لا يمكن فصل المناورات العسكرية لجيش أو جيوش عدة دول عن البيئات السياسية والاستراتيجية والمحلية التى تجرى على أراضيها هذه المناورات العسكرية. حيث يسعى القائمون على هذه المناورات تخطيطا وإدارة أن تعكس الأهداف الاستراتيجية للدولة/الدول المشاركة فيها، وكيفية تحقيقها فى ظل أصعب الظروف السياسية والعسكرية التى يمكن أن تواجهها هذه الدولة/الدول.
ـ وفى ضوء هذا الاعتبار دعت الحكومة السعودية أشقاءها وحلفاءها لإشراك أجزاء من قواتها المسلحة بفروعها المختلفة فى مناورة عسكرية بمنطقة حفر الباطن بشمال المملكة، ويتم من خلالها تحقيق عدة أهداف إستراتيجية وعسكرية مشتركة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومى لهذه الدول، سواء فى بعده الوطنى لكل دولة أو فى بعده الإقليمى الخليجى بشكل خاص، والشرق أوسطى بشكل عام. وفى هذا الإطار، وتفهماً واقتناعاً بدعوة السعودية، استجابت عشرون دولة عربية وإسلامية للدعوة السعودية بإيجابية وحماس وسرعة، الأمر الذى جعل من هذه المناورة (رعد الشمال) واحدة من أكبر المناورات التى شهدتها منطقة الشرق الأوسط فى السنوات الأخيرة، وأعاد ذكريات عملية «درع الصحراء» التى سبقت «عاصفة الصحراء» لتحرير الكويت عام 1990. فبينما احتاجت الولايات المتحدة الأمريكية إلى ستة شهور من أجل اجتماع قوات الدول المشاركة، فإن السعودية تمكنت فى شهرين من استقبال وحشد حوالى 350 ألف جندى من دول مختلفة بكل عتادها البرى والبحرى والجوى وبآلياتها وعتادها العسكرى النوعى، وهو نصف الحشد العسكرى لعملية «درع الصحراء». هذا فضلا عن تحديد الأهداف والمهام الاستراتيجية والتكتيكية للمناورة، وأماكن تنفيذها على الأرض.
ـ كما أثبتت المملكة أنها بمنشآتها التحتية قادرة على استقبال القوات مهما كان حجمها، وذلك للرد على كل من يشكك بقدرات دول مجلس التعاون الخليجى على حماية ليس فقط أمنها القومى، ولكن أيضا على المستوى الإقليمى للمنطقة العربية، وهو ما ثبت عملياً عندما استطاعت السعودية أن تنشر قواتها التى تشكل الحجم الأكبر من قوات الدول العربية المشاركة فى عملية «عاصفة الحزم» فى اليمن - براً وجواً وبحراً - وتشترك بقوتها فى ضرب قواعد الإرهاب الذى تمارسه داعش فى العراق وسوريا، مع نشر مقاتلاتها فى قاعدة (أنجرليك) فى تركيا، واستعدادها لنشر قوات برية فى سوريا لمقاتلة ميليشيات الإرهاب، والدفاع عن الشعب السورى فى مواجهة النظام الدموى الذى يحكمه، ناهيك عن ضرب الإرهاب الذى يحاول أن يتسلل إلى داخل الأراضى السعودية.
الأبعاد الاستراتيجية لـ«رعد الشمال»:
ـ لا شك أن الأبعاد الاستراتيجية لأى عمل عسكرى - بما فى ذلك المناورات العسكرية - إنما تعكس واقعاً سياسياً متأزماً تعايشه المنطقة، لذلك جاءت مناورة «رعد الشمال» لتعكس واقعا سياسيا متأزما يتمثل فى الآتى:
1- بروز العداءات الإيرانية بشكل واضح، ليس فقط ضد الدول الخليجية من خلال تشكيل «أحزاب الله الخليجية» التى تسعى لنشر الإرهاب فى دول الخليج يهدف إسقاط الأنظمة الحاكمة فيها، بدءاً بدولة البحرين التى تعددت مؤامرات إيران ضدها بواسطة الحزب التابع لها هناك، ولكن أيضا ضد كل الدول العربية باعتراف قادة إيران بهيمنتهم على أربع عواصم عربية (بيروت، دمشق، بغداد، وصنعاء) وذلك بواسطة ميليشياتهم الشيعية التى تشكل أذرع إيران لتصدير ثورتها إلى باقى الدول العربية والإسلامية، ومن خلال عمليات إرهابية قذرة لا تفرق بين أهداف عسكرية وأهداف مدنية. هذا إلى جانب محاولات سيطرتها على المضايق والممرات الاستراتيجية (هرمز، باب المندب، وقناة السويس)، فضلا عن التهديد الإيرانى العلنى بقصف السعودية بآلاف الصواريخ، ناهيك عن المحاولات الإيرانية لإضفاء صفة الطائفية على صراعاتها مع الدول العربية، وما يعنيه ذلك من زيادة حدة اشتعال الصراع. ولم يقتصر الأمر على تهديد إيران لمنطقة الخليج والمشرق العربى، بل امتد التهديد - من خلال مفاهيم «تصدير الثورة الإيرانية» إلى نقل ذراعها الإرهابية (داعش والقاعدة) إلى أفريقيا فى ليبيا ونيجيريا ومالى وغيرها، ومده بالسلاح والمال عن طريق البحر والجو، كما اكتشفت حمولات عسكرية ضخمة فى فبراير الماضى تحت مسمى معونات إنسانية إلى نيجيريا، بينما هى موجهة إلى جماعة بوكو حرام التى ترعاها إيران كما ترعى القاعدة وداعش وغيرها من المنظمات الإرهابية.
2- فشل الجهود السياسية التى يبذلها المجتمع الدولى لوقف إطلاق النار، ووقف العنف فى سوريا، وبروز توجهات سياسية دولية - خاصة من جانب أمريكا وروسيا - لتقسيم سوريا إلى عدة دويلات على أسس عرقية وطائفية ومذهبية، ووقوع مناطق واسعة من سوريا فى أيدى منظمات إرهابية، واحتمال امتداد مخاطر التقسيم إلى دول عربية أخرى، خاصة لبنان والعراق والسودان وليبيا وجميعها واقعة فعلياً فى أتون التقسيم.
3- اشتداد المعارك فى اليمن بين قوات تحالف «عاصفة الحزم» وميليشات الحوثيين بدعم عسكرى مكشوف من إيران التى تحاول نقل المعركة من خلال القصف الصاروخى وتصدير الإرهابيين إلى داخل الأراضى السعودية وفشلها فى ذلك، ونجاح قوات التحالف فى استعادة السيطرة على مناطق واسعة من اليمن، وفشل الجهود السياسية الدولية فى حل المشكلة، الأمر الذى فرض استمرار المعارك العسكرية فى اليمن حتى يتم تحرير العاصمة صنعاء وبسط السلطة الشرعية سيطرتها على كامل التراب اليمنى، وعزم السعودية على استعادة الاستقرار للمنطقة بدءاً بدائرة مجالها الحيوى المحيط بحدودها البرية والبحرية ومجالها الجوى.
4- ثبوت فشل الولايات المتحدة وروسيا ودول أوروبية فى كسر شوكة تنظيم داعش من خلال الحملة الجوية التى تقودها هذه الدول، مما أعطى انطباعاً قويا وحقيقيا أن هذه الدول هى التى خلقت داعش وسلحته ومولته ورعته لتحقيق أهدافها الخفية فى الهيمنة على المنطقة، من خلال أسلوب «الفوضى الخلاقة» الذى أشارت إليه وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة «كونداليزا رايس» عام 2006، لتحقيق أهداف الشرق الأوسط الجديد الذى بشـّر به الرئيس الأمريكى الأسبق بوش الابن عام 2003. فرغم آلاف الطلعات الجوية التى يزعم أوباما أن التحالف المضاد لداعش وجهها ضده، إلا أن هذا التنظيم تمدد أكثر وأكثر فى العراق وسوريا، فضلا عن نقل عملياته إلى بلدان أخرى فى ليبيا، وسيناء فى مصر وأوروبا أيضا، كما هاجم أهدافاً مدنية وعسكرية فى السعودية، الأمر الذى حتم على السعودية وحلفائها أن تأخذ قضية محاربة داعش على عاتقها وبالجدية والسرعة الواجبة للقضاء عليه، فى الوقت الذى تنبأ به أوباما فإن القضاء على داعش سيستغرق حوالى ثلاثين عاما.
5- كما تعكس هذه المناورات أيضا تغيراً فى السياسة السعودية التى استمرت لسنوات طويلة تعتمد الحكمة والسياسة لحل المشاكل، وتنحو إلى الحلول السلمية ما كان لذلك من سبيل، إلا أن أعداء السعودية وهم فى ذات الوقت أعداء الأمتين العربية والإسلامية ظنوا مخطئين أن هذا يعكس حالة ضعف لدى متخذى القرار السعودى وأن هذه السياسة المسالمة ناتجة عن قلة الحيلة. إلا أن السعودية أثبتت على أيدى قياداتها الشابة التى تولت السلطة فى المملكة منذ عامين فقط أثبتوا للجميع إقليميا ودوليا خطأ هذا الظن وأنه وهم. حيث اتخذت هذه القيادات الشابة فور توليها السلطة عدداً من القرارات المتلاحقة والحاسمة، تمثلت فى إطلاق «عاصفة الحزم» فى اليمن، ونجاحها فى حصار الوجود الإيرانى فى اليمن والبحر الأحمر، ومنع وصول الإمدادات الإيرانية للحوثيين فى اليمن، ومنح البحرية الإيرانية من اختراق الحصار البحرى العربى عند مضيق باب المندب، وبما مكن قوات «عاصفة الحزم» من استعادة مساحات كبيرة من الأراضى اليمنية، مكنت من عودة الشرعية اليمنية لعدن وممارسة سلطاتها هناك، ناهيك عن نجاح الدبلوماسية السعودية فى استصدار القرار رقم 2216 من مجلس الأمن لتعمل ضمن الشرعية اليمنية، وما يعنيه ذلك من نجاح سعودى لمنع روسيا والصين من استخدام حق الفيتو لمنع استصدار هذا القرار. وكل هذا فاجأ أعداء السعودية وجعلهم يعملون ألف حساب لقراراتها والتحسب جيدا لمواقفها السياسية والعسكرية، ومنها إطلاق مناورات «رعد الشمال»، وكلها قرارات وإجراءات حظيت ليس فقط بدعم ومساندة كثير من الدول الأخرى، بل وأيضا - وهو الأهم - عكست الموقف الصلب للشعب السعودى الذى وقف مع قياداته بكل حزم، وهذا رغم القيود الاقتصادية التى ترتبت على انخفاض أسعار النفط، وزيادة الإنفاق الدفاعى، سواء فى مجال شراء أنظمة تسليح أكثر حداثة، أو فى مجال إعداد مسرح العمليات لحروب قائمة ومقبلة، وقبول الشعب السعودى بإجراءات تقشفية تقلص من دخل المواطنين، بعد أن بلغ عجز موازنة لعام 2015 حوالى 98 مليار دولار، ومن المتوقع زيادة هذا العجز بسبب عودة إيران لسوق النفط بعد توقيع الاتفاق النووى بين إيران ومجموعة دول 5+1.
الرسائل التى تحملها مناورة «رعد الشمال»
1- تحمل مناورة «رعد الشمال» عدة رسائل لجهات مختلفة فى الدائرتين الإقليمية والدولية، وذلك بما تحمله من إنجاز ضخم للتحالفين العربى والإسلامى لمكافحة الإرهاب الذى ترعاه إيران، وما تشكله من قوات برية وبحرية وجوية تناور على مساحة واسعة من مسرح العمليات الخليجى، هذا فضلا عن أن ضخامة حجم المناورة يبعث برسالة بأننا فى معركة، وربما حرب قادمة لابد من الاستعداد لها، وربما تكون أقرب مما كنا نعتقد. أما الرسالة إلى إيران ومواليها فتقول إن العرب والمسلمين لن يلتزموا الصمت طويلا تجاه ما يجرى من تدمير وتهجير وإراقة دماء بفعل الدعم الإيرانى لميليشياتها العاملة فى بلدان المنطقة، وأن اللحظة أصبحت مناسبة للدفاع عن دائرة المجال الحيوى للدول العربية الخليجية، وليس حدودها فقط، حيث يعكس حجم قوات مناورة (رعد الشمال)، وجنسيات القوات المشتركة فيها مدى اتساع دائرة المجال الحيوى للدول العربية والمشتركة، والتى تشمل مناطق واسعة من القارات الآسيوية والإفريقية، وأيضا جنوب أوروبا، وليس قاصراً فقط على منطقة الخليج. وأن الدول العربية والإسلامية لديها من الموارد الجيوبوليتيكية - خاصة التسليحية والاقتصادية ما يمكنها من الدفاع عن أمن أى بلد عربى وإسلامى مهدد، وإنقاذ البلدان العربية التى طالتها أيدى التدمير الإيرانى عن طريق وكلائها لإبادة السنة أو تهجيرهم لإحداث تغيير ديموجرافى كبير فى المنطقة العربية يحيل الأراضى العربية إلى فارسية، ويستبدل سكانها الأصليين فى العراق وسوريا ولبنان واليمن بشعوب أخرى من أعراق غير عربية، أو من عرب ينتمون طائفيا إلى المحور الشيعى الاثنى عشرى الفارسى.
2 ـ وفى مواجهة ما يحمله التهديد الإيرانى من صبغة طائفية معادية لتجمعات جماهير السنة المستهدفة من قبل النظام الإيرانى، فإن الرسالة التى تحملها مناورة «رعد الشمال» تفيد بأن ثمة قوة إسلامية سنية تتشكل اليوم فى مواجهة هذا التهديد البارز والواضح، وأن زمن الاعتماد على النفس حان، ولا أقدر على حماية الوطن من أبناء هذا الوطن، وهو ما يفرض أن تتسلح هذه القوة الإسلامية السنية بكافة وسائل القوة المسلحة اللازمة ليس فقط للدفاع عن الأمن القومى العربى، ولكن أيضا وبدرجة أكبر ردع العدائيات عن مجرد التفكير فى تهديد أى دولة عربية، بما فى ذلك أسلحة الدمار الشامل بأنواعها، لاسيما وأن إيران وقوى الإرهاب بدأت تلوح باستخدام هذه الأسلحة ضد الدول العربية والإسلامية ذات الإغلبيات السنية، وبدون امتلاك هذه الأسلحة فى مواجهة إيران النووية، وتوفير مصداقية عليا على نوايانا فى اللجوء إلى هذه الأسلحة عند اللزوم ودون تردد، سيكون الأمن القومى مهدداً بدرجة كبيرة لاسيما وان نظام حكم الملالى فى طهران بدأ يتجرأ ضد الدول العربية والإسلامية، وبدافع من الأيديولوجيا المتطرفة التى يحملها، والزخم المذهبى المعادى لأهل السنة الذى ترضعوه، ويهدد باستخدام هذه الأسلحة ضدهم.
ـ وإذا كانت الولايات المتحدة قد أرادت بعد الاتفاق النووى مع إيران إيصال رسالة للعرب مفادها أنه لا يمكنهم الاعتماد على المظلة الأمنية للولايات المتحدة بعد الآن، فإنه فى المقابل أرادت السعودية وحلفائها فى دول مجلس التعاون إيصال رسالة مضادة إلى الولايات المتحدة تفيد بأن الدول العربية أخذت القرار بيدها فيما يتعلق بمسائل أمنها القومى، ولم تعد تثق ولا تعتمد على ما ترسله الولايات المتحدة من وعود وضمانات وتطمينات حول مسئولية أمريكا فى الدفاع عن أمن الخليج، وأن المسئولية فى ذلك تقع أساسا على الدول العربية، وهى صاحبة القرار بشأنها، حتى وإن عارضته الولايات المتحدة وحلفاؤها وحتى روسيا، وأن الاعتماد على الراعى الأمريكى أو غيره مضى وقته، وأن نهج «أخذ المبادرة» التى تتبعه القيادة السعودية الجديدة ماض فى فرض نفسه، فمصلحة الخليج وأمنه خط أحمر لن تتم السماح بالمساس به، ومركز القرار المحافظة على هذا يتواجد فى الخليج وليس فى أى دولة أخرى. خاصة بعد التصالح المكشوف بين الدول الغربية وإيران، وإعلان الاتحاد الأوروبى وأمريكا أن الاتفاق النووى الموقع مع طهران دخل حيز التنفيذ، وأن العقوبات المفروضة عليها بسبب برنامجها النووى قد رُفعت. وهو ما اعتبرت معه وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية أن إيران ستستخدم الأموال التى رفع عنها التجميد فى دعم أنشطتها التخريبية، ودعم الإرهاب داخل وخارج منطقة الشرق الأوسط ، ورفع ميزانية الميليشيات من 10 مليارات دولار سنويا إلى حوالى 20 مليار دولار، فضلا عن 40 مليار دولار لدعم الاقتصاد الإيرانى. بل ذهبت السعودية إلى أبعد من ذلك عندما لوّحت على لسان وزير خارجيتها بإمكان سعيها للحصول على قنبلة نووية «إذا نجحت إيران فى الحصول عليها»، وقد تزامن ذلك مع توقيع مذكرة تعاون سعودية - صينية من أجل إقامة مفاعل نووى ذى حرارة عالية ومبرد بالغاز فى المملكة، وضمن سلسلة تحركات سعودية فى الاتجاه النووى لاسيما تجاه باكستان النووية، والتى زار رئيس حكومتها الرياض فى الفترة الأخيرة، وبما يحمل كل ذلك من رسائل ذات مغزى، أبرزها أن الدول العربية والإسلامية بواسطة جيوشها قادرة على حماية مكتسباتها وأمنها، وإرساء دعائم السلام والاستقرار فى المنطقة، وأن مناورة «رعد الشمال» تعكس اصطفافا يضم معظم الدول العربية والإسلامية فى مواجهة التحديات كافة، وحرصا وإصراراً من الدول المشاركة فيها على الوصول لأعلى درجة من القوة المطلوبة، والتنسيق فيما بينها لتحقيق غاياتها القومية المشتركة العليا، والرد على التهديدات التى يتعرض لها أمنها القومى، وأن الاستقرار الأمنى المنشود سينعكس إيجابا على الاستقرار الاقتصادى والاجتماعى، ويطمئن الشعوب العربية والإسلامية بقدرتها على تجاوز جميع الأزمات. وفى المحصلة إن قيادات دول الخليج وعلى رأسها السعودية صارت أكثر شجاعة على التدخل ليس فقط فى اليمن، ولكن فى سوريا أيضا لهزيمة الإرهاب هناك، مع الاستعداد لضربه أيضا فى العراق إذا ما شكل تهديدا للسعودية بالنظر لتلاصق الحدود بين البلدين، وفى ظل استخدام إيران للأراضى العراقية لتهديد السعودية، وأن هذا التدخل سيتم إذا ما تطلب الأمر سواء رضيت أمريكا أو لم ترض، كما يعكس قوة الإرادة السياسية والتوافق بين العرب نحو مواجهة هذه التحديات وغيرها.
3- أما الرسالة الثالثة والأهم فهى أن الحرب الحقيقية ضد الإرهاب عموما وتنظيم داعش خصوصا ستبدأ الآن، وأن «رعد الشمال» تمهد لوضع حد لتلاعب عدد من الدول واستغلالها قضية داعش والإرهاب لفرض أجندتها التى لا تختلف فى الجوهر والمرمى عن أجندة داعش، من حيث حجم الجريمة ونشر القتل والفتن الطائفية وإراقة الدماء. ومثال على ذلك إيران وروسيا وما ترتكبه الأولى من جرائم بشعة فى سوريا والأحواز والعراق واليمن ولبنان والبحرين ودول عربية أخرى لتمرير اجندتها التوسعية فى الوطن العربى، أو ما تقوم به الثانية (روسيا) من ممارسات مدانة قانونيا وأخلاقيا من حيث البشاعة ضد الشعب الروسى، وقصفها المدنيين وتسببها بتهجير مئات الآلاف قسراً وليس طوعاً من ديارهم، وكل هذا بذريعة الحرب ضد الإرهاب وداعش، فى حين النتائج جاءت عكسية، وظهرت فيما نشاهده من مزيد من التغول والتوغل والنفوذ والاتساع لهذا التنظيم، بل إن العرب يدركون جيدا مغزى عدم قيام داعش أو القاعدة بأى عملية إرهابية داخل إيران، بل تنحصر كل عملياتهما الإرهابية ضد الدول العربية، ما يؤكد وجود تحالف غير منظور بين هذين التنظيمين الإرهابيين وإيران. ولو كانت إيران صادقة فى محاربتها إرهاب داعش، فلماذا تعارض قيام السعودية والدول العربية والإسلامية الأخرى بإعلان حربها ضد داعش فى سوريا، وهو ما تمهد له مناورة «رعد الشمال»؟ وفى مواجهة هذا التحدى يصير التكامل العسكرى بين الدول العربية والإسلامية المتضررة من هذا التحالف الإرهابى، ضرورة ملحة، وأن انشغال القوات السعودية وحلفائها فى حربهم باليمن لن يمنعهم من مواجهة تهديدات أخرى برزت فى سوريا ومن العراق، وهو ما برز فى تصريح وزير الخارجية السعودى عادل الجبير فى 12 فبراير الماضى الذى قال فيه «إن روسيا الداعمة بقوة للنظام السورى ستفشل فى إنقاذ بشار الأسد»، مؤكدا أن رحيل الأسد عن الحكم مسألة وقت عاجلا أو آجلا، مبرزاً أن توقيت نشر القوات البرية فى سوريا مرهون بقرار التحالف الدولى ضد داعش.