوار أجرته معه المجلة، تحدث عن مصر، مهدداً بأنه سيحررها من الكفرة والمرتدين.
يرى تنظيم الدولة، أن أقرب المجتمعات في مصر إليهم، حسب طبيعتها الاجتماعية، لقيام جهاد تمكين، هو سيناء، ثم يتدرج الأمر من مطروح إلى جنوب الصعيد إلى شماله، والمراكز الشرقية قبل الغربية، ثم يتدرج الأمر بهم إلى الوصول إلى داخل الدلتا، التي يصعب جدا أن يكون فيها الأمر في هذا الجيل، إلا إن كان فتحًا، وفق قول أبي مودود الهرماسي، كاتب الرسالة، في سلسلته (كشف الأسرار).
تبدأ الخطة بإثارة الفوضى بين الجهات المنوطة بحمل السلاح وهي: (الجيش والشرطة والنصارى والبلطجية)، واستدراج عناصر منهم لعمل عمليات ضد فريق آخر، وتأليب فريق على آخر، بالإعلام، والمال، وتذكير أناس موحدين صادقين من داخلهم بشرعية الفوضى وفضلها، طالما هي ضد العلمانيين!
المرحلة الثانية هي إنهاك الدولة بإسقاط منظومة المال، باستهداف مباني البورصة والبنوك، وإضعاف الجنيه أمام العملات الأخرى، ومنظومة الطاقة من كهرباء ونفط وغاز، ووقود، التي تخص الجيش والشرطة ابتداءً، واستهداف مصافي التكرير وبواخر الإمدادات الخليجية.
الهرماسي حبذ الهجوم على شركات الأمن الخاصة، وقال: لا بد أن تنسف عن بكرة أبيها، أمثال شركة فالكون للحراسة، ونقل الأموال، وشركة الفرات، وشركة (جي فور إس) العالمية للحراسة.
مرحلة الاغتيالات تأتي عقب استهداف الاقتصاد، وهي ما سماها تنظيم الدولة "اغتيال أئمة الكفر ممن لا يرافقهم حراسة من القضاة وضباط الشرطة والجيش والإعلاميين.
"داعش" في رسالتها "سر الأحجية"، وباقي رسائلها، اتفقت مع كل الجماعات المسلحة الأخرى، على استراتيجية واحدة للعمل تبدأ بمرحلة الإنهاك، وهي مرحلة العصابات الصغيرة، وحروب الإرهاب المحدود، عبر أسلوب الاغتيالات والإغارات والكمائن الصغيرة وأعمال التفجيرات المنتقاة، لتنهك الأمن وتربك السياسة وتجهد الاقتصاد، والمرحلة الثانية، وتدعى مرحلة التوازن، ثم مرحلة الحسم.
ببساطة، مصر في عقل "داعش" تمثل الطريق للتمكين في المنطقة عبر الفوضى، لأنها البيئة الصالحة للتغيير، وأن طريق التنظيم لصناعة دولة في مصر، لا بد وأن يمر عبر صناعة بيئة جهادية، وهذه البيئة لا توجد إلا في الفوضى.
سعت "داعش" جاهدة إلى خلق الفوضى في مصر، وعبر أكثر من (10) كتب تبشر بواقع أكثر تطرفاً وإرهاباً، وعبر دعايتها في مواقع التواصل الاجتماعي، تم فتح الإمكانية للمشاركة أمام المتعاطفين معها، لتحويل نبضاتهم العاطفية إلى ظاهرة يتم توجيهها واستثمارها، لإنشاء خلايا متنوعة لا ترتبط تنظيمياً، من أجل خلق هذا الواقع.
مما سبق، وتم تطبيقه عملياً، حينما تم خطف عمال أقباط يعملون بليبيا، وذبحهم لتوريط مصر، وبث ذلك في فيديو يوم 15 فبراير (شباط) عام 2015، وردت الدولة المصرية بقصف مواقع التنظيم بدرنة، وسرت بالطائرات.
رأت "داعش" أن فتح حرب إقليمية مفتوحة تكون هي أحد أطرافها المهيمنة، هو الوسيلة الوحيدة لإيقاف الدولة المصرية عن دعمها لقوات حفتر، وأن العمل على نقل المعركة لمصر، هو وسيلة دفاعية يستطيع التنظيم بها مقاومة الجيش المصري.
محاصرة مصر
كان التهديد الأكبر لمصر متمثلاً في غياب المعلومات التامة والمتكاملة عن العناصر المصرية الموجودة في مثل هذه الإمارات التي تتبع القاعدة، أو تنظيم الدولة الإسلامية، أو جماعة الإخوان، والتي اهتمت بكامل تشكيلاتها بتدريب العناصر المصرية، من أجل استخدامها في حرب جبهات مفتوحة، أو حرب عصابات فيما بعد ضد الجيش المصري، وهذا منذ ثورة 25 يناير، حينما أوفد أيمن الظواهري، عبدالباسط عزوز، لإنشاء أول معسكر تابع لتنظيمه بجوار بني غازي.
في وسط ليبيا تقع الإمارة الأخطر، وهي إمارة سرت، التي يسيطر عليها "داعش" الآن، وتتمركز في نقاط عدة فيها، منها بعض مزارع منطقة الضهير وبو هادي، كما تحكم سيطرتها على قاعدة القرضابية، وتتخذ مجمع قاعات سرت الكبرى وأغادوقوا، مركزاً لها.
أما إمارة طرابلس، فأغلب العناصر التي تسيطر عليها هي تابعة لجماعة الإخوان، وقواتهم، فجر ليبيا، التي يسيطرون على أغلب ميلشياتها، وكذلك قوة درع ليبيا، الأوسع انتشارًا في شتى أرجاء ليبيا، والتي تشبه تحركاتها وتصرفاتها كثيرًا وحدات الجيش النظامي الاعتيادية، وهي تحت قيادة "وسام بن حميد"، كما تسيطر ميلشيا بشير السعداوي على محيط الهضبة الشرقية، بالقرب من جامعة طرابلس، وباب بن غشير.
معسكرات الجهاديين على الحدود
على الحدود الغربية لمصر (3) معسكرات كان -إلى وقت قريب- يقودهم مصريون هاربون تم القبض على أحدهم، وهو ثروت صلاح شحاتة، أحد قادة تنظيم الجهاد.
لا تنبع خطورة الأوضاع من هذا فقط، بل إن الرقعة الجغرافية لانتشار السلاح الليبي وصلت من مدينة مطروح المصرية، وحتى شمال سيناء، عن طريق الجماعات الليبية، ومنها أنصار الشريعة، التي كان أحد مشايخها، هو المصري أحمد عشوش.
يمتلك الجهاديون الليبيون، عدة معسكرات أهمها:
1- مُعَسكَر الزِّنْتَان، ويَخْضَع لإدَارَة تَنْظْيم أنْصَار الشَّرِيعَة في لِيبِيَا ومِنهُم القِيَادِيّ يُوسِف جهَانِيّ، وقد خَرَجَت منه مَجمُوعة قَامَت بِعَمَلِيّة منشأة عين أمناس النفطية جنوب الجزائر، الواقعة قرب الحدود مع ليبيا.
2- مُعَسْكر أبُو سلِيم ويُشرِف عليهِ أبُو دُجَانة المَوْجُود حالِيًّا في شَمَال غَرب سُورِيا وهُو مُخْتَصّ في تحضِير الانتِحارِيِّين.
3- ثَكْنَة الجَبَل الأخْضَر دَاخِل مَرْكَز القِيَادَة العَسْكَرِيَّة للجَـمَاعة اللِّيبِيَّة المُقَاتِلَة، بِجِوَار مدِينَة درنَة وهُو المُعَسْكَر الأكثَر تَطَوُّرًا وتَجْهِيزًا، ويَعْمَل بِنِظَام الدّوَرَات وِفقَ أُسُس أكادِيمِيّة، ويَخْتَص بِصُنع وتَفكِيك الـمُتَفَجِّرَات.
4- مُعَسْكَر الإخْوَان، ويَقَع مَقَرُّهُ في مِنطَقة بوفَاخِر ببنغازي، ومِنهُ خَرَجَت طَلاَئِع غُرفَة عَمَلِيَّات ثُوَّار لِيبِيَا.
5- مُخَيَّم للسَّلَفِيَّة الجهادية، ومقره في منطقة الليثي ببنغازي ويُشرِف عَليه عَبدالبَاسِط عَزُّوز مُستَشَار الظَّوَاهرِيّ.
6- مُعَسكر مدينة سرت، وتحديدا في منطقة الظهير، التي تبعد عن وسط المدينة مسافة (15) كيلو مترا، وهو أحدث هذه المعسكرات، ويتمتع بأهمية كبيرة بِسبَب نَوْعِيَّة التّسلِيح فِيه وخِبرَات الـمُدَرِّبِين من مُختَلَف الجِنْسِيَّات، ويشهد حركِيَّة مهمّة وكثِيفة، ويعتبر هذا المعسكر الرابط الرئيس بين مختلف معسكرات الجهاديين في ليبيا.
7- هناك معسكرات أخرى على الحدود التونسية، مثل: مُعَسْكَر فِي قَاعِدَة ألُوطِيَّة الجَوِيَّة في الغَرب اللِّيبِيّ قُرْب مُدُن الجميل والعجيلات المُحَاذِيَة لِلحُدُود التُّونسيَّة، وفِيهَا يُدَرِّب أبُو عِيَاض التونسي الأفراد التابعين له، بالإضافة إلى معسكر "أبُو الـمُهاجِر اللِّيبِيّ".
8- مُعَسكَر الفَزَّان توهو يضُمّ آلاَف "التكفيريين" من دُوَل المَغرِب العربِيّ وأقطَار الصّحرَاء وحَتَّى من السِّنغَال ونِيجِيرِيَا، وَقَد أسْهَم في تَوْجِيه مُقَاتِلِين إلَى جَبْهَة النُّصْرة في سُورِيا مثل أبي إسحاق السِّرْتَاوِيّ، وأبي الأسْوَد الدِّرْنَاوِيّ.
من ليبيا إلى داخل الحدود المصرية
بعد كل هذه الميلشيات والمعسكرات، أصبحت ليبيا تمثل "المورد البشري"، و"المالي"، و"اللوجستي" للتنظيمات المسلحة بمصر، بل وأضحت البوابة الخلفية لهروب العناصر الخطرة، ومركزاً للقيادة الثانية والبديلة لهذه التنظيمات.
في بيان رسمي، أعلن الأمن المصري عن القبض على ثمانية أشخاص، بعد رصدهم أثناء تلقيهم تدريبات على مختلف أنواع الأسلحة، في صحراء أسوان، ناشراً صورهم أثناء تدريباتهم، واعترافاتهم التي أكدوا فيها، أنهم تابعون للمجموعات النوعية المسلحة لجماعة الإخوان، وأنه تم تكليفهم بتلقي التدريبات خلال أسبوع على أقصى تقدير، ثم الذهاب إلى القاهرة للقيام بعمليات إرهابية ضد رجال الإعلام، لإحداث أكبر صدى.
اعترف المقبوض عليهم بأنهم تلقوا تدريباتهم بليبيا، كما أنهم ذهبوا كمحطة انتقالية للسودان، ومن المؤكد أنها ليست المرة الأولى التي يصل فيها الأمن المصري إلى عدد من أعضاء التنظيمات المسلحة، فقد عثرت السلطات الأمنية من قبل، بالمنطقة نفسها على (25) صاروخًا مضادا للطائرات، و(500) قذيفة في إحدى المناطق الجبلية بمنطقة وادي النقرة، جنوب مدينة أسوان التي تبعد عن القاهرة (879) كم.
من الملاحظ أن أهم طريق استخدمه قيادات الجماعة، للهروب خارج مصر، طريق أسوان، حيث يعتبر حوالي (80%) من عمليات الهروب تمت عن طريق الحدود السودانية- المصرية إلى ليبيا، ومن قبل جرى ضبط خمسة من قيادات "الإخوان" وأنصارهم، ومن بينهم صفوت عبدالغني، القيادي بالجماعة الإسلامية، ذلك أثناء محاولتهم الهروب إلى السودان.
الأسباب الحقيقية لنجاح عمليات التهريب، تتمثل في اختراق بعض رجال حرس الحدود عن طرق الأموال، فصفوت عبدالغني وحده قدم لأحد الضباط مليوني جنيه مصري، لكن الرجل أبلغ عنه.
العامل الثاني يتعلق بالحدود "شبه المفتوحة"، التي أدت إلى تحرك هذه التيارات وتنقلها من مكان إلى آخر بقدر من الحرية، مما مكنها من التنسيق فيما بينها.
تتم عملية الهروب عبر عدة طرق برية أهمها طريق أرقين الحدودي، وطريق درب الأربعين، وحلايب وشلاتين، حيث تتخذ الجمال والسيارات طرقًا، وممرات داخل دروب الصحراء، المعروفة لدى القبائل الموجودة هناك، والتي من أهمها قبائل الرشايدة.
ويبتعد المهربون لمسافة (10) كيلو مترات عن نقاط التفتيش الحدودية الموجودة هناك، ثم يتم نقل البشر، وكميات السلاح عبر بحيرة ناصر ومدينة أبو سمبل السياحية.
ويسلك المهربون طريق درب الأربعين بين مصر والسودان عن طريق الجمال (الإبل)، وتستغرق الرحلة حتى الوصول إلى مدينة دراو وسط محافظة أسوان حوالي (40) يومًا كاملة.
وهناك منطقة جبلية في الحدود الشرقية بين محافظتي أسوان والبحر الأحمر، وهي المعروفة باسم برنيس، يتم استخدامها أيضاً في نقل الإرهابيين، الذين حاولوا في الآونة الأخيرة إقامة أكثر من معسكر تدريب، وتمركز، مثل معسكر مدينة ديروط، الذي تم رصده وتصفيته.
أما من ناحية الغرب فهناك أربعة طرق رئيسة كلها موصولة بليبيا، أهمها طريق الفيوم، وسمالوط، وجلدة، وديروط، ومن خلالها تم دخول العناصر التي هاجمت كمين الفرافرة بالوادي الجديد.
خلاصة من بحث: ماهر فرغلي 'الزَّحف الجهادي الليبي إلى مصر'، ضمن الكتاب 114 (يونيو 2016) ''اليبيا 2011-2016 داعش- الجوار- المصالحة' الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.