انتهت الجولة في مناطق الحروب في العراق وسوريا برفقة قائد القوات الأميركية على نحو ملائم بما فيه الكفاية هنا في تركيا، القوة الكبرى في المنطقة.
والحقيقة الاستراتيجية الملزمة فيما يتعلق بالحرب الجارية ضد «داعش» تكمن في أنها جزء من عملية أكبر من إعادة ترتيب الهيكلية لما بعد الحقبة العثمانية في هذا الجزء من العالم. ولا نعرف على وجه الحقيقة ما ستؤول إليه النتائج أو كيف سيكون شكل الحدود الدولية بعد نهاية الصراع، والولايات المتحدة نفسها غيرمتأكدة حتى الآن مما تريده، في الوقت الذي تنطلق فيه القوى المحلية في كل الاتجاهات بحًثا عن مصالحها الذاتية.
عكست رحلتي مع الجنرال جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأميركية ثيمتين مهمتين: لا تزال القوة العسكرية الأميركية هي القوة المهيمنة في العالم. ولا تزال الولايات المتحدة هي ترسانة الديمقراطية في العالم، إذا ما أردنا اقتباس تلك الجملة العتيقة، وإذا ما شرعت آلة الحرب الأميركية في التحرك، فإنها سوف ترسل نيراًنا محرقة على خصوم مثل تنظيم داعش الإرهابي. والآن بعد أن أصبح جيشنا في نهاية المطاف يخوض مواجهة أكثر عدوانية ضد التنظيم الإرهابي، فذلك التنظيم بدأ في التقهقر. .
أما القوة السياسية الأميركية فهي قوة محدودة ومرتبكة. فلدينا بكل أسف أهداف متضاربة. فإننا نتحدث عن المحافظة على الدول المركزية في العراق وسوريا، وفي الوقت نفسه خلقنا هناك ما يرقى إلى درجة المنطقة الآمنة للأكراد السوريين وحلفائهم في شمال شرقي سوريا. وإذا ما كان لخبراء التخطيط الاستراتيجي الأميركيين الرؤية الكافية للتوفيق ما بين هذين الهدفين المتعارضين، فإنني لا أرى لمثل هكذا رؤية من مكان.
خلال رحلاتي مع الجنرال فوتيل داخل أحد مراكز إدارة العمليات القتالية، وتحت الشاشات الضخمة التي تساعد قادة الجيش على تنسيق طائرات الاستطلاع من دون طيار، يمكنك متابعة ثلاثة تنبيهات تتعلق بكيفية معالجة هذا الكم الهائل من المعلومات: «هل هناك حاجة إلى قرار؟»، و«من أيًضا بحاجة إلى هذه المعلومات؟»، ثم «هل يغير ذلك من تقديرات القائد؟».
تشعر أثناء السفر برفقة الجيش الأميركي كأنك داخل فقاعة كبيرة من التفاؤل الذي يؤكد لك أن كل شيء على ما يرام، وما من داٍع للحديث عن السلبيات.
ولقد لخص أحد الضباط، في وسط الإيجاز حول العمليات الأميركية ضد «داعش»، الموقف برمته على النحو التالي: «أحد الأطراف يذهب إلى التصفيات، في حين يستعد الطرف الثاني للرحيل».هناك تعليق آخر يعكس لنا حالة التفاؤل، التي لا محل لها في الواقع، وهو صادر عن الفريق شوف ماكفارلاند، الذي يدير الحرب ضد «داعش» من بغداد، ويعد أحد أفضل القادة الأميركيين الموجودين هناك. قال متحدًثا عن ارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية من طرف «داعش»: «إنها إشارة بطريقة من الطرق على نجاحنا، لدرجة أن العدو بدأ يغير من تكتيكاته القتالية». ولقد استمعت إلى كثير من تلك التصريحات المفعمة بالتفاؤل لمدة عشر سنوات كاملة في العراق وأفغانستان، والحقيقة المؤسفة تقول إن التفجيرات الانتحارية في حين أنها تعكس كًما هائلاً من اليأس، إلا أنها تسبب حالة مستمرة من عدم الاستقرار في المنطقة وبصور غير قابلة للسيطرة في أغلب الأحيان.
ينبغي على القادة العسكريين توخي مزيد من الحذر حيال تعجل دعوات الدعم والتأييد من القواعد السياسية في بلادهم. فأحد القادة قال إن تنظيم داعش مثل السرطان، ينبغي عليك أن تكون حذًرا عند القضاء عليه حتى لا تقتل المريض المصاب به. وهناك قائد آخر استخدم التعبير العربي الذي يقول: «رويًدا.. رويًدا»، عند وصفه للاستراتيجية السليمة الواجب اتباعها في الاستيلاء على مدن «داعش» الكبرى مثل الموصل والرقة.
إذا نظرنا إلى هذه الحروب بوصفها جزًءا من عملية واسعة تمتد لعقود طويلة بهدف إعادة تشكيل النظام الشرق أوسطي لما بعد الحقبة العثمانية، فإننا ندرك مدى السهولة التي نرتكب بها الأخطاء المستديمة.
فالقوى الاستعمارية المخططة في عام 1916 قد استبدلت بها قوى إقليمية مخططة. كما أننا نرى أميركا: القوية، الصبورة، وغير المتأكدة من كيفية مساوقة مثلها العليا مع مصالحها. إن رحلتي الأخيرة هذا الأسبوع تخبرني أن الجانب العسكري على ما يرام، لكن الجانب السياسي لا يزال في حاجة إلى كثير من العمل.
ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة “واشنطن بوست