المعروف عن المؤسسة العسكرية المغربية أنها بكماء، إذ يصعب جدا كشف أسرارها التي تعتبر أسرار دولة بالضرورة لحساسيتها المفرطة. ولذلك عوقب في السابق بعض أبناء المؤسسة لربطهم جسور تواصل مع الصحافة، ولذلك أيضا لا يرشح حولها من الأخبار إلا ما تأتينا به المصادر الأجنبية «المطلعة». ويذكر الجميع في هذا الصدد، بأن آليات للدفاع أرض – جو سبق نشرها في بعض المدن المغربية، وسط صمت رسمي مطبق فسح المجال واسعا ولفترة طويلة أمام التكهنات والتأويلات. وظل الموقف على غموضه حتى بعد أن تم سحب تلك الآليات إلى مخابئها، من دون تقديم أية توضيحات رسمية للمواطنين. وخلال الأسابيع القليلة الماضية، راجت أنباء دون تفاصيل عن مضي المغرب قدما في تنفيذ مشروعه القديم – الجديد لإقامة نواة صناعة عسكرية. وكان وراء هذا التسريب الجديد ضابط عسكري إسباني أعلن أن المغرب طلب من سلطات بلاده دعما فنيا في هذا الاتجاه، فلم تكذب ولم تنف مؤسستنا العسكرية النبأ، ما يفترض ضمنيا أنه صحيح. وقبل أسبوعين تقريبا، أطلق تزامن زيارتي كل من مساعد وزير الدفاع الأمريكي ونائب وزير الدفاع السعودي للمغرب العنان لتناسل أخبار عن حصول اتفاق، ينشىء بمقتضاه المغرب وحدات لصناعات عسكرية، بدعم تكنولوجي من بلدان غربية حليفة وبتمويل خليجي. وكالعادة لم يتسرب شيء من كواليس اجتماع المسؤولين المغاربة مع كل من المسؤول الأمريكي والسعودي. لكن بات واضحا من تواتر الأنباء حول الموضوع، أن لا دخان بدون نار، وأن المغرب بات يطرق فعلا أبواب عصر الصناعات الحربية الثقيلة. فما هي الأسباب التي تجعله يتبنى هذا الخيار، في وقت أصبح يصنف ضمن كبار زبائن أسواق السلاح في إفريقيا والعالم؟ وما هي إمكاناته الذاتية لركوب هذا التوجه؟ وما هي الشروط المفروض توفيرها لنجاح هذا الإقلاع الصناعي العسكري، الذي طال انتظاره؟
على خطى باكستان.. المغرب يطور صناعته الحربية بعيدا عن الأضواء
في ظل غياب الرؤية بخصوص الآفاق المتعلقة بالزبائـــــــــــــــــن
تخلص دراسات عديدة إلى أن الطموح المغربي بتطوير صناعة حربية ثقيلة قابل للتحقيق، بل وحتمي لمواجهة تصاعد نفقات التسلح خلال السنين القليلة القادمة. وذلك على الرغم من وجود صعوبات كبرى سوف تواجهه. والنماذج المحتذى بها موجودة وناطقة بالعبرة من حولنا، وتؤكد إجماعا بأن من الممكن جدا تطوير صناعة حربية قوية اعتمادا على مساعدة مالية وفنية خارجية، متى توفرت الإرادة والتخطيط. وربما كان أكثر تلك النماذج إلهاما وأكثرها قربا إلى الحالة المغربية الراهنة، دولة أسيوية انطلقت قبل عقود من لاشيء تقريبا، وأصبحت اليوم، بفضل دعم مالي سعودي على مدى عقود سخي، تملك السلاح النووي وتصنع الغواصات، والصواريخ البالستية، والمقاتلات النفاثة، وغيرها من المعدات والأسلحة الثقيلة.. إنها باكستان.
المغرب قوة صناعية حربية ناشئة
جاء في دراسة أصدرتها الصيف الماضي مجموعة «فروست آند سوليفان» الأمريكية، أن المغرب بصدد التحول إلى بلد مصنع للأسلحة، في غضون العشر سنين القادمة. أو على الأقل، سوف يكون محتضنا للمصانع الأجنبية على أرضه، ابتداء من العام 2025. واعتبرت الدراسة الارتفاع المتواصل للمخصصات المالية للدفاع الوطني والتسلح إلى مستويات قياسية، أهم العوامل التي تفرض على المغرب سلوك هذا التوجه. وأكد»فروست آند سوليفان»، وهو مكتب دولي متخصص في أبحاث ودراسات الأسواق ويملك فروعا بـ40 دولة، في دراسته، أن رغبة المغرب في التحول إلى بلد مصنع للأسلحة خيار استراتيجي، لكنه ما يزال مجرد «طموح سياسي» ينتظر أن يبادر صناع القرار في البلاد إلى تحويله إلى مشروع قابل للتنفيذ. واعتبر أليكس لوبولونجي، المحلل العسكري المعتمد لدى المكتب ومنجز الدراسة، بأن المغرب، بات يسعى بجدية إلى تنمية قواعد صناعية عسكرية محلية من أجل خفض ارتفاع كلفة استيراد السلاح من الخارج. وفي هذا الصدد، كشف الجنرال خوان مانويل غارسيا مونتانيو المشرف على مديرية السلاح في وزارة الدفاع الإسبانية قبل أسابيع لإعلام بلاده، عن مباحثات جرت بينه وبين ممثلين عن إدارة الدفاع المغربية، طلبوا خلالها من مدريد المساعدة التقنية والتعاون من أجل نقل التكنولوجيا الخاصة بصناعة بعض أنواع المعدات والأسلحة الحربية. وكشف المسؤول العسكري الاسباني ذاته بأن هذه المباحثات جرت بمناسبة انعقاد المعرض العسكري في لندن، شهر سبتمبر الماضي، وتمثلت في دراسة إمكانية إبرام اتفاقيات ثنائية تمكن المغرب من إطلاق برامج مرتقبة للتصنيع العسكري. لكنه لم يقدم تفاصيل عن نوعية المساعدة ولا عن طبيعة التكنولوجيا التي طلبها المغرب، أو نوعية العتاد العسكري الذي يفكر في تصنيعه. وتعتبر هذه المرة الأولى التي يُعلن فيها عن مثل هذا المسعى المغربي رسميا. وفي تقدير أليكس لوبولونجي منجز دراسة «فروست آند سوليفان»، ليس المغرب البلد الصاعد الوحيد الذي يبذل جهودا لتصنيع حاجاته من الأسلحة بشكل ذاتي، إذ وضعته الدراسة ضمن خمسة بلدان في العالم، هي كولومبيا والكويت وماليزيا وسنغافورة، بات الارتفاع الكبير في حجم مخصصاتها المالية لاقتناء السلاح، يحتم عليها التفكير في إنشاء مصانع للسلاح في بلدانها. لكن تحقيق ذلك التطلع لن يكون بالأمر اليسير عليها. فرغبة المغرب تلك تبقى إلى حد الآن مجرد نوايا سياسية، وطموحا يتجاوز إمكاناته الاستثمارية، في ظل غياب بنيات تحتية خاصة بالصناعة العسكرية. ومن بين المعيقات الأخرى التي كشفت عنها الدراسة، شدة التنافس التي تعرفها سوق صنع السلاح في العالم، إلى درجة أن الدول القوية التي تحتكرها تغلق المنافذ أمام إمكانية التحاق الدول الصاعدة بها. وثمة عامل معيق آخر، ويتمثل في قصور الرؤية والآفاق المتعلقة بزبائن أية صناعة حربية يطورها المغرب، إذ لا يتجاوز حاليا طموحه تغطية الحاجيات المحلية إلى السلاح والمعدات الحربية. لكن عدا عن ذلك، أوصت دراسة مجموعة «فروست آند سوليفان» المغرب ( ومعه الدول الأخرى الأربعة)، إن هو أراد تحقيق طموحه بأن يستثمر في أحدث أنواع التكنولوجيا الأجنبية، حتى يسهل عليه التحول فيما بعد إلى بلد مصنع للسلاح. وذلك من خلال إنجاز برامح للتحديث الاقتصادي والتكنولوجي، وتقوية القاعدة الصناعية الوطنية بشكل عام. بيد أن الملاحظ أن المغرب لم ينتظر صدور هذه الدراسة لوضع استراتيجيته الخاصة بالتصنيع المدني، التي استقطبت عمالقة صناعة السيارات في العالم للاستثمار في المغرب، إلى جانب أكثر من 100 شركة صناعية في قطاع الطيران، بعضها لديه قطاع عسكري.
طائرات خفيفة ومدرعات
وبعيدا عن تقديرات مكتب الدراسات الأمريكي، تذهب تقديرات أخرى مخالفة إلى كون المغرب ينوي الانتقال إلى مرحلة التصنيع الحربي، بشكل أبكر وانطلاقا من العام 2017. فعند هذا الموعد سوف يكون قد أنهى دورة عقد كامل من التسلح التحديثي لقواته الثلاث، فيصبح متوفرا على مقاتلات متطورة وفرقاطات ومدمرات بحرية حديثة، وأسلحة برية عصرية. ما يرتقب معه أن يسمح له بتقليص حجم الإنفاق الحربي، وتخصيص ما يكفي من المال للاستثمار في إنشاء صناعة حربية، ولو محدودة للغاية في البداية، على نحو ما قامت به العديد من البلدان النامية. ويرى خبراء عسكريون بهذا الشأن أن المغرب لديه منذ الآن الكفاءة البشرية وكذا البنية التحتية الضرورية لإنشاء مصانع حربية، لإنتاج أسلحة ثقيلة وقطع غيار عسكرية. ويعزز ذلك توفر ميزانية غير محددوة للتجهيز العسكري [رغم قلة موارده]، وتوفر العنصر البشري المؤهل، وكذا علاقات جيدة تربط المغرب بكبريات الدول والشركات الصانعة للسلاح في العالم الغربي.
ولتحقيق طموحه الاستراتيجي ينحو المغرب منحى التدرج، حيث يبدو اهتمامه الحالي منصبا على السعي إلى تصنيع بعض الأسلحة الخفيفة التي لا تتطلب استثمارات كبيرة ولا تكنولوجيا من الطراز الأخير. فهو تنقصه الإمكانات المالية الكبيرة التي يتطلبها هذا الاستثمار في هذا النوع من التصنيع الثقيل. كما يفتقد إلى مؤسسات تعليم عالي مخصصة لتطوير برامج عسكرية. على أن ذلك لا يعني كون المغرب لا يجتهد حاليا في تطوير أبحاث عسكرية مهما تكن جنينية، حيث تشير بعض المصادر إلى كون المؤسسات العسكرية بكل من النواصر ومكناس، تقوم بجهود لإصلاح وتطوير الدبابات والمدرعات وقطع من المدفعية. كما تقوم القوات الجوية المغربية بمكناس بأعمال تطوير معملية لمقاتلات الميراج الفرنسية الصنع، وكذا لطائرات التدريب المتطورة من صنف «الفاجيت».
ورغم ذلك كله، فإن الطموح المغربي المعلن عنه أخيرا من طرف مصادر غربية يبدو مراهنا على الاختيار الصعب لكن الأجدى، والمتمثل في إنتاج أجزاء أسلحته وآلياته محليا، بدل الاكتفاء بتركيبها بعد استيرادها، كما تفعل الجزائر منذ سنوات. ونشير في هذا المجال إلى نموذج ما هو حاصل في الطيران المدني. فبمقتضى اتفاقية تجمع بين المكتب الوطني للمطارات وشركة «إل إتش أفياسيون المغرب» أنشئت وحدة صناعية بقطب الطيران بالنواصر، موجهة لإنتاج طائرات من نوع «إل آش- 10 إيليبس». ويتم تركيبها من أجزاء تصنع معظمها بالمغرب، بما فيها هيكل الطائرة. وينتظر أن تصل قدرتها الإنتاجية إلى 80 طائرة في السنة الواحدة في البداية، على أن ترتفع خلال المدى القصير إلى 200 طائرة كلّ عام. بينما يأمل المسؤولون المغاربة من خلال هذا المشروع، في نقل التجارب والتكنولوجيا المتطورة إلى المغرب. وعلى المنوال نفسه تبدو جهود التصنيع الحربي موجهة لإقامة قاعدة ثقيلة، تسمح في الأمد المنظور بتصنيع مدرعات لنقل الجنود وبعض أنواع القنابل والمتفجرات اعتمادا على التكنولوجيا الإسبانية. وكانت وكالة الأنباء الإسبانية الرسمية أشارت أخيرا، إلى أن المغرب ربط الاتصال بثلاثة من أقرب حلفائه الغربيين، وهم إسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة، طلبا للمساعدة على إطلاق مشاريع للتصنيع الحربي. من بينها تصنيع طائرات للنقل العسكري بمساعدة إسبانية، وبوارج عسكرية مع فرنسا، ومدرعات خفيفة لنقل المشاة بمساعدة أمريكية.
التمويل الخليجي وسؤال الأزمة
وأخيرا، تناقلت الخبر كثير من المواقع المتخصصة في قضايا الدفاع والاستخبارات، ومفاده أن السعودية سوف تمول مشروعا للتصنيع الحربي بمساعدة فنية غربية وأمريكية خصوصا. وما شكل قرينة لفائدة صدقية الخبر هو تزامن صدوره قبل نحو أسبوعين، مع زيارة مسؤولَين كبيرين في كل من وزارتي الدفاع الأمريكية والسعودية للرباط. وقد انصب اهتمام المراقبين على الخصوص بزيارة المسؤول السعودي، التي توجها بالتوقيع على اتفاقية للتعاون مع كبار مسؤولي القوات المسلحة الملكية. وصدر في شأنها بلاغ رسمي يشير إلى أنه « تغطي الاتفاقية الموقعة بين البلدين مجالات التكوين، وصناعة الدفاع، والدعم اللوجستيكي، ونقل الخبرة العسكرية، والخدمات الطبية العسكرية، وتبادل الزيارات.» لم يكن الخبر مفاجئا على اعتبار أن السعودية سبق لها أن مولت صفقات سلاح مغربية باهظة، في إطار التعاون الاستراتيجي القائم منذ عقود طويلة بين البلدين. كما سبق لها أن مولت بمليارات الدولارات البرنامج النووي الباكستاني، وبرامج التسليح الأخرى. وعندما بدا للرياض أن إيران فازت ببرنامجها النووي بعد المفاوضات الطويلة، لجأت إلى الحليف الباكستاني من أجل شراء قنابل نووية من ترسانته قبل أشهر. بيد أن السؤال الذي يطرحه الموقف الراهن هو: هل تستطيع السعودية تحمل تكلفة برنامج مكلف، في وقت تعرف فيه ميزانيتها أكبر عجز في تاريخها ويقارب 100 مليار دولار؟ وضمن نطاق التعاون العسكري المغربي الخليجي دائما، كانت الصحافة العربية قد تناقلت أواسط شهر مارس الماضي، نبأ إصدار الملك محمد السادس قرارا ملكيا، يأمر بموجبه بتنفيذ بنود اتفاقية التعاون العسكري بين حكومتي المغرب والإمارات العربية المتحدة، والتي نص محتواها على تشكيل الطرفين للجنة مشتركة للتعاون العسكري، تستمر لمدة خمس سنوات وتكون قابلة للتمديد لفترات متعاقبة. وكانت تلك الاتفاقية حظيت قبل ذلك بموافقة البرلمان المغربي دون أن تدخل حيز التنفيذ. لكن أحدا لم ينتبه إلى كونها نصت على أن من بين ما نصت عليه، على إقامة» التعاون بين البلدين على مستوى السياسة الأمنية والدفاعية، وإقامة دراسات وبحوث مشتركة في الصناعات العسكرية والمجالات الفنية». وبعد إصدار الملك لقرار تنفيذها فقط نشرت في الجريدة الرسمية المغربية، وتلا ذلك توقيع رئيس الوزراء المغربي عبد الإله بنكيران عليها. وبالتدقيق أكثر في بنودها نكتشف بأنها تضمنت ما يلي: «يسعى البلدان من خلال هذه الاتفاقية، إلى نقل التكنولوجيا والمعرفة في مجالات التصنيع العسكري والفني، من خلال تنمية الصناعة العسكرية، وإجراء تمارين عسكرية مشتركة».
وتحمل التفاصيل التي ذكرنا حول أهمية الاتفاقية إلى حد تدخل الملك شخصيا للأمر بتنفيذها، وكذا تنصيص بنودها على دعم جهود التصنيع العسكري، على الاعتقاد في أن الإمارات لن تكون بعيدة عن خطوات تفعيل استراتيجية التصنيع الحربي الراهنة.
الإكراهات الثلاثة التي تحتم على المغرب أن ينتج سلاحه
ليس ارتفاع حجم الإنفاق على التسلح هو العامل الوحيد الذي يحمل المغرب على تبني تطوير صناعة حربية وطنية كخيار استراتيجي، بل هناك عاملان آخران هامان. ويتمثلان من جهة، في السعي إلى خلق نوع من التوازن مع الجزائر التي تقوم بـ»تصنيع» أسلحة رشاشة ومدرعات منذ سنوات. ومن جهة أخرى، احترازا من أن يقود أي تطور محتمل مستقبلا لملف الصحراء المغربية نحو الأسوأ مع الجزائر، إلى فرض حظر أممي على التسليح على أطراف النزاع، منعا لنشوب نزاع مسلح.
ارتفاع فاتورة التسلح
عاما بعد عام ترتفع فاتورة التسلح للمغرب بمعدل 3،6 %، حتى أصبح زبونا جيدا لدى مصانع السلاح والآليات الحربية الأوربية والأمريكية، وفق ما أفاد به معهد (فروست أند سوليفان) الأمريكي. ويرتقب أن يتواصل حجم الإنفاق العسكري المغربي على الوتيرة المرتفعة ذاتها خلال الفترة بين 2015 إلى 2025، في وقت تتقلص ميزانيات دفاع الدول الأوربية وأمريكا، حيث ينفق المغرب ما معدله 4 مليارات دولار سنويا على قطاع الدفاع. وتذهب تقديرات موقع أمريكي متخصص في شؤون الدفاع أبعد من ذلك، حيث يشير تقرير صادر عن موقعStrategic Defense Intelligence إلى أن المغرب سوف يخصص أزيد من 22 مليار دولار لميزانية الدفاع، خلال الفترة المتراوحة بين 2015 و2019 وحدها. بمعدل زيادة سنوية تقدر بـ%8,82. ويضيف الموقع بأن الزيادة في ارتفاع مستمر، حيث لم تكن تزيد عن %4,59 خلال الفترة بين 2010 إلى 2014. وتضع هذه الأرقام الضخمة (بالنظر إلى محدودية موارد البلاد) المغرب ضمن أكثر ثلاثة بلدان إفريقية إنفاقا عسكريا، إلى جانب مصر والجزائر. وفضلا عن صيانة وإصلاح وتجهيز معداته وأسلحته الحربية البرية والجوية والبحرية، ينفق المغرب تلك الأموال الطائلة على اقتناء مدمرات بحرية، وغواصات، ورادارات للمراقبة، ودبابات، ومدرعات لنقل القوات، وغيرها.
ويعتبر المغرب زبونا مفصلا لمصدري السلاح الفرنسيين والألمان على وجه الخصوص. ورغم أن تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الأخير يشير إلى تخصيص المغرب لما يناهز 2,6 مليار دولار لجهود مواجهة تنامي مخاطر جرائم الإنترنت والمتاجرة في المخدرات والبشر، إلا أن سباق التسلح بينه وبين الجزائر هو ما يرفع في الواقع حجم الإنفاق العسكري لدى البلدين. فبحسب المصدر ذاته فإن المغرب صنف ثانيا برسم العام 2014 خلف الجزائر، على قائمة أكثر بلدان إفريقيا إنفاقا على التسلح.
تحسب لفرض حظر على السلاح..
وتقوم خلفية هذا التسلح المفرط والمتزايد للبلدين الجارين، على سعي محموم إلى تحقيق نوع من توازن الرعب بينهما. وعكس ما هو شائع، فإن النزاع بين البلدين ليس سببه «مشكل الصحراء»، بل هو أعمق من ذلك وأخطر. فالجزائر بخلقها لنزاع حول الصحراء الغربية للمغرب ومحاولتها إدامة أمده لأقصى ما يمكن، إنما تسعى في الواقع إلى إلهاء المغرب عن المطالبة بصحرائه الشرقية التي تحتلها، كتركة من مخلفات الاستعمار. وقد قامت حولها حرب 1963، التي توقفت دون أن تحسم في مآل هذا النزاع المزمن. وبالنظر إلى حالة القطيعة المستفحلة وتجدر العداء بين قطاعات عريضة من حكام وشعبي البلدين منذ عقود، فإن الوضع قد يسوء ويتطور إلى مواجهة عسكرية في أي وقت، بتأثير أو تحريض من الأطراف المتصارعة على الحكم في الجزائر. ورغم أن هذا الاحتمال مستبعد إلا أنه محتمل الوقوع، خصوصا بالنظر إلى استدامة حالة الصراع على السلطة بين أجنحة النظام الجزائري. ومتى ما ظهرت مؤشرات على قرب حدوث ذلك، قد تبادر دولة من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي (روسيا أو الصين) إلى طلب حظر أممي على تصدير السلاح المتطور إلى المغرب والجزائر. قد يبدو هذا الاحتمال هو الآخر مستبعدا جدا، بالنظر إلى السياق الدولي الراهن المتسم بضرورة تسلح البلدان المغاربية وفق حاجتها لدعم محاربة الإرهاب، إلا أنه ليس مستحيل الوقوع. بل لعل شيئا قريبا منه كاد يحدث قبل شهرين. فقد نقلت مصادر إعلامية غربية في أكتوبر الماضي، أن تقريرا صينيا رسميا حذر من انفجار محتمل للوضع، وقيام حرب بسبب قضية الصحراء الغربية للمغرب، وأوصى بفرض حظر على حصول أطراف النزاع (ضمنها المغرب) على السلاح المتطور. ويبدو أن هذا التقرير العسكري الصيني، الذي أصدره الجنرال (فان شانغلونغ) نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية الصينية في 13 صفحة، خلص بحسب المصادر التي اطلعت على مضمونه إلى توصيته الغريبة تلك، في أعقاب دراسة قام بها حول سبل حماية الاستثمارات الصينية في إفريقيا، وحماية مصادر المواد الأولية التي تستغلها في بلدان القارة السمراء. وذلك بعدما لاحظ تناميا لمخاطر اندلاع حرب بين كل من المغرب من جهة، والجزائر مدعومة من مقاتلي البوليساريو، من جهة أخرى. وأشار التقرير ضمن حيثياته إلى أنه بالنظر إلى كون التفاعلات الحاصلة بين دوائر النظام الجزائري حاليا (حول خلافة الرئيس المريض)، لا تبعث على الأمل في إحلال السلام في الصحراء المغربية، وينبغي بالتالي توقع تصاعد مظاهر العداء بالمنطقة. وبحسب المصدر نفسه، فإن الصين دشنت تعاونا متقدما مع واشنطن في اتجاه حظر تصدير السلاح المتطور للمغرب والجزائر، بينما لم تتجاوب معها فرنسا التي تنوي بيع المغرب معدات متطورة جدا للرصد الفضائي العسكري. ويقدم هذا الموقف الصيني نموذجا لما قد ينقلب إليه الوضع بسرعة. وتحسبا لذلك ربما، تستثمر الجزائر منذ سنوات مليارات الدولارات من ريع النفط في جهود إقامة «صناعات» حربية، وهي لا تعدو أن تكون صناعة تركيبية.
خلق توازن مع الجزائر
إن سباق التسلح الجنوني يجر المنطقة المغاربية إلى دوامة لا تنتهي. فقد رصدت الحكومة الجزائرية 13 مليار دولار لميزانية الدفاع المخصصة لسنة 2015، وهو ما يعادل 11.6 % من إجمالي الميزانية البالغ 112.12 مليار دولار. وجاء في التقارير أنها المرة الأولى منذ الاستقلال التي تبلغ ميزانية الدفاع هذا المستوى. وذلك تزامنا مع تحديات جديدة على الحدود وعمليات تحديث لقدرات الجيش الجزائري، وتحويله إلى جيش احترافي. وبحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فقد احتلت الجزائر المرتبة السادسة عالميا في شراء الأسلحة، خلال العامين الأخيرين، من خلال اقتنائها نسبة 3 في المائة من مبيعات السلاح في العالم. وأرجع التقرير هذا الإنفاق الكبير إلى تزايد عائدات النفط [خلال الفترة المذكورة]، ما جعل الجزائر تحتل المرتبة الأولى على الصعيد الإفريقي، مشيرا إلى أن روسيا هي مصدر السلاح الأول للجزائر. وسمح رفع الحظر الدولي على الأسلحة والمعدات العسكرية، الذي كان مفروضاً على الجزائر خلال الأزمة الأمنية (ما بين عامي 1992 و1999)، بعقد سلسلة من صفقات التسلح بمليارات الدولارات مع روسيا، شملت اقتناء منظومات صاروخية متطورة جدا، ودبابات ومقاتلات نفاثة، وطائرات تدريب. كما شملت تجهيز الجيش الجزائري بمنظومة من التقنيات البحرية العسكرية، وزوارق مسلحة، وبوارج حربية، وغواصات، إضافة إلى عقد صفقة لإمداد الجيش الجزائري بـ 23 ألف عربة عسكرية مختلفة مع مؤسسة حكومية روسية. وضمن آخر هذه الصفقات، واحدة عقدتها المؤسسة العسكرية مع شركة «راينميتال» الألمانية للأسلحة، وتتضمن إنتاج 980 مدرعة من طراز «فوكس 2» لنقل الجنود، وتقدر قيمة الصفقة بـنحوـ 2.7 مليار يورو. ونجحت الجزائر في أن تفرض على الطرف الألماني أن ينتجها في بلادها بدل ألمانيا. وتضمن العقد تسليم شركة «رينميتال» إلى الجزائر إقامة الطرف الألماني لخط إنتاج لتجميع مدرعة «فوكس». وتندرج هذه الصفقة ضمن اتفاقات عسكرية مختلفة، سبق أن وقعتها مع ألمانيا ومع بلدان عربية. وتتوجه إلى إقامة صناعة حربية؛ خصوصا بعد نجاح الجزائر في إنجاز مصنع لإنتاج العربات المدرعة، بالشراكة مع شركتي «مرسيدس» و»توازن» الإماراتية. ومن جانب آخر، تقوم الجزائر حاليا بتصنيع المسدس الرشاش الخفيف «كركال»، بتعاون مع شريك إماراتي. ويعد هذا النوع من الأسلحة الآلية متطورا جدا، إذ يحتل الرقم واحد عالميا، ولذلك اعتبر تصنيعه في الجزائر نجاحا كبيرا. كما دخلت الجزائر في مفاوضات من أجل إقامة مشروع مركب لإنتاج الطائرات المروحية، بتأطير من الشريك البرازيلي لمؤسسة «أوروكوبتر» التابعة لمجموعة «إيرباص». وفضلا عن هذه المشاريع الصناعية العسكرية الحديثة، تتوفر الجزائر على شركة عسكرية بمدينة «سريانة» متخصصة في صناعة الذخيرة الحربية، وأخرى في «خنشلة» تختص في صناعة أسلحة رشاشة الكلاشينكوف.
مكاوي: المغرب انخرط عمليا في الصناعات العســــــــكرية وكان يحقق اكتفاءه الذاتي منها تاريخيا
في هذا الحوار، يكشف الخبير في الشؤون العسكرية الدكتور عبد الرحمان مكاوي، عن وجود صناعة حربية وطنية تسير بثبات نحو التطور، بمساعدة غربية وتمويل خليجي، كما يشرح هذا الخبير دواعي السعي الدؤوب للمغرب لامتلاك صناعة عسكرية متقدمة، وتحقيق اكتفاء ذاتي في مجال التسلح في ظل الوضعية الدولية والإقليمية المتوترة.
– يلاحظ أن الانفاق العسكري للمغرب شهد تصاعدا قويا خلال العشر سنين الأخيرة. في أي إطار يندرج هذا التسلح المطرد؟
هناك عوامل عديدة تفسر هذا التصاعد في ميزانية ونفقات الدفاع، وهي عوامل موضوعية لها علاقة مباشرة بالمخاطر المتنوعة التي يواجهها المغرب، التي تتغير من حين لآخر بكيفية متسارعة، مما يجعل المغرب يطور نفقات الدفاع، والسعي لاقتناء أسلحة نوعية تكون في مستوى هذه المخاطر والتحديات التي يواجهها المغرب، ومن جملتها تواجد المملكة في منطقة ملتهبة، تعرف حروبا أهلية وانهيارا لبعض الدول. فالمنطقة الجيواستراتيجية، ومنطقة الأمن القومي للمغرب ممتدة –تقريبا- من نواكشوط إلى المنامة، تبقى منطقة ملتهبة ومشتعلة، تعرف الكثير من النزاعات والحروب المتعددة الأوجه. يعرف المغرب، تحديات إرهابية، حيث أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» يهدده من حين لآخر. بدليل العديد من الخلايا النائمة التي تم تفكيكها، وهو عدد كبير، ناهز 140 خلية واعتقال أكثر من 2200 مشتبه به. بينت على أن المغرب في حالة حرب معلنة ضد تنظيم الدولة و»أخواتها»، مثل القاعدة التي لازالت تهدد المغرب بطرقها وأساليبها المختلفة. والعامل الثاني لهذا التوجه التسلحي للمغرب، يتجلى في عضويته داخل التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي يضم أكثر من 60 دولة. فيما العامل الثالث، يتجلى في دخوله الفعلي، في حالة حرب ضد ميليشيات الحوثي «أنصار الله» وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، الذين أرادوا تغيير التوازن الجيو استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط لصالح إيران. أما العامل الرابع، فيتمثل في مواجهة المغرب لتحدي الانفصال لتنظيم البوليساريو، مدعوما بالجزائر التي تسعى للهيمنة على المنطقة، وتعتبر شمال أفريقا بمثابة مجال خاص لأمنها القومي.
– راجت أخيرا أنباء عن استعداد المغرب، لتلبية بعض حاجياته العسكرية من خلال تصنيعها، بمساعدة غربية وتمويل خليجي. ما هي معلوماتكم بهذا الصدد؟
فعلا، انخرط المغرب في سياسة للتصنيع العسكري، وبعث بوفود لعدة دول أوربية، منها إيطاليا وفرنسا وهولندا وبريطانيا وكوريا الجنوبية والصين، بقصد شراء براءات اختراع، لبعض الأسلحة. وخاصة الأسلحة الخفيفة مثل البنادق الأوتوماتيكية والمدافع، والصورايخ المتوسطة والبعيدة المدى. مما سيمكن المغرب من تحقيق الاكتفاء الذاتي، من الذخيرة وكذا من بعض الأسلحة الخفيفة، ويقتصد الكثير من الأموال، موفرا كذلك العديد من فرص العمل. فكثير من الشركات العالمية استقرت بالمغرب. المغرب يتوفر على كفاءات علمية وتقنية، يمكن أن تجعله من الدول المصنعة، خاصة وأن التمويل الخليجي بات متوفرا، واستثماره في ميدان تصنيع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، سيزيد من القيمة المضافة لاستثماراته. وبالنسبة للمغرب فقد حالت –في الماضي-، بعض الضغوطات الدولية والمشاكل التمويلية دون بناء صناعة وطنية عسكرية. ولكن الآن، مع انفتاح الرأسمال الخليجي على هذا القطاع الإنتاجي، قد تختلف الأمور..، سيما وأن الجزائر قد سطرت برنامجا صناعيا يمتد إلى سنة 2019، بغية تحقيق الاكتفاء الذاتي من الذخيرة وبعض القذائف الحربية، وتصنيع بعض الأسلحة الخفيفة. إضافة إلى تصنيعهم لبعض المركبات المدرعة بتمويل إماراتي وخبرة ألمانية.
– ما الحاجة التي باتت تفرض على المغرب اليوم التوجه نحو امتلاك صناعة حربية وطنية؟
إلى جانب العوامل الجيواستراتيجية السالفة الذكر، نذكر أن صناعة الأسلحة لها فوائد كثيرة على المستوى المتوسط والبعيد، كما يمكن للمغرب مستقبلا، -إعادة تدوير- هذه الصناعة وتصديرها للعديد من الدول. ونورد في هذا الباب النماذج الباكستانية والبرازيلية والأرجنتينية، إلى جانب ماليزيا وجنوب أفريقيا، التي يعد فيها تصنيع الأسلحة أحد القطاعات الاقتصادية الهامة. نفسر كذلك، سعي المغرب للحصول على بعض براءات اختراع الأسلحة، كون سوق الأسلحة يعد من الأسواق المدرة للربح، ومنتجة لفرص العمل. حيث نعلم أن هذا السوق يشغل أكثر من 40 في المائة من اليد العاملة، داخل الدول الأوربية المنتجة للسلاح والولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا والصين. وحسب تسريب لبعض مراكز الاستخبارات، فإن شركة «بومبارديي» الكندية تنوي صناعة طائرات مروحية وطوافات بالمغرب، إلى جانب شركة الطيران الإنجليزية «تورنادو» . فكل ذلك ينبئ بوجود العديد من المشاريع والبراءات، التي يمكن للمغرب أن يستغلها، بالرغم من ثمنها المرتفع، الذي يتفاوض حوله المغرب مع العديد من الشركات. وقد تمكنه هذه المشاريع من تحقيق نتائج إيجابية على المدى المتوسط.
– هل يمتلك المغرب البنية الأساسية والمؤهلات التقنية، اللازمة لإنشاء وتطوير صناعة حربية ؟
أذكر بأن المغرب كان لعهد قريب في بدايات القرن العشرين ونهاية القرن التاسع عشر، دولة تصنع أسلحتها بنفسها، فأسلحة المغرب ساهمت في تحرير أمريكا اللاتينية في عهد سيمون بوليفار..، ويبقى التصنيع الحربي بالمغرب قديما بكل من مدن فاس ومكناس ومراكش، كما كان مكتفيا ذاتيا، في صناعة القوارب الحربية لحماية تخومه البحرية … أما اليوم فقد تم تشييد العديد من المشاريع بكل من الشمال والقنيطرة، ذات تكنولوجية متقدمة من قبيل مصنع محركات الطائرات بمنطقة النواصر، ويمكن القول إن المغرب يتوفر على البنية الأساسية للإنتاج، إلى جانب الكفاءات العلمية والتقنية اللازمة، التي حظيت بثقة الكثير من الشركات المصنعة للأسلحة. فقد كانت تنقصه فقط -في الماضي- التمويلات اللازمة لإقامة هكذا مشاريع. إلى جانب تخوفات داخلية، وبعض الضغوطات الخارجية، التي تجاوزها المغرب اليوم. وأشير كذلك إلى وجود عقول وطنية تعمل جاهدة لإقامة صناعة وطنية عسكرية في الاتجاه الصحيح، بتشجيع من لدن العديد من الشركات العسكرية العالمية.كان يعزى سابقا شح المعلومات في هذا المجال، إلى إحجام الجيش الملكي عن الإعلان عن مثل هذه الصفقات التي تصنف في خانة أسرار الدولة، لكن حسب بعض مراكز الدراسات العسكرية التي تعنى بمنطقة المغرب العربي، يظهر أن المغرب منخرط في هذا القطاع الإنتاجي، إلى جانب انخراطه في صناعة بعض محركات البوارج الحربية، ومحركات بعض الطائرات النفاثة كالطائرات الفرنسية.
محمد بن حمو*: يوجد بالمغرب بنية صناعية ملائمة لإنتاج الأسلحة
يؤكد الخبير الاستراتيجي محمد حمو، بأن تسلح المغرب في العقد الأخير يظل منطقيا. ووفق حاجياته، وما تفرضه عليه الأوضاع الإقليمية والدولية. من تأهيل لقواته الدفاعية، سواء للحفاظ على وحدته الترابية، أو سلامة أمن مجموع التراب الوطني، ودخول المغرب لنادي الدول المصنعة للسلاح ليس بالأمر الاستثنائي، فالعديد من دول الجنوب، منذ عقود وهي تحاول تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي في مجال التسلح. وهذا مرده إلى كون تلك الدول تسعى جاهدة للتقليص من فاتورة الواردات العسكرية، وكذا تبعيتها للدول المنتجة والمصدرة للأسلحة. يعزى كذلك، سعي تلك الدول لامتلاك صناعة حربية وطنية، إلى رغبتها في تجاوز ضغوطات بعض اللوبيات، بمناسبة عقد صفقات التسلح، أو توفير قطع الغيار اللازمة لصيانتها. والتي قد تكون بحاجة لها في أوقات يمكن وصفها بالحاسمة.
كما أشار المتدخل ذاته، إلى توفر المغرب على بنية صناعية ملائمة لقطاع إنتاج الأسلحة وبعض المعدات التي تدخل في تكوينها. بشكل مشروع عبر شراء براءات الاختراع الخاصة بها، وتصنيع الأسلحة بترخيص من شركاتها الأم، أو الاعتماد على المقدرات البشرية والتقنية الذاتية لإنتاج بعض الأسلحة، كون التصنيع العسكري يتطلب تكنولوجيا متطورة. وقال بأن المغرب يمتلك القدرات اللازمة للانخراط بشكل جدي في قطاع الإنتاج الحربي، رغم أن القليل من الدول استطاعت توفير اكتفائها الذاتي، سيما من بعض أنواع القذائف الحربية، والدبابات التي يتطلب تصنيعها تقنيات علمية عالية، لم تصل إليها إلا دول نامية قليلة مثل الهند والبرازيل.
في انتظار التصنيع.. المغرب يقبل بنهم على آخر صيحات الصناعات الحربية
مدرعات ودبابات وصواريخ وسفن وتداريب وملايير الدراهم ينفقها المغرب في سعيه للتسلح
في ظل عدم توجه المغرب حاليا، لتصنيع سلاحه، نتيجة مجموعة من العوامل والإكراهات، التي تحول دون ذلك، عمل المغرب، في السنوات الخمس الأخيرة، على تعويض غياب التصنيع، بصفقات التسلح، وذلك من خلال تنويع عرضه من السلاح، في إطار تحديث منظومة تسلحه ودفاعه، وذلك من خلال عقده لمجموعة من صفقات التسلح، وإبرامها مع مختلف الفاعلين في هذا المجال، خصوصا مموني العالم بالصناعات الحربية بمختلف تلاوينها وتشكيلاتها، وأظهرت مجموعة من التقارير الإخبارية الصادرة عن أقوى شركات الصناعات الحربية، أن المغرب زبون جيد لها. وفي انتظار انتقال المغرب من مرحلة التسلح إلى مرحلة التصنيع، تشير مجموعة من التوقعات من خلال مجموعة من المؤشرات العسكرية، أن المغرب، يهدف عبر مختلف صفقات التسلح التي أبرمها، إلى الانتقال إلى دولة حديثة الترسانة العسكرية بمختلف تلاوينها، وسيمكنه ذلك، بالتالي، الانتقال من مرحلة التجهيز إلى مرحلة التصنيع، حيث إنه بحلول سنة 2017، يتوقع أن يكون المغرب، قد أنهى دورة عقد كامل من تحديث تسليح قواته الثلاث، البرية والبحرية والجوية، وذلك عبر صفقات التسلح التي زودته وستزوده بالقرفاطات والطائرات والدبابات والمدرعات ومنظومات الصواريخ وسفن وغيرها.
سفن وطائرات حربية
أولى البوادر الأولى لانتقال المغرب إلى دولة ماضية على قدم وساق، في مخططها السياسي والعسكري الذي يراهن على تحديث ترسانتها العسكرية ومنظومتها الدفاعية، أول هذه الإرهاصات تتمثل إجمالا، في تلك الصفقات التي شملت تزويد المغرب بمختلف آخر صيحات الصناعات الحربية من صواريخ ودبابات وطائرات وقرفاطات…تمكن جميعها من توفير المراقبة والحماية اللازمة والضرورية لسماء المملكة وبرها وسواحلها الإقليمية. أولى هذه البوادر تنبلج من خلال اقتناء المغرب لسفن بغاية حماية مياهه الإقليمية من كل تلك الأخطار التي تتهدد استقرار المملكة وأمنها، بما فيها موجات الهجرة والإرهاب، وكل ما من شأنه أن يمس أمن المغاربة واستقرارهم. فقد أظهر تقرير حديث لعملاق الصناعات الهولندية، أن المغرب قد تقدم بطلب لدى شركة «دامن»، من أجل اقتناء خمس سفن تستخدم لمراقبة الحدود والسواحل البحرية، لحمايتها من موجات الهجرة والإرهاب، اللذين يهددان أمن المغرب واستقراره السياسي والاجتماعي. وأوضح تقرير الشركة المتخصصة في تصنيع السفن المدنية والعسكرية، أن الأنشطة غير القانونية التي تنشط بالسواحل الإقليمية للمملكة، قد دفعت المغرب ليتقدم بطلب إبرام صفقة، اقتناء خمس سفن من نوع INTERCEPTOR 1503، التي تستخدم في مراقبة المياه الإقليمية للدول. من أجل ملاحقة وتعقب الإرهابيين الذين قد يعبرون من وإلى المغرب. وأوضحت الشركة، أن هذه السفن ستمكن البحرية الملكية من مراقبة مياهها الإقليمية، كما ستمكنها من مكافحة الإرهاب والتهريب والهجرة غير الشرعية، خصوصا وأنها تتميز بخاصية السرعة التي تصل إلى 60 كيلومترا في الساعة، كما أنها تتميز بتوفرها على ثلاثة محركات، بالإضافة إلى خصائص أخرى، ستمكن البحرية الملكية من تفعيل جهودها في مراقبة مياهها الإقليمية. وبالموازاة مع ذلك، اقتنى المغرب ثلاث مروحيات أمريكية من نوع بوينغ سي اتش 46 تشينوك، تخصص للنقل العسكري، بقيمة مالية قدرت في حدود 134 مليون دولار أمريكي.
صواريخ ودبابات أمريكية في خضم سعيه الحثيث لتطوير منظومته العسكرية، تقدم المغرب بطلب للإدارة الأمريكية بهدف عقد صفقة لحماية سمائه، حيث أعلنت وكالة التعاون العسكري والأمني التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية أن المغرب قد تقدم بطلب عقد صفقة تسلح ستمكنه من اقتناء 600 صاروخ من نوع TOW 2A، التي تتسم بخاصية الإطلاق الأرضية. كما تشمل الصفقة، التي دفع المغرب لقاءها 157 مليون دولار، تشمل التدريب والدعم اللوجستيكي، وقطع الغيار. وغير بعيد عن صفقات الصورايخ، تقدم المغرب بطلبات عروض إبرام صفقات تسلح همت الدبابات، حيث أظهر تقرير صادر عن شركة جينرال داينميكس لاند سيستمز، أن المغرب عقد صفقة الحصول على 200 دبابة أبرامز الأمريكية والمعروفة بقدرتها الحربية العالية. ونقلا عن عملاق الصناعات الحربية، فإن الصفقة تقوم على تجديد وتجهيز 150 دبابة أبرامز بأحدث التقنيات الحربية المتطورة، بقيمة مالية تبلغ 358 مليون دولار أمريكي، سيبدأ تسليمها ابتداء من يناير من عام 2017، على أن تنتهي عملية التسليم في آخر يوم من فبراير من عام 2018. وتأتي صفقة تجديد وتحديث 150 دبابة أبرامز أمريكية وتسليمها للمغرب، في إطار الشطر الثاني من الاتفاق الذي أبرم بين المغرب والولايات الأمريكية، بهدف تزويد المغرب بـ200 عربة قتال من نوع أبرامز M1A1. فيما تم إبرام صفقة الشطر الأول من هذا الاتفاق، والذي سيتسلم بموجبه المغرب 50 دبابة أبرامز، في نهاية نونبر من عام 2016، بعد تجديدها وتجهيزها بأحدث التقنيات الحربية. وبذلك يكون المغرب قد استكمل الصفقة التي أبرمها مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل الحصول على 200 دبابة أبرامز جد متطورة ومجهزة بأحدث التقنيات الحربية.
مدرعات حرب روسية
وإلى جانب الدبابات والصواريخ والسفن، أبرم المغرب صفقة تسلح روسية، فقد كشفت شركة روسية متخصصة في الصناعة الحربية أن المغرب تقدم بطلب لاقتناء 60 مدرعة من المدرعات الروسية المتطورة «بي ام بي 3» من الجيل الرابع للمدرعة. وتعد هذه المدرعة مركبة قتالية روسية تم تطويرها في بداية الثمانينيات، حتى عام 1987، حيث ظهرت في صفوف القوات المدرعة السوفياتية، مزودة بمدفع من عيار 100ملم، طور ليعمل مع أنظمة توجيه إلكترونية معتمدة على مقياس مسافات ليزري وأجهزة تصوير حراري بصور تلفازية ونظام فريد للتشويش الصوري. كما أنها تتوفر على ألواح التدريع وإضافة دروع تفاعلية لتوفر أعلى درجات الأمان لطاقم المدرعة، وتحمل العربة المدرعة 3 أفراد، بالإضافة إلى 7 أفراد للمشاة، أما أسلحتها فهي مدفع عيار 100 مم، ومدفع آلي عيار 30 مم ورشاش عيار 7.62 مم وصواريخ موجهة مضادة للدبابات، فيما تصل قوة المحرك إلى 500 حصان.
تداريب عسكرية
وبالموازاة مع تعزيز ترسانته الحربية والعسكرية، لم يستثن المغرب، الاهتمام بجانب تثمين وتعزيز خبرات جنوده وفاعليه العسكريين، وإعدادهم ليتمكنوا من استخدام هذه التقنيات الحربية الحديثة، ليوازي بذلك المغرب بين تحديث موارده اللوجستيكية، وتطوير وتعزيز خبرات موارده البشرية، لتتناسب وما اقتناه المغرب من الصناعات الحربية المعاصرة، لينتقل بذلك إلى مصاف الدول ذات المنظومة الدفاعية المتطورة بشريا ولوجستيكيا. وفي هذا الصدد، قام المغرب باستقدام مجموعة من الخبراء، في إطار صفقة تسلح تشمل تقديم الدعم وتبادل الخبرات وتعزيزها، لتشمل تدريب الجنود المغاربة، وفي هذا الإطار، أرسلت بريطانيا، خبراء متفجرات وضباط استخبارات وفرق حماية إلى المغرب، من أجل تقديم الدعم لنظرائهم المغاربة، على مستوى تفكيك المتفجرات والتصدي لها، إضافة إلى تدريب الأمنيين المغاربة على التعامل مع مختلف التهديدات الأمنية ذات الطابع الإرهابي وغيرها. كما قام المغرب، بإرسال جنوده وأمنييه إلى بعض البلدان الغربية، من أجل حصولهم على تداريب حصرية في مجال الصناعات الحربية المتطورة التي اقتناها المغرب، كما شاركت قوات مغربية في عملية غيت تو افريكا، التي قادتها إسبانيا بتعاون مع المملكة، والتي كانت عبارة عن تمرين مشترك حول النقل الآمن للمواد النووية والمشعة من ميناء الجزيرة الخضراء إلى ميناء طنجة المتوسط. كما شارك المغرب لسنوات عدة، في مناورات عسكرية تشرف عليها الولايات المتحدة الأمريكية في القارة الإفريقية والتي تعرف باسم «الأسد الإفريقي’، وذلك بمشاركة قوات عسكرية من المغرب وألمانيا وبريطانيا وتونس وموريتانيا والسينغال. وتهدف المناورات العسكرية التي تشرف عليها أمريكا، إلى تقديم ورشات تهم تقوية قدرات التعلم على التقنيات العسكرية، إلى جانب ورشات التدريب على مواجهة الأزمات، وإقامة تداريب عسكرية في الميدان في مجالات التعاون التقني وتعزيز القدرات الاستخباراتية للجيش، والقيام بعمليات لحفظ السلام والدعم الإنساني للمدنيين، مع اختبار قدرة التدخل المشترك بين بلدان عديدة في حالات الأزمات الدولية. ويبقى في المحصلة، أن ما اقتناه المغرب لحد الآن من آخر صيحات الصناعات الحربية يعد بمثابة الإرهاصات الأولى لسعي المغرب الحثيث لتطوير ترسانته اللوجستيكية والبشرية، في انتظار انتقاله من التحديث إلى التصنيع، بعد أن تتوافر الظروف والشروط المناسبة لذلك، وتنتفي كل الإكراهات التي تحول دون توجه المغرب نحو تصنيع سلاحه، عوض اقتنائه من عملاقة الصناعات الحربية الغربية.