نجح العرش المغربي بشكل كبير في إبقاء الجيش تحت سيطرته، وحتى لما حاولت قيادته، في فترة السبعينات من القرن الماضي، قلب نظام الحكم مرتين فشلت، وأتاحت للملك تشديد قبضته أكثر من السابق.
ملخص
مرَّ الجيش المغربي منذ تأسيس الدولة المغربية بمراحل متنوعة، ورغم أنه استطاع في بعض مراحل تطور الدولة المغربية أن يسجِّل حضورًا قويًّا وفاعلًا، فإن ذلك لم يكن إلا استثناء من القاعدة. ذلك أن الجيش المغربي كان على الدوام طرفًا ثانويًّا وصغيرًا في الحياة السياسية المغربية. وقد تعمق هذا الضعف في العصر الحديث إذ قلَّت مساهمته في بلورة السياسات العامة للبلاد، واقتصر دوره على التنفيذ الحرفي لسياسة الملك في مجال الدفاع والأمن.
ويعد الجيش في المغرب جيشًا غير مسيس، ومع أن هذه الخاصية توجد في أغلب الأنظمة السياسية، لكنها تأخذ في المغرب صفة مميزة؛ ذلك أن الجيش في المغرب يوجد «فوق» أو بالأحرى «خارج» السياسة. ورغم تقلد بعض الجنرالات مناصب وزارية إلى حدود 1972، إلا أنهم لم يكونوا يمثِّلون قوة سياسية معينة في البلد، بل قبلوا هذا التكليف كجزء من خدمة الملك، وهذا كله أدى إلى عدم ظهور طبقة عسكرية في المغرب كما هو الشأن في سوريا ومصر والعراق والجزائر مثلًا، وترجع هذه الظاهرة بشكل كبير إلى طريقة تعيين الضباط وقوات الجيش والتي تخضع لانتقاء صارم ودقيق.
ويمتاز الجيش في النظام السياسي المغربي عن نظرائه في دول الجنوب بطابع خاص نظرًا للظروف التاريخية التي صاحبت نشأته وتطوره من جهة، ولخصوصية النظام السياسي المغربي من جهة ثانية، ولنوعية الوظائف المسندة إليه من جهة ثالثة.
ورغم توسيع مهام الجيش المغربي لتشمل بعض القضايا الأمنية الطارئة مثل الجماعات المسلحة العابرة للحدود، فإن وظائفه الأساسية تتمثل في الثلاثي الآتي: حماية الملَكية، والدفاع عن قضية الصحراء، وتأمين البلاد من مخاطر "الجوار المعادي".
تسعى هذه الورقة إلى رصد تطور الجيش المغربي، وإبراز أهم خصائصه التي تميزه عن باقي الجيوش في دول الجنوب، ثم رصد مظاهر الاستمرار والتغير في مركزه الحالي في النظام السياسي المغربي في ظل حكم الملك محمد السادس.
مقدمة
يرتبط موقع الجيش في النظام السياسي في كل دول العالم بطبيعة هذا النظام ذاته وبنوعية التحديات الأمنية والعسكرية التي يواجهها، وتبعًا لذلك فإن الدور السياسي للمؤسسة العسكرية ومساهمتها في صنع القرار السياسي في الدولة سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي تختلف باختلاف الأنظمة السياسية. ورغم التطورات السياسية في أغلب بلدان الجنوب التي نَحَتْ نحو اعتماد بعض القواعد الديمقراطية في الحكم ومن ضمنها إبعاد الجيش عن الشؤون السياسية وحصر مهمته في حماية البلاد من المخاطر الخارجية، فإن المؤسسة العسكرية لا تزال تلعب دورًا فاعلًا في توجيه السياسات العامة خاصة في تلك البلدان التي استلم فيها الجيش السلطة لفترات معينة في إفريقيا وآسيا بما في ذلك الدول العربية غير الملَكية. وأما موقع الجيش في النظام السياسي المغربي فإنه يمتاز بطابع خاص نظرًا للظروف التاريخية التي صاحبت نشأته وتطوره من جهة، ولخصوصية النظام السياسي المغربي من جهة ثانية، ولنوعية الوظائف المسندة إليه من جهة ثالثة.
لم يستطع الجيش في المغرب أن يسيطر على مقاليد الحكم بشكل مباشر على امتداد تاريخه المعاصر، وحتى في الفترات التي اكتسب فيها الجيش نفوذًا وقوة، مقابل شخصية السلاطين وضعف الأطراف السياسية الأخرى من قوات حضرية وقبلية، فإن قوَّاد الجيش لم يستطيعوا ممارسة الحكم مباشرة بل ظلُّوا يبحثون عن «الواجهة الشرعية» التي هي الأسرة الحاكمة ليحكموا باسمها . وقد تكرَّس ضعف المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية بعد الإصلاحات التي أُدخلت على هيكل المؤسسة العسكرية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر؛ إذ أحدثت هذه التغيرات التي تمت في ظروف داخلية وخارجية صعبة آثارًا سلبية على الوزن السياسي للجيش الذي ضعف كثيرًا في أوائل القرن العشرين سواء فيما يخص «الكيش» التقليدي أو العسكر النظامي. فـ«الكيش» كان القاعدة الرئيسية السياسية العسكرية للمخزن قبل «الإصلاح»، فقدْ كان عنصرًا مهمًّا من عناصر البيعة إذ لا نكاد نجد بيعة عامة تخلو من مشاركة قوات «الكيش»، كما كان يشكِّل أغلبية ما كان يُسمى بـ«أصحاب الشكارة» من وزراء وكُتَّاب، ولكن بعد تأسيس «العسكر» فقدَ جانبًا كبيرًا من دوره العسكري ثم شيئًا فشيئًا دوره السياسي. وهذا الضعف السياسي للجيش، وإن كانت أمارته بدأت تلوح منذ السلطان الحسن الأول الذي حكم المغرب من 1873 حتى 1894، فإنه لم يظهر جليًّا إلا في عهد السلطان عبد العزيز الذي امتدت فترة حكمه من 1894 حتى 1908، فبعد وفاة السلطان محمد بن عبد الرحمن (1859-1873) كان الجيش لا يزال له وزنه وكان يؤخذ بعين الاعتبار داخل التوازن السياسي التقليدي .
أما في الزمن المعاصر، فقد مثَّلت المؤسسة العسكرية بعد حصول المغرب على الاستقلال في 1956 أحد الأعمدة التي استندت عليها الملكية لترسيخ أركانها ومواجهة المعارضة السياسية والاضطربات الاجتماعية، وقد ظهرت استعانة المؤسسة الملكية بالجيش باعتباره حليفًا أساسيًّا لها في أحداث كثيرة لمواجهة التمردات الداخلية مثل الانتفاضات الشعبية التي عرفها كل من منطقة الريف في 1958، والدار البيضاء في 1965، ومدن الشمال في 1984، وفاس في 1990، وسيدي أفني في 2008، والعيون في 2010.
رغم محافظة الجيش المغربي على الإطار العام لأهدافه فإنها شهدت تطورًا تبعًا للتحديات الأمنية والسياسية المتجددة؛ ففي البداية حُدِّدَت الوظيفةُ الأساسية للقوات المسلحة الملكية في حماية النظام الملكي ضد المعارضة السياسية لاسيما الجناح اليساري منها الذي خطَّط لتقويض الملَكية أكثر من مرة، وقد شكَّل الجيش الدعامة الأساسية للملكية في هذه الفترة، لكونها المؤسسة الأكثر تنظيمًا وفعالية وولاء. وبعد استقلال الجزائر في 1962 برز خلافٌ شديد بين المغرب والجزائر حول ترسيم حدودهما البرية الموروثة عن الاستعمار. وخاض البلدان بسبب هذا الخلاف حربًا سنة 1963 والتي لا تزال آثارها النفسية قائمة حتى الآن. وهكذا ستنضاف مهمة جديدة للجيش المغربي والمتمثلة في حماية الحدود من الجوار "المعادي"، وسيدخل البلدان في سباق للتسلح يمتص كل سنة جزءًا مهمًّا من الميزانية العامة للبلدين. وبعد تنظيم الملك الراحل الحسن الثاني المسيرة الخضراء إلى الأقاليم الصحراوية في جنوب المغرب في عام 1975، وإعلانه استعادة هذه الأقاليم من الاحتلال الإسباني سيندلع نزاع حول هذه الأقاليم بين المغرب وجبهة البوليساريو التي حازت دعمًا كبيرًا ماليًّا وعسكريًّا ودبلوماسيًّا من قبل بعض الدول لاسيما الجزائر وليبيا، لتصير قضية الصحراء منذ ذلك الوقت الشغل الشاغل والقضية الوطنية الأولى للجيش وأيضًا للدبلوماسية المغربية. وبسبب طبيعة النسق العالمي الحالي المتميز بتصاعد حجم التدفقات عبرالوطنية بمختلف أبعادها، انضافت خلال السنوات الأخيرة انشغالات "أمنية" جديدة للجيش المغربي تتعلق بالجماعات المسلحة العابرة للحدود وتدفقات الهجرة غير النظامية وتهريب المخدرات.
ومع أن المؤسسة العسكرية المغربية تميزت في بدايتها بطابعها العمودي لكونها نخبوية وغير نخبوية في الوقت ذاته؛ حيث كان عناصرها ينتمون إلى كل طبقات المجتمع ومن مختلف المناطق، وكانوا يمثِّلون عينة مهمة من السكان، فإن هذه العينة تحكمت فيها دائمًا مجموعة أخرى صغيرة تنتمي إلى النخبة .
بلغ عدد القوات المسلحة الملكية في سنة 2010 ما يقرب من 198 ألف عنصر موزعين بين الجيش الملكي الذي يمثل العمود الفقري وهو يقابل ما يسمى في البلدان الأخرى بالقوات البرية ويتكون من 175 ألف عنصر، والبحرية الملكية بـ7800 عنصر، والقوات الجوية الملكية بـ13 ألف عنصر، والحرس الملكي بـ23 ألف عنصر، والدَّرَك الملكي بثلاثة آلاف عنصر، والقوات الاحتياطية بـ150 ألف عنصر . ويُتوقع أن يُسهم قرار إلغاء التجنيد الإجباري في سنة 2006، بعدما ثبت انضمام بعض المجندين إلى الحركات المناصرة لتنظيم القاعدة، في ضبط تركيبة الجيش الاجتماعية، كما سيجعل سياسة الدفاع المغربية تفقد مع الوقت جيشها الاحتياطي الذي يمثل أحد عناصر قوة الدول.
وتجدر الإشارة إلى أن انفتاح المغرب على المؤسسات الدولية كان له أثر إيجابي على الاحترافية العسكرية والتشغيل البيئي للجيش المغربي ، كما أن مشاركته في مهام حفظ السلام والعمليات العسكرية في مناطق مختلفة من العالم أكسبه خبرة ميدانية إضافية لاسيما بعد وقف إطلاق النار في الصحراء ابتداء من بداية عقد التسعينات من القرن الماضي التي شكَّلت لعقدين متتاليين ميدان حرب مفتوحة مع جبهة البوليساريو. لكن تظل هذه العمليات العسكرية التي يشارك فيها المغرب خارج إقليمه الوطني غير كافية للحديث عن وجود خبرة ميدانية مهمة لتجريب أسلحته وصقل قدرات عناصره قد تميزه عن جيوش باقي دول المنطقة.
تسعى هذه الورقة إلى رصد تطور الجيش المغربي، وإبراز أهم خصائصه التي تميزه عن باقي الجيوش في دول الجنوب، ثم رصد مظاهر استمرار مركزه الحالي وتغيره في النظام السياسي المغربي في ظل حكم الملك محمد السادس.
أولًا: الإطار التاريخي للجيش المغربي
لقد مَرَّ الجيش المغربي منذ تأسيس الدولة المغربية بمراحل متنوعة، ورغم أنه استطاع في بعض مراحل تطور الدولة المغربية أن يسجِّل حضورًا قويًّا وفاعلًا؛ حيث كان محورًا حاسمًا في المعادلة السياسية، فإن ذلك لم يكن إلا استثناء من القاعدة. ذلك أن الجيش المغربي كان على الدوام طرفًا ثانويًّا وصغيرًا في الحياة السياسية المغربية، ولم يستطع أن يتحكم بشكل مباشر في دواليب الحكم والسياسة إلا نادرًا. وقد تعمَّق هذا الضعف في العصر الحديث إذ قلَّت مساهمته في بلورة السياسات العامة للبلاد، واقتصر دوره على التنفيذ الحرفي لسياسة الملك في مجال الدفاع والأمن.
1- لمحة تاريخية عن الجيش المغربي
تأسس الجيش المغربي والمعروف رسميًّا بالقوات الملَكية المسلحة في يونيو/حزيران 1956، وحُدِّدَت وظيفته الأساسية في الدفاع عن المملكة، وسُمح له أيضًا بإمكانية المساهمة في المحافظة على النظام العام في أحوال معينة. وقد تَشَكَّل الجيش المغربي في بداية نشأته من مزيج من ثلاثة مصادر مختلفة،
أولًا: تجنيد عناصر جديدة تنتمي إلى فئات مختلفة من المجتمع،
وثانيًا: ضم عناصر جيش التحرير الذي أنشأته الحركة الوطنية لمقاومة المستعمر لاسيما في الشمال بمنطقة جبال الريف وفي الوسط بجبال الأطلس المتوسط،
وثالثًا: إدماج العناصر المغربية التي كانت مجنَّدة في الجيشين الاستعماريين الفرنسي والإسباني.
وحددت الاتفاقات المغربية-الفرنسية، في مارس/آذار 1956، إطار المنطلق بأن «محمد الخامس، سلطان المغرب، سيهيئ جيشًا وطنيًّا، وأن فرنسا ستقدم مساعدتها لإنشاء هذا الجيش». وبعد شهر صدرت وثيقة لتنظيم اندماج الوحدات المنحدرة من الجيش الإسباني في القوات المسلحة الملَكية، والتي أكدت على أن الجيش شأن الملك، وأن فرنسا ستمنح عونًا متميزًا من أجل إنشاء الجيش الملَكي انطلاقًا من النواة المكونة من قدماء الجيش الفرنسي والمعرفين بـ«الكوم» (goums) الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية وفي حرب الهند الصينية وكانوا حوالي 15 ألف رجل، إضافة إلى «المحلات» (Les mahallas) من قدماء المنطقة الإسبانية، ثم عناصر جيش التحرير الوطني. وكانت المهمة الأولى للجيش خلال هذه الفترة صهر الفرق العسكرية من الأصول المختلفة، وإبعاد العناصر غير المرغوب فيها خاصة الأطر التي اعتُبرت غير مؤهلة أو المشكوك في إخلاصها للملكية .
وقد شكَّلت هذه الفئة الثالثة، المنحدرة من الجيشين الاستعماريين الفرنسي والاسباني، العمود الفقري للجيش المغربي، بسبب تكوينها المتقدم وتجربتها الميدانية السابقة، سواء داخل المغرب أو خارجه في حرب الهند الصينية، وأيضًا في صفوف الحلفاء خاصة في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي، وفي الحرب الأهلية الإسبانية إلى جانب الجنرال فرانكو الذي حكم إسبانيا من 1939 حتى وفاته في 1975. وكانت هذه الفئة الثالثة أكثر تأثيرًا ونفوذًا نظرًا لرتبها العسكرية العالية التي ورثتها من مرحلة الاستعمار، لاسيما العناصر المنحدرة من الجيش الفرنسي التي كانت لها الهيمنة على بنية الجيش المغربي حديث النشأة. وتجدر الإشارة إلى أن أفراد هذه الفئة الثالثة لم يلتحق أغلبهم بالجيش المغربي حتى عام 1956، ولم تكن لهم أية مشاركة في الحركة الوطنية بل على العكس فقد شاركوا في قمعها ومحاربتها، وهذا الواقع قوَّى نوعًا ما شعورًا محافظًا بين قدماء الضباط الذين كانوا يقمعون دائمًا كل من كانت له آراء معارضة وسط الشباب، أو من كان له مجرد انفتاح وطني، وكانوا يعوِّضون عن هذه المواقف إلى جانب اشمئزازهم وكرههم للسياسة، بالوفاء للعرش .
ويبدو أن الاتفاقات التي عقدت بين المغرب وكل من فرنسا وإسبانيا قبيل الاستقلال نصَّت على إدماج العناصر المغربية في الجيش الاستعماري داخل القوات المسلَّحة الملّكية، ولم ينفِ الملك الراحل الحسن الثاني نفسه احتمال فرض القوات الاستعمارية لبعض الأشخاص على رأس الهرم العسكري في البلاد، وهذا ما يُستنتج من تصريحه الذي يقول في شأن الجنرال أوفقير: «يمكن القول: إن أوفقير فُرض علينا، فهو لم يكن الضابط المغربي الوحيد الذي عمل في صفوف القوات المسلحة الفرنسية، وعند عودتنا من المنفى إلى المغرب في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1956 وجدنا أوفقير الذي كان تابعًا آنذاك للإقامة العامة في انتظارنا لدى نزولنا من الطائرة حيث تقدم للسلام علينا ثم أخذ مكانه بجانب سائق السيارة كأحد الضباط المرافقين لنا، وغداة ذلك وجدناه في صفوف الحرس الملَكي»، ويضيف الملك الراحل: «لا أعلم ما إذا كان أوفقير فُرض علينا قضاء وقدرًا أم أن شخصًا ما هو الذي فرضه علينا، غير أني أعتقد أن ظهوره هكذا لم يكن بمحض الصدفة» .
وفي إبريل/نيسان 1968 أنشأ الملك الراحل الحسن الثاني البلاط العسكري الملَكي، وهو إدارة عسكرية تناط بها مهمة إطلاع الملك على جميع المسائل المتعلقة بالدفاع والمحافظة على النظام، وتبليغ توجيهات الملك في هذا الصدد إلى الهيئات المكلفة بتنفيذها . وستؤدي المحاولتان الانقلابيتان اللتان حدثتا على التوالي في يوليو/تموز 1971 وأغسطس/آب 1972 واللتان قادتهما عناصر قيادية في الجيش إلى إعادة النظر في تنظيم المؤسسة العسكرية المغربية، والعمل على إبعادها تمامًا عن الشؤون السياسية. ومن بين أهم القرارات التي اتُّخذت عقب المحاولة الانقلابية العسكرية الثانية هو إلغاء وزارة الدفاع الوطني في أغسطس/آب 1972، وسيمارس الملك باعتباره القائد الأعلى ورئيس الأركان العامة للقوات المساعدة الاختصاصات المخولة لوزير الدفاع .
وتبعًا لذلك، تم إنشاء إدارة الدفاع الوطني والتي سترث المصالح الإدارية المركزية لوزارة الدفاع الوطني سابقًا، وسيتولى كاتب عام تحت سلطة الملك تسيير هذه الإدارة . وفي إطار السعي لتجاوز إرث هاتين المحاولتين الانقلابيتين ورغبة في تطبيع العلاقات المدنية والعسكرية سيتم إحداث الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بإدارة الدفاع الوطني في 1997 ، لكن تتميز هذه الوزارة بطابع خاص عكس باقي الوزارات الأخرى، كونها تمثل مجرد تفويض من الملك لرئيس الحكومة أن يمارس تحت سلطته مهام واختصاصات وزير الدفاع الوطني، وأجاز القانون المنشئ لهذه الوزارة لرئيس الحكومة أن يفوِّض إلى وزير منتدب إدارة الدفاع الوطني. وفي المسعى ذاته سيُنشَأ في يوليو/تموز 2011 المجلس الأعلى للأمن بمقتضى دستور 2011 الذي أعطى له صفة "هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات، والسهر أيضًا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة" (الفصل 54 من الدستور). وفي سبتمبر/أيلول 2012 صدر قانون خاص بالضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين بالقوات المسلحة الملكية، والذي أثار جدلًا واسعًا لاسيما فيما يتعلق بالحصانات والامتيازات القانونية الممنوحة للعسكرين وذويهم، وقد اعتُبر هذا القانون بمثابة ضمان حماية الدولة للعسكريين المشاركين في العمليات العسكرية سواء داخل المغرب أو خارجه.
وتُعتبر حرب الصحراء التي خاضها الجيش المغربي ضد جبهة البوليساريو في الصحراء والتي امتددت من عام 1976 حتى وقت إطلاق النار تحت رعاية الأمم المتحدة عام 1991 أبرز التجارب العسكرية التي خاضها الجيش المغربي. ويجدر بالذكر أن الجيش المغربي خاض أيضًا حربًا مع الجزائر التي سُمِّيت بحرب الرمال عام 1963 بسبب خلاف على ترسيم الحدود الموروثة عن مرحلة الاستعمار، بالإضافة إلى مشاركة فرق مغربية في حروب عربية ضد إسرائيل في 1967 على جبهة الجولان. لكن تظل كل هذه التجارب قديمة، والأجيال التي شاركت فيها أُحيلت على التقاعد، لذلك يحاول المغرب حاليًا إشراك بعض فرقه العسكرية في بعثات حفظ السلام وحتى التدخل العسكري الدولي في بعض مناطق النزاع خاصة في إفريقيا بهدف التمرين وكسب التجربة.
ومن جهة أخرى، فإن استمرار وفاء الجيش المغربي لقيمه التقليدية التي أطَّرته خلال مرحلة ما بعد المحاولتين الانقلابيتين في بداية السبعينات لا ينفي إمكانية وجود جيل جديد من الضباط له ثقافة عسكرية واستراتيجية معاصرة تخالف النهج التقليدي، لاسيما تلك النخبة التي أُتيحت لها فرصة استكمال تكوينها العسكري في بعض البلدان الغربية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا .
يتبع ........