لطالما سعت الولايات المتحدة الاميركية للإنتصار في حروبها عبر استخدامها المفرط للسفن والطائرات ظنا منها ان تلك الاعتدة قد تفي بالغرض عوضا عن نشر العديد من الجنود .
تعمل الولايات المتحدة ايضا على تفادي حمام الدم في المعارك التي تخطط لها من خلال الاعتقاد الجازم او الأمل في أن يقوم حلفاؤها بزج جنودهم في المعركة ليقاتلوا عن جنودها، وانها ستحارب مستعملة وسائل مثل الدبلوماسية، الاعلام وحتى بواسطة السلاح الاقتصادي، وكما يسود الاعتقاد في أروقة وزارة الدفاع ان مقاتلي الغد سيحاربون في الفضاء السيبراني وان كان هناك من عمليات محتملة، فستنفذها الطائرات دون طيار المسلحة إلا أنه اذا قمنا بالتصفح الدقيق لسجلات الاعمال الحربية التي نفذتها الولايات المتحدة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فإننا نجد أن آمالها في معارك غير دموية نادرا ما تحققت.
يرد الجنرال بوب سكيلز على السؤال الدائر حول لماذا لا يقاتل اعداء الولايات المتحدة الجنود الاميركيين على النحو الذي يريده الاميركيون ؟ قائلا : انه وعلى امتداد السبعين سنة الماضية تعلم الاعداء تقنيات الحرب الحديثة وتكيفوا معها. وقد برهنوا انهم يستطيعون ربح المعركة على الارض بمفردهم. اضف الى ذلك ينتصر هؤلاء من خلال اطالة امد الحرب ويعمدون الى قتل الأميركيين وحسب. لا يرغب الاعداء في قتل الاميركيين كوسيلة انما كغاية بحد ذاتها، فهم يعلمون ان نقطة الضعف الوطنية الكبرى في الولايات المتحدة هي الرأي العام. لذا، في نظرهم فإن الوسيلة المضمونة الأكثر نجاحا للوصول الى مبتغاهم تكمن في التأثير على الرأي العام في قتل الاميركيين في اوسع شكل علني ودراماتيكي تسمح به وسائل الاعلام، كما وانهم يسخرون جميع الوسائل المتاحة لديهم لإبراز قتل الاميركيين للأبرياء عن طريق الخطأ والإهمال.
يعتبر اذاً الأعداء الذين يستخدمون على الارض التكتيكات والوسائل غير التقليدية في الجانب الرابح من الحرب، وتكثر هنا الامثلة ضد الولايات المتحدة في كوريا وفييتنام، العراق، افغانستان، ضد اسرائيل في لبنان، ضد فرنسا في الهند الصينية، وضد السوفيات في افغانستان.
وبناء عليه ليس من المعقول ان يقلع اعداء الولايات المتحدة عن تلك الاستراتيجيات التي تساعدهم على الانتصار. واذا أمعنا النظر الى حجم القتلى العسكريين الاميركيين على يد القوى المعادية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية يقول الجنرال Bob Scales ان ٨١% منهم من عداد وحدات المشاة التابعة للجيش، ويشكلون ٤% او ٥٠٠٠٠ من ٢،١ مليون رجل وامرأة في الخدمة الفعلية.
تجدر الاشارة الى ان اكثرية الرجال والنساء المرتدين البزة يقومون بأعمال لا تختلف عن تلك التي يؤديها نظراؤهم المدنيون، فهم مثلا يصلحون الشاحنات، يطبخون، يعملون على الكمبيوتر ويقومون بالوظائف الادارية الروتينية. لكن يختلف الأمر مع جنود المشاة كما يشير الجنرال Scales، بحيث يخرجون كل يوم للإلتحام مع مشاة العدو وقتلهم. فالمعارك النموذجية في افغانستان تجري على مسافات قصيرة لا تتعدى ال ٣٠٠ م.
تدعم الخبرة المكتسبة في القتال القريب الفكرة القائلة انه في هذا النوع من القتال لا مجال لما يسمى بالقتال العادل. لان قوات المشاة تتقدم في بقعة القتل، وهي متسخة، وتشعر بالخوف والجوع، مع عتاد ليس في احسن حاله. ويلاحظ ان اكثر من ٥٠% من العسكريين المشاة يموتون بالمباغتة في الوقت الذي يبحثون فيه عن العدو، يموتون اثناء تنفيذهم الدوريات، وفي الكمائن المنضوية لهم ونتيجة نيران القنص، او بفعل الافخاخ والعبوات الناسفة غير التقليدية.
يقتل الطيارون وأطقم المدفعية والصواريخ الاهداف المعادية للتأكد، انما يتم ذلك عن بعد، لكن عناصر المشاة يواجهونها عن قرب حتى الموت. وما يبعث القلق هو ان هؤلاء لا يتلقون الا ١% من ميزانية الدفاع المخصصة لدفع ثمن الاعتدة وتدريب الوحدات الصغيرة.
يطرح هنا الجنرال Scales سؤالا يلخص كل ما سبق: اذا كانت نقطة ضعفنا الكبرى القتلى الاميركيين وان كانت فرق المشاة الأكثر عرضة للموت، الا يكون مجديا للدولة الاغنى في العالم وصاحبة اغلى جيش في العالم ان تحاول كل ما يمكن لابقاء هؤلاء الجنود احياء، مشددا على ضرورة اعادة النظر في تجهيز وحدات المشاة يبدأ اصلاح الوضع الراهن من المستوى التكتي. بالفعل يموت غالبية الاميركيين في القتال اثناء بحثهم عن العدو. وازاء هذا الوضع، يكون من الاهمية بمكان ما تجهيزهم بالوسائل الآيلة الى تحديد العدو على مسافة وبطلب من الادارة وضع سياسة لا يتحرك بموجبها المشاة نحو اي منطقة خطرة دون مجموعة من الطائرات دون طيار تحلق فوق رؤوسهم، بدءا من تلك الاستراتيجية المحلقة في الجزء الاعلى من الفضاء المتصلة بالوحدات الصغيرة، والقادرة على جس اقتراب تشكيلات معادية كبيرة، مروراً بالطائرات دون طيار الضاربة المحلقة على ارتفاعات منخفضة والقادرة على ضرب الجنود المعادين على مدى قريب جدا وذلك بكبسة زر على تطبيق القتال لدى آمري الارهاط، ووصولاً الى الطائرات دون طيار الصغيرة التي تطلق بواسطة اليد والتي لا يتعدى حجمها حجم طائر صغير.
باستطاعة هذه الاخيرة دخول الآليات والمباني وتصوير الجنود المعادين وربما قتلهلم، ناصبي الكمين. وتشكل موجات الطائرات دون طيار هذه العين التي ترى دائما العدو مهما سعى جاهداً للإختباء.
يذهب الجنرال Scales بعيداً في اعطاء الحرية للجنود في استعمال وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر، بهدف الحد من شعور الجندي بالعزلة في المناطق النائية بعيدا عن بيئته ورفاقه ويستطيع القائد، من خلال ما يكتبه جنوده معرفة وضعهم النفسي، مراقبته والعمل على تحسينه وبالتالي تحسين الاداء العام للمجموعة ككل.
اما بالنسبة للوزن تشير عشرات الدراسات الى انه لا يجب ان يحمل الجندي اكثر من ثلث وزنه. يخالف الجنود وقوات مشاة البحرية هذه القاعدة بحيث يحمل الجندي في افغانستان اكثر من ١٠٠ رطل في درجات حرارة مرتفعة وارتفاعات عالية وذلك قبل الاشتباك مع قوات طالبان وعن مسافات قصيرة.
ولان الجنود يصلون للإلتحام منهكي القوى، يستطيع مقاتلو طالبان الانسحاب بسرعة وبسهولة عند اشتداد حدة المعارك. لذا يدعو الجنرال Scales الى تزويد المشاة بوسائل تساعدهم على التخفيف من الحمل الذي ينقلونه وينصح بآلية روبوطية غير مأهولة ترافقهم وتحمل كمية كبيرة من الحمولات.
تجدر الاشارة الى ان Google وUber يقيمان التجارب مع آليات روبوطية، لذا لن يكون من الصعب ان تدفع لهما السلطات العسكرية لتطوير رفيق روبوطي للجندي.
يشدد الجنرال Scales على اهمية التدريب من باب التشبيه، فهو يستشهد بالفيلم الاميركي الشهير Top Gun، الذي يبرز مهارات الممثل Tom Cruise في الدور الذي لعبه كطيار قتال جوي. وقد اكتسب هذا الطيار تلك المهارات بفضل مدرسة انشئت خلال حرب فييتنام لإعطاء الطيارين تقدما وسيطرة قتاليين ضد فييتنام الشمالية. ومن الدروس المستخلصة، تعلم المسؤولون ان ٩٠% من كل الخسائر في ارواح الطيارين حصلت في مهماتهم الأربع الأولى، فقد سمحت تقنية تشبيه القتال الجوي الحديثة Top Gun للطيارين بالقتال في مهماتهم الاربع الاولى دون اهراق الدم ومن وقتها بقي العديد من الطيارين احياء.
انطلاقا من هنا يسأل الجنرال Scales لماذا على مشاتنا تعلم القتال عبر الاصابة بالجروح والموت. لماذا لا يوفر لهم اول اربع مواجهات دون اهدار الدم؟ عالمنا اليوم يعج بالالعاب الالكترونية. فحتى الجراحون يتعلمون الجراحة في عمليات تشبيهية لا تشكل خطرا على المرضى، كما ويختبر طيارو الخطوط الجوية اوضاعا خطرة في مشبهات الطيران... هل من الصعب اقحام وحدة مشاة صغيرة في سلسلة من فئات الاوضاع القتالية المختلفة حيث ستقوم تلك الوحدة باتخاذ قرارات فيها حياة او موت، الاشتباك والمناورة ضد عدو مشبه؟
ويدعو Scales الى التفكير في مدى التكلفة المنخفضة الذي سيتمتع به مشبه القتال القريب اضافة الى كونه مؤلف من تجهيزات جاهزة تجاريا. اما بالنسبة للعقود القليلة التي تلت الحرب العالمية الثانية، فقد انصبت العلوم والتكنولوجيا على عالم الطيران، بحيث كانت الافضلية لتكنولوجيا القصف الدقيق وخفاء الطيران. اعطى التطوير في هذا المضمار الولايات المتحدة تفوقا وتقدما جويين حاسمين في العراق وكوسوفو، الا ان الزمن تغير، وقد وجه حزب الله مفاجأة لاسرائيل في العام ٢٠٠٦ عندما حاربها مستعملا نظما جاهزة تجاريا مثل الهواتف الخليوية والصواريخ المضادة للطائرات التي تطلق من على الكتف وتلك المضادة للدروع التي اعطتهم اياها روسيا وايران. اليوم، ستسمح النمنمة للجنود بالتواصل عبر استعمال الهواتف الخليوية. وسيأتي اليوم الذي سيشهد اتاحة الطائرات دون طيار الصغرية، مستشعرات الجندي والاسلحة الموجهة المصغرة لوحدات المشاة الصغيرة بالتغلب على قوى ممكنة أثقل وأوسع. لقد قال لينين في ما مضى انه في الحرب يتمتع العدد بالنوعية. تنطبق هذه المقولة بالتأكيد على القتال القريب. ولا يهم عندئذ مدى تطبيق وادخال التكنولوجيات، لان عدد المقاتلين سيبقى هو الذي يهم ويقول الجنرال Scales إن أكثرية الحروب الحديثة التي خاضتها الولايات المتحدة الأميركية إفتقرت الى المشاة وعددها. شكلت عاصفة الصحراء شواذا لهذا الواقع، وقد فرض على الجيش ومشاة البحرية اتخاذ خيارات صعبة.
ان الثمن الذي دفع في العراق وأفغانستان بسبب العدد القليل من المشاة، كان باهظا بمعنى ان الضرر النفسي والجسدي يتطلب أجيالا ليمحى.
لذا يكمن الحل في تطوير عناصر مشاة اكثر واخذ ما يلزم من الوقت لتدريبهم وجعلهم بوتقة واحدة بحيث يصبحون مؤهلين ومحضرين بشكل ممتاز لتحمل صعوبات ومشقات القتال القريب. وعوضاَ عن تخصيص ٤% من الميزانية يتوجب على وزارة الدفاع زيادة جنود القتال القريب ومشاة البحرية الى حوالي ٦% من العناصر في الخدمة الفعلية او ٧٠٠٠٠ جندي كما وانه يتوجب زيادة عديد وحدات المشاة بنسبة ٥٠%.