على الرغم من أن الوضع في ليبيا مستمر في التفكك مع تنامي قلق المجتمع الدولي، مارست مصر، الجارة الشرقية لليبيا، نفوذها في تحديد النتائج الدبلوماسية للأزمة المستمرة منذ خمس سنوات. وفي الآونة الأخيرة، استضافت القاهرة المحادثات التي جرت بين ممثل الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا مارتن كوبلر وزعماء القبائل الليبية. وأكد كلاً من الرئيس عبد الفتاح السيسي ووزير خارجيته سامح شكري أنه يجب على القوى الغربية أن تدعم تشكيل حكومة وحدة وطنية قوية في ليبيا قبل التدخل العسكري لمجابهة تنظيم «الدولة الإسلامية». وكانت مصر قد قامت بقصف مواقع تنظيم «داعش» في ليبيا مرتين خلال العامين المنصرمين.
وعلى عكس دعوتها لاتباع المسارات الدبلوماسية في الأزمة الليبية، وجدت الحكومة المصرية حليفاً قوياً لها في ليبيا وهو الجنرال خليفة حفتر. وعلى الرغم من أن حفتر كان يعمل يوماً ما تحت إمرة معمر القذافي، ولكن في أعقاب الهزائم التي لحقت بقوات حفتر جراء الحرب في تشاد، اضطر حفتر إلى العيش في المنفى على مدى عقدين من الزمن في مدينة شمال فرجينيا في الولايات المتحدة. وبعد تداعى الوضع السياسي في ليبيا عاد حفتر إلى ليبيا عام 2011 ليشغل منصب قائد ما يسمى بـ "الجيش الوطني"، الذي يعتبر موالياً للحكومة الليبية المعترف بها دولياً ومقرها طبرق.
وخلال جولات قام بها حفتر في مصر والأردن وروسيا العام الماضي، دعا إلى رفع الحظر المفروض على توريد السلاح إلى ليبيا نظراً لأن الحظر الدولي أدى إلى عرقلة قواته وفقدانها القدرة على مواجهة جماعات المعارضة التي برزت على الساحة الليبية. وفي أعقاب ذلك، بدأ الجيش المصري يشحن الأسلحة إلى قوات حفتر، وردد كلاً من الجنرال المصري طلعت موسى ووزير الخارجية المصري سامح شكري، بيان حفتر فيما يخص ضرورة رفع حظر نقل وتوريد الأسلحة إلى ليبيا. وفى هذا الصدد، أبرز تقرير صدر عن الأمم المتحدة مؤخراً قيام مصر بانتهاك الحظر المفروض على شحن الأسلحة إلى ليبيا في عامي 2014 -2015. كما نُشرت صور على الأنترنت تظهر حاويات أسلحة تحمل شعار "جمهورية مصر العربية"، يُزعم أنها كانت متجهة إلى قوات حفتر، ولكن تمت مصادرتها من قبل جماعة إسلامية معارضة.
وأشارت تقارير إعلامية عربية من خارج مصر أن حفتر زار مصر ثلاث مرات على الأقل خلال العام الماضي، اجتمع خلالها مع السيسي نفسه وهو ما يعكس الأهمية القصوى التي توليها مصر لدعم الاستقرار على حدودها الغربية.
وفي حين أن مصلحة مصر في الاستقرار في غرب البلاد واضحة، إلا أن مساندتها لقوات حفتر قد تكون لها تداعيات كبيرة غير مقصودة، حيث أن مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية لا يثقون فى حفتر، ويمكن أن يؤثر ذلك سلباً على التنسيق بين مصر والولايات المتحدة في حال شن حملة جوية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في ليبيا. وقد تم إجهاض وتأجيل تلك الحملة منذ عام 2104 بعد الانقلاب العسكري في ليبيا. ويشن الجيش المصري حالياً حملة موسعة لمواجهه المتمردين في شمال سيناء حيث نجحت احدى الجماعات الموالية لتنظيم «داعش» هناك في جذب بعض عناصر القبائل البدوية للمحاربة ضد السلطة المركزية.
وقد اتخذت مصر أيضاً تدابير مستقلة للتعامل مع التهديدات المتزايدة على طول حدودها التي تقرب من 700 ميل مع ليبيا.
ولخصت "الهيئة العامة للاستعلامات المصرية" التهديد الذي تشكله حدودها غير الآمنة، مشيرة إلى انتشار "كميات كبيرة من الأسلحة" والميليشيات التي تخطط لتنفيذ هجمات إرهابية على الحدود. فبعد أكثر من عامين على ارتكاب "مجزرة الفرافرة " من قبل الجماعات الموالية لتنظيم «داعش»، والتي أسفرت عن مقتل إثنين وعشرين شخصاً في أحد نقاط حرس الحدود، بدأ العنف يتفاقم مجدداً على الحدود المصرية الليبية. وفي عام 2015، أعلن تنظيم «الدولة الإسلامية» عن شنه أول عملية عسكرية في المنطقة بمهاجمته دورية للجيش المصري وإعدامه بعض الجواسيس المزعومين في الصحراء الغربية.
وقد زار الرئيس السيسي مقر القيادة العسكرية في المنطقة الغربية المتاخمة للحدود مع ليبيا للتأكيد على تفاني الدولة واستمرارها في مراقبة الوضع المتوتر ومتابعة الغارات الجوية التي يشنها الجيش المصرى على معاقل تنظيم «داعش» داخل ليبيا وذلك بعد مقتل واحد وعشرين شخصاً من الأقباط في أوائل عام 2015 على يد تنظيم «الدولة الإسلامية». وتعكس تلك الزيارة الأولى من نوعها، والتي تفقد خلالها الرئيس المصري المناطق الحدودية، التأثير المتزايد لليبيا على الأمن القومي المصري؛ وقد تبعتها تغطية إعلامية واسعة أبرزت التدريبات الجوية والأرضية والبحرية لمجابهة التهديدات المنبثقة من الحدود مع ليبيا.
ومع ذلك، فمن غير المعروف مدى وحجم العمليات العسكرية المصرية المستقلة ضد الإرهابيين في الصحراء الغربية، نظراً لان المعلومات المتوفرة عن عمليات القوات المسلحة محدودة للغاية وغالباً ما تكون حصراً على المتحدثين العسكريين. وقد كشفت القوات المسلحة عن بعض المعلومات العسكرية حين اعترفت السلطات المصرية أن طائرات الأباتشي العسكرية هي التي أطلقت النار على قافلة السياح المكسيكيين مما أسفر عن مقتل أثني عشر سائحاً عن طريق الخطأ اعتقاداً أنهم إرهابيين.
وكما هو الحال بالنسبة للمعلومات الخاصة بالعمليات العسكرية، فإن المعلومات المتعلقة بالنفقات العسكرية نادرة أيضاً. فوفقاً لوزارة الدفاع المصرية، تم تخصيص جزء من المساعدات العسكرية الأمريكية التي تصل إلى 1.3 مليار دولار سنوياً لشراء حزمة من المعدات التي من شأنها أن تساعد في تحسين أداء الدوريات المصرية على الحدود الليبية. وقد ذكرت قناة "العربية" أن مصر ستشتري أبراج للمراقبة المحمولة، وأجهزة استشعار مراقبة، وأجهزة اتصالات بقيمة 100 مليون دولار للكشف عن التهديدات المبكرة. وكجزء من الاتفاق، ستقوم الولايات المتحدة بتدريب الجنود المصريين على كيفية استخدام تلك المعدات.
وتشير هذه التقارير الإعلامية والتصريحات الرسمية على حد سواء إلى أن مصر وضعت مصالحها الأمنية في يد الغرب. وفي حين ترى مصر أن الإجراءات الأمنية التي تتخذها على حدودها مع ليبيا ضرورية لحماية الأمن المصري، إلا أن إطفاء طابع السرية على العمليات العسكرية، إضافة إلى دعم مصر للجنرال حفتر، قد يؤدى إلى نشوب خلاف إذا ما قررت القوى الغربية شن غارت جوية ضد معاقل تنظيم «داعش» في ليبيا. ومن ثم فإن فشل مصر في التنسيق مع الجهات الدولية سيجعل تحقيق الاستقرار في ليبيا بعيد المنال.
----------------
الكاتب : إيريكا وينغ، هي مساعد باحث في معهد واشنطن. وعملت سابقاً كصحفية، ودرست اللغة العربية في مصر والأردن. وقد تم نشر هذه المقالة في الأصل من على موقع "منتدى فكرة".