تُعد شركة Huntington Ingalls Industries أكبر شركة لبناء السفن الحربية في الولايات المتحدة التي تؤمن الخدمات الهندسية والصناعية والإدارية لأسواق الطاقة النووية والنفط والغاز. وقد بنت إدارتي السفن التابعة لفرعي الشركة في فرجينيا ومسيسبي عدداً من السفن ذات الطرازات المختلفة أكبر Huntington Ingalls Industries من أي شركة أمريكية أخرى.
ومنذ أكثر من 75 عاماً عكفت شركات بناء السفن الأمريكية في Newport News على تصميم وبناء أكثر من 30 حاملة للطائرات، من بينها حاملة الطائرات USS Enterprise: CVN 65، التي تُعد أول حاملة طائرات في العالم تُدار بالطاقة النووية، وحاملات الطائرات العشر من طراز Nimitz التي تُدار بالطاقة النووية أيضاً. وتعكف تلك الشركات اليوم على تصميم وبناء أحدث جيل من حاملات الطائرات من طراز Gerald R. Ford التي تعتبر الأولى في فئتها، والتي جرى تدشينها في شهر نوفمبر عام 2013، وتتمتع بإمكانيات متقدمة يتوقع لها الخبراء أن تضيف الكثير إلى قوة الأسطول البحري الأمريكي مع قلة الاعتماد على العنصر البشري. وقد بدأت عملية بناء حاملة الطائرات John F. Kennedy: CVN 79 في شهر فبراير عام 2011.
ومن المتوقع أن تدشن حاملة الطائرات جيرالد فورد CVN 78 القادمة، التي تعتمد على تقنيات كهربائية مائة بالمائة، عصراً جديداً بالنسبة للقوة البحرية الأمريكية عند تسليمها في منتصف عام 2016، ولكن هذه الحاملة الرائدة من فئة حاملات الطائرات الأمريكية الجديدة هذه التي تدار بالطاقة النووية تواجه عدة تحديات كأول حاملة طائرات من هذا الطراز.
تبدو أحدث نسخة من حاملة الطائرات جيرالد فورد CVN 78 من على مسافة بعيدة شبيهة إلى حد كبير بحاملة الطائرات USS Enterprise: CVN 65 المتقاعدة من الخدمة التي يجري تفكيك مفاعلها بمعرفة فرع الشركة في فرجينيا الذي أشرف على بنائها وتدشينها عام 1960 كأول حاملة طائرات في العالم تُدار بالطاقة النووية. ولكن أول نسخة من حاملة الطائرات من طراز جيرالد فورد التي ستحل محل حاملة الطائرات USS Enterprise: CVN 65 تتميز باعتمادها على عدة تقنيات متقدمة لا يتسنى للعين رؤيتها من الوهلة الأولى.
فالطفرة التي طرأت على التقنيات المستخدمة في مقصورة القيادة وحدها، عند مقارنة المقاليع البخارية Steam Catapults وأجهزة الإيقاف الميكانيكية لدى حاملات الطائرات من طراز Nimitz السابقة بأنظمة الإطلاق والاسترداد الإلكترومغناطيسية الجديدة لدى حاملات الطائرات من طراز جيرالد فورد، تمثل طفرة متقدمة بالنسبة إلى القوة الجوية لدى سلاح البحرية الأمريكي، وهي الطفرة التي ترمي إلى سيطرة حاملة الطائرات جيرالد فورد - عند تسليمها في عام 2016 على المحيطات مثلما فعلت سابقتها التي ظهرت على المسرح الدولي قبل نصف قرن.
تلك التقنيات المتقدمة جاءت ومعها سلسلة من المشكلات والتحديات لم تكن معهودة مع حاملات الطائرات السابقة التي وجدت نفسها متورطة في تكاليف باهظة وسلسلة من التأخير في التنفيذ بسبب المشكلات المتعلقة باستخدام التقنيات الجديدة، والأمر الذي فرض ضغوطاً على برنامج حاملات الطائرات ككل.
وجاء تقليص الميزانية العسكرية الأمريكية وتضارب الأولويات داخل صناعة حاملات الطائرات لتضع ضغوطا جديدة، ما دفع نواب الكونجرس إلى تدقيق البرنامج خلال السنوات الأخيرة، وتحديد سقف الإنفاق بغية السيطرة على تكاليف بناء حاملة الطائرات John F. Kennedy: CVN 79 كما تراجعت خطط الاستحواذ لدى سلاح البحرية الأمريكي، ما أدى إلى ارتفاع وتيرة التوتر والطموحات أيضاً مع اقتراب الانتهاء من بناء حاملة الطائرات جيرالد فورد ودخولها مرحلة الاختبارات الأولية التي من المقرر أن تبدأ خلال الربع الأول من العام الجاري.
وبافتراض انتهاء مرحلة الاختبارات الأولية دون مشاكل، ومن ثم تسليم حاملة الطائرات خلال شهري مايو أو إبريل، سيتمكن مسؤول سلاح البحرية الأمريكي من أن يتنفسوا الصعداء واستئناف العمل في بناء أسطول بحري مكون من 11 حاملة طائرات كما ينص القانون، ولكن حتى لو تم تسليم حاملة الطائرات جيرالد فورد بنجاح، سيجد سلاح البحرية نفسه مطالباً بالتركيز مجدداً على حاملة الطائرات John F. Kennedy: CVN 79 والالتزام بالجدول الزمني والميزانية المحددين، مع المضي قُدماً في خطط الاستحواذ اللازمة لاستبدال حاملات الطائرات من طراز Nimitz بحاملة الطائرات Enterprise: CVN 90 وما يأتي بعدها.
طلب مكثف
ظلت حاملات الطائرات العاملة بالطاقة النووية المعيار الرئيسي الذي تُقاس به أسلحة البحرية على مستوى العالم، وظلت قوة حاملات الطائرات الرهيبة السمة الرئيسية لسلاح البحرية الأمريكي على وجه الخصوص منذ منتصف القرن العشرين، وظل أسطول البحرية الأمريكي المكون من 11 حاملة طائرات القاعدة الذهبية في فترة ما بعد الحرب الباردة.
وأصبحت حاملات الطائرات، التي كانت رأس الحربة للوجود العسكري البحرية الأمريكي في مناطق العالم الرئيسية، تمثل خيار الضربة الأولى بالنسبة إلى الولايات المتحدة، حيث كانت حاملة الطائرات USS Carl Vinson: CVN 70 من طراز Nimitz، على سبيل المثال، لأول وحدة من وحدات قوات التحالف تدخل غمار الحرب في عام 2001 في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
وتتميز حاملات الطائرات من طراز Nimitz بقدرتها على تنفيذ حوالي 120 طلعة يومياً، وتعتبر سلاحاً مثالياً بالنسبة للعمليات القتالية الكبرى، كما أنها قادرة على استيعاب سرب جوي معدل مصمم لتنفيذ المهام البسيطة مثل تقديم المساعدات الإنسانية ومواد الإغاثة في حالات الكوارث.
ولتحقيق التفوق في استعراض القوة بدأ سلاح البحرية الأمريكي عملية التخطيط في منتصف التسعينيات بحثاً عن بديل لحاملات الطائرات من طراز Nimitz، وفي عام 2002 اتخذ مسؤولو السلاح قراراً بتأمين بديل مجهز بأحدث أساليب التكنولوجيا مثل بناء محطة مفاعل نووي جديد ونظام توزيع كهربي جديد وبناء سطح طيران أكبر حجماً ومزوداً بنظام مقاليع إلكترومغناطيسي لإطلاق الطائرات وجهاز إيقاف متطور لاستعادة الطائرات، وجهاز رادار جديد مزدوج الموجة.
وبالنظر إلى الوراء، يبدو تنفيذ كل ما سبق في برنامج تطور حاملة الطائرات جيرالد فورد ضربا من الخيال الجامح، ولكن كان مجرد برنامج طموح أمامه متسع من الوقت، بالإضافة إلى إحياء قاعدة تطوير الصناعات العسكرية، مدعومة بكل ما حدث من مهام في أفغانستان في أعقاب عمليات سبتمبر 2001 ثم حملة مكافحة التمرد في العراق.
حاملات الطائرات من طراز جيرالد فورد
يرى سلاح البحرية الأمريكي أن حاملات الطائرات من طراز جيرالد فورد استفادت من أداء سابقاتها من طراز Nimitz. وصرح مسؤولو السلاح بأن تلك الحاملات ستتفوق على سابقاتها Nimitz من حيث زيادة القوة القتالية بنسبة 25 % على الأقل، بالإضافة إلى زيادة هامش العمر الافتراضي لحاملة الطائرات من حيث التعامل مع طائرات وأنظمة التسلح المستقبلية مثل المركبات الجوية الآلية (غير المأهولة) UAVs وأسلحة الطاقة الموجهة.
علاوة على ذلك، سيعمل البرنامج على خفض التكاليف الإجمالية للحاملة الواحدة بحوالي 4 مليار دولار طوال العمر الافتراضي للحاملة الذي يصل إلى 50 عاماً. ولكن تلك التحسينات لم تأت دون مقابل، حيث قفزت تكاليف الاستحواذ الخاصة بمركبة القيادة إلى حوالي 13 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 2.5 مليار دولار على التقديرات الأولية. هذا بالإضافة إلى حدوث تأخير بسبب المشكلات التي واجهتها بعض الأنظمة مثل جهاز إيقاف الطائرات.
وبعد ثلاث سنوات من خروج حاملة الطائرات Enterprise من الخدمة في شهر ديسمبر 2012 لم يكن قد تم تسليم حاملة الطائرات جيرالد فورد كبديل بعد، ما يعني أن سلاح البحرية الأمريكي ظل يعمل بقوة أقل من الإحدى عشر حاملة طائرات اللازمة. ورغم أن وجود نقص بمعدل حاملة طائرات واحدة لم يكن بالأمر الذي يدعو إلى القلق أو الانزعاج إلا أن الحقيقة هي أن خمساً من بين حاملات الطائرات العشر لم تكن صالحة للتشغيل. وصرح أحد مسؤولي السلاح بأن "أربع حاملات طائرات تخضع للصيانة المكثفة اليوم.
فهناك واحدة تخضع لعمرة مكثفة...وثلاث باقية في المستودع لفترة طويلة. وهناك حاملة خامسة - جورج واشنطن- في طريقها إلى العودة إلى الولايات المتحدة كي تخضع لعمرة مكثفة، ما يعني أنها غير جاهزة لإرسالها إلى الخارج. وهذا يعني أن لدينا خمس حاملات موضوعة على جدول التشغيل، ويتم إرسالها إلى المهام الخارجية بالتناوب".
وقد لاقت كل حاملات الطائرات من طراز Nimitz إقبالاً وطلباً كبيرين خلال العقد الأول من عام 2000، حيث جرى غالباً تمديد فترة بقاء الحاملة في المهام الخارجية من ثمانية شهور إلى 12 شهراً، وهو معدل يعني تشغيلاً مكثفاً ومستمراً دون حصول الحاملة على فترات الصيانة الدورية المقررة بين كل مهمة وأخرى. كما أن تأخير الحاملات من طراز جيرالد فورد قد يعني تعرض أسطول سلاح البحرية الأمريكي لموقف صعب، ويأتي تسليم حاملة الطائرات الرئيسية قريباً ليساعد السلاح في سد هذه الفجوة.
نجم صاعد
في شهر مايو عام 2004 أرسى سلاح البحرية الأمريكي عقد بناء حاملة الطائرات الرئيسية من طراز جيرالد فورد على إدارة بناء السفن التابعة لشركة Northrop Grumman التي غيرت تصنيفها كمقاول عسكري في عام 2010 إلى شركة Huntington Ingalls Industries: HII.
ويصل وزن حاملة الطائرات من طراز جيرالد فورد إلى 101,605 أطنان وطولها إلى 332,8 أمتار وعرضها إلى 40,8 متراً، ويصل عرض سطحها المجهز للطيران إلى 78 متراً، ويمكنها أن تحمل أكثر من 75 طائرة مختلفة مثل الطائرات المقاتلة F-35C Lightning II Joint Strike F من إنتاج شركة Lockheed Martin والطائرات المقاتلة F/A-18E/F Super Hornet المتعددة الأدوار من إنتاج شركة بوينج، وطائرات الهجوم الإلكتروني EA-18G Growler electronic attack aircraft من إنتاج شركة بوينج، وطائرات الإنذار المبكر المجوقل E-2D Advanced Hawkeye airborne early warning aircraft من إنتاج شركة Northrop Grumman، والطائرات المروحية Sikorsky MH-60R/S المتعددة الأدوار من إنتاج شركة Lockheed Martin، وطائرات المراقبة الجوية الهجومية المستقبلية الآلية (غير المأهولة) التي يتم إطلاقها من على متن حاملات الطائرات future Unmanned Carrier-Launched Air Surveillance Strike: UCLASS platform.
وقد جرى تصميم سطح الطيران الخاص بحاملات الطائرات من طراز جيرالد فورد بهدف زيادة معدل الطلعات الجوية الخاصة بسلاح البحرية الأمريكي بنسبة 25 % وتحسين حركة الأسلحة وعمليات الطيران البحري. وتستخدم حاملة الطائرات الرئيسية عدداً من أحدث أساليب التكنولوجيا مثل نظام مقاليع إلكترومغناطيسي لإطلاق الطائرات وجهاز إيقاف متطور لاستعادة الطائرات، وجهاز رادار جديد مزدوج الموجة Dual Band Radar: DBR الذي يتكون من جهاز رادار SPY-3 متعدد الوظائف يعمل بنطاق الترددات السينية X-band وجهاز رادار SPY-4 للبحث عن الأهداف يعمل بالموجة القصيرة.
ويعتمد نظام إطلاق الطائرات الإلكترومغناطيسي Electromagnetic Aircraft Launch System: EMALS الذي أنتجته شركة General Atomics على تقنية المحركات الطولية، وهي تحل محل المقاليع البخارية C-13 steam catapults التي تستخدمها حاملات الطائرات من طراز Nimitz ويعتمد نظام إطلاق الطائرات الإلكترومغناطيسي على مولدات الحاملة في إنتاج النبضات الكهربائية التي يتم نقلها إلى المحركات الطولية الموجودة أسفل سطح الطيران والمسؤولة عن تشغيل مكوك الإطلاق - الذي يربط الطائرة - أسفل مضمار المقلاع بسرعة تزيد على 180 عقدة.
وتأتي حاملات الطائرات من طراز جيرالد فورد مجهزة بأنظمة تسلح متعددة مثل ثلاثة أنظمة تسلح Vulcan Phalanx Block 1B Mk 15 close-in weapon systems عيار 20 ملليمتر من إنتاج شركة Raytheon ونظامين لإطلاق الصواريخ الموجهة GMLS من إنتاج شركة Raytheon وقاذفات Mk 29 التي تطلق صواريخ Evolved SeaSparrow RIM-7 أرض – جو، بالإضافة إلى نظامين لإطلاق الصواريخ الموجهة GMLS أرض – جو من طراز Mk 49 Rolling Airframe Missile.
تصميم يحرص على كفاءة الأداء
تعتبر حاملة الطائرات CVN 78 أكثر حاملات الطائرات كفاءة التي جرى تصميمها على الإطلاق، الأمر الذي يقلل معدلات الصيانة بنسبة 30 %. ويتيح تصميم الحاملة لسلاح البحرية إمكانية تشغيلها بأقل عدد ممكن من الأيدي العاملة، وهو ما يوفر للسلاح أكثر من 4 مليار دولار على مدار العمر الافتراضي للحاملة الذي يبلغ خمسين عاماً. ويعمل 9,900 طناً من الهواء المكيف على تقليل معدلات الصيانة بسبب الرطوبة، وتقليل الأيدي العاملة اللازمة في المناطق الساخنة. وسيتم استخدام حوالي 44 ألف مصباح فلورسنت T‐8 light bulbs عالي الكفاءة، وهو ما يؤدي إلى الحصول على نسبة أكبر من الضوء، كما أن تلك المصابيح تدوم ضعف المدة التي تعيشها المصابيح الأخرى.
الاستعداد للمستقبل
تعتبر حاملة الطائرات CVN 78 منصة مرنة لتلبية المتطلبات التشغيلية في القرن الحادي والعشرين، وهي قادرة على زيادة معدل الطلعات الجوية بنسبة 25 % يومياً عن حاملات الطائرات من طراز Nimitz. والحاملة مصممة بحيث تكون قادرة على التكيف بسرعة مع متطلبات المهام الجديدة.
أحدث التطورات
تعتبر حاملة الطائرات John F Kennedy صورة طبق الأصل من حاملة الطائرات الرئيسية Gerald R Ford ولكن من المتوقع تجهيزها بجهاز رادار مختلف - رادار المراقبة الجوية Enterprise Air Surveillance Radar: EASR- الذي سيحل محل الرادار مزدوج الموجة بهدف خفض التكاليف.
الكونجرس يحدد سقف تكاليف بناء حاملة الطائرات جون كنيدي بـ 1,5 مليار دولار
من المتوقع أن تكون تكاليف بناء حاملة الطائرات الثانية أقل من بناء حاملة الطائرات جيرالد فورد بمليار دولار على أساس تراجع ساعات البناء بنسبة 18 %. ومن المتوقع أن يستغرق بناء حاملة الطائرات جيرالد فورد 44 مليون ساعة عمل، فيما يأمل مسؤولو ترسانة سلاح البحرية الأمريكي إلى خفض جهود الإنتاج بنسبة 10 % أخرى بالنسبة لحاملة الطائرات الثالثة Enterprise: CVN 80 المزمع بناؤها.