لا يزال قتل آلاف من الأرمن على يد الأتراك العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى قضية حساسة للغاية.
ورفضت تركيا مرارا دعوات واسعة النطاق من أجل الاعتراف بأن قتل الأرمن في 1915 و1916 كان إبادة جماعية، بينما لا يزال المؤرخون مختلفين حول تلك الأحداث. وأشارت تقارير عدة إلى الفظائع التي ارتكبتها الدولة العثمانية بحق الأرمن آنذاك.
وعادت هذه المأساة لتتصدر الصحف مرة أخرى بعد أن وافق البرلمان الألماني على قرار يعترف بأن مقتل الأرمن آنذاك "إبادة جماعية". وحذرت تركيا، التي تشعر بالسخط حيال ذلك، من أن هذه الخطوة قد تضر بالعلاقات بين البلدين.
ماذا حدث؟
ثمة اتفاق عام على أن مئات الآلاف من الأرمن لقوا حتفهم عندما رحلهم الأتراك العثمانيون بشكل جماعي من شرقي الأناضول إلى الصحراء السورية وأماكن أخرى في 1915 و1916. وقد قتلوا أو لقوا حتفهم نتيجة الجوع أو العطش أو المرض.
وهناك اختلاف حول عدد القتلى من الأرمن، فيقول الأرمن إن 1.5 مليون شخص قتلوا، في حين تقدر تركيا العدد بنحو 300 ألف شخص.
ووفقا ل لجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية، فإن عدد القتلى كان "أكثر من مليون".
وفي رسالة إلى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عام 2005، قالت الجمعية: "نريد أن نؤكد على أنه ليس فقط الأرمن الذين يؤكدون على الإبادة الجماعية للأرمن، لكن هذا هو الرأي الغالب للعلماء الذين يدرسون ذلك".
ما هي الإبادة الجماعية؟
تصف المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية والتي وقعت في ديسمبر / كانون الأول 1948 عملية الإبادة الجماعية بأنها القيام بأعمال تستهدف "التدمير، الكلي أو الجزئي، لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية".
هل كانت عمليات القتل ممنهجة؟
ويتركز الخلاف حول إذا ما كان الأمر إبادة جماعية أم لا حول مسألة التعمد - أو الدرجة التي دبرت بها عمليات القتل.
ويعتقد العديد من المؤرخين والحكومات والأرمن أن الأمر كان متعمدا، لكن عددا من العلماء يشككون في ذلك.
وأشار رافائيل ليمكين، المحامي اليهودي البولندي الذي صاغ مصطلح "الإبادة الجماعية" عام 1943، إلى الفظائع التي ارتكبت بحق الأرمن، وكذلك المذابح النازية لليهود عند وصفه للتحقيقات التي أجراها في هذا الصدد.
ويُسلم المسؤولون الأتراك بأن فظائع قد ارتكبت، لكن يقولون إنه لم تكن هناك محاولة ممنهجة لتدمير الشعب الأرمني المسيحي. وتقول تركيا إن العديد من الأتراك المسلمين الأبرياء قتلوا أيضا خلال الفوضى التي شهدتها الحرب.
ما هو السياق السياسي؟
اتخذت حركة "تركيا الفتاة"، وهي حركة ضباط استولت على السلطة عام 1908، سلسلة من الاجراءات ضد الأرمن بينما كانت الإمبراطورية العثمانية تتداعى نتيجة الهزائم العسكرية في الحرب. ودخلت "تركيا الفتاة"، التي تطلق على نفسها اسم لجنة الوحدة والتقدم، الحرب إلى جانب ألمانيا عام 1914.
وصورت الدعاية التركية آنذاك الأرمن على أنهم مجموعة من المخربين و"الطابور الخامس" الموالي لروسيا.
ويرى الأرمن أن يوم 24 أبريل / نيسان 1915 كان بداية ما يعتبرونه الإبادة الجماعية. وكان ذلك عندما اعتقلت الحكومة العثمانية نحو 50 من المثقفين والقيادات المجتمعية الأرمنية، والذين أعدموا في وقت لاحق.
ونزع سلاح الأرمن في الجيش العثماني وقتلوا، كما صودرت ممتلكات الأرمن.
هل تعرض أي شخص للمساءلة؟
حوكم عدد من كبار المسؤولين العثمانيين في تركيا في عامي 1919 و1920 فيما يتعلق بتلك الفظائع. وثبت أن الحاكم المحلي، محمد كمال، مذنب وأعدم شنقا بسبب القتل الجماعي للأرمن في منطقة يوزغات بوسط الأناضول. وكان أكبر ثلاثة مسؤولين في حركة تركيا الفتاة - "الباشوات الثلاثة" – قد فروا إلى الخارج. وحكم عليهم بالإعدام غيابيا.
وشكك المؤرخون في الإجراءات القضائية خلال هذه المحاكمات، ونوعية الأدلة المقدمة ومدى رغبة السلطات التركية في استرضاء الحلفاء المنتصرين.
من يعترف ومن لا يعترف بالإبادة الجماعية؟
الأرجنتين وبلجيكا وكندا وفرنسا وإيطاليا وروسيا وأوروغواي من بين أكثر من 20 دولة تعترف رسميا بالإبادة الجماعية ضد الأرمن.
كما اعترف البرلمان الأوروبي واللجنة الفرعية للأمم المتحدة بشأن منع التمييز وحماية الأقليات أيضا بذلك.
أما المملكة المتحدة والولايات المتحدة وإسرائيل فهي من الدول التي تستخدم مصطلحات مختلفة لوصف تلك الأحداث.
وأعربت تركيا عن غضبها عندما وصف البابا فرانسيس ما حدث بأنه "أول إبادة جماعية في القرن العشرين" خلال الاحتفالات بالذكرى المئوية للأحداث.
واستدعت تركيا سفير الفاتيكان لديها واتهمت البابا بـ "التمييز فيما يتعلق بمعاناة الشعوب". وقالت وزارة الخارجية التركية إن البابا "تغاضي عن الفظائع التي ارتكبت بحق الأتراك والمسلمين في الحرب العالمية الأولى، وسلط الضوء فقط على معاناة المسيحيين، ولاسيما شعب الأرمن".
وفي عام 2006، أدانت تركيا تصويت البرلمان الفرنسي الذي كان من شأنه أن يجعل إنكار ارتكاب إبادة جماعية بحق الأرمن جريمة. ولم يتحول مشروع القانون إلى قانون - لكن أنقرة علقت العلاقات العسكرية مع باريس.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2011، أحيا بعض النواب في حزب الاتحاد من أجل حرية شعبية، وهو حزب يميني وسطي، مشروع القانون، على الرغم من غضب الحكومة التركية. ووافق مجلس الشيوخ على مشروع القانون في في 23 يناير/كانون الثاني 2012، لكنه رفض في وقت لاحق من المجلس الدستوري، الذي يعد أعلى هيئة قضائية في فرنسا.
وفي مارس/آذار 2010، سحبت تركيا سفيرها في واشنطن بعدما وافقت لجنة في الكونغرس الأمريكي بفارق ضئيل على صدور قرار يصف عمليات القتل بأنها "إبادة جماعية". وأقرت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب القرار، رغم اعتراضات البيت الأبيض.
ما هو التأثير السياسي لهذا النزاع؟
تعتبر عمليات القتل هي الحدث الأبرز في تاريخ الأرمن الحديث، والذي يربط المشتتين معا.
ويعد الأرمن أحد أكثر شعوب العالم تشتتا حول العالم.
وتفرض تركيا قيودا على النقاش العام حول هذه القضية.
وتستخدم المادة 301 من قانون العقوبات، الخاصة بـ "إهانة القومية التركية"، لمحاكمة الكتاب البارزين الذين يسلطون الضوء على عمليات القتل الجماعي للأرمن.
ومن بين هؤلاء الكتاب أورهان باموق الحائز على جائزة نوبل وهرانت دينك، الذي قتل بالرصاص في وقت لاحق في يناير/كانون الثاني 2007. وصدر حكم بسجن الشاب أوجون ساماست، القومي المتطرف، لمدة ما يقرب من 23 عاما في يوليو/تموز 2011 بتهمة قتل دينك، وهو تركي أرميني كان يترأس تحرير صحيفة تصدر بلغتين.
وقال الاتحاد الأوروبي إن القبول التركي للإبادة الجماعية للأرمن ليس شرطا لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
هل لا تزال العلاقات بين أرمينيا وتركيا فاترة؟
حدث تحسن طفيف بعد عقود من العداء. ووقعت تركيا وأرمينيا اتفاقا في أكتوبر / تشرين الأول 2009 لإقامة علاقات دبلوماسية وفتح الحدود بين البلدين.
لكن الاتفاق لم يصدق عليه من قبل البرلمان التركي أو الأرميني، ويتهم البعض في أنقرة أرمينيا بمحاولة تغيير بنود الاتفاق.
الشيء الذي يعقد الأمور هو حالة الشك المتبادل بشأن النزاع على إقليم ناغورني قره باغ، فتركيا تدعم أذربيجان في النزاع حول الإقليم الذي يوجد داخل أذربيجان ويسيطر عليه الأرمن منذ الحرب التي اندلعت في تسعينيات القرن الماضي.