في الوقت الذي استؤنفت فيه محادثات السلام السورية في جنيف هذا الأسبوع، أفادت وكالة أنباء "تاس" الروسية التي تملكها الدولة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن عن انسحاب جزئي لـ "القسم الرئيسي" من القوات المسلحة الروسية اعتباراً من 15 آذار/مارس. وحيث أشار إلى أن وزارة الدفاع قد حققت أهدافها في سوريا "على وجه العموم"، ربط بوتين الانسحاب الروسي ارتباطاً صريحاً بمحادثات جنيف: "آمل أن قرار اليوم سيكون إشارة جيدة لجميع الاطراف المتنازعة. آمل أن ذلك سيزيد بشكل كبير من ثقة جميع المشاركين في عملية (السلام) ". وأضاف أيضاً أن وزارة الخارجية الروسية سوف "تكثّف" مشاركتها في هذه العملية.
من غير الواضح بالضبط أي من القوات ستنسحب من سوريا، لا سيما وأن بوتين قد حدد بأن منشأة روسيا البحرية في طرطوس والقاعدة الجوية "حميميم" ستستمران في العمل كالمعتاد. وكانت القاعدة الجوية قد أًسست بعد أن بدأت الحملة العسكرية الروسية في أيلول/سبتمبر الماضي، لذا فإنها ستتطلب حتماً حفاظ موسكو على المزيد من القوات في سوريا أكثر مما كان لديها قبل التدخل، حتى لو كانت جادة في تعهدها بسحب بعض الوحدات.
أما بالنسبة للفكرة بأن موسكو قد حققت أهدافها في سوريا، فقد كان بوتين قد صرح في وقت سابق بأن الهدف من التدخل كان هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش»). ولكن من الواضح أن التنظيم لم يُهزم، كما أن بيانات موسكو المتفاوتة حول التهديد الذي يشكله التنظيم لا توفر قدراً كافياً من الوضوح. وكان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قد ادعى في 14 آذار/مارس، أن روسيا قضت على أكثر من 2000 من "قطاع الطرق" في سوريا كانوا قد جاؤوا من روسيا، من بينهم سبعة عشر قائداً ميدانياً. ومع ذلك، ففي العام الماضي، برر الكرملين تدخل بلاده الجزئي بالادعاءات بأن 5,000-7,000 مقاتلاً من روسيا قد انضموا إلى تنظيم «داعش» - وقد اختلفت جميع تلك الادعاءات نفسها بصورة جذرية عن تقارير سابقة استشهدت أرقاماً أقل من ذلك بكثير. وإلى جانب الأرقام الغامضة، زاد قرار موسكو بنشر قواتها في سوريا من التهديد الذي يشكله تنظيم «الدولة الإسلامية» على روسيا بدلاً من أن يقلّصه؛ وسنعرف [أسباب ذلك] مع مرور الزمن، ولكن التنظيم كان قد استهدف بالفعل مدنيين روس في ما بدا أنه انتقام لتدخل موسكو في الحرب الدائرة في سوريا (على سبيل المثال، يُعزى إسقاط طائرة ركاب روسية في مصر في تشرين الأول/أكتوبر الماضي إلى خلية تابعة لـ تنظيم «داعش»).
وما هو أبلغ من ذلك، كانت الغالبية العظمى من الغارات الجوية الروسية في سوريا قد شُنت ضد الثوار الذين يقاتلون نظام بشار الأسد، وليست ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». فإنقاذ الأسد من "التمرد" وتأمين مصالح روسيا - كما يعرّفهما بوتين - كانا الهدفان الحقيقيان في سوريا، وفي هذا الشأن بإمكان الرئيس الروسي أن يدّعي النجاح بالتأكيد. فقد عزز التدخل من موقف النظام في محادثات السلام في جنيف، حيث تفيد بعض التقارير أن الأسد يَذكر أن المساندة الروسية ساعدته على تحقيق "انتصارات ضد الإرهاب" وتثبيت الحالة الأمنية. ووفقاً للأسد وبوتين إن "الإرهابي" هو أي شخص مسلح يعارض النظام. كما أشار الأسد أيضاً إلى أن روسيا ستقلّص وجودها ولكنها ستُبقي بعض القوات في سوريا.
وعلى نطاق أوسع، يبدو أن بوتين يضع الأساس لتصوير نفسه بأنه "زعيم عالمي كبير" - أي صانع السلام الذي نفذ بنجاح حملة محدودة بـ "حد أدنى من الضحايا"، ثم انسحب من أجل قيادة جهود السلام الدولية. وبقيامه بذلك، سيسعى بلا شك إلى الضغط على كل من الولايات المتحدة والمعارضة السورية لكي يتمسكا بعملية جنيف - والأهم من ذلك، لتقديم تنازلات من شأنها أن تفيد بوتين قبل كل شيء آخر. وهناك مفهوم باللغة الروسية يتضمن أفضل وصف لهذا الوضع: "پوكازوخا" (pokazukha)، واجهة أو تزيين النوافذ، وهو أمر يعرفه بوتين حقّ المعرفة ويعلم كيف يبنيه.
-----------------
الكاتب : آنا بورشفسكايا هي زميلة "آيرا وينر" في معهد واشنطن.