كل بضعة أعوام، تتجمع كبار الشخصيات في العالم ربما في حفل عيد ميلاد في هوليوود، أو في حفل زفاف ملكي، ولكن ثمّة حفل واحد يمكننا أن نطلق عليه لقب "حفل القرن".
فيلم وثائقي يحكي القصة الحقيقية للحفل المذهل الذي أُقيم قبل 45 عاماً، وحضره ملوك وملكات، وأباطرة، وأمراء وأميرات (من بينهم اثنان بريطانيان)، ورؤساء وحكام ديكتاتوريون إلى واحة وسط الصحراء، وكان وبالًا على بعض من شارك فيه، وبداية لتغيير كبير في منطقة الشرق الأوسط.
احتفال الشاه
لم يكن السبب في اختيار هذا الحفل الذي أُقيم عام 1971 ليكون حفل القرن دوناً عن غيره إنفاق شاه إيران ما يعادل 1.5 مليار جنيه إسترليني على مراسمه، ولا نقل قالب من الثلج بحجم السيارة يومياً عبر الصحراء بطائرة هليكوبتر فقط ليُضاف إلى النبيذ الأبيض، ولا استيراد 50 ألف طائر لتغرد بصوت لطيف، والذين مات معظمهم خلال أيام بسبب نقص الماء، ولا حتى التصوير الرسمي للحفل، الذي من أجله تم التعاقد مع طاقم إخراج من هوليوود، والتعاقد مع أورسون ويلز ليروي بصوته وقائع الاحتفال بالفيديو، ولكن هناك سببا آخر أهم، حسب التقرير الذي أعدته صحيفة ديلي ميل البريطانية.
الصحيفة قالت إن ما ميز حفل شاه إيران الذي استمر 3 أيام في برسيبوليس ويجعله حقاً "حفل القرن" هو تأثيره، حيث كان الحفل دافعاً لثورة سياسية لا تزال تؤرق الشرق الأوسط -والعالم كله- حتى يومنا هذا.
ثورة الخميني
فبينما كان شاه إيران وضيوفه يتناولون الكافيار ولحم الطاووس ونبيذ شاتو لافيت الذي يعود لعام 1945 في خيام مكيفة، كان خصومه في أشد الاستياء، وبالأخص آية الله الخميني الذي كان في المنفى وقتها، والذي وصف ذلك الحفل بـ"المشين" وبمن حضروه بأنهم "خونة جشعون"، وشجّع الإيرانيين الفقراء على الانتفاض في وجه حاكمهم، وقد تحقق ذلك بعد وقت قصير.
والمفارقة الكبرى أن وليمة الشاه كان من المفترض أن تُثبِّت عرشه وتدعمه، إلا أنها أطاحت به في نهاية المطاف. فيما كان هذا الحدث الضخم احتفالاً بالذكرى الـ2500 لتأسيس الإمبراطورية الفارسية.
الشاه كان مستبداً بدرجة متقلبة، فبالرغم من منحه النساء حق التصويت، إلا أنه قام بتهميش المتشددين، ولم يكن هناك مجال للمعارضة، حيث لاقى المعارضون التعذيب أو السجن أو ما هو أسوأ من ذلك. وبينما عانى أكثر من نصف الشعب، الفقر، عاشت الأسرة الحاكمة حياة مترفة. لم يجرؤ أحد أن يخبر الشاه أنه على خطأ عندما كان يرتب لإقامة أكبر حفل شهده العالم على الإطلاق.
مراسم الاحتفال
أراد الشاه تنظيم الحفل وسط أنقاض مدينة برسيبوليس المذهلة، والتي تبعد ساعة بالسيارة عن مدينة شيراز التي تقع في جنوب إيران. ولكن، أين سيقيم الجميع؟كان الحل هو مدينة من الخيام في الصحراء، ولكنها ليست كالخيام العادية. لقد كانت عبارة عن بيوت مصممة بإتقان عالٍ من مادة تشبه المادة المستخدمة في الخيام. نُصبت العشرات من تلك البيوت حول نافورة مركزية وسط حدائق خضراء، بالإضافة إلى وجود ملعب للجولف.تم إحضار مطعم ماكسيم الفرنسي، والذي كان أفضل مطعم وقتها، لتغطية الحفل فشملت قائمة الطعام الضأن الفرنسي مع الكمأ ورأس الكبش، والطاووس الإمبراطوري محاطاً بالمئات من السمّان المحشو بكبد الأوز.كما تعاقدوا مع 180 نادلاً من أفضل الفنادق في مدينة سانت موريتز السويسرية. ثم جاء الدور على تجهيز مكان الحفل.يقول عبد الرضا الأنصاري، وهو عضو بارز في اللجنة المنظمة: "لقد كان المكان مليئاً بالثعابين والعقارب؛ لذا قاموا برش نطاق قطره 20 ميلاً بالمواد الكيميائية للقضاء على أي حيوانات برية، واستبدلوها بـ15 ألف شجرة أحضروها من مدينة فرساي الفرنسية، و50 ألف طائر مغرّد لتقيم بهذه الأشجار، ولكن لم يفكر أحد منهم أن تلك الطيور لن تستطيع الحياة في الصحراء.سأطلق النار على نفسيلم يكن هناك أي مجالٍ للتراخي. حيث قال أسد الله علم، وزير البلاط في حكومة الشاه للمنظمين: "إذا لم يتم إنجاز العمل، سوف أطلق النار على كل واحد منكم، ثم سأطلق النار على نفسي". كان عليهم إنشاء طريق سريع لإحضار الضيوف من المطار في أسطول مكون من 250 سيارة ليموزين.قام حسن أميني (مخرج الفيلم الوثائقي) بتعقب قائمة الشخصيات التي حضرت الحفل بدءاً من النوادل السويسريين إلى الضيوف الملكيين وكانت النتيجة مذهلة.أمراء وملوك
كان من المثير رؤية كل هذا العدد من الملوك يجتمعون، مثل الأمير رينييه والأميرة غريس كيلي من موناكو، والسيدة إيميلدا ماركوس من الفلبين، وجوزيف تيتو رئيس يوغسلافيا، والملك حسين من الأردن، وإمبراطور إثيوبيا هيلا سيلاسي. وكان شاه إيران وزوجته الثالثة الإمبراطورة فرح ديبا في استقبال كل هؤلاء الحضور.
أدرك بعض زعماء العالم (من بينهم الملكة إليزابيث) أن هذا الحفل كان خطأً فادحاً، فبالرغم من أنها رحّبت بالشاه في بريطانيا إلّا أنها امتنعت عن الحضور. ولكن، حتى لا يُنظَر إليها بأنها قاطعت الحفل، قامت بإرسال الأمير فيليب والأميرة آن لتمثيلها.
شهد العديد من هؤلاء الضيوف –بعدها بسنوات- نهاية غير محمودة، بمن فيهم الرئيس الروماني نيكولاي تشاوشيسكو وزوجته اللذان أُعدما رمياً بالرصاص عام 1989.
عاصفة رملية
ظهر على الشاه وزوجته عدم الارتياح مع وصول ضيوفهم لتناول العشاء. سالي كوين الكاتبة في صحيفة واشنطن بوست، والتي قامت بتغطية الحدث، تقول بأنهما كان لديهما سببٌ لذلك. كان صف الضيوف يتحرك ببطء شديد، وكان الكثيرون منهم لا يزالون يقفون في الخارج عندما أتت عاصفة رملية مفاجئة كادت أن تفسد الحفل.
كانت هناك حالة من الفوضى خلف الكواليس أيضاً، حيث أغمي على أحد النادلين بسبب الإجهاد، وبسبب الحرارة الشديدة في المطابخ، بدأ العديد من العاملين بخلع ملابسهم.
لتنم كورش فنحن مستيقظون
ثم جاءت اللحظة الأكثر إثارة عند قبر كورش الكبير، مؤسس الإمبراطورية الفارسية في القرن السادس قبل الميلاد.
يظهر الفيلم الوثائقي أكثر من 1000 جندي من القوات الإيرانية يرتدون زيًّا مماثلاً للزي في عصر كورش يمرّون أمام كبار الشخصيات قبل أن يُلقي الشاه خطاباً لتبجيل كورش، حيث قال: "لتنم كورش، فنحن مستيقظون نحني رؤوسنا إجلالاً أمام قبرك".
ولكن هذا الإجلال لم يستمر طويلاً. عيسى مالك، رئيس المنظمين والذي كان مسؤولاً عن تنظيف خيام كبار الشخصيات، بدا عليه الاشمئزاز، حيث يقول: "كل أجهزة اللاسلكي الجديدة غالية الثمن قد اختفت. أحضرنا 50 جهازاً ولم نجد سوى واحد فقط".
لم يكن الشاه سعيداً كذلك بسبب الطريقة التي سارت عليها الأمور.
أين الإيرانيون؟
وفي نهاية الفيلم الرسمي للحفل، قال الراوي جملة مؤثرة للغاية: "أين الشعب الإيراني؟" أين هم؟ بين هذا التنظيم الفخم لاستضافة كبار شخصيات العالم، نسي المنظم العامل الأكثر أهمية: شعبه.
في الفيديو الرسمي، أعلن الراوي أورسون ويلز: "لم يكن هذا احتفالاً سنوياً بل كان احتفالاً بـ25 قرن!".
خونة للإسلام وللشعب الإيراني
بينما كان آية الله الخميني عدو الشاة يشاةد الحفل الكارثي من منفاه في باريس قال في غضب: "فليعلم العالم أن هذه الاحتفالات لا علاقة لها بالشعب الإيراني المسلم النبيل. كل من شاركوا في هذا الحفل هم خونة للإسلام وللشعب الإيراني".
بعدها بثماني سنوات، هرب من كان يُسمى بـ"ملك الملوك" للنجاة بحياته، وترك بلاده لعقود تحت حكم حكومة الخميني الدينية، وقد يتساءل البعض إذا ما كان الشاة الذي توفي في مصر عام 1980 قد تناول هذا الطعام الفاخر مرة أخرى، على الأرجح لا.