في كلمته أمام المدراء التنفيذيين للصناعة النفطية في تكساس في أوائل الأسبوع قال علي النعيمي وزير البترول السعودي أشياء لم يحبّوا سماعها. الشعور العام في مؤتمر هيوستون للطاقة يمكن تلخيصه بسطر واحد.. أوبك ستصمد رغم أزمة الأسعار المنخفضة، وستخرج منها سالمة، وسيستمر الصمود حتى يتم القضاء على المنتجين ذوي التكلفة العالية وطردهم من السوق.
كانت قاعة المؤتمر في مدينة هيوستون مكتظة بالحضور من مدراء وخبراء ومراقبين وصحافيين، ليستمعوا إلى ما سيقوله النعيمي. وتمت ترجمة الكلمة إلى اللغتين الروسية والصينية وعشر لغات أخرى. العنصر المشترك بين متحدثي اللغات المختلفة هو مخاوف من ألا تستمر الحياة كما كانت. "المنتجون ذوو التكلفة الباهظة يجب أن يخرجوا من الساحة... كلمات قاسية جدًا حقًا"، حسب التحليل الأميركي. "السعودية لم تخلق التخمة في السوق، ولكن الأسعار المرتفعة هي التي شجّعت على استغلال كل برميل نفط من أي مصدر".
دعوة إلى المنافسة
وقال النعيمي: "قابلنا منتجين خارج إطار أوبك، وسألناهم ماذا تريدون أن تفعلوا، ولم يكن لديهم جواب. كان جليًا أن كبار المنتجين خارج "أوبك" لا يهتمون بتخفيض الإنتاج، ولا يبدون أي اهتمام. لذلك قررت السعودية ألا تفعل شيئًا، ولن تخفض الإنتاج لإعادة التوازن إلى السوق، وتخلت عن دورها التقليدي في مساعدة السوق على استرجاع حالة من الاستقرار والتوازن.
أولوية السعودية هي تلبية احتياجات الزبائن والحفاظ على حصتها في السوق، وليس تقديم الدعم لذوي التكلفة المرتفعة في إنتاج النفظ. وفي نهاية المطاف وبكلمات واضحة وقد تكون قاسية: "الاستنتاج السعودي، ليتنافس الجميع، وسيكون هناك ناجون وهالكون".
طبعًا اكتشفت الشركات الأميركية أن السعودية غير جاهزة، وراغبة في التضحية بحصتها من السوق، لكي تواصل دعم المنتجين الهامشيين في آلاسكا وداكوتا وألبيرتا. وكان هذا بمثابة ضربة موجعة لمنتجي الزيت الرملي في ألبيرتا في كندا، ومنتجي الزيت الصخري في أميركا.
عندما وصلت الأسعار إلى 100 دولار للبرميل تم استثمار مبالغ طائلة في استكشاف واستخراج نفط من مصادر غير اقتصادية، مثل رمال منطقة ألبيرتا الكندية وصخور ولايات داكوتا وأوكلاهوما وتكساس. من الطبيعي أن النعيمي يفضل أن يكون السعر أعلى بكثير من 20 دولارا، ولكن السعودية تستطيع التعايش مع هذا السعر لفترة طويلة.
ذوو التكلفة الباهظة وغير الكفوئين سيدفعون ثمنًا عاليًا. الاستنتاج العام أنه ستمضي سنوات عديدة قبل أن تعود الأسعار إلى مستويات عام 2014. والواضح تمامًا أنه سوف لا تكون هناك تخفيضات في الإنتاج في المستقبل المنظور. لا تتوقعوا من المنتجين ذوي التكلفة الضئيلة أن يستمروا في مساعدة المنتجين ذوي التكلفة الباهظة. على هؤلاء أن يتأقلموا مع الأسعار المنخفضة لسنوات عديدة.
هواجس من إفلاسات
الجثث والإفلاسات ستكون في كل مكان...هكذا وصفت صحيفة وول ستريت جورنال صحيفة المال والأعمال الأميركية الوضع بعد الاستماع إلى خطاب علي النعيمي في هيوستون قبل أيام. حمام الدم يشير إلى فترة طويلة من ركود أسعار النفط، حيث تمر الشركات المنتجة للنفط بمرحلة صعبة للغاية، وسوف ينجح بعضها في التأقلم مع الحالة، وسيفشل البعض الآخر، ويعلن إفلاسه أو يصطدم بالحائط ويسقط.
ضحايا حمّام الدم لا يقتصرون فقط على الشركات الصغيرة. حيث أعلنت بي بي BP بريتيش بتروليوم العملاقة عن خسائر بمقدار 5.2 مليارات دولار وتسريح 3 آلاف موظف إضافي عام 2015، بينما شركة Hess هس الأميركية أعلنت خسائر قيمتها 3 مليارات دولار لعام 2015، ولكن مديرها التنفيذي جون هيس يصر على أن الشركة صامدة.
الشركات غارقة في بحر من المديونية ومحيط من التخمة النفطية التي بسببها هوت الأسعار من 115 دولارا عام 2014 إلى دون 30 دولارا الآن. وستستمر هذه الحالة لسنوات، وهذه الحقيقة المؤلمة باتت واضحة للجميع عندما أعلنت السعودية من خلال وزير بترولها علي النعيمي أنه لا توجد خطة لتخفيض الإنتاج لدعم الأسعار، معتمدة على قوى السوق الحر وآليات العرض والطلب، أن تقوم بتصحيح الوضع باقتلاع الشركات ذات التكلفة الإنتاجية العالية من الساحة النفطية كليًا، ما سيقلل التخمة والإمدادات ويرفع الأسعار.
رغم ارتفاع ضئيل في الأسعار في الأسبوع الفائت بعد الإعلان عن اتفاق، شمل فنزويلا قطر والسعودية وروسيا، لتجميد سقوف الإنتاج كما هي في يناير (كانون الثاني) 2015، إلا أن الأسعار عادت وهبطت إلى مستويات قبل إعلان الاتفاق خلال 48 ساعة.
لا ضغوطات على الآخرين
على مستوى عالمي خسرت شركات الطاقة 300 ألف وظيفة منذ أواسط 2014. وتم إلغاء إنفاق 1.5 تريليون دولار عالميًا للفترة 2015 – 2019 حسب دراسات شركات استشارية أميركية. هذه التخفيضات في الإنفاق من شأنها تقليل إنتاج الزيت الصخري بما لا يقل عن 600 ألف برميل يوميًا هذا العام،وبحدود 200 ألف برميل يوميًا بحلول عام 2017، حسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية. كما جفت مصادر التمويل السخية للطاقة.
ما لا يقل عن 48 شركة نفظ وغاز أميركية قدمت طلبات تلتمس الحماية من الإفلاس في المحاكم الأميركية (23 منها في تكساس) الأمر الذي يهدد 17 مليار دولار من الديون، حسب أرقام من شركة هينز أند بوون القانونية. الرفض السعودي لتقليص الإنتاج سيؤدي إلى إفلاس 50% من شركات الزيت الصخري، التي تنتج النفط بالتكسير الهيدرولوكي للصخر. فشركة بيونير Pioneer خسرت 623 مليون دولار في الربع الأخير من عام 2015 وستقلص ميزانيتها بملياري دولار لعام 2016.
سؤال أخير: بينما تتم ممارسة الضغوط على المملكة العربية السعودية لتخفيض إنتاجها، يحق لنا أن نتساءل إذا كان الإنتاج العالمي يصل إلى 93 مليون برميل يوميًا، والسعودية تنتج 10.5 ملايين برميل يوميًا فقط، لماذا لا يتم الضغط على من ينتج 83 مليون برميل يوميًا لتخفيض إنتاجه؟. فأوبك تنتج 33 مليون برميل يوميًا، فمن ينتج 60 مليون برميل يوميًا؟... لا أحد يضغط على روسيا والنروج والمكسيك والولايات المتحدة للقيام بتخفيض الإنتاج. لماذا؟.