تتطوّر ملامح الصراع في سوريا يوماً بعد يوم، فبعد توسّع تنظيم "داعش"، تقدّمت أولويّة محاربة الإرهاب بالنّسبة إلى العديد من الأطراف السوريّة والإقليميّة على فضّ النزاعات السياسيّة بين نظام بشار الأسد والمعارضة، وانتقل الأمر بالنّسبة إلى تلك الأطراف من نزاع بين تيّارات ثوريّة أو إسلاميّة سنيّة مثل الإخوان المسلمين وبين نظام يعتليه رئيس شيعيّ تصفه المعارضة بـ"الاستبداد"، إلى صراع بين الدولة السوريّة وتنظيم إرهابيّ تشكّل سطوته المتزايدة خطراً على الوطن العربيّ ومنطقة الشرق الأوسط، وهو ما عبّر عنه الرئيس عبد الفتّاح السيسي في حواره مع "سي.إن.إن"، في 28 أيلول/سبتمبر من عام 2015، عندما قال: "لا أتمنّى أن ينهار الجيش السوريّ وتصبح معدّاته في يدّ المتطرّفين".
إنّ الصراع الّذي يزداد حدّة يفرض على المتنازعين سياسيّاً (نظام الأسد والمعارضة) ضرورة إيجاد الحلّ الوسط أو الحلّ السياسيّ الّذي رسمت ملامحه في وثيقة جنيف لعام 2012 متمثّلة في الإفراج عن المعتقلين السياسيّين، والدخول في مرحلة انتقاليّة تنتج برلماناً يتمّ انتخابه بنزاهة، ودستوراً يستفتى عليه الشعب، وهو ما لا يتعارض مع الطموحات المتوقعة لروسيا وإيران ومصر في بقاء الأسد موقّتاً لحين استقرار الأوضاع الأمنية، والطوحات المتوقعة للأسد ورجاله في الخروج الآمن لاحقا.
وإنّ الحلّ الوسط، يبدو حلماً بعيد التّحقيق، إذ أنّه الحلّ الّذي سيتّفق عليه النّظام والمعارضة، وتتّفق عليه الدول الداعمة للطرفين، وهي: روسيا، إيران، حلفاء بشار الأسد، الولايات المتّحدة الأميركيّة، السعوديّة، تركيا، حلفاء فصائل معارضة، إلاّ أنّه يبقى ممكناً في حال تقديم كلّ الأطراف التنازلات، وهو ما يقتضيه صراع المنطقة مع "داعش"، وإلاّ ربّما تحمّلت الأطراف المتعنّتة فاتورة إرباك الوضع السياسيّ في سوريا بما يؤدّي إلى ضعفها أمام التّنظيم الإرهابيّ.
وفي سياق الحلول الوسط، ربّما تلعب مصر دوراً محوريّاً، إذ أكّد عبد الفتّاح السيسي خلال لقائه مع الرئيس التونسيّ الباجي قائد السبسي في 4 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2015، ضرورة التوصّل إلى تسوية سياسيّة للأزمة السوريّة. كما رفض خلال حواره مع "سي.إن. إن" القول بدعم مصر للأسد، مشيراً إلى أنّه يرفض إسقاط النّظام بالقوّة، بما يؤدّي إلى تفكّك سوريا وانهيار جيشها، ممّا يرجّح عدم ممانعة مصر رحيله في ظلّ تسوية تدريجيّة، تقضي ببقائه مؤقتا، لتضمن وحدة سوريا وسلامة الجيش.
وتتضح أهمية الدور المصري في التسوية السياسية لأزمة سوريا، بلقاء مبعوث روسيا للشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، وزير الخارجية المصري، سامح شكري يوم 17 أكتوبر 2015، ضمن جولته في الشرق الأوسط، ومناقشة الأزمة السورية معه، وأعلن الطرفان في بيان مشترك أنهما اتفقا على ضرورة تفعيل الحل السياسي وفقا لاتفاقية جنيف بما يضمن تكوين هيئة حكم انتقالية في سوريا بالتوازي مع مكافحة الإرهاب.
وشهدت الفترة الماضية تطور عدة عوامل ربما تساهم في دعم الدور المصري في الوساطة بين الأطراف المتصارعة للوصول إلى حل سياسي.
روسيا: ورقة الضغط
في 30 أيلول/سبتمبر من عام 2015، بدأ القصف الروسيّ لمواقع "داعش" في سوريا، ودان رئيس الإئتلاف الوطنيّ لقوى الثورة والمعارضة السوريّة خالد خوجة، في اليوم نفسه، القصف مشيراً إلى أنّه أصاب أكثر من 36 مدنيّاً، متهما موسكو بمحاولة دعم نظام الأسد وخلق حالة من الفوضى في سوريا. وقالت تقارير إعلاميّة للـ"جارديان" و"نيويورك تايمز" و"هافينغتون بوست": إنّ الغارات الروسيّة استهدفت المعارضة السوريّة، وليس داعش فقط، رغم أن تصريحات متحدث وزارة الدفاع الروسية، إيجور كوناشينكوف، في اليوم نفسه، جاء فيها أن الغارات الجوية استهدفت المعدات العسكرية، ومراكز الاتصال، والمركبات، ومخازن السلاح والوقود، التابعة لتنظيم داعش الإرهابي.
إنّ القصف الروسيّ للمعارضة ربّما يمثّل ضغطاً على الائتلاف السوريّ لقبول المبادرات الهادفة إلى التوصّل لحلّ سياسيّ، حيث أنّ بعض قوى الائتلاف "متعنّت تجاه الحلول السياسيّة ويتمسّك بشرط الرّحيل الفوريّ للأسد، رغم صعوبته من وجهات نظر عديدة في ظلّ الخطر الّذي تتعرّض له سوريا"، كما قال رئيس هيئة التّنسيق الوطنيّة لقوى التّغيير الديموقراطيّ حسن عبد العظيم لـ"المونيتور".
وما يرجّح أنّ القصف الروسيّ يمثّل ضغطاً على الائتلاف في اتّجاه قبول المبادرات السياسيّة، أنّ 25 في المئة من الهيئة العليا للائتلاف نفسها قبلت مبادرة مبعوث الأمم المتّحدة لسوريا ستيفان دي ميستورا، أثناء التّصويت عليها السبت في 10 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2015، وهي نسبة كبيرة، إلاّ أنّ المبادرة رفضت بأغلبيّة التّصويت.
وقال قياديّ في الائتلاف، رفض أن يذكر اسمه، لـ"المونيتور": "بالطّبع، يشكّل القصف الروسيّ ضغطاً على بعض فصائل الائتلاف، ونسبة الـ25 في المئة التّي قبلت مبادرة دي ميستورا هي من تلك الفصائل، رغم أنّها لم تقدّم جديداً عن أيّ من المبادرات السابقة التي لم تقر الرحيل الفوري للأسد ونظامه والّتي حظيت بنسب رفض أكبر بكثير من الهيئة العليا للائتلاف، وصلت إلى 100% في بعض المبادرات، ولكن في ظلّ غياب الضغوط المشابهة للقصف الروسيّ".
وقال حسن عبد العظيم إنّ تعنّت بشار الأسد أيضاً يمثّل عقبة في طريق التوصّل إلى حلّ سياسيّ، مشيراً إلى أنّ روسيا هي صاحبة التأثير الأكبر في الضغط على بشّار الأسد ونظامه في قبول أيّ حلّ سياسيّ.
وفي هذا السّياق، يذكر أنّ الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين صرّح في 4 أيلول/سبتمبر من عام 2015، أنّ الأسد مستعدّ لاقتسام السلطة مع المعارضة السوريّة، وهو ما ربّما يكون ثمار ضغط روسيّ عليه.
مفاجآت أمريكية
وبالتّزامن مع القصف الروسيّ، أعلنت الولايات المتّحدة الأميركيّة في 9 تشرين الأوّل/أكتوبر التوقّف عن تدريب مقاتلين جدد ممّن تسمّيهم بـ"المعارضة السوريّة المعتدلة". كما أعلنت في 10 تشرين الأوّل/أكتوبر عن التّنسيق بينها وبين روسيا على الغارات الجويّة ضدّ "داعش".
المواقف السابقة للولايات المتحدة ربما جاءت صادمة للائتلاف السوري الذي كان من المفترض أن تتلقى بعض جماعاته المسلحة التدريبات الأمريكية، وربما أدت تلك المواقف إلى إحباط الائتلاف من استمرار الدعم الأمريكي له على نفس المستوى، ورجح مصدر "المونيتور" بالائتلاف أن تكون المواقف الأمريكية أحد أسباب ارتفاع نسبة المصوتين بقبول الحل السياسي ممثلا في مبادرة دي ميستورا.
إيران في الحسابات
التقارب الأمريكي الإيراني بعد الاتفاق النووي في إبريل 2015، ربما يكون أحد العوامل التي تقلق السعودية وتدفعها دوما إلى الاحتفاظ بعلاقات قوية مع مصر خوفا من تنامي العلاقات بينها وبين إيران في ظل تقارب الموقف الإيراني مع المصري من الأزمة السورية.
وإن صحّ ما سبق، ربّما تكون فرصة مناسبة للإدارة المصريّة لمحاولة إقناع السعوديّة، أحد داعمي الائتلاف السوريّ والمعارضة المسلّحة ضدّ بشار، بالضغط على تلك الفصائل المعارضة لقبول الحلول السياسيّة، وهو ما رجّحه المحلّل السياسيّ بهاء المغاوري، قائلاً لـ"المونيتور": "موافقة السعوديّة على الحلّ السياسيّ يعني أنّ الائتلاف السوريّ لم يبق له حليف يرفض الحلّ السياسيّ إلاّ تركيا، وربّما تستطيع السعوديّة التأثير عليها أيضاً نظراً لما بينهما من تقارب"، كما تزداد احتمالات قبول السعودية للتسوية السياسية في سوريا في ظل تقاربها مع روسيا (حليفة بشار) بعد أن اتفقتا على تأسيس 16 مفاعل نووي في السعودية بمساعدة روسية، كما التقى كل من محمد بن سلمان، وزير الدفاع السعودي، وعادل الجبير، وزير الخارجية السعودية، ببوتين في روسيا يوم 11 أكتوبر، وأكدوا على التوافق على ضرورة الوصول إلى مصالحة وطنية سورية.
وفي سياق الحديث عن أهمية الدعم السعودي للائتلاف السوري المعارض، تجدر الإشارة إلى تصريحات خالد خوجة، رئيس الائتلاف، يوم 8 مايو 2015، والتي جاء فيها أن السعودية وتركيا هما الحليفين الأساسيين للمعارضة، وأنه لولا دعمهما لما تحققت انتصارات الائتلاف في إدلب والدرعا في إبريل 2015.
ورغم رفض مبادرة دي ميستورا، إلاّ أنّ استمرار العوامل السابقة يدعم الدور المصريّ في خلق حلّ سياسيّ للأزمة السوريّة، خصوصاً أنّ مصر أبدت حسن النيّة للمعارضة باستضافتها مؤتمر فصائل المعارضة السوريّة في أيّار/مايو من عام 2015، إلاّ أنّ تلك العوامل تبقى نظريّة، وربّما لا تكون في حقيقتها إلاّ محاولات من كلّ الأطراف للمراوغة وكسب الوقت ومواراة المواقف الحقيقيّة عن الرأيين العامّين السوريّ والعالميّ.