هل تساءلتم يوماً كيف سيدافع روّاد الفضاء عن أنفسهم إذا ما هاجمتهم مخلوقات فضائية عدوانية؟ وكيف تتخيلون شكل أسلحتهم، مسدسات ليزرية؟ سيوف مضيئة؟ وهل انطلق روّاد الفضاء السوفييت إلى الفضاء مسلَّحين بالفعل؟ ولكن، إذا كان كل ما ورد ذكره محض خيال حتى الآن، فإن سلاحهم في الواقع كان مسدساً بثلاث سبطانات يشبه أسلحة الصيد تقريباً، ولكنه كان يُستخدم ليس لمحاربة الوحوش الفضائية، وإنما لإنقاذ حياة روّاد الفضاء بعد الهبوط على الأرض
لم يكن من الدارج التركيز على هذا الموضوع في الاتحاد السوفييتي، ولكن منذ زمن يوري غاغارين كان روّاد الفضاء الروس يحلّقون في الفضاء حاملين أسلحتهم معهم، وكان ينبغي على أفراد الفريق الفضائي أن يحملوا مسدسات عادية من طراز "ماكّاروف"، أي المسدس نفسه الذي كان لدى رجال الشرطة، وكان السلاح يوزع تحسباً لحالات الهبوط الاضطراري، وبالتحديد "للدفاع عن النفس من الحيوانات المفترسة والعناصر الإجرامية"، وقلما فكّر أحد ما باستبدال مسدس "ماكّاروف" "الفضائي" حتى عام 1965، عندما اضطر أليكسي ليونوف وبافل بيلياييف للهبوط في غابات التايغا الروسية.
الدّب ليس صديقاً لرائد الفضاء
بسبب ظروف المنطقة، لم تتمكن فرق الإنقاذ من الوصول إلى رائدي الفضاء لفترة طويلة، واضطر ليونوف وبيلياييف إلى قضاء عدة ليال في غابات التايغا.
ويتذكر ليونوف ذلك، قائلاً:" ظلت المروحيات فترة طويلة تحلّق فوقنا فقط وتبلّغ عن وجود شخص يقطع الأخشاب وآخر يضعها في الموقد".
وبنى رائدا الفضاء مأوى لنفسيهما، ولكن بدأت " تزورهم" الدببة التي كانت قد استيقظت للتو من سباتها الشتوي في شهر مارس/ آذار، ولذلك كانت جائعة وعدوانية جداً، وكل ما استطاع رائدا الفضاء فِعلَه هو إطلاق النار في الهواء، وهذا ما أثار فضول الحيوانات التي لم تصادف إنساناً من قبل.
ويقول ليونوف بسخرية مريرة متذكراً تلك الأيام:" كل ما كان يمكن فعله بمساعدة مسدس "ماكّاروف" هو أن ننتحر". ولذلك كان ليونوف بالذات صاحب فكرة صنع سلاح خاص لإنقاذ أرواح روّاد الفضاء في حالات الهبوط الاضطراري.
حلم الراعي والصيّاد
جرى العمل تحت إشراف فلاديمير باناماريوف كبير مصممي مصنع السلاح في مدينة تولا على ثلاثة اتجاهات: مسدس، سلاح تلقيم ذاتي بسبطانة ملساء، ومسدس بثلاث سبطانات، وتبيّن أن التصميم الأخير أكثر ملائمة لحل المسائل القائمة: الحماية من الوحوش والعناصر الإجرامية، والصيد من أجل الحصول على الطعام، وإرسال إشارات المراقبة المرئية. وحصل المسدس على سبطانتين علويتين أُفقيتي التموضع عيار 32، المخصص لبنادق الصيد وأسطوانة ثالثة تقع تحتهما عيار 5.45 مم. وتشمل هذه المجموعة القتالية خراطيش خاصة من عيار 5.45 مم ( رصاص) وعيار 32 ( خردق) وطلقات إنذار.
وأطلق عمّال المصنع على المسدس الجديد اسم " حلم الصيّاد"، أما في الوثيقة الرسمية فجاءت تسميته كسلاح فردي لحالات الطوارئ، واعتُمد هذا المسدس رسمياً في التسليح في عام 1986، وفي العام نفسه حلّق مسدس " تي بي 82" في الفضاء للمرة الأولى، وقد حمله روّاد الفضاء السوفييت ضمن الطاقم السوفييتي الفرنسي المشترك.
وحصل مسدس " تي بي 82" على أخمص غير عادي، ففي حالة فصله كان يتحول إلى فأس عادي لقطع الأخشاب، وكان يمكن وضع غطاء قاس ووصله بالمسدس فيتم الحصول على سلاح. ومن خلال السباطات الملساء، كان يمكن صيد الأرانب والطيور، ومن السبطانة القصيرة كان يمكن صيد الأيائل والخنازير البرية وغيرها من الحيوانات الكبيرة، وتشمل مجموعة المسدس على 11 طلقة من العيار الأول و10 طلقات من العيار الثاني و5 طلقات من العيار الثالث.
وكان هذا السلاح أميناً، ولكن على الطريقة الروسية. إذ يقول نيكولاي فيلاتوف نائب مدير قسم إعداد روّاد الفضاء للحياة في الظروف الصعبة لدى مركز إعداد روّاد الفضاء:" كنا نسكب الرمل في السبطانة أو نملأه بالماء، كنا نفعل به كل شيء، وكان هذا السلاح يتحمل ذلك".
وقال فيلاتوف متذكراً أيضاً بأنه عندما سمع الرعاة في كازخستان بهذا المسدس، أخذوا يقايضون روّاد الفضاء عليه، فكانوا يعرضون مقابل مسدس " تي بي 82" قطيعاً كاملاً من الأغنام. كما أراد الطيارون مثل هذا المسدس وكذلك الجيولوجيون والرحالة والصيادون، وفيما بعد ظهر شبيه له أيضاً، وهو مسدس " فيبرب 1" و"فيبرب2".
استمر إنتاج " تي بي 82" حتى نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وبحسب الرواية الرسمية فقد توقف الإنتاج بسبب صنع عدد كاف من المسدسات، أما الرواية غير الرسمية فتشير إلى أن المشاكل المالية التي ظهرت بعد مرحلة البيريسترويكا لم تترك للمصنع الوقت والإمكانية لإنتاج مثل هذه الأسلحة الغريبة.
هل ننتظر ولادة الأسطورة من جديد؟
لا نعرف كثيراً عما حل بمسدس " تي بي 82"، في المرحلة ما بعد السوفييتية، ففي عام 2007 تسربت إلى الصحافة معلومات تفيد بأن مهندس الطيران يوري مالينتشينكو قائد البعثة السادسة عشرة الأساسية إلى محطة الفضاء الدولية حصل قبيل انطلاق رحلته إلى المدار على مسدس " ماكاروف"، أما سبب ذلك فيعود إلى انتهاء صلاحية ذخائر مسدس " تي بي 82".
ولا يُعرف بدقة ما إذا كان مسدس " تي بي 82" أو شبيهه موجودا في الترسانة الفضائية حتى الآن، ولكن جيمس أوبيرغ خبير الفضاء الأمريكي المعروف والمهندس السابق في وكالة " ناسا" طالب في شهر فبراير/ شباط من عام 2008 بسحب الأسلحة الروسية من محطة الفضاء الدولية، وصرّح بأنه يرى خطراً في ذلك، ويعتقد أوبيرغ أن المدار ليس المكان المناسب لمثل هذا المسدس، حيث يضطر روّاد الفضاء للعمل في ظروف مجهدة وتوتر نفسي شديد.
من جهتهم، لا يتفق الخبراء الروس مع رأي مهندس " ناسا". وبحسب قول يوري غيدزينكو، مدير إدارة التدريبات الخاصة في مركز إعداد روّاد الفضاء، فإن حيازة السلاح في الفضاء ضرورة أثبتتها الممارسة العملية في الرحلات. لذلك مازال من المبكر، على ما يبدو، سحب مسدس " تي بي 82" من ترسانة الأسلحة، وإدراجه في صفحات تاريخ الفضاء.