المنتدى العسكري العربي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة

مرحبا بك في المنتدى العسكري العربي

يرجي التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدى

سنتشرف بتسجيلك

شكرا

ادارة المنتدى
المنتدى العسكري العربي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة

مرحبا بك في المنتدى العسكري العربي

يرجي التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدى

سنتشرف بتسجيلك

شكرا

ادارة المنتدى
المنتدى العسكري العربي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالقوانينالتسجيلدخول

شاطر
 

 ثورة هادئة: الجيش التونسي بعد بن علي

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة

mi-17

مشرف
مشرف



ثورة هادئة: الجيش التونسي بعد بن علي Unbena20ثورة هادئة: الجيش التونسي بعد بن علي Unbena11ثورة هادئة: الجيش التونسي بعد بن علي Unbena30
ثورة هادئة: الجيش التونسي بعد بن علي Unbena23




ثورة هادئة: الجيش التونسي بعد بن علي Empty
مُساهمةموضوع: ثورة هادئة: الجيش التونسي بعد بن علي   ثورة هادئة: الجيش التونسي بعد بن علي Icon_minitimeالجمعة فبراير 26 2016, 08:32

هذه المقاربة الإقليمية المعمَّقة أُعِدَّت كجزءٍ من مشروع "إعادة النظر في العلاقات المدنية-العسكرية 2014-2015: الحوكمة السياسية والاقتصادية في المرحلة الانتقالية" الذي وضعه مركز كارنيغي للشرق الأوسط، والذي يسعى إلى ترقية البحث حول القوات المسلحة في الدول العربية وتحديات مرحلة الانتقال الديمقراطي.


ملخّص

تزامنت بداية التحوّل في العلاقات المدنية-العسكرية مع الثورة السياسية في تونس. فقد بدأ الجيش، الذي ظل مهمّشاً على مدى عقود في عهد الرئيس السابق الحبيب بورقيبة وخصوصاً في ظل الدولة البوليسية للرئيس السابق زين العابدين بن علي، يدرك بعد ثورة العام 2011 أن حظوظه تتراجع. فقد أحدثت عملية الانتقال السياسي تغييرات في العلاقات المدنية-العسكرية ضمن خمسة جوانب:

- انتقلت إدارة الجيش من الحكم الشخصي للمستبدّين السابقين إلى قنوات أكثر لامركزية.
- كان تغيّر القيادة السياسية في تونس إيذاناً بنهاية تمييز الضباط الآتين من المناطق الساحلية الثريّة التي يتحدّر منها بورقيبة وبن علي.
- أرغمت التهديدات الأمنية الخطيرة التي تواجهها تونس حكومات مابعد الثورة على تعزيز ميزانية الجيش وأسلحته وروابطه الدولية وقدراته المؤسّسية ونفوذه السياسي.
- تمتّع ضباط الجيش السابقون بقدر من العدالة الانتقالية أكثر من باقي التونسيين.
- أصبح الضباط المتقاعدون أعضاء فاعلين في المجتمع المدني النشط في تونس، ووفّروا للجيش جماعة ضغط جديدة تسعى إلى تعزيز مصالحه.

في العام 2016، يبدو أن زيادة قوة الجيش أصبحت ظاهرة صحية للديمقراطية الفتيّة في تونس، بالنظر إلى التحدّيات الأمنية وانعدام الخبرة العسكرية لدى القادة المدنيين في البلاد.  فبعد أن تم تهميش الجيش في دولة بن علي البوليسية، يبدو أن هذه التطورات تهدف إلى تصحيح ذلك الخلل التاريخي. ومع ذلك، ينبغي على الحكومات الغربية والأطراف الفاعلة المحلية والدولية الأخرى أن تحرص على تشجيع نمو الجيش تماشياً مع المبادئ الديمقراطية.



مقدّمة

تمكّنت تونس، التي تُعتبر قصة النجاح الأولى في الربيع العربي، من توجيه عملية الانتقال السياسي الصعبة نحو الديمقراطية. وعندما بدا أن عملية الانتقال أصبحت على وشك الانهيار في صيف العام 2013، تجمّعت القوى السياسية، الأمر الذي نتج عنه إقرار دستور بما يشبه الإجماع، وعقد انتخابات سلمية ثانية وانتقال للسلطة.
 
من بين الأسباب الأكثر شيوعاً التي ذُكرَت بشأن النجاح النسبي للعملية الانتقالية في تونس، هي طبيعة جيشها. فالقوات المسلحة التونسية هي الأصغر حجماً في العالم العربي، حيث يبلغ تعدادها 40.500 فرد في الخدمة الفعلية من أصل عدد سكان تونس الذي يقرب من 11 مليون نسمة. ولم يخض جنود الجيش التونسي أي حروب كبرى، حيث ظلوا إلى حدٍّ كبير ("سجناء" كما قال ضابط متقاعد) في الثكنات. وبسبب نقص التمويل والتجهيز، وتحييده عن السلطة السياسية والاقتصادية في عهد الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، لم يطوّر الجيش كمؤسّسة أبداً مصالح تجارية عميقة من شأنها أن تربطه بمصير الحكام المستبدّين في تونس. وقد مكّنه عدم وجود مصالح خاصة به من تجاوز زين العابدين بن علي بسرعة بعد الإطاحة به في كانون الثاني/يناير 2011، ومن ثم الابتعاد عن التطورات السياسية الداخلية على نحو يفوق الجيوش الأخرى في المنطقة.
في حين كُتِبَ الكثير عن كيفية تأثير طبيعة الجيش التونسي على الثورة والعملية الانتقالية التي تلتها، لم يُكتب سوى القليل عن كيفية تأثير العملية الانتقالية على الجيش. فقد حدثت وراء الكواليس تغييرات كبيرة في العلاقات المدنية-العسكرية، وهو مايُحتمل أن يكون قد أدّى إلى إعادة هيكلة تدريجية لنظام الحكم بعيداً عن دولة بن علي البوليسية نحو دولة تكون فيها الأجهزة الأمنية المختلفة أكثر توازناً.

تاريخ من التهميش

على عكس جيوش الدول المجاورة، كان الجيش في تونس تاريخياً ضعيفاً من الناحيتين العسكرية والسياسية. فقد سعى الحبيب بورقيبة، أول رئيس لتونس، إلى إفقاد الجيش التونسي القدرة على القيام بانقلاب ضدّه، بعد أن شهد موجة الانقلابات في مرحلة مابعد الاستقلال التي عجّت بها المنطقة في خمسينيات القرن الماضي. ولعل ماجعل مهمة بورقيبة تلك أسهل هو أن القوات المسلحة التونسية تأسّست بعد الاستقلال، حيث لم يكن هناك جيش وطني ليرث الحقبة الاستعمارية، كما كان عليه الحال في مصر. يضاف إلى ذلك أن القوات التونسية لعبت دوراً ثانوياً في الحركة الوطنية، وبالتالي تم حرمانها من امتلاك الشرعية اللازمة لكي تحكم وهي الشرعية التي اكتسبها الجيش في الجزائر، على سبيل المثال، من خلال دوره في الحرب من أجل الاستقلال عن فرنسا. وعندما أسّس بورقيبة القوات المسلحة التونسية في 30 حزيران/يونيو 1956، وجمع 850 من رجال حرس الحاكم (الباي)، و1500 من الجيش الفرنسي، و3000 من المجندين، تمكّن من إبقاء الجيش صغيراً في حجمه ومعزولاً عن السلطة السياسية.
بعد مناوشة قصيرة مع فرنسا في معركة بنزرت في العام 1961، وفشل محاولة انقلاب في العام التالي قام بها ضباط موالون لصالح بن يوسف، منافس بورقيبة السياسي، بقي الجيش محصوراً في الثكنات ومعزولاً نسبياً عن السياسة. وعلى مدى العقدين التاليين، كانت لدى بورقيبة أيضاً أولويات أخرى، حيث أنفق نسبة تتراوح بين 40 إلى 50 في المئة من الميزانية على التعليم والخدمات الاجتماعية، وترك القليل من الموارد للجيش. وقد فضّل بورقيبة ضمان الأمن في تونس من خلال التحالفات والدبلوماسية بدلاً من الحرب.
وفي ماعدا نقص التمويل، اتّبع بورقيبة سلسلة من التدابير الأخرى الرامية إلى منع حدوث أي انقلاب عليه. فقد وضع الحرس الوطني التونسي، وهي قوة شبه عسكرية مقرّها عادةً في وزارة الدفاع، في وزارة الداخلية لتقويض أي تواطؤ بين الحرس الوطني والجيش. كما منع ضباط وجنود الجيش من التصويت في الانتخابات أو الانضمام إلى الأحزاب السياسية بهدف تخفيف اهتمامهم في السياسة. وأخيراً، عمد بورقيبة إلى ترقية الضباط الموالين ليتولوا قيادة القوات المسلحة. في العام 1956، أوعز بورقيبة لحزبه "الحزب الدستوري الجديد" بإجراء تحرّيات على أول دفعة من الضباط التونسيين الذين تم إرسالهم إلى الأكاديمية العسكرية الفرنسية "سان سير". وقد شغل ضباط من هذا الفوج الذي تم فحصه - والذي أطلق على نفسه "ترقية بورقيبة" - المناصب العسكرية الرفيعة على مدى العقود الثلاثة التالية، الأمر الذي ضمن ولاء الجيش للنظام.
ومع ذلك، تزايد التهديدات الداخلية والخارجية أجبر بورقيبة على تغيير مساره وتقوية القوات المسلحة في أواخر سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. فقد تغلّب إضراب وطني عام قام به الاتحاد العام التونسي للشغل في العام 1978، وتمرّد مدعوم من الليبيين في بلدة قفصة الداخلية في العام 1980، ومظاهرات الخبز الشاملة في العام 1983-1984، على قوات الشرطة والحرس الوطني، الأمر الذي "هز إعجاب بورقيبة بنفسه، وأجبره على إعادة النظر في... تحديث القوات المسلحة"، كما كتب ل.ب. وير، أهم باحث في شؤون الجيش التونسي. وخلال هذه الفترة تضاعف الإنفاق العسكري أربع مرات، وارتفعت واردات الأسلحة خاصة من الولايات المتحدة، (أنظر الرسمين 1 و2).

ثورة هادئة: الجيش التونسي بعد بن علي ACMR_Grewal_AR_Final--22


ثورة هادئة: الجيش التونسي بعد بن علي ACMR_Grewal_AR_Final--3




عندما ازداد اعتماد بورقيبة على الجيش في تحقيق الأمن، بدأ ضباط الجيش في الاضطلاع بدور سياسي أكبر. تم نقل أمير اللواء زين العابدين بن علي، وهو عضو في ترقية بورقيبة المشار إليها سابقاً، والذي كان قد أنشأ مديرية الأمن العسكري في العام 1964،  إلى وزارة الداخلية في العام 1977 مديراً عاماً للأمن الوطني. ومن ثم بدأ في تسلق المناصب المدنية، بدءاً بمنصب سفير تونس لدى بولندا في العام 1980، فوزير دولة لشؤون الأمن الوطني في العام 1984، فوزيراً للداخلية في العام 1986، وأخيراً رئيساً للوزراء في العام التالي. في العام 1984، تولّى زميل بن علي، العقيد في الجيش الحبيب عمار، أيضاً قيادة قوات الحرس الوطني في وزارة الداخلية، والتي يصل عديدها إلى 6 آلاف جندي.
في النهاية، يبدو أن بورقيبة المريض كان على صواب في حذره من تعيين الضباط العسكريين في مثل هذه المناصب غير العسكرية الرفيعة: وفي 7 تشرين الثاني/نوفمبر 1987، خلع بن علي بورقيبة في انقلاب ناعم. ومع تطويق الحرس الوطني بقيادة الحبيب عمّار القصرَ الرئاسي، أعلن الأطباء الذين جمعهم بن علي أن بورقيبة غير لائق صحيّاً للحكم. وبقي بورقيبة قيد الإقامة الجبرية حتى وفاته في نيسان/أبريل من العام 2000.

الجيش في عهد بن علي

صعود أحد ضبّاط الجيش إلى منصب الرئاسة زاد الآمال بين الضباط بأن دورهم قد حان أخيراً.  ففي غضون أسابيع من تولّيه منصبه، رقّى بن علي أربعة ضباط إلى رتبة جنرال، ثم قام بإعادة تسمية "مجلس الدفاع الوطني" الذي شكّله بورقيبة ليصبح "مجلس الأمن القومي" الذي صار يضمّ الآن اثنين من ضباط الجيش: رئيس أركان القوات المسلحة والمدير العام للأمن العسكري. علاوةً على ذلك، وبينما كان واضحاً أن مجلس بورقيبة استشارياً، فقد تم تفويض مجلس الأمن القومي الذي أنشأه بن علي قانوناً بالاجتماع أسبوعياً وتكليفه بـ"جمع ودراسة وتحليل وتقييم المعلومات المتعلقة بالسياسات المحلية والخارجية والدفاعية بهدف حماية أمن الدولة الداخلي والخارجي".
بعد ذلك، بدأ كبار الضباط بشغل المناصب المعروفة تقليدياً بأنها مدنية. عيَّن بن علي الحبيب عمّار وزيراً للداخلية في العام 1987، وعبد الحميد الشيخ وزيراً للخارجية في العام 1988 ومن ثم للداخلية في العام 1990، ومصطفى بوعزيز وزيراً للعدل في العام 1989 ثم وزيراً لأملاك الدولة في العام 1990، وعلي السرياطي مديراً عاماً للأمن الوطني في العام 1991، وعدداً من ضباط الجيش الآخرين في أعلى الوظائف الأمنية. هذه التعيينات تعني أن الأغلبية في مجلس الأمن القومي كانت لضباط الجيش في أواخر الثمانينيات، وكان لهم رأي مهيمن في السياسة. وكما كتب ل. ب. وير الباحث في شؤون الجيش التونسي آنذاك، "يتمتّع الجيش الآن بدرجة عالية من الوضوح والتأثير أكثر من أي وقت مضى".
ومع ذلك، لم تمرّ هذه التحركات من دون أن تلاحظها الأطراف المؤسّسية المنافسة للجيش: الحزب الحاكم (أعيدت تسميته ليصبح التجمع الدستوري الديمقراطي) والشرطة. ونظراً إلى شعور هؤلاء المنافسين بأنهم مهدّدون بسبب صعود الجيش، فقد رتبوا خطة للّعب على وتر جنون العظمة لدى بن علي وإضعاف الجيش والطرف المعارض الأكثر تهديداً لهم، حركة النهضة الإسلامية، بضربة واحدة. في أيار/مايو 1991، أعلنت وزارة الداخلية عن اكتشاف مؤامرة انقلابية بين الجيش والنهضة. ولدى بثّ شهادة النقيب أحمد عمارة في التلفزيون على الهواء (تم أخذها تحت التعذيب)، اتهم وزير الداخلية آنذاك عبد الله القلال عناصر من الجيش بالاجتماع مع قادة من حركة النهضة في مدينة براكة الساحل الساحلية. وفيما أصبح يعرف باسم "قضية براكة الساحل" شرعت وزارة الداخلية في اعتقال وتعذيب وطرد حوالي 244 من الضباط وضباط الصف والجنود من الجيش، من بينهم ثلاثة من المساعدين الستة لرئيس أركان الجيش.
بينما يعترف المسؤولون الذين شاركوا في التحقيق الآن بأنه لم يكن هناك اجتماع في براكة الساحل ولا أي مؤامرة انقلاب، فإن ثقة بن علي في الجيش اهتزّت. وسرعان ما أجبر هؤلاء الضباط الذين كان قد عينهم وزراء في السابق على التقاعد أو على الذهاب خارج البلاد كسفراء.  وعلى مدى الفترة المتبقية من حكم بن علي، لم يحصل أفراد الجيش على وظيفة مدنية أو أمنية واحدة. وفي الوقت نفسه، أهمل بن علي القوات المسلحة مادياً، وأغدق على وزارة الداخلية أسلحة جديدة ورواتب أعلى بدلاً من الجيش. فقد قفزت ميزانية وزارة الداخلية، التي كانت أقلّ من ميزانية وزارة الدفاع في معظم عهد بورقيبة، إلى 165 في المئة من ميزانية الدفاع في العام 1992، وظلت قرب هذا المستوى على مدى العقدين التاليين. وأصبحت تونس دولة بوليسية.
ادّعى رئيس الأركان السابق للقوات المسلحة الجنرال سعيد الكاتب أن "بورقيبة لم يكن يحب الجيش، لكنه كان يُكنُّ له الاحترام". وأضاف: "في عهد بورقيبة كان الجيش يعامل بصورة أفضل من الشرطة، من حيث الميزانية والمعدات والتدريب. في عهد بن علي، كانت الميزانية المخصصة للشرطة أعلى من ميزانية الجيش. فقد ارتفع عدد ضباط الشرطة بصورة كبيرة. كان بوسعنا أن نحسّ بأننا مهمّشون".
في الوقت نفسه عزّز بن علي سيطرته على الجيش، وانتقل نحو نظام حكم شخصي للمؤسسة العسكرية. وبعد أن تقاعد الجنرال سعيد الكاتب في العام 1991، رفض بن علي تعيين رئيس جديد لهيئة الأركان للفروع الثلاثة للقوات المسلحة، وحرم الجيش من أرفع مناصبه وتركه من دون جنرال يقوم بمهام التنسيق في الجيش والبحرية والقوات الجوية. بدلاً من ذلك تولّى بن علي هذا الدور بنفسه، واختص نفسه بمعظم القرارات الخاصة بالجيش ولم يكن يدعو مجلس الأمن القومي للاجتماع إلا بعد حدوث كوارث طبيعية نادرة. كما لاحظ عميد متقاعد: "عمل بن علي بصورة مباشرة مع الجيش كما لو كان وزيراً للدفاع! كنا [كبار الضباط] نرسل التقارير غالباً إلى [القصر الرئاسي في] قرطاج مباشرة. كان هذا هو النظام القديم. وكان الحكم شخصياً وليس حكم دولة".
ثمّة جانب آخر من هذا النظام الشخصاني في تعيين كبار ضباط القوات المسلحة الذين كان بن علي على معرفة بهم منذ أيام وجوده في الجيش أو من خلال العلاقات الشخصية. في البداية كان ذلك يعني زملاءه من ترقية بورقيبة. بعد ذلك، وبالنظر إلى طبيعة الشبكات الشخصية، بدا أن بن علي يميّز الضباط المتحدّرين من تونس العاصمة ومن الساحل، المنطقة الواقعة على الساحل الشرقي بما في ذلك سوسة والمنستير والمهدية التي يتحدّر منها بورقيبة وبن علي على حدّ سواء. تعادل هذه المناطق 24 في المئة فقط من سكان تونس، ومع ذلك فقد استحوذت على مايقرب من 40 في المئة من الضباط الذين تمت ترقيتهم إلى المجلس الأعلى للجيوش في عهد بن علي.
لاحظ العميد المتقاعد محمد أحمد، متّخذاً من رشيد عمار (رئيس أركان الجيش 2002-2013، الذي يتحدّر من الساحل) نموذجاً مثالياً عن العلاقات التي تهدف إلى تلفيق الكفاءة: "إذا كنت من القيروان أو قفصة أو الكاف، فأنت ​​ضابط متوسط فقط. ولكن إذا كنت من منطقة الساحل، لديك فرصة كبيرة للترقية بسرعة أكبر". وأشار عميد متقاعد آخر من الجيش إلى أنه عندما يكون اثنان من الضباط متساويين في الكفاءة قيد النظر للترقية، يتم منح المنصب إلى الضابط الآتي من الساحل. كما أكد مدير عام سابق للأمن العسكري، الذي كان يمارس حق الفيتو على الترقيات، أنه في حين أن الغالبية العظمى من الجنود وصغار الضباط من المناطق الداخلية، فقد كان معظم كبار الضباط يتحدّرون من الساحل.
في ماعدا الترقيات، حصل الضباط الذين يحظون برعاية القيادة على وظائف مرغوبة بصورة أكبر كملحقين عسكريين في الخارج. وفي حين تم إرسال من لديهم علاقات إلى باريس أو واشنطن، فقد عوقب أولئك الذين لايروقون لبن علي أو كبار الجنرالات بوظائف في ليبيا أو مصر، والتي ليس لتونس معها تعاون عسكري يذكر.
ولأنهم كانوا يتقاضون رواتب قليلة ويعانون من قلّة التجهيزات ومحرومين من النفوذ السياسي، فقد كان السواد الأعظم من الضباط مستائين من بن علي، وكانوا يشعرون بالخذلان من الجنرالات الذين استفادوا من النظام. وعندما بدأت الانتفاضة الشعبية في كانون الأول/ديسمبر 2010 وأطاحت في نهاية المطاف ببن علي، لم يشعر غالبية الضباط بأي ندم.
مع ذلك، فقد ظل من كانوا في القمة والذين يدينون بمناصبهم لمحسوبية بن علي، مثل رئيس أركان الجيش رشيد عمار، موالين له حتى النهاية. وبينما أشيع على نطاق واسع أن عمار رفض أوامر بن علي بإطلاق النار على المدنيين خلال الانتفاضة، فقد نفى ضباط الجيش هذه الشائعات نفياً قاطعاً، موضحين أن بن علي لم يصدر أمراً بإطلاق النار على المدنيين. على النقيض من ذلك، كشف وزير دفاع سابق أنه في الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم 14 كانون الثاني/يناير 2011، أي قبل ساعات من فرار بن علي إلى المملكة العربية السعودية، طلب الرئيس من رشيد عمار تولي قيادة غرفة عمليات وزارة الداخلية، الأمر الذي امتثل إليه عمّار.

صعود رشيد عمّار

الإشاعة التي تقول إن الجنرال رشيد عمّار رفض أوامر إطلاق النار على المتظاهرين، جعلته يحظى بشعبية كبيرة لدى الشعب التونسي. هذه السمعة، إلى جانب الدور الواضح الذي لعبه الجيش لضمان الأمن بعد الثورة مباشرة، جعلت منه، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، "أقوى وأكثر الشخصيات شعبية في تونس" في أعقاب الإطاحة ببن علي، كما هو موضح في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز. وفي إطار سعيها لاستغلال شعبيته، طلبت الحكومة المؤقتة منه يوم 24 كانون الثاني/يناير تفريق ماتبقّى من المتظاهرين. في القصبة، وفيما بدا أشبه بتجمّع انتخابي منه دعوة لتفريق المتظاهرين، أعلن عمّار أن "الجيش سيحمي الثورة"، ما أثار تكهّنات بأنه كان يسعى إلى الحصول على دور سياسي.
ومع ذلك، لم تكن لديه حاجة لتولّي منصب سياسي رسمي: فقد أصبح رشيد عمّار عملياً مركز القوة. وأوضح فتحي الجربي، نائب رئيس (حركة وفاء) ذلك بالقول: "كان الجيش يحمي جميع المؤسّسات الحكومية. الجميع كانوا يرجعون إلى رشيد عمّار عندما تقع أي مشكلة؛ فقد كان يحكم البلاد".
وأضاف أمير لواء متقاعد: "كان وضع الجيش جيداً جداً. معظم السياسيين من فترة حكم بن علي كان قد ذهبوا. كان رشيد عمّار الشخص الوحيد الذي عرف كيف يدير الحكومة. وفي ذلك الوقت، كانت المشاكل تتعلق بالأمور الأمنية: كيفية مواجهة الوضع المتدهور في الجنوب، وما يجب القيام به تجاه اللاجئين الليبيين، وكيفية الاستجابة لإضراب كبير أو احتجاج. عملياً، وإن لم يكن ذلك بصورة قانونية، كان رشيد عمّار هو الرجل الذي يصدر الأوامر".
وبما أن الشرطة والحزب الحاكم السابق كانا يترنّحان بعد الثورة، فقد سعى عمّار إلى الارتقاء بالوضع السياسي النسبي للجيش. في شباط/فبراير 2011، تم تعيين اللواء في الجيش أحمد شابير في منصب المدير العام للأمن الوطني في وزارة الداخلية في حين تولّى العقيد منصف الهلالي قيادة الحرس الوطني. وفي وقت لاحق، تم تعيين العميد محمد عبد الناصر بلحاج مديراً عاماً للجمارك، والتي كانت تحت القيادة المدنية طيلة العقد الماضي. وبالتالي فقد تولّى الجيش المناصب الأمنية الرفيعة في البلاد. وبالمثل، تم تعيين سبعة ضباط من الجيش كولاة (محافظين) في العام 2011، مع أنه لم يكن يتولّى أي منهم منصب الوالي (المحافظ) في عهد بن علي بين عامي 1991 و2010،؛ في حين كان واليان آخران من المدنيين الذين درسوا جنباً إلى جنب مع الضباط في معهد الدفاع الوطني التونسي.
أحدثت الفترة الانتقالية تغييرات في الجيش كذلك. كان أهم تلك التغييرات إحياء منصب رئيس أركان القوات المسلحة الثلاث في نيسان/أبريل 2011، حيث تولّى عمّار هذا المنصب بالإضافة إلى رئاسة القوات البرية. وبهذه الخطوة استحوذ عمّار على شبه هيمنة على القرارات العسكرية، ويقال إنه لم يتشاور مع أحد. وادّعى العميد المتقاعد محمود المزوغي، رئيس رابطة الضباط السابقين في الجيش الوطني أن عمّار "كان يملك ثقة لا نهائية بنفسه. بالنسبة إليه، لم يكن أحد من طاقم موظفيه يفهم الوضع بصورة أفضل منه. لذلك فعل كل شيء بنفسه". وأشار الجنرال محمد علي البكري، الذي شغل منصب المفتش العام للقوات المسلحة خلال تلك الفترة، أن رشيد عمّار تولّى عموماً منصب وزير الدفاع أيضاً: "الجميع كان يعلم أن وزير الدفاع الحقيقي كان رشيد عمّار، وليس السيد عبد الكريم زبيدي".
أصبح رشيد عمّار يتمتع الآن بقدر كبير من السيطرة الشخصية على الجيش التي كان يتمتع بها بن علي قبله. ومع ذلك، سرعان ماتم الاعتراض على هذا التقليد من السيطرة الشخصية على الشؤون العسكرية من جانب أول حكومة تونسية منتخبة ديمقراطياً.

من السيطرة الشخصية إلى السيطرة المؤسّسية

في أعقاب انتخابات الجمعية الوطنية التأسيسية لعام 2011، شكّلت حركة النهضة الإسلامية حكومة ائتلافية مع حزبين علمانيين هما (المؤتمر من أجل الجمهورية) و(التكتل). أصبح حمادي الجبالي من حركة النهضة رئيساً للوزراء في حكومة الترويكا هذه، وتولّى منصف المرزوقي، من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، منصب الرئاسة، وترأس مصطفى بن جعفر، من التكتل، رئاسة الجمعية التأسيسية. كان تقسيم المسؤوليات يعكس تحوّل تونس إلى النظام البرلماني، والذي يعتبر رئيس الوزراء فيه صاحب أقوى منصب.
سهّل النظام الرئاسي السابق سيطرة بن علي الشخصية على الجيش، حيث منح الدستور الرئيس المسؤولية الحصرية عن الأمور العسكرية. ومع ذلك، أصبحت إدارة الجيش في الدستور المؤقت الذي أصدرته حكومة الترويكا في بداية فترة ولايتها في كانون الأول/ديسمبر 2011، مسؤولية مشتركة بين الرئيس ورئيس الوزراء. كان الرئيس مكلّفاً بتعيين المناصب العسكرية العليا "بالتشاور مع رئيس الوزراء". أبقى دستور العام 2014 على هذه الصيغة في مايتعلق بالتعيينات العسكرية وحدّد تقاسم الصلاحيات بصورة أكثر وضوحاً، حيث سمى الرئيس القائد العام للقوات المسلحة المسؤول عن إعلان الحرب و"وضع السياسات العامة للدولة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن الوطني". عنى هذا ضمناً أن رئيس الوزراء ووزير دفاعه سيكونان مسؤولين عن إدارة الأمور العسكرية والدفاعية الأكثر روتينية.
يبقى الخط الفاصل بين السياسات العامة والقرارات الأكثر روتينية عرضة إلى التأويل. ضمن هذا التقسيم الفضفاض للمسؤوليات، إلى جانب وجود ترتيبات مؤسّسية دقيقة يكون فيها وزير الدفاع موالياً لرئيس الوزراء وليس بالضرورة للقائد العام، كان الرئيس مصدراً للتوتّر بين المرزوقي والجبالي. تفاقمت هذه العوامل المؤسّسية بعدها بسبب اختلاف الاستراتيجيات الشخصية تجاه الجيش. ففي حين كان المرزوقي يرغب في إبعاد شخصيات حقبة بن علي، مثل الجنرال عمّار ووزير الدفاع آنذاك الزبيدي، رفض الجبالي ذلك، بحجة أن الحفاظ على الجيش كما هو "كان محورياً لاستقرار البلاد". التنافس بين الجبالي والمرزوقي دفع كل مسؤول تنفيذي، عن غير قصد، إلى تعيين مستشارين عسكريين ومجالس استشارية لمساعدتهم على إدارة الجيش، وإضفاء الطابع المؤسسي على القنوات اللامركزية لتنظيم القوات المسلحة.
بدلاً من تفعيل مجلس الأمن القومي (والذي كان سيرأسه المرزوقي بموجب القانون)، أنشأ الجبالي وترأس (مجلس الأمن). كان هذا المجلس يتألف من وزراء الدفاع والداخلية والخارجية وكبار ضباط وزارة الداخلية وأرفع ضابطين في الجيش، رئيس أركان القوات المسلحة (رشيد عمّار في ذلك الوقت) والمدير العام للأمن العسكري (يومها كان كامل عكروت). وكان الرئيس غائباً عن مجلس الأمن، ولم يكن ممثّلاً فيه. لم يصدر الجبالي قانوناً ينظّم شؤون المجلس، لكنه استمر في العام 2013 في عهد رئيس الوزراء التالي علي العريّض. تم تغيير اسم المجلس إلى (خلية الأزمة) في العام 2014 في عهد رئيس الوزراء آنذاك مهدي جمعة واستمر في عهد رئيس الوزراء الحالي الحبيب الصيد.
عندما بدأت حكومة الترويكا عملها للمرة الأولى، كان رشيد عمّار لايزال يمثّل مركز القوة في الجيش. بدا عمّار متحالفاً مع الجبالي، فشعر المرزوقي بأنه معزول نسبياً عن دائرة صنع القرار. احتلّ هذا الشعور موقع الصدارة في صيف العام 2012 في قضية البغدادي المحمودي، المسؤول الليبي السابق الذي كان قد خدم في عهد العقيد معمر القذافي وهرب إلى تونس خلال ثورة بلاده. في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، قضت محكمة تونسية بوجوب تسليم المحمودي بناءً على الطلب المقدم من المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا. عارض المرزوقي، الناشط السابق في مجال حقوق الإنسان، هذا القرار على أساس أن المحمودي سيكون عرضة إلى التعذيب إذا أُعيد إلى ليبيا. مع ذلك، ورغم معارضة المرزوقي، فقد تم تسليم الجبالي المحمودي إلى طرابلس في حزيران/يونيو 2012. 
هدد المرزوقي بالاستقالة بسبب شعوره بالغضب إزاء تهميشه بهذه الصورة، بيد أنه جرى إقناعه بالبقاء في منصبه بعد تلقّي اعتذار من رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي. كما اتهم المرزوقي الجنرال رشيد عمّار، الذي زعم أنه كان على علم بعملية التسليم لكن لم يبلغه.37 هذه الحادثة زادت من انعدام ثقة المرزوقي بالجبالي وعمّار وأقنعته بالتصدّي في الوقت نفسه لهيمنة الجبالي على عملية اتخاذ القرار وسيطرة عمّار على الجيش.
بدأ المرزوقي بإنشاء منصب المستشار العسكري في أيلول/سبتمبر 2012، وبذلك أضفى لأول مرة طابعاً مؤسّسياً على دور الجيش في مكتب الرئيس. وبينما كان المرزوقي بالفعل رئيس المجلس الأعلى للجيوش (الهيئة التي يسيطر عليها عمّار)، فقد بات يشعر- وهو الذي لايثق في عمّار الآن- بضرورة التفاعل مع ضباط آخرين. كان هدف المرزوقي ببساطة أن يظل على علم بالمسائل العسكرية، بيد أن ذلك تسبّب بحصول احتكاك مع الجنرال عمّار، الذي وفقاً لما ذكره المتحدث الرئاسي، "أراد أن تكون له سلطة التحكم بالمعلومات عن الجيش" التي تُعطى إلى الرئيس.
الأسوأ من ذلك بالنسبة إلى عمّار كان اختيار العميد إبراهيم الوشتاتي كمستشار عسكري. كان الوشتاتي، المتحدّر من جندوبة في الشمال الغربي والذي ترقّى في صفوف سلاح الجو، خارج الشبكة الشخصية لرشيد عمّار، الآتي من منطقة الساحل والعضو في القوات البرية. وكان عمّار يرفض ترقية الوشتاتي إلى رتبة جنرال، على الرغم من أن الوشتاتي كان يفي بكل الشروط المطلوبة للترقية. وقد أشارت مصادر مدنية وعسكرية إلى أنه تم اختيار الوشتاتي مستشاراً عسكرياً على وجه التحديد لأنه لم يكن على علاقة شخصية جيدة مع عمّار، حيث كانت تلك محاولة واضحة من جانب المرزوقي لإضعاف هيمنة عمّار على الجيش.
بناءً على نصيحة من الوشتاتي عمد المرزوقي إلى إحياء مجلس الأمن القومي، الذي لم يكن يجتمع، بعد العام 1991، سوى مرة واحدة أو مرتين في السنة. ضم مجلس الأمن القومي جميع أعضاء مجلس الأمن الذي يرأسه الجبالي بالإضافة إلى الرئيس، الأمر الذي مكّن المرزوقي من استعادة صوته في السياسة الدفاعية. ووفقاً إلى مسؤولين في الإدارة، فقد كان مجلس الأمن القومي ينعقد بصورة شهرية تقريباً في عهد المرزوقي. كما زاد الرئيس عدد ضباط الجيش في المجلس، ربما بهدف إضعاف نفوذ عمّار أكثر. وزيادة على عمّار وعكروت، دعا المرزوقي بشكل روتيني الجنرالات الثلاثة الكبار التالين كذلك: رؤساء أركان القوات البحرية والجوية والمفتش العام للقوات المسلحة.
في أعقاب تشكيل الجبالي مجلس الأمن، وقيام المرزوقي بتعيين مستشار عسكري للرئيس وإحياء مجلس الأمن القومي، أصبحت عملية اتخاذ القرار في المسائل العسكرية مشتّتة أكثر فأكثر.  فقد أشار عماد الدايمي، رئيس موظفي المرزوقي إلى أنه "في السابق كان شخص واحد فقط يتولّى إدارة الجيش كله. في البداية كان بن علي، ثم الجنرال عمّار". ومنذ العام 2012، أصبحت إدارة الجيش أكثر لامركزية، حيث يقدم الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الدفاع والبرلمان والمستشار العسكري ومجلس الأمن القومي ومجلس الأمن مساهماتهم. وقد اختلف تأثير كل مؤسّسة بصورة كبيرة في الإدارات المتعاقبة، حيث لعب الرئيس آنذاك منصف المرزوقي، على سبيل المثال، دوراً في عهد حكومة علي العريّض في العام 2013 أكبر كثيراً من الدور الذي لعبه في عهد حكومة حمادي الجبالي في العام 2012 أو حكومة مهدي جمعة في العام 2014. غير أن النقطة الحاسمة تمثّلت في أن إدارة الجيش أصبحت مسؤولية مشتركة بين أطراف متعدّدة، الأمر الذي حوّلها، كما قال عميد متقاعد "من حكم شخصي إلى حكم مؤسّسي".

الوقاية من الانقلاب عبر التمييز الإيجابي

النظام الجديد لإدارة الجيش، منح كبار الضباط القدرة على المساهمة المباشرة والمنتظمة في سياسة الأمن القومي. غير أن كبار الجنرالات وحكومة الترويكا لم يكونوا متفقين دائماً، الأمر الذي دفع المرزوقي إلى الخوف من احتمال حدوث انقلاب. وقد تمثّلت نقطة الخلاف الرئيسة في كيفية التعامل مع الفرع التونسي للحركة الجهادية (أنصار الشريعة)، وخاصة في أعقاب الهجوم الذي شنّـته في أيلول/سبتمبر 2012 على السفارة الأميركية في تونس. فضّلت حكومة الترويكا الحوار، ودعا المرزوقي قادة أنصار الشريعة إلى القصر الرئاسي في تشرين الأول/أكتوبر 2012. غير أن عمّار وضباطاً كباراً آخرين عارضوا ذلك. فقد صرخ مدير عام سابق للأمن العسكري قائلاً: "المرزوقي استقبل في قرطاج أشخاصاً إرهابيين! خلال تلك الفترة رأى عمّار بعض التناقضات [بين أقوال المرزوقي وأفعاله]. كان بعض الجنرالات يعتقدون أن المرزوقي وحزبه والنهضة ساعدوا على نمو الإرهاب من خلال سلوكهم".
تصاعدت حدّة هذه الخلافات بعد اغتيال السياسي اليساري شكري بلعيد في شباط/فبراير 2013. وأثناء مراسم جنازة بلعيد، أعار وزير الدفاع آنذاك، الزبيدي، مروحيات عسكرية لأول مرة إلى إحدى المحطات التلفزيونية الخاصة، "تلفزيون نسمة"، للمساعدة في تصوير الجنازة. وبما أن محطة نسمة كانت مناهضة للترويكا بقوة، فقد فسّر المرزوقي هذه الخطوة على أنها بداية انقلاب بقيادة الزبيدي وعمّار، وضغط على النهضة لاستبدال الزبيدي في تعديل وزاري. وأثبت بديله، رشيد الصباغ، المتخصّص في الفقه الإسلامي والذي كان يشغل في السابق منصب رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، أنه وزير دفاع أكثر ولاءً لحكومة الترويكا.
كما عمل المرزوقي على إقصاء عمّار من منصبه. فخلال الأشهر القليلة التالية، أصبح الجيش يشارك أكثر فأكثر في العمليات القتالية في جبال الشعامبي، حيث أقام لواء عقبة بن نافع، إحدى خلايا تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، معسكراً.  أتاحت هذه العمليات للمرزوقي الفرصة التي كان يحتاجها. في 6 حزيران/يونيو 2013، قتل جنديان وأصيب اثنان آخران في انفجار قنبلة مزروعة على الطريق. دعا النائب محمد عبّو، رئيس التيار الديمقراطي (حزب منشق عن حزب المرزوقي المؤتمر من أجل الجمهورية)، علناً لاستقالة عمّار، بحجة أنه "ليس من المنطقي لمدير أن يحتفظ بوظيفته عندما يفشل في أداء مهمته". وعندما بدأ المرزوقي النظر في إحالة الجنرال إلى التقاعد، اختار عمّار نفسه الاستقالة في 27 حزيران/يونيو لتجنّب إعطاء انطباع بأنه قد أقيل من منصبه.
ومع ذلك، لم يتبدّد الخوف من حدوث انقلاب باستقالة عمّار، بل كانت الاستقالة مجرّد بداية للخوف. فبعد أسبوع واحد، أطاح الجيش المصري بالرئيس محمد مرسي المدعوم من جماعة الإخوان المسلمين، الأمر الذي شجّع أعضاء المعارضة في تونس على الاعتقاد بأن جيشهم يمكن أن يفعل الشيء نفسه. وبعد وقوع عملية اغتيال سياسي ثانية يوم 25 تموز/يوليو، تخلّت المعارضة عن العملية الجارية لصياغة دستور جديد. وبدل ذلك نزلت إلى الشارع، حيث دعت صراحة إلى تكرار السيناريو المصري وطالبت برحيل حكومة الترويكا وحلّ الجمعية الوطنية التأسيسية، الهيئة الوحيدة المنتخبة في البلاد. وبدا أن العملية الانتقالية في تونس تسير على خطى نظيرتها في مصر.
أشار العميد المتقاعد مختار بن نصر، رئيس المركز التونسي لدراسات الأمن العالمي، إلى أن الجيش التونسي شعر في صيف العام 2013 بأنه يتعرّض إلى ضغوط كي يتدخّل: "كان الشارع والظروف يستدعيان حدوث انقلاب. وقد خشي الشعب من أن حركة النهضة تحاول تثبيت نوع جديد من الدكتاتورية. أرادوا حدوث انقلاب، كما أن الأحداث في مصر بعثت برسالة مفادها أن من المحتمل أن يفعل جيشنا الشيء نفسه". واتفق مدير عام سابق للأمن العسكري مع هذا الرأي، مشيراً إلى أن تحذيرات السياسيين المعارضين لقادة النهضة بأن" ينظروا إلى ماحدث في مصر"، كانت تمثّل دعوة ضمنية للجيش كي يتدخّل".
خوفاً من تكرار السيناريو المصري، استمرت حكومة الترويكا، والمرزوقي على وجه الخصوص، في اتخاذ سلسلة من التدابير الرامية إلى منع حدوث انقلاب. تمثّل أول برنامج للعمل اختيار بديل لرشيد عمّار رئيساً لأركان القوات البرية. وفي إطار اختيار البديل، سعى المرزوقي إلى تعيين جنرال من خارج شبكة عمّار الشخصية وبالتالي من خارج المناطق المتميزة تاريخياً. وإدراكاً منه لرمزية الخطوة، عيّن المرزوقي محمد صلاح حمدي من سيدي بوزيد، حيث بدأت الثورة في كانون الأول/ديسمبر 2010. وكان عمّار عاقب حمدي أيضاً في السابق بتعيينه ملحقاً عسكرياً في ليبيا في العام 2011، الأمر الذي شكّل إشارة إلى المرزوقي بأن من المستبعد أن يعمل مع عمّار.
عندما بلغت احتجاجات المعارضة ذروتها في منتصف آب/أغسطس، أجرى المرزوقي مزيداً من التغييرات في قيادة الجيش لضمان ولائه. وقد اتّبع كل واحد من هذه التعيينات نمط التمييز الإيجابي الذي انتهجه حمدي الجبالي، حيث تم إدخال ضباط تعود أصولهم إلى خارج تونس العاصمة ومنطقة الساحل، ومن خارج شبكات بن علي وعمّار الشخصية. أصبح بشير بدوي من بنزرت رئيس أركان سلاح الجو؛ وأصبح نوري بن طاووس من صفاقس، وهو ملحق عسكري سابق آخر في ليبيا، المدير العام للأمن العسكري؛ وأصبح محمد نفتي من قفصة، الملحق العسكري في مصر سابقاً، المفتش العام للقوات المسلحة.
قال عماد الدايمي، الرئيس السابق لموظفي الرئاسة: "كانت ترقية الجنرالات الآتين من المناطق، أشبه بعدالة انتقالية في الجيش. لم يكن الهدف عدم إحداث فجوة بين المناطق، بل لأنه تم حرمان الضباط الآتين من المناطق الداخلية أو حرموا من الرتب الكبيرة. وقد منحهم المرزوقي الرتب التي يستحقون، وعندما تم تعيين حمدي، قال جميع الضباط من المستوى المتوسط ​​الآتين من المناطق الداخلية أخيراً، إنها نهاية تفضيل الساحل!"
وعلى حدّ قول العميد المتقاعد محمد أحمد، فإن هذه التعيينات "مثّلت نقطة تحوّل هامة. الآن لم يعد مهماً إذا كنت من الساحل أو من الوسط أو الجنوب أو الشمال. كان ذلك بمثابة موقف شخصي جداً من المرزوقي ليحدث فرقاً مع الماضي".
مع ذلك، وفي حين أوحت تعيينات المرزوقي بنهاية المحسوبية لصالح منطقة الساحل، إلا أنها لم تكن تشير بالضرورة إلى أن التعيينات أصبحت أكثر حرفية أو جدارة. واستمر اختيار القادة الجدد، بمعنىً ما، بناءً على ولاءاتهم السياسية. وكان من المرجّح أن يدعم الضباط الآتون من المناطق الداخلية الثورة وحكومة الترويكا، تماماً مثل الناخبين في هذه المناطق المحرومة. وكما أشار عميد متقاعد من الجيش، بدا أن كبار الضباط بعد الثورة كانوا مدينين للحزب بدلاً من المنطقة.
تبنّى المرزوقي وحكومة الترويكا استراتيجيتين أخريين لتجنّب السيناريو المصري. أولاً، ترك منصب رئيس أركان القوات المسلحة شاغراً بعد استقالة رشيد عمّار، ولايزال كذلك حتى مطلع العام 2016. وفي ظل عدم وجود جنرال لتنظيم الجيش والبحرية وسلاح الجو، ربما يكون الجيش أقلّ فعّالية، غير أنه قد يكون أيضاً أقلّ قدرة على تنظيم انقلاب، وهي المقايضة التي لايزال قادة مرحلة مابعد الثورة في تونس على استعداد للقيام بها حتى الآن.
ثانياً، سعت حكومة الترويكا إلى تخفيف الاحتكاك مع الجيش من خلال إجراء تغييرات في السياسات العامّة. فقد اتخذت موقفاً أقوى بشأن الإرهاب، وصنّفت أنصار الشريعة باعتبارها منظمة إرهابية في 27 آب/أغسطس، بعد أن فرضت حظراً في السابق على أنشطة المنظمة في أيار/مايو. بعد ذلك أنشأت حكومة الترويكا، في 29 آب/أغسطس، وبناءً على اقتراح من مجلس الأمن القومي، مناطق عسكرية على طول الحدود الجنوبية لتونس مع ليبيا والجزائر، ووضعت الشرطة المحلية وموظفي الجمارك تحت قيادة الجيش.
ادّعى الدايمي أن هذه التغييرات "ضمنت الكفاءة المهنية" للقوات المسلحة التونسية، وضمنت استمرارها في الدفاع عن مؤسّسات الدولة في مواجهة دعوات ضمنية للقيام بانقلاب. وعندما حاول المتظاهرون اقتحام الجمعية الوطنية التأسيسية في شهري آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر، دافع الجيش عن مبنى الجمعية، حتى في الوقت الذي انشقّ بعض ضباط الشرطة علناً ووقفوا إلى جانب المتظاهرين. وعندما أدركت المعارضة أن الجيش لن يتدخّل، وأن السيناريو المصري ليس وارداً، انتقلت إلى مرحلة جديدة، وتحوّلت بدل ذلك إلى المفاوضات بوساطة المجتمع المدني.

تسليح الجيش

مع انحسار الأزمة السياسية، حوّل المرزوقي وحكومة الترويكا انتباههم مرة أخرى إلى قضية الأمن القومي. فقد أجبر تزايد التهديد الإرهابي الحكومة على تعزيز قدرات الجيش، وزيادة ميزانيته، ورفع مستوى أسلحته وعتاده، وتطوير روابطه الدولية، وقدراته المؤسّسية ونفوذه السياسي. ويوحي تنامي القوة المادية والسياسية للجيش إلى البدء بتقويم الترتيبات المؤسّسية السابقة والتي كانت تميل بشدّة لصالح الشرطة.
لو تأمّلنا أول ميزانية للجيش، لوجدنا أن ميزانية وزارة الدفاع نمت بسرعة أكثر من أي وزارة أخرى من العام 2011 إلى العام 2016، وزادت بمعدل 21 في المئة سنوياً (انظر الجدول 1). ولعل ماكان يشعر ضباط الجيش بالمرارة في عهد بن علي هي السرعة التي نمت بها ميزانية وزارة الداخلية خلال تسعينيات القرن الماضي والعقد الماضي مقارنة بميزانية الجيش. وقد انعكس هذا الاتجاه بعد الثورة. فبينما لايزال الجيش يحصل على نسبة أقل من الميزانية العامة، نمت حصته بسرعة أكبر من حصة وزارة الداخلية. في العام 2011، بلغت ميزانية الدفاع 56 في المئة فقط من ميزانية وزارة الداخلية، ولكن بعد خمس سنوات فقط زادت النسبة إلى 72 في المئة.

ثورة هادئة: الجيش التونسي بعد بن علي ACMR_Grewal_AR_Final--7


يقول الدايمي: "الآن عندما ألتقي جندياً أو ضابطاً، فإن أول شيء يقوله هو ’نحن ممتنون جداً للسيد المرزوقي لتحسين وضعنا‘. ونسمع عكس ذلك بين الشرطة حيث يقولون إن المرزوقي كان مهتماً بالجيش وليس بنا!"55 بينما يقول الجنرال المتقاعد سعيد الكاتب "ما من شك في أن الأمور تحسّنت. اعتمد بن علي على الشرطة. الآن تشهد كل مؤسّسة تعزيز قدراتها. الجيش له أهميته والشرطة لها أهميتها والحرس الوطني له أهميته. كل واحد من هذه الأجهزة لديه مهمة فريدة يقوم بها".
بعد أن أصبح الجنرالات الموثوقون في سدّة الحكم، رأت حكومة الترويكا أنها باتت في وضع مريح يمكّنها من تزويد القوات المسلحة بأسلحة ومعدات جديدة. فقد ذكر متحدث باسم الرئاسة أن المرزوقي دعا مجلس الأمن القومي إلى الاجتماع في خريف العام 2013 لمناقشة احتياجات الجيش في جبال الشعامبي. على رأس القائمة كانت العربات المقاومة للألغام والتي تتوفّر على الحماية من الكمائن. "اتصل المرزوقي على الفور [بالرئيس التركي آنذاك عبد الله] غول الذي أرسل ثماني عربات وبدأ تصنيع المزيد على الفور".
بعد اجتماع مجلس الأمن القومي، ارتفع عدد العقود الدفاعية بشكل مطّرد. في العام 2014، وقعت تونس عقدين عسكريين مع شركات أميركية لشراء سيارات جيب وشاحنات ثقيلة. ومنذ تولّي الرئيس الباجي قائد السبسي منصبه في العام 2015، وقّعت تونس عشرة عقود إضافية مع الولايات المتحدة، بما في ذلك عقود لشراء طائرات هليكوبتر من طراز (بلاك هوك) وناقلات جند مدرعة وصواريخ (هيلفاير). وقد شملت عمليات التسليم في العام 2015 من العقود السابقة 52 عربة من طراز (همفي)، وثلاثة زوارق دورية وطائرتي نقل من طراز C-130J.
شهدت الفترة الانتقالية بعد العام 2011 زيادة التعاون العسكري-العسكري مع الدول الأجنبية. فقد صادقت تونس على اتفاقيات للتعاون الأمني ​​مع دولة الإمارات العربية المتحدة في تشرين الأول/أكتوبر 2011، ومع تركيا في تشرين الأول/أكتوبر 2013، ومع قطر في حزيران/يونيو 2014. ونمت العلاقات مع الولايات المتحدة أيضاً بصورة كبيرة منذ قيام الثورة. ففي نيسان/أبريل 2014، استضافت الولايات المتحدة أول حوار استراتيجي سنوي بين الولايات المتحدة وتونس، وبعدها ضاعفت مساعداتها العسكرية إلى تونس ثلاث مرات في العام التالي. في تموز/يوليو 2015، منحت الولايات المتحدة تونس وضع الحليف الرئيس السادس عشر من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي التسمية التي تكون مصحوبة في العادة "بالامتيازات المادية بما في ذلك أهلية الحصول على التدريب، والقروض لشراء معدات خاصة بالبحوث التعاونية والتنمية، والتمويل العسكري الخارجي من أجل الاستئجار التجاري لبعض المواد الدفاعية"، وفقاً لوزارة الخارجية الأميركية.
إضافةً إلى ذلك، قامت القوات المسلحة التونسية بتعزيز قدراتها الإنتاجية الخاصة. فقد أنتجت القوات البحرية، على سبيل المثال، أول زورق دورية في آب/أغسطس 2015، وأطلقت عليه اسماً رمزياً "استقلال". وقال النقيب زهير الجنديل: "نهدف إلى تطوير الصناعة العسكرية في تونس. اليوم نحن ننتج زوارق دورية، فلم لاننتج غداً معدّات للجيش والقوات الجوية، أو للأجهزة المشتركة. هذا [سوف] يعطينا القدرة ]...[ على أن تكون صناعتنا العسكرية مكتفية ذاتياً".
وقد سعت الحكومات بعد الثورة أيضاً إلى تعزيز القدرات المؤسّسية للجيش. في تشرين الثاني/نوفمبر 2014، أعاد المرزوقي تسمية مديرية الأمن العسكري باسم "وكالة الاستخبارات والأمن للدفاع"، وكلّفها بجمع المعلومات الاستخباراتية عن "التهديدات المحتملة للقوات المسلحة والأمن في البلاد بصورة عامة". وبينما كانت المديرية تجمع المعلومات الاستخبارية منذ إنشائها في العام 1964، فقد منحها هذا التغيير الولاية القانونية للقيام بذلك. كما منح المرسوم الصادر في العام 2014 الوكالة الاستقلال المالي عن القوات المسلحة، حيث زوّدها الرئيس السبسي بميزانية أولية بقيمة مليون دينار تونسي في مشروع ميزانية العام 2016. وفي الوقت الذي عززت قدرة الاستخبارات العسكرية، كانت حكومات مابعد الثورة أيضاً حريصة على القيام بذلك تمشياً مع مبادئ الديمقراطية، وتشاورت مع مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة في جميع مراحل العملية.
وأخيراً، دفع التهديد الأمني ​​المتزايد القادة المدنيين التونسيين إلى تعيين ضباط الجيش في العديد من المناصب المدنية والأمنية. ففي العام 2012 عيّنت حكومة الترويكا اللواء محمد المؤدّب، على سبيل المثال، مديراً عاماً للجمارك. وعلاوة على ذلك، في حين تم تعيين ضابط واحد فقط من الجيش والياً أثناء عهد بن علي الذي استمر ثلاثة وعشرين عاماً، فقد تولّى أحد عشر ضابطاً بالفعل منصب الوالي بعد الثورة، بعضهم لمرّات عدّة في ولايات مختلفة، خاصة في المنطقتَين الداخلية والحدودية حيث التهديدات الأمنية أكبر. باستثناء العام 2013 (حين تخوّفت الترويكا من احتمال حدوث انقلاب)، شكّل ضبّاط الجيش حوالي 11 في المئة من الولاة الجدد سنوياً (أنظر الرسم 3)، وهذه نسبة مرتفعة نظراً إلى أن وزارة الداخلية هي التي تسمّي المرشّحين لمنصب الوالي.

ثورة هادئة: الجيش التونسي بعد بن علي ACMR_Grewal_AR_Final--8


يتبع .....


عدل سابقا من قبل mi-17 في الجمعة فبراير 26 2016, 09:15 عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



ثورة هادئة: الجيش التونسي بعد بن علي Unbena20ثورة هادئة: الجيش التونسي بعد بن علي Unbena11ثورة هادئة: الجيش التونسي بعد بن علي Unbena30
ثورة هادئة: الجيش التونسي بعد بن علي Unbena23




ثورة هادئة: الجيش التونسي بعد بن علي Empty
مُساهمةموضوع: رد: ثورة هادئة: الجيش التونسي بعد بن علي   ثورة هادئة: الجيش التونسي بعد بن علي Icon_minitimeالجمعة فبراير 26 2016, 08:51

المصدر: تم تحديد الولاة من ذوي الخلفيات العسكرية بمساعدة العميد المتقاعد الهادي القلسي (الذي تمت مقابلته في صفاقس في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2015)، والعقيد المتقاعد عمر بن رمضان (الذي تمت مقابلته في تونس في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2015)، ولواء متقاعد لم يرغب في الكشف عن اسمه (وتمت مقابلته في تونس في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2015).
تشير هذه التطورات المادية والسياسية إلى أن الجيش التونسي المهمّش تاريخياً، بدأ يشهد تحسّن وضعه. ومما لا شكّ فيه أن القوات المسلحة لاتزال تعاني من التوسّع بصورة لالزوم لها ومن ضعف التجهيز، والدليل على ذلك هو التقدّم البطيء الذي أحرزته في جبال الشعامبي. بيد أن الذي تغيّر منذ الثورة هو أن الجيش أصبح أولوية بالنسبة إلى السياسيين التونسيين. فقد أجبرت التهديدات الأمنية الكبرى في تونس الحكومات المتعاقبة على إعطاء المزيد من الوقت والمال لتمويل وتسليح القوات المسلحة. وكما قال العميد المتقاعد الهادي القلسي: "كان الجيش مُهملاً تماماً في عهد بن علي. بعد الثورة، تغيّر كل شيء. أصبح الجيش موضع تقدير من جانب السلطات. من عهد المرزوقي حتى الآن تحسّن كل شيء. لقد تحسّنت جميع مصالح الجيش من المعدّات والأسلحة والدعم اللوجستي والرواتب".

تعويضات قضية براكة الساحل

أحدثت ثورة العام 2011 أيضاً تغييرات كبيرة بالنسبة إلى العناصر الـ244 الذين تم طردهم ظلماً من الجيش في قضية براكة الساحل في العام 1991، الأمر الذي يشكّل اعترافاً رمزياً بتغيّر حظوظ الجيش. فبعد طردهم من القوات المسلحة، تم حرمان هؤلاء العناصر من رواتبهم، ومن الوصول إلى المستشفيات العسكرية، ومن الحقوق الإنسانية الأساسية. وقد سرد العقيد المتقاعد عمر بن رمضان قائمة الحقوق التي حرموا منها قائلاً إنهم حرموا من "الحق في التعبير وفي العمل والحصول على جواز سفر وفي الحياة العامة، وحتى من رؤية أصدقائنا وأسرنا بحريّة. لقد تم تجريدنا من جميع حقوقنا".
بعد الثورة، شكّل سبعة عشر من هؤلاء الضباط (جمعية العدالة لمحاربي الجيش القدامى) للضغط من أجل نيل حقوقهم. بدأوا برفع قضية ضدّ بن علي ووزير الداخلية السابق عبد الله القلال، واثني عشر آخرين بتهمة إساءة استخدام السلطة، واستخدام العنف لانتزاع اعترافات كاذبة، وسجن الضباط من دون حكم قضائي. في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، قضت محكمة عسكرية بسجن بن علي والقلال وأربعة متهمين آخرين لمدد تتراوح بين 4-5 سنوات، والتي تم تخفيضها في الاستئناف في نيسان/أبريل 2012 إلى عامين. في 23 حزيران/يونيو 2012، وبمناسبة الذكرى السادسة والخمسين لتأسيس القوات المسلحة، قدم المرزوقي اعتذاراً رسمياً عن قضية براكة الساحل، وبرّأ العناصر الـ244 من ارتكاب أي مخالفات، واستضافهم في وقت لاحق لهم في القصر الرئاسي في كانون الأول/ديسمبر.
في حزيران/يونيو 2014، أصدرت الجمعية الوطنية التأسيسية القانون الرقم 28-2014 الذي قضى بعودة الضباط إلى الخدمة ومنحهم ترقيتين أو ثلاث ترقيات، بما يعادل الرتبة التي كان يمكن أن يصلوا إليها لو لم يتم طردهم. كما أصبحت رواتبهم تتناسب مع رتبهم الجديدة. وقال المرزوقي بعد هذا القانون: "مع إعادة تأهيل مجموعة من ضباط الجيش تطوي تونس اليوم فصلاً مظلماً في تاريخها وفي تاريخ العلاقة بين الدولة والجيش وحقوق الإنسان".
"بعد الثورة، بدأت حقبة جديدة وتغيّر كل شيء"، هكذا صاح العميد المتقاعد علي الحجي، الذي كان من بين الذين جرى طردهم في العام 1991. وقال: "لقد استعدنا الكثير من حقوقنا خلال هذه السنوات الأربع". وفي خطوة رمزية أيضاً، تم تعيين العميد هادي القلسي، الذي طرد على نحو مماثل في العام 1991، رئيساً للفرع الجهوي للجنة الحقيقة والكرامة في العام 2015.
بالنسبة إلى ضباط قضية براكة الساحل، وربما أكثر من ذلك بالنسبة إلى تونسيين آخرين، جلبت الثورة العدالة الانتقالية بالفعل. وعلاوة على ذلك، كما أشارت حادثة العام 1991 إلى بداية هيمنة الشرطة على الجيش، فإن اعتذار الدولة الرسمي عن هذا الحدث يمثّل أيضاً، بمعنىً ما، اعتذاراً عن تهميش الجيش في عهد بن علي.

الضباط في المجتمع المدني

ربما كان دخول الضباط المتقاعدين في المجتمع المدني النشط في تونس، يمثّل أشدّ قطيعة مع عهد بن علي. وقد قام الضباط المتقاعدون بدور فعّال في تثقيف الجمهور والسياسيين حول الجيش واحتياجاته، ووفّروا للقوات المسلحة جماعة ضغط جديدة تسعى لتعزيز مصالحه في حقبة ديمقراطية.
حدث ذلك، جزئياً، من خلال ضباط متقاعدين استفادوا من الحرية النقابية الجديدة في تكوين منظمات المجتمع المدني. إلى جانب جمعية العدالة لقدامى محاربي الجيش، تشمل هذه المنظمات رابطة الضباط السابقين في الجيش الوطني (شُكّلت في آذار/مارس 2011)، والمركز التونسي لدراسات الأمن العالمي (تشرين الثاني/نوفمبر 2013)، ورابطة المحاربين القدامى في معهد الدفاع الوطني (تموز/يوليو 2015).
وقد لعب الضباط المتقاعدون دوراً هاماً في تطوير وتشكيل النقاش العام بشأن القوات المسلحة سواء من خلال هذه المنظمات أو كأفراد. وأشاد الجنرال المتقاعد سعيد الكاتب بما تحقق قائلاً: "إن أفضل شيء حصلنا عليه بعد الثورة هو حرية التعبير. أحياناً أكتب مقالات لـ[مجلة] Leaders، وأحياناً أُدعى إلى حضور مؤتمرات في مؤسسة التميمي [للبحوث العلمية والمعلومات]. لم يكن يسمح لنا القيام بذلك في ظل نظام بن علي".68
أثناء صياغة دستور ما بعد الثورة في تونس، على سبيل المثال، قدم مدير عام سابق للأمن العسكري المشورة لأعضاء الجمعية الوطنية التأسيسية بشأن المادة 9، حول التجنيد في الجيش، والمادة 36، حول الحق في تشكيل النقابات والحق في الإضراب، ولاسيما الاستثناءات التي تم وضعها للجيش وقوات الأمن. كما طلب اثنان من مرشحي الرئاسة في العام 2014 مشورته بشأن السياسة الدفاعية. وبالمثل، قدم المفتش العام السابق للقوات المسلحة محمد علي البكري المشورة للباجي قائد السبسي خلال حملته الانتخابية الرئاسية. وفي شباط/فبراير2015، نشر الجنرال المتقاعد محمد المؤدب كتاباً بالتعاون مع مجلة Leaders  يتضمن عدداً من المقترحات المحدّدة لإصلاح القوات المسلحة، بما في ذلك خفض معدلات التهرّب من التجنيد، وتعيين رئيس أركان للقوات المسلحة، وتحرير الجيش من مهام الشرطة الأساسية.
من بين أفضل المقترحات التي قدّمها هؤلاء الضباط المتقاعدون، وضع سياسة دفاعية شاملة تقدّمها وزارة الدفاع ومن ثم تتم الموافقة عليها من جانب البرلمان. في شباط/فبراير 2015، عقدت رابطة الضباط السابقين في الجيش الوطني مؤتمراً طرحت فيه هذا الاقتراح، وضغطت على وزارة الدفاع كي تتواصل مع شركائها الدوليين لتقديم المشورة بشأن كيفية صياغة كتاب أبيض بشأن السياسة الدفاعية. وعلى الرغم من أن الهجمات الإرهابية التي شهدتها تونس في آذار/مارس وحزيران/يونيو وتشرين الثاني/نوفمبر 2015، دفعت الحكومة مرة أخرى إلى أسلوب رد الفعل، فقد ظل الضباط المتقاعدون متفائلين بأن وزارة الدفاع ستقدّم قريباً كتاباً أبيض إلى البرلمان للمراجعة.
بينما سيضطر الضباط المتقاعدون إلى توخّي الحذر بعدم حجب الأصوات المدنية بشأن المسائل العسكرية، يؤكد معظم المراقبين أن دخولهم إلى المجتمع المدني يمثّل ظاهرة صحية للديمقراطية الفتية في تونس. ونظراً إلى تاريخ البلاد، وعلى وجه الخصوص الدور الضئيل للجيش وحكم بن علي الشخصي على شؤونه، هناك عدد قليل من الخبراء، ناهيك عن السياسيين، ممن هم على اطلاع على الجيش أو الأمور العسكرية. ويمكن أن يلعب الضباط المتقاعدون دوراً حاسماً في توسيع معرفة الجمهور حول "المؤسسة العسكرية، واحتياجات هذه الفترة، وكيفية تغيير صورة مؤسّسة احتلت تقليدياً دوراً هامشياً جداً في البلاد للتصدّي للمخاطر والتحديات التي تواجه الجيش اليوم"، كما قال عميد متقاعد.
يشير ماكسيم بولين، نائب رئيس مكتب تونس لمركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة، إلى أن دخول الضباط المتقاعدين في المجتمع المدني "يمكن أن يكون له تأثير إيجابي. هناك أوجه قصور من حيث تخطيط السياسات داخل الحكومة، وكذلك في المجتمع المدني. لاتزال هذه المنظمات التي تضم الضباط المتقاعدين تحظى بالثقة ولديها اتصالات مع وزارة الدفاع، ويمكنها أن تعمل في نهاية المطاف كمراكز أبحاث حكومية حول قضايا الأمن في حين ينشغل المسؤولون حتى هذه اللحظة بإدارة الأمور اليومية الملحّة".
كما يوفّر انخراط الضباط المتقاعدين في المجتمع المدني للمؤسسة جماعة ضغط جديدة للمساعدة في منع الرئيس القادم من تهميش الجيش مرة أخرى. ونظراً إلى علاقات الرئيس الباجي قائد السبسي بنظامي بورقيبة وبن علي، فقد عبّر بعض الضباط المتقاعدين عن خشيتهم من أن يتم التراجع عن التقدم الذي أحرزته القوات المسلحة بعد الثورة. ويخشى البعض من العودة إلى الأنماط القديمة لتهميش الجيش وتفضيل الضباط الآتين من منطقة الساحل. ومع ذلك، لايزال هؤلاء الضباط متفائلين بأنهم سيكونون قادرين في هذه الحقبة الجديدة من الحرية على المقاومة على الأقلّ. وقال العميد المتقاعد محمد أحمد: "إذا كانت كل التعيينات من الساحل، على سبيل المثال، فلن يبقى أحد صامتاً، سنقول شيئاً حيال ذلك! فقد تغيّرت الأمور بوجود الدستور الجديد والبرلمان الجديد والحرية الجديدة للصحافة، وسنستنكر على الأقلّ أي ارتداد إلى الأساليب القديمة".

خاتمة

أطلقت الإطاحة بالرئيس بن علي في العام 2011 عملية إعادة هيكلة نظام السياسي التونسي بعيداً عن الدولة البوليسية. إذ بدأ الجيش، الذي يعاني تاريخياً من نقص التمويل والتجهيز، يشهد تحسّن وضعه. وقد أجبرت التهديدات الأمنية المتزايدة في تونس الحكومات المتعاقبة على زيادة ميزانية الجيش وتجهيزاته وروابطه الدولية وقدراته المؤسّسية ونفوذه السياسي. وفي الوقت نفسه، دفع الضباط المتقاعدون في المجتمع المدني قادة تونس للاعتراف بمظالم الماضي تجاه الجيش وكذلك للنظر في القيام بالمزيد من الإصلاحات لجعل القوات المسلحة أكثر فعّالية. ويشير تعزيز قوة ونفوذ الجيش في السنوات الخمس الماضية إلى أن عملية تصحيح اختلال التوازن التاريخي بين الجيش والشرطة قد بدأت.
في مطلع العام 2016، يبدو أن الرئيس الباجي قائد السبسي يدعم هذا الاتجاه، على الرغم من علاقاته السابقة مع بورقيبة وبن علي. ومع ذلك، فإن المدى الذي يستمر فيه السبسي في السير على هذا الطريق، يعتمد على عوامل عدة، أبرزها ردود فعل وزارة الداخلية التي يتعيّن إصلاحها73 ونقابات الشرطة القوية، والتي يظهر أنها تغار من نمو الجيش.74 السبسي قد يستسلم لهذه النقابات، بيد أن بإمكانه أن يستخدم القوات المسلحة المدعّمة لموازنة وزارة الداخلية وحتى الضغط على الشرطة لبدء إصلاحات داخلية.
إضافةً إلى ذلك قد يعطي السبسي الأولوية لبدء إصلاحات تهدف إلى تحقيق أقصى قدر من الفعّالية للقوات المسلحة. فمن شأن تبنّي استراتيجية دفاعية شاملة، يتم وضعها بالتشاور مع المجتمع المدني والبرلمان والشركاء الدوليين، أن تساعد على توجيه القرارات الخاصة بالميزانية والمشتريات. كما أن تزويد مجلس الأمن القومي، والمستشار العسكري، بموظفين دائمين من شأنه تعزيز قدراته المؤسّسية وجعله قادراً على الانتقال من عملية صنع السياسات التي تعتمد على ردّ الفعل إلى أخرى استشرافية.
أما الأطراف المهتمة بالديمقراطية، من الطبيعي أن تخشى من تنامي نفوذ الجيش في تونس الجديدة. وقد أعرب الضباط المتقاعدون، على الأقلّ في المقابلات، عن احترامهم العميق لمبدأ السيطرة المدنية على الجيش ومفهوم الديمقراطية. وبتشجيعها المزيد من إعادة الهيكلة بين أجهزة الأمن التونسية، يجب أن تكون الحكومات الغربية والمنظمات غير الحكومية واعية لإدارة عملية صعود الجيش وفقاً للمبادئ الديمقراطية. ويبدو أن هناك على الأقلّ ثلاثة إصلاحات جديرة بالاهتمام في هذا الصدد. الأول هو تعزيز قدرة البرلمان في الإشراف على القوات المسلحة. والثاني هو إصلاح نظام القضاء العسكري، والذي سوف يواجه قريباً اختباراً حاسماً عندما يرفع ضباط قضية براكة الساحل دعوى قضائية ضد ضباط الجيش الذين يعتقدون أنهم كانوا متواطئين في القضية. ويتمثّل الإصلاح الأخير في تطوير منظمات غير حكومية مدنية تعمل على السياسة الدفاعية للتنافس مع جمعيات الضباط المتقاعدين، وضمان ألا تحتكر هذه الأخيرة  الخطاب العام بشأن المسائل العسكرية.


--------------

الكاتب : شاران غريوال طالب دكتوراه في جامعة برينستون.


مصدر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

ثورة هادئة: الجيش التونسي بعد بن علي

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى العسكري العربي :: الأقســـام العسكريـــة :: مواضيع عسكرية عامة - General Topics-