تخشى إسبانيا من أن يصير حوض البحر الأبيض المتوسط في السنوات القليلة المقبلة مسرحاً لتجمعات حربية جدية، خصوصا السفن البرمائية المزودة بأسلحة متطورة وفتاكة. عكست هذا التخوف منابر إعلامية مقربة من أجهزة الاستخبارات الحربية الاسبانية، اعتبرت أن سباق التسلح البحري المحموم في البحر الأبيض المتوسط نتيجة غير متوقعة لثورات الربيع العربي.
وكشفت المصادر نفسها أن كلا من الجزائر ومصر رفعت فجأة حجم طواقمها البحرية بارتفاع صاروخي لعدد السفن البحرية. كما استثمرت تونس في سلاحها البحري، على الرغم من أن الميزانية التي رصدتها والأهداف التي ترمي إليها من ذلك تبقى ضئيلة مقارنة مع الدولتين السالفتي الذكر. المثير في المعلومات التي كشفتها مصادر استخباراتية إسبانية هو سعي ليبيا الغارقة في الحرب الأهلية إلى إعادة تشكيل بحريتها المسلحة، إلا أن البلد الذي يؤرق بال إسبانيا هو المغرب، ذلك أن البحرية الملكية تسعى إلى تعزيز ترسانتها البحرية، وتحسين مشآتها البحرية المطلة على البحر الأبيض المتوسط.
سباق التسلح البحري هذا يؤرق بال المخابرات الإسبانية التي لا تدري، إلى الآن، ما هو التهديد الذي تتسابق دول شمال إفريقيا للتسلح من أجل مواجهته.
وعلى الرغم من أن حجم إنفاق المغرب على تزويد ترسانته البحرية بأسلحة متطورة جديدة يبقى أقل بكثير مما تنفقه الجزائر ومصر، القوة البحرية الأخيرة في شمال إفريقيا، إلا أن البحرية الملكية المغربية تسعى، منذ سنة 2012، إلى تعزيز ترسانتها من الأسلحة. وقد حصل المغرب على فرقاطة من نوع "فيرمم" مضادة للغواصات وثلاث غواصات من نوع دامن سيغماد، مزودة بمدافع من عيار 76 mm، وصواريخ مضادة للطائرات والسفن، ومدرج للهبوط وحظيرة لطائرات الهيليكوبتر. كما يتوفر المغرب على فرقاطتين من نوع فلوريال من صنع فرنسي دخلتا الخدمة في 2002 و 2003، وعدة حراقات قديمة وزوارق مزودة بصورايخ من نوع "لاثاغا" صنعت سنوات الثمانينيات. إلا أن المغرب تنقصه السفن الحربية البرمائية، لهذا يشكل تعزيز الجزائر لترسانتها البحرية بهذا النوع من الأسلحة خسارة مؤقتة للتفوق في المنطقة.
ويبقى أول مثال على التسابق نحو التسلح البحري في البحر الأبيض المتوسط هي مصر التي دخلت، منذ الانقلاب العسكري سنة 2013، وصعود السيسي إلى الرئاسة، برنامج تسلح طموح شمل اقتناء أسلحةٍ كثيرة، من قبيل مقاتلات فرنسية جديدة من نوع "دوسولت رافال" وروسية من نوع "ميغ 29"، وطائرات هيليكوبتر هجومية "مي- 35 روسية"، وأنظمة مضادة للطائرات "س.300 روسية"، وصورايخ مضادة للدبابات والسفن، لتصير البحرية المسلحة المصرية بسرعة، أحد أهم البحريات في البحر الأبيض المتوسط.
الأمر نفسه ينطبق على الجزائر التي حولت بقايا الأسلحة البحرية السوفياتية إلى بحرية مسلحة قوية في فترة تتميز بارتفاع الاضطرابات الاجتماعية، وذلك لحماية منشآتها الغازية التي تربطها مع أوروبا، من أي تدخل أجنبي، فقد اقتنت الجارة الشرقية سفينة برمائية من 8800 طن والتي تعمل تحت اسم "قلعة بني عباس"، وهو مشتق محسّن من نوع سفينة سان جيورجيو الإيطالية. كما تستعد الجزائر لاقتناء غواصتين من نوع كيلو تقوم روسيا بتشييدهما حاليا، وستضمهما الجزائر لأربعة غواصات أخرى تملكها الجارة الشرقية.
كما طلبت الجزائر ثلاثة فرقاطات من نوع C28A صنعت في الصين، وتسلمت حراقتين من نوع تيغر من روسيا. ناهيك عن السفن القديمة التي تمتلكها، خصوصا الفرقاطات الثلاثة من نوع كوني التي تعود للثمانينيات من القرن الماضي، وثلاث حراقات من نوع نانوشكا من صنع روسي وثلاثة أخرى من نوع جبل شنوا من صنع محلي.
ويثير هذا الوضع استغراب المخابرات الإسبانية، خصوصا وأن مصر والجزائر مازالتا تعيشان أزمات سياسية داخلية ويمرّان بحالة لا استقرار، كما أنهما لا يواجهان أي تهديد خارجي، إلا أنهما ينفقان بسخاء لتعزيز سلاحهما البحري، لتخلص إلى أن البحر الأبيض المتوسط هو أكثر تسليحا خلال السنوات الأخيرة، وستكون لهذا الأمر انعكاسات كبيرة في المستقبل القريب.
--------------
الكاتب : عبد الخالق مفكير