عندما اختير عادل الجبير لخلافة سعود الفيصل، باني السياسة الخارجية السعودية على مدى ثلاثة عقود، لم يكن لدى الخبراء والمحللين ما ينبئ بأهمية هذا الرجل، الحاسم في قراراته، الواضح في مقاراباته، الجاد في إدارته للملفات الساخنة، وصاحب الحضور في الرؤية الأميركية، حيث كان أثناء تمثيله لدبلوماسية المملكة في الولايات المتحدة مستشاراً غير معلن لوزير الخارجية الأميركي جون كيري لشؤون منطقة الشرق الأوسط، كما يتناقل الخبراء.
والإنطلاقة الواعدة لإعادة التوازن في المنطقة تحققت بتفعيل عمل مجلس التعاون الخليجي، الذي تمكنت المملكة من إعادة الإمساك بزمام المبادرة فيه، من خلال اجراء تعديل على صيغة أخذ القرار بحيث حلت الأكثرية بديلاً للإجماع بين دوله عند التصويت، متلافياً بذلك إحراج أو الضغط على أية دولة من دوله، وهذا إنجاز للدبلوماسي السعودي الجدير.
ويأتي الإعلان عن نية العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة موسكو منتصف الشهر المقبل تتويجاً للدور السعودي الفاعل على مستوى دولي؛ بالتطرق مع الدولة الكبرى إلى الوضع الإقتصادي العالمي وإنتاج النفط في ظل الأسعار الحالية وربما البحث باقتناء المملكة أسلحة روسية ضمن سياسة تنويع مصادر التسلح، وعلى مستوى المنطقة بما يملكه الفريقان من أوراق قوية سياسية وعسكرية، وبما يمكن التوصل إليه في الوضع السوري والذي بات البحث فيه حاجة ملحة للبلدين الرئيسيين في الصراع.
أما عسكرياً، وقبل تقدم عمليات "عاصفة الحزم" لدعم الشرعية في اليمن، فقد عودتنا المملكة على العمل العسكري المشترك، الذي بدأت بوادره بمشاركة القوات الملكية الجوية في عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق. ولا تخفى على أحد "الهمة" والإرادة السعودية في حث الدول العربية على تكوين "القوة العربية المشتركة" والتي أيدتها مصر، لم تبصر النور حتى اليوم رغم عرضها وتبنيها في قمة الملوك والرؤساء العرب العام الماضي في شرم الشيخ.
ولم تيأس المملكة من التردد العربي في تنفيذ مقررات القمة العربية فاتجهت إلى شد أزر التعاون الإسلامي وتوصلت إلى تكوين تحالف عسكري اسلامي بقيادة سعودية في سبيل القضاء على الإرهاب الذي تلبّس، في معظمه، لبوساً اسلامياً وكانت الحواضر الإسلامية أكثر ضحاياه، ووصلت شظاياه إلى خارج العالم الإسلامي مهددة صورة الإسلام الصحيح.
والتطور الملفت كان في تصريح المستشار في مكتب وزير الدفاع السعودي "العميد الركن أحمد عسيري" أن السعودية على استعداد للمشاركة في أي عملية برية ضمن التحالف الدولي في سوريا، وقوبل بأصداء عالمية قوية، ومنها الترحيب الأميركي على لسان الرئيس أوباما.
وتترقب الأوساط العالمية اليوم الخميس 11 شباط /فبراير محادثات اجتماع "حلف الناتو" في العاصمة البلجيكية "بروكسل"، التي ستجمع وزراء دفاع الحلف مع نظرائهم في التحالف الإسلامي ضد الإرهاب، وخصوصاً بعد العرض السعودي الأخير المتضمن المشاركة ضمن عملية برية بمشاركة جماعية من الحلف الدولي ضد داعش؛ حيث سيعرض ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع "الأمير محمد بن سلمان" المبادرة السعودية ورؤية الحلف الإسلامي في مكافحة الإرهاب.
ويتضمن جدول البحث محادثات هامة جداً تجمع وزراء دفاع الدول المعنيّة بمحاربة "داعش" ضمن التحالف الذي تترأسه الولايات المتحدة في بروكسل، في إطار اجتماعٍ آخر موسّع تتطرّق فيه الأطراف للملف السوري ومحاربة الإرهاب.
وسيعرض وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر خطة الولايات المتحدة لتسريع الحملة العسكرية ضد التنظيم، مبدياً أمله في أن تزيد دول التحالف إسهاماتها في الحرب ضد المتطرفين. مشيراً إلى وجود صورة واضحة لهذه العمليات، وتبقى الحاجة فقط إلى الموارد والقوات للتنفيذ. فيما قال أمين عام الناتو "ينس ستولتنبرغ"، في ردٍّ على سؤال لقناة "العربية" في المؤتمر التمهيدي لمباحثات الوزراء: إن "كل دول حلف الناتو تشارك في التحالف الدولي ضد داعش، ويتولى الحلف تزويد الحلفاء بالدعم التقني من ناحية، ويقوم من ناحية أخرى بتدريب قدرات الدفاع الأردنية لضمان استقرار الأردن وزيادة قدراتها في الحرب ضد التنظيم. كما سيبدأ الحلف قريباً تدريب الضباط العراقيين. وتعد المهمة مساهمة مباشرة في تأهيل القوات العراقية في الحرب ضد داعش".
الدبلوماسية طريق أساس في مملكة الإعتدال ولكن عندما تتعثر فإن لدى المملكة "الخطة ب"، كما يقول وزير الخارجية السعودي. والجميع بانتظار نجاح الحراك السعودي الدبلوماسي ما قبل "الخطة ب".