تسجّل روسيا التي تسعى إلى توسيع نفوذها في القارة الإفريقية على حساب بقية القوى العظمى المتنافسة عودة قوية. فروسيا التي كانت ترتكز، في عهد الاتحاد السوفياتي، على الماركسية اللينينية التي كانت متناغمة مع معسكر الاشتراكية في القارة السمراء، تخلّفت" أواخر القرن الماضي عن سباق بسط النفوذ في هذا الجزء من العالم، بحسب مدير "المعهد الإفريقي للجيوسياسية" بنانسي (فرنسا)، ماواييلا تشييمبي.
أوضح تشييمبي أنّ روسيا تبدو وكأنّها ترمي إلى فرض نفسها كمزوّد بالأسلحة في المقام الأوّل، وفاعل رئيسي على الصعيد الاقتصادي، سواء كان ذلك في القارة الإفريقية أو في الساحة الدولية عموما.
لكن، وفي واقع الأمر، فإنّ السياسة الروسية في أفريقيا لا تخلو من انتقادات، حيث أعرب العديد من المراقبين عن تحفّظهم إزاء هذا الجانب، معتبرين أن موسكو تصطف دوما إلى جانب الحكّام الحلفاء، وتهمل مصالح وقضايا حقوق الانسان"، ويضرب تشيميي مثالا على ذلك بتأييدها لتعديل الدستور الكونغولي، بما يسمح لحليفها الوثيق، الرئيس، دينيس ساسو نغيسو، بالبقاء في الحكم لولاية جديدة تحظرها القوانين العليا للبلاد.
"يوجد دعم شعبي واسع النطاق لسياسة ساسو نغيسو".. هكذا صرّح وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني ابالكرملين، غداة تعديل الدستور ولدى استقباله نظيره الكونغولي، جون كلود غاكوسو. زيارة تأكّد، من خلالها، "الدعم" الذي تبديه موسكو لنظام الكونغو برازافيل الحليف.
ويعد الحضور الروسي هام في القارة الإفريقية، يشمل جميع الأصعدة تقريبا، من الاقتصادي إلى السياسي والعسكري وحتى الثقافي، تترجمه أرقام وبيانات مستندة إلى تقارير متنوّعة بهذا الخصوص، غير ان صادرات الأسلحة تبقى في الصدارة.
وتتعاون "روزوبون إكسبورت"، الوكالة الروسية المكلفة بالصادرات بالمجمّع الصناعي العسكري مع 15 بلدا من افريقيا جنوب الصحراء، بحسب وكالة "سبوتنيك" الروسية للمعلومات، ما يجعل من موسكو أحد أبرز مصدّري الأسلحة لإفريقيا.
وعلاوة على ذلك، تسعى موسكو إلى الترفيع من صادراتها باتجاه منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، خصوصا وأن معاملاتها في هذا الصدد لا تتجاوز الـ 2 % من إجمالي صادراتها العسكرية نحو بقية بلدان العالم، أي بقيمة أكثر من 13.225 مليار دولار في 2014، بينها 5 مليار دولار تمثّل قيمة صادراتها العسكرية نحو جنوب افريقيا، بحسب المصدر ذاته.
وأشار المصدر نفسه أيضا إلى أنه تم توقيع 25 عقدا، بين 2013 و2014، بقيمة جملية تقدّر بـ 1.7 مليار دولار. وتعتبر بلدان شمال إفريقيا من أبرز عملاء روسيا، وخصوصا مصر والجزائر. ففي 2013، أمضت موسكو اتفاقية مع القاهرة، لتحديث نظام الدفاع الجوي، أما تونس وليبيا، فتحتلان مرتبة متقدّمة أيضا في هذا المجال، وذلك قبل سقوط نظامي رئيسيها السابقين، زين العابدين بن علي ومعمر القذافي.
وبالنسبة للبلدان الإفريقية، فإنّ الدبابات القديمة من نوع "تي- 55"، و"تي- 62" وعملية تحديثها وصيانتها، تعتبر محلّ تقدير وإقبال دائمين من طرفها، تماما مثل مقاتلات "سوخوي"، والمروحيات من نوع "أم آي 8" و"أل آي 24".
الرواج الكبير الذي تلاقيه الأسلحة الروسية في افريقيا تؤكّده تقارير حول صادرات موسكو نحو القارة السمراء، وقد تداولتها وسائل الإعلام المتخصصة، والتي أشارت أن أنغولا أمضت، في 2013، عقدا بقيمة تتجاوز المليار دولار، للتزوّد بمعدّات، بينها مقاتلات سوخوي ومروحيات. كما أنه، وللمرة الأولى منذ 15 عاما، وقعت كل من روسيا وناميبيا عقدا تحصل بمقتضاه الأخيرة على مركبات وذخيرة وصواريخ مضادّة للدبابات وقذائف الهاون.
ووقعت موسكو عقدا اخرا مع غانا لتسليم الأخيرة مروحيات تبلغ كلفتها الإجمالية 66 مليون دولار. كما تبيع روسيا الأسلحة أيضا لمالي، حيث حصلت الأخيرة على بنادق ومدافع رشاشة وذخائر، وذلك بمقتضى طلبية بتاريخ سبتمبر/ أيلول 2012، بقيمة جملية قدّرت بـ 12 مليون دولار، والمحادثات لا تزال جارية بين الجانبين، لتزويد باماكو بمروحيات وطائرات شحن ومقاتلات وعربات مدرّعة.