مرّ على تأسيس قسم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الجيش الإسرائيلي نحو عشر سنوات. وكان القِسم أُنشئ نتيجة الإدراك أنّ التكنولوجيا تتقدّم بسُرعة، وأنّ على الجيش الاسرائيلي أن يتصدّر المساعي في كلّ تقدّم تكنولوجيّ حديث.
نقوم بزيارة إلى المقرّ الرئيسي للقسم، في مدينة رمات جان المجاورة لتل أبيب. إنها الظهيرة، والجوّ في المكان هادئ. لا تُشبه المكاتبُ المتواضعة هنا بأيّ شكل من الأشكال المكاتبَ الفاخرة لعمالقة التكنولوجيا كفيس بوك وجوجل. في الحُجرات الصغيرة يجلس عباقرة كمبيوتر، كان بإمكانهم أن يجنوا ثلاثة أو أربعة أضعاف ما يجنونه هنا في السوق الحرّة (وبعضهم يغادرون فعلًا لصالح شركات عملاقة أو شركات ناشئة - ستارت أب). يُفترَض أن يلبي هؤلاء الشبّان، في اللحظة الحاسمة، الحاجات التكنولوجية للجيش.
يوضح الناطق بلسان القسم، الرائد أورون مينحا، كيف قرّر الجيش الإسرائيلي تبني الحداثة التكنولوجية التي تميّز إسرائيل، والتحوّل إلى عنصر رائد في تطويرها.
"كانت حملة الجرف الصامد (حرب غزة 2014) نقطة تحوّل. كانت هذه أوّل حرب عبر الشبكة. فقد كانت المرّة الأولى التي ينجح فيها سلاح الجوّ، سلاح البحريّة، سلاح البرّ، والاستخبارات، في إيصال معلومات في اللحظة الحاسمة وفي التأثير على المعركة".
يُضيف مينحا: "مثلًا إذا كنتُ قائد لواء مظليين موجودًا في وسط غزّة، يكون لديّ الكثير من الحواسيب اللوحية؛ فأرى صورة المعركة: أرى خريطة القطاع، أرى النشاط من حولي، جوًّا أو بحرًا، تراني قيادتي، وأحصل على معلومات مباشرةً". يروي مينحا قصة حدثت فعلًا: "وصلت قوّة من المظليّين إلى بيت في غزّة لتنفيذ اعتقال، وحصلت على معلومات استخباريّة نتيجة لتحقيق انتهى قبل 10 دقائق تُفيد بأنّ البيت مُفخَّخ".
يُضيف قائلًا: "لم يكن الوضع كذلك في حرب لبنان الثانية. فكانت المعلومات تُنقَل إلى ضبّاط الاستخبارات، ويمرّ بعض الوقت حتّى تصل إلى القائد الميدانيّ. أمّا اليوم فيحصل القائد الميدانيّ على كلّ المعلومات التي تهمّه دون أن يُضطر إلى طلبها أو إلى طرح أسئلة".
حين سألْنا كيف تتعامل هيئة مثل الجيش مع الفرص الهائلة التي تُعرَض على هؤلاء العباقرة في السوق، يفتخر المتحدّث بأنّ الذين أنهوا خدمتهم في القسم حقّقوا طموحاتهم المهنيّة بمبلغ 2.5 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الأخيرة وحدها. "يُساهِم الجيش في تطوير اقتصاد الدولة، والعكس صحيح. فهدفنا هو تعريض أنفسنا لبحر المعلومات والقدرات المتوفّر في العالم الخارجي، لنرى ما يمكننا أخذه إلينا".
لكنّ هذا ليس التحدي الوحيد الذي يواجه القِسم. فإسرائيل، وجيشها أيضًا، مُعرَّضان لهجمات سايبر على البنى التحتيّة، سواء من قراصنة منفردين أو مِن دُوَل (لا سيّما إيران). فهناك من حاول التأثير في الرأي العام، كما لدى اختراق موقع الناطق بلسان الجيش ووضع رسائل مؤيدة لفلسطين، فيما حاول آخَرون تشويش منظومات عسكريّة وحيويّة، مثل منظومات صواريخ متطوّرة، أو حتّى بنى الكهرباء.
متجر التطبيقات
يشرح روتم باشي، المُبرمِج الرئيسي للقِسم، كيف يعمل ذلك. فهو يوضح أنّ للجيش الإسرائيلي إصداره الخاصّ من APP STORE، متجر التطبيقات الذي نعرفه جميعنا في الآيفون. اسم المتجر OP STORE، من كلمة OPERATIONS، وهو يزوّد كلّ جنديّ أو ضابط باستجابة لحاجاته الخاصّة، وفق مستوى التصنيف الأمني الذي لديه. "نريد الامتناع عن (إغراق) المُقاتلين بالمعلومات، خصوصًا في لحظة الحدث، لذا يهمّنا أن يحصل كلّ شخص على الأمور الأكثر أهمية له".
"جوجل جلاس" - الإصدار العسكريّ
يكشف الرجُلان أنّ أحد المشاريع هو دمج نظّارات الواقع المُعزَّز (مثل جوجل جلاس) في ساحة المعركة. "كيف يُساعِد ذلك؟ مثلًا، إذا كنتُ في ساحة المعركة ورأيتُ شيئًا، لا يمكنني أن أنزل رأسي إلى (التابلت) لأرى معلومة إضافية أو لأتصل بقائد الكتيبة. يجري كلّ شيء عبر النظّارات. ثمة إمكانية أن يكون هذا هو الواقع في الحرب القادمة".
نُهاجِم منظوماتِنا
يكشف أورون أنّ الجيش الاسرائيلي لا يُخاطِر، وللاستعداد لهجوم سايبر يتدرّبون بشكل واقعيّ تمامًا، بما في ذلك عبر مهاجمة المنظومات الإسرائيلية نفسها بفيروسات ومحاولة تدميرها، من أجل التدرُّب وفهم نقاط الضعف التكنولوجية. فضلًا عن ذلك، يُضيف: "علينا تدريب المُقاتِلين على العمل دون حاسوب أيضًا: تحديد المواقع دون GPS على سبيل المثال".