وصل وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون إلى واشنطن أمس، في أول جولة جدية لمناقشة التعويضات التي تريدها إسرائيل من الإدارة الأميركية بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران.
وواضح أن القضايا المدرجة على طاولة الحوار بين يعلون ونظيره الأميركي أشتون كارتر لا تنحصر فقط في التعويضات، وإنما أيضاً بمجمل العلاقات العسكرية والأمنية الإسرائيلية التي أثبتت صلابتها حتى في ظل أشد الخلافات والتوتر بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية. وفي هذه الأثناء أعلن رسمياً، وللمرة الأولى، أن الولايات المتحدة ستتعاون مع إسرائيل في المجال النووي للأغراض السلمية.
وذكرت وزارة الدفاع الإسرائيلية أن يعلون سيبحث مع كارتر «قضايا إستراتيجية تتعلق بالتطورات في الشرق الأوسط، وفي تعزيز التعاون والعلاقة بين المؤسستين الأمنيتين، وأيضاً مواصلة الحفاظ على التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي وأذرع الأمن على دول المنطقة».
وسيزور يعلون مركز تدريب على طائرات «اف 35» التي حصلت إسرائيل على سرب منها، وكذلك منشآت عسكرية أميركية أخرى. كما سيلتقي سوية ونظيره الأميركي مع طلاب في جامعة الأمن القومي الأميركي.
وقال يعلون، قبيل سفره، إن «الولايات المتحدة هي الركيزة الإستراتيجية لدولة إسرائيل ولا نملك صديقاً أكبر منها». وأضاف أن العلاقات «بين وزير الدفاع أشتون كارتر وبيني، كما بين المؤسسات الأمنية، والجيشين وأجهزة الاستخبارات في الدولتين قوية وعميقة جداً». وأشار إلى أن التطورات في الشرق الأوسط «تشكل تحدياً لإسرائيل والولايات المتحدة، وفي محادثاتي مع وزير الدفاع كارتر، سنبحث في القدرات المطلوبة للجيش الإسرائيلي لمواجهة ما يجري حولنا، وعواقب ذلك من ناحية استمرار تفوقنا النوعي، واستمرار المساعدات الأميركية لإسرائيل في السنوات المقبلة».
وترى الأوساط الأمنية الإسرائيلية في زيارة يعلون للعاصمة الأميركية في هذا الوقت مسألة «حاسمة»، بسبب أنها تتعلق بحجم المساعدات العسكرية والأمنية التي ستنالها إسرائيل عموماً، وبالخصوص كتعويض عن عواقب الاتفاق النووي مع إيران. وكانت إسرائيل قد رفضت مراراً عروضاً أميركية بإجراء محادثات حول التعويضات عن الاتفاق النووي، بسبب القناعة التي زرعها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في أوساط المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن الدخول في مثل هذه المفاوضات يعني تسليم إسرائيل سلفاً بالاتفاق النووي. ومعروف أن نتنياهو خاض معركة حامية الوطيس ضد الرئيس الأميركي باراك أوباما في الكونغرس الأميركي، بالتعاون مع الجمهوريين، لكن أوباما ربح هذه المعركة في نهاية المطاف. وبعد خسارة نتنياهو هذه المعركة سمح للجهات العسكرية بالشروع بمباحثات مع الإدارة الأميركية بهذا الشأن.
وقد سربت الإدارة الأميركية في السابق أنباء حول عروض مغرية لإسرائيل إن هي أقدمت على التفاوض بشأن التعويضات. ومن غير المعروف ما إذا بقيت هذه العروض قائمة بعد إبرام الاتفاق النووي والمصادقة عليه. ومع ذلك هناك قناعة في أوساط مختلفة بأن أميركا، حتى وإن أبدت تمنعاً ما في الفترة القريبة، فإنها في نهاية المطاف ستمنح إسرائيل زيادة في حجم المساعدات العسكرية تتناسب مع طبيعة الالتزام بالحفاظ على التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي. ومعروف أن التعويضات لا تتصل جوهرياً فقط بالاتفاق النووي مع إيران، وإنما أيضاً بمبيعات السلاح الأميركية والغربية لدول عربية وخصوصاً لدول الخليج.
ويعتقد أن زيارة يعلون الحالية، والتي سيجتمع فيها مع كارتر وعدد من كبار المسؤولين الأميركيين، تمهد للزيارة التي سيقوم بها نتنياهو لواشنطن، ولقائه مع أوباما في الشهر المقبل. وكانت صحف إسرائيلية قد أشارت إلى أن أميركا وإسرائيل بدأتا قبيل زيارة يعلون في جس النبض بشأن حجم المساعدات. وأشارت «هآرتس» حينها إلى أن إدارة أوباما معنية بأن تمنح إسرائيل، كتعويض عن الاتفاق النووي مع إيران، بين أمور عدة أخرى، مزيداً من طائرات «اف 35» وأيضاً المزيد من البطاريات المضادة للصواريخ.
ومعروف أن الإدارة الأميركية تقدم مساعدات عسكرية كبيرة لإسرائيل في إطار قانون خاص أقره الكونغرس، ويتفق بشأن طبيعته كل 10 سنوات. واتفاق المساعدات الحالية متفق عليه من العام 2008 وينتهي في العام 2017، ولذلك فإن إسرائيل معنية بالاتفاق حالياً على المساعدات للعقد المقبل. وتمنح أميركا لإسرائيل رسمياً مساعدات عسكرية سنوية بقيمة 3.1 مليارات دولار، عدا عن المساعدات غير الرسمية من ذخائر وفائض أسلحة ومعدات موجودة في مخازن هائلة للجيش الأميركي في إسرائيل. وعدا ذلك تقدم واشنطن لتل أبيب مساعدات خاصة بمئات ملايين الدولارات لتطوير منظومات دفاع ضد الصواريخ، وأحياناً لتمويل إنتاج مثل هذه المنظومات ونشرها في مناطق مختلفة في إسرائيل. وتحدثت صحف إسرائيلية عن أن حكومة نتنياهو تتوقع أن تزداد المساعدات الأميركية لإسرائيل في المرحلة المقبلة بمليار دولار سنوياً لتزيد عن أربعة مليارات كل عام.
من جهة أخرى، وفي ظل الاتفاق النووي مع إيران، وافقت أميركا للمرة الأولى على التعاون علناً مع إسرائيل في ميدان الذرة لأغراض سلمية. وكانت أميركا تمتنع عن ذلك في الماضي لأسباب تتعلق بعدم توقيع إسرائيل على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ورفضها إخضاع منشآتها للرقابة الدولية. وقد جاء الإعلان الأميركي الجديد على لسان وزارة الطاقة الأميركية، وهو ما يمثل تغييراً جوهرياً في السياسة العلنية الأميركية تجاه إسرائيل في هذا الشأن.