كان أشرف مروان برتبة ملازم أول في سلاح الحرب الكيميائية عندما تعرّف ببنت العشرين منى، طالبة الجامعة الأميركية، ذات يوم من صيف 1965 وفي إطار لعبة التنس الهواية المشتركة بينهما في أحد نوادي القاهرة الرياضية.رُفعت حينها التقارير للوالد جمال عبد الناصر غير مزكّية الشاب لاشتباه بانتهازيته ووصوليته.
فاتح الوالد ابنته بالمسألة فوجدها في حوارات متفرقة مصمّمة على ولهها به، وهو الذي أوقعها في شباكه بتدرّج وحذاقة، ووصل معها إلى إبداء الرغبة في الاقتران بها شريكة حياة، فبادلته رغبة بقناعة. بعد طول تأجيل، خضع الوالد لرغبة كريمته منى، فاستدعى والد أشرف، العميد أبو الوفا مروان، وتفاهم معه على الإجراءات، وفعلاً تمّ القران في تموز 1966.
لم تكن منى برجاحة عقل أختها الكبرى هدى ولا بذكائها. فهي قد عُرفت بالانفعال وببـعض تباهٍ متزايد بالوالـد، وبتردٍّ في التحصيل العلمي انتهى بها إلى تحصيل مجموع في الثانوية العامـة عام 1963 لا يسمح لها بالانتسـاب إلى أي جامـعة مصرية، ما اضطـرها إلى التسجيل في الجامعة الأميركية ودفع رسومها الباهظة.
قرّر عبد الناصر أن يبقي الصهر الجديد تحت ناظريه بأن عيّنه أوّلاً في الحرس الجمهوري سرية الكيمياء حيث خدم لعامين، ثم نُقل أواخر عام 1968 إلى مكتب الرئيس للمعلومات ليكون تحت الإشراف المباشر لعين الرئيس الساهرة سامي شرف.
أمضى أشرف سنوات ثلاث (66-69) وهو على هذه الحال. في ذهنه أنه صاهر «الريّس» لا ليرسف في أغلال قيود رجاله بما يجعله حبيساً في قـفص، وبما يشلّ من قدرته على استغلال وضعه العـائلي الجديد، فتفتّق ذهن الشاب عن ادعاء متابعة التحصيل العلمي في حقل الكيمياء في الخارج ليفلت من القفص. وعلى رغم استرابة أولية في الطلب، إلا أن ثقة مكتب الرئيس بقدرته على إبقائه تحت النظر عبر سفارة لندن ــ وفيها محطة استخبارات ــ حدّت من مفاعيل الاسترابة، ومكّنته بالتالي من الهبوط في لندن.
كان للشك والاسترابة منذ نقطة البداية في صلاحية أشرف وجودة معدنه برهان ساطع في اكتشاف القنصل المصري سوء سلوكه في الاغتراب، إذ طلب من سعاد قرينة الشيخ الكويتي عبد الله المبارك الصباح معونة مالية بحجة أن مخصصاته التي تدفعها القاهرة له كمبعوث لا تكفي لسد نفقاته في بلد مكلف، وخصوصاً أنّه صهر رئيس الجمهورية. دفعت سعاد الصباح له ما طلب، وهو ما سبق أن فعلته مرّة ومرّات مع أنور السادات وجيهان عند الطلب. رفع القنصل تقريره لمكتب الرئيس، فجاءه الجواب بشحن أشرف مروان على أول طائرة. جرى التحقيق معه فاعترف بذنبه وعلّله بغلاء المعيشة.
كانت التوصية لعبد الناصر وقناعته معاً بأن الزلل يبرّر التطليق. لكن نصرة منى لزوجها أسهمت مرة أخرى في تليين الموقف، وفي السماح له بالعودة للندن لإكمال دراسات الماجستير مع دفعه المبلغ المستدان لسعاد الصباح، وتعهّده بعدم العودة لممارسات كهذه في المستقبل، وبالتوجّه إلى مكتب الرئيس إن احتاج إلى أي عون.
عند هذا المفصل، تدبّر أشرف مروان أمره فقدر والحديث ما زال عام 1969 أن يقوم بمخاطرة العمر. كان ذلك بعد النوبة القلبية الأولى التي أصيب بها جمال عبد الناصر في 11 أيلول 1969. خشي أشرف مروان أن يقترب أجل والد زوجته وهو ما زال لا يلـوي على شيء ولم يستفد من صلته به بشيء، وبالتالي فإما الآن أو تتبدّد الفرصة.
عزم على التوجه إلى عرين العدو نفسه عارضاً نفسه عميلاً بامتياز. استطاع أن يفلت من شباك الرقابة محسناً أساليب التمويه وقاصداً مكتب الموساد في السفارة الإسرائيلية بلندن. أدرك ضابط الموساد بعد كثيف استكناه وتفحّص أنه حصل على صيد ثمين أتاه تطوّعاً، وكل ما يبغيه أمران: المال الوفير والطبيعة النائمة (التي تستدعى عند الحاجة الماسة فقط).
عاد أشرف مروان من لندن وهو يحمل ماجستير الكيمياء في يد، وعمالة الموساد في اليد الأخرى... ذات يوم من عام 1970. لم يتغير عليه شيء. زاول عمله في مكتب الرئيس للمعلومات مكلفاً بجمع المعلومات الاجتماعية والنشاطية والعامة. فارق الرئيس الحياة في 28 أيلول 1970، ولم يؤثر ذلك في وظيفة أشرف تحت إدارة سامي شرف.
درست زوجة الرئيس الجديد جيهان خريطة عائلة عبد الناصر، فوجدت في أشرف مروان ضالّتها في التقرّب ممّن يتشابه معها ومع قرينها في النزوع والهوى. قامت بتقريبه منها مصطفيةً إياه، من دون أن يثير ذلك استغراب سامي شرف، إذ الشاب في نهاية المطاف صهر عبد الناصر. تمّت عملية التقارب من طريق سعاد الصباح التي سبق لها أن أقالت أشرف من عثرته المالية في لندن واحتفظت معه ومع زوجته بعلائق الود بعدها.
كانت لحظة الانطلاق الكبير لأشرف مروان بعدما نقل لأنور السادات استقالات رجال عبد الناصر مكلفاً من أحدهم، سامي شرف، الذي اختاره لعادية دخوله منزل السادات. حدث ذلك مساء 13 أيار 1971.
عُيّن يومها سكرتيراً للرئيس للمعلومات خلفاً لسامي شرف مكلفاً بمهمة مزدوجة: أن يكون ضابط الاتصال مع معمر القذافي ورجاله، وكذلك على المقلب الآخر مع كمال أدهم وعبره الملك فيصل ملك السعودية. هاتان القناتان كانتا مصدر اغتناء أوسع مما كانت عطايا الموساد توفر له.بقي دور أشرف كـامناً من دون تفعيل طوال عام 1971 وجلّ عام 1972. لكن الانتفاع الأول الذي حازه الموساد من عميله النائم حدث بعد اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 24 تشرين الأول 1972، الذي حدد فيه السادات خطته للقادة العسكريين طلباً لحرب محدودة تكتفي بشريط عمقه 12 كيلومتراً علـى ضفة القنال الشرقية.
ظنّ أشرف أن السادات مـوشك على الحرب، فقام بتحذير الموساد. ما إن اقترب 1972 من الانتهاء حتى وضح أن هذا كان إنذاراً كاذباً. مرّة ثانية، انطلـق أشرف للعمل بأن أبلغ أربابه في الموساد أن أنور السادات وحافظ الأسد اتفقا على شن الحرب في 15 أيار 1973، وكان ذلك صحيحاً فعلاً إلى حين وإلى أن غيّر المتحالفان رأيهما لضرورات تكتيكية تتعلق بالجهوزية، فأجّلا المـوعد إلى وقت آخر من العام. حينها تصرف موشي ديان بحذر، فقام بتعبئة جزئية للاحتياط قبل أن يكتشف أن هذا كان إنذاراً كاذباً أيضاً.
مرّت شهور الصيف متثاقلة إلى أن كان أشرف في صحبة السادات أثناء زيارته فيصل في 29/8/73 وعلم أن قرار الحرب قد أوشك أن يتخذ من دون معرفة موعد محدد على رغم استنتاجه أنها مسألة أسابيع. فضّل عدم الإخطار حتى لا يفقد صدقيته ــ إن هو بلّغ بشكل غائم وغير دقيق ــ والانتظار حتى يعرف الميعاد.
وقد عرف بالتمام والكمال مساء يوم الأربعاء 3 تشرين الأوّل عندما عاد وزير الحربية أحمد إسماعيل من دمشق متفقاً مع حافظ الأسد على اليوم والساعة لشن الحرب: 6 تشرين الأوّل، الثانية ظهراً.
ما إن عرف ما عرف حتى تحرك متصلاً بضابط اتصاله في روما مصرّاً على الالتقاء برئيس الموساد نفسه تسفي زامير في اليوم التالي.
وفعلاً التقى الاثنان مساء الخميس 4 تشرين الأول، فنقل أشرف لزامير معلوماته حول الحرب، لكنه استعمل التوقيت الذي تمسّكت به مصر لحين زيارة أحمد إسماعيل لدمشق في اليوم السابق، وهو السادسة مساء، ما عنى أنه لم يكن يعرف بالتوقيت النهائي. حدث الإبلاغ قبل أربعين ساعة من موعد الحرب، ما شكل امتداداً تكتيكياً شديد الأهمية للإخطار الاستراتيجي الذي وفره الملك حسين في زيارته المفاجئة لرئيس الوزراء الإسرائيلي غولدا مائير يوم 25 أيلول مبلّغاً إياها بأن الحرب في الطريق وأنها مسألة أسبوعين أو ثلاثة.
يتساءل المرء كيف استطاع أشرف مروان تبرير مغادرته القاهرة قبل الحرب بيومين؟ لا أظنه سيعدم سبيلاً للتبرير، وخصوصاً بحجة توفير معدات اتصال أوروبية حديثة أو من طريق الانتقال من و/أو إلى ليبيا.
لقد كان لإبلاغ أشرف مروان فضل استعداد إسرائيل لمقابلة الهجوم السوري القادم عبر الجولان، إذ لولاه لاكتسح السوريون الجولان بأكمله من دون مقاومة ولا جيوب في الخلف، ولاحتاج الأمر إلى أيام أو أسابيع لاستجلاب قوات من الجنوب لتقوم بمهمة استعادة الجولان جزئيــاً أو كلياً.
استمر أشرف مروان في منصبه إلى عام 1976 حين عيّنه السادات رئيساً لهيئة التصنيع الحربي العربي بسبب قربه من رجالات الحكم في السعودية والخليج وليبيا، ولتكون منهلاً ينهل منه ثروة ورشى وعطايا، وهذا ما كان. والثابت أن نافذته الليبية وبالتحديد عبر الرجل الثاني عبد السلام جلود وبالتوافق مع بعض الضباط الطيارين المصريين الذين اشتركوا في صفقة الميراج الفرنسية لليبيا أواخر 1969 وقادوا أسرابها، قد وفّرت له ولهم ثروات طائلة كتجار سلاح وقابضي عمولات من الطراز الأول.
حُلّت الهيئة بعد معـاهدة الصلح المصرية في آذار 1979، فخرج أشرف مروان إلى القطاع الخاص جاعلاً من لندن مقره وعـرينه، وليضع في الاستعمال الثروة المهولة التي جناها من عمالة الموساد، ومن فساد الذمة في آن. هو واحد من جحفل من العملاء العالي المستوى الذين ينتشرون في أرجاء العالم العربي منبثّين داخل مؤسسات الحكم وصنع القرار وهاتكين لأسرارها كالكف المفتوح. المهم في الأمر أن من تزوج بنت عبد الناصر لتكون جسر وصوله إلى العلا، لم يستطع أن يتجسس على مصر عبد الناصر في حياته، على رغم تجنّده في الموساد قبل وفاته.
* أشرف مروان اكتشف أن بخاخة التنفس التي يستخدمها.. مسمومة .
توافق بعض وكالات المخابرات علي أن تغمض عينيها عن جرائم قتل تحدث في بلادها تقوم بها أجهزة أخري صديقة لتصفية خصومها.. والتخلص من معارضيها.. بشرط أن تبقي المعاملة بالمثل.. شيلني واشيلك.. من قدم السبت وجد الأحد.. وبشرط أن تكون علي علم مسبق بما سيحدث.. وفي هذه الحالة يمكن أن تمد يد المساعدة.. أو تضلل جهات التحقيق في بلادها حتي لا تصل إلي الفاعل.. ويصل الأمر أحيانا إلي حد العبث بأدلة الإثبات.. ويمكنها المساعدة في تهريب الجناة.. وهذه هي تقريبا الجريمة الكاملة.. فهي لن تكشف أبدا.
لقد فضحت هذه الحقيقة جريمة اغتيال الدكتور يحيي المشد عالم الذرة المصري الذي لقي مصرعه بجناحه في فندق ميريديان ليتوال بباريس علي يد عملاء المخابرات الإسرائيلية.. الموساد.. وبتعاون مباشر من المخابرات الفرنسية.. المكتب الثاني.. ولولا أن اعترفت إسرائيل بالجريمة لبقي اتهامها بارتكابها نوعا من الاستنتاج.
وعندما سقط عميل للمخابرات الروسية (كي جي بي) هو الكسندر ليفنكوف من طوله في بريطانيا بتأثير السم ولم تتوصل شرطة اسكوتلانديارد للجاني.. لم يكن من الصعب استنتاج أن المخابرات البريطانية (أم ــ 6) قد أخذت خبرا.
لكن.. لو وقعت مثل هذه الجريمة دون ترتيب سابق مع جهاز المخابرات المحلي فإنه يشعر بإهانة العبث به علي أرضه.. ويصبح طرفا في التحقيقات.. ويساعد علي جمع الأدلة.. ويصر علي التوصل إلي الجناة.. هنا يصبح الأمر ثأرا لكرامة شخصية.. ومهنية.
كشف هذه اللعبة الخفية دبلوماسي سابق كان يخدم في سفارة مصر في لندن في معرض تحليله لحادث أشرف مروان الذي انتهي بسقوطه من شرفة بيته في منطقة سان جيمس الراقية.. لكنه.. أضاف : إن اتهام الصحف الإسرائيلية بأن هناك مصريين وراء الجريمة.. لا يعني أن هؤلاء المصريين يمثلون جهة رسمية.. فأغلب الظن أن جهات الأمن السرية في مصر كفت عن القيام بمثل هذه العمليات في الخارج منذ سنوات طويلة..
فلو لم يكن ما جري في بيت أشرف مروان بفعل فاعل رسمي.. فهل كان بفعل دافع شخصي؟.. إن هناك شاهد عيان تطوع من تلقاء ذاته ليؤكد رؤيته للمجني عليه وهو يلقي بنفسه من شرفة بيته.. هو عصام شوقي.. بل وكان معه ثلاثة آخرون.
إن عصام شوقي هو زوج السيدة عزة فوزي عبد الحافظ.. وفوزي عبد الحافظ كان سكرتيرا شخصيا للرئيس أنور السادات.. وقد أصيب في حادث المنصة الذي وقع في 6 أكتوبر 1981.. لكنه.. نجا بمعجزة.. وآثر الصمت.. فلم يتكلم حتي الآن رغم محاولات الإغراء.
وقد عملت عزة عبد الحافظ سكرتيرة شخصية لأشرف مروان بعد أن قرر ترك مصر في صيف 1981 ليقيم هو وعائلته في لندن.. ويذكر شهود عيان أحياء أنهم التقوا به في المعمورة في ذلك الصيف وسمعوا منه أنهم سيعيشون في مصر أياما سوداء ستأتي قريبا.. ولم تمر سوي أسابيع قليلة حتي وقعت اعتقالات سبتمبر التي اعتقل فيها نحو 1500 رمز من الرموز السياسية والدينية والصحفية المصرية.. وقبل شهر تقريبا اغتيل أنور السادات نفسه في مشهد سجلته كاميرات التليفزيون . وحتي يضمن أشرف مروان لسكرتيرته الاستقرار معه في الغربة تعاقد مع زوجها للعمل في مصنع للكيماويات ولم تمر سوي فترة قليلة حتي عينه مسئولا عنه ومنحه حصة من الأسهم كما يفعل عادة مع رجاله الذين يخدمونه.. لكن.. شيئا ما جعله فجأة يطلب من عزة عبد الحافظ وزوجها عصام شوقي أن يتركاه ويظلا في بيتهما علي أن يصلهما ما كانا يتقاضيانه من مال ودفع مكافأة نهاية خدمة سخية لها.. وكان ذلك قبل شهور ليست بعيدة من وفاته.
أما السبب فهو أن اشرف مروان اكتشف أن عزة عبد الحافظ تتصل كثيرا بشخص يدعي حسام رشدي يعيش في القاهرة.. ويبدو أن هذه الاتصالات التي لا تخلو من الدردشة والثرثرة أزعجته وجعلته يتصور أنها تسرب أخباره وتكشف أسراره.. وهو أمر لا يقبله رجل مدرب مثله يعرف خطورة المعلومة ومستعد أن يدفع فيها الكثير.
لقد كان له مثلا شبكة من رجال وسيدات المجتمع مكونة من ثمانية أشخاص علي اتصال دائم به لمده بكل ما يريد أن يعرفه.. الصفقات التي أبرمت.. البيوت التي خربت.. التعيينات التي نفذت.. وغيرها من الأسرار التي أخفيت.
وأغلب الظن أن أشرف مروان بعد أن صدم في سكرتيرته وكاتمة أسراره التي كان يثق فيها راح يراقبها وفي لحظة ما اتهمها بخيانة عملها لكنه لم يصارحا بما عرف.. لكن.. المثير للدهشة أن التهمة نالت علي الطرف الآخر رجلا من رجاله السابقين هو حسام رشدي.
كان حسام رشدي ضابط مباحث بقسم شرطة مصر الجديدة وكان في الوقت نفسه يسكن في البيت نفسه الذي يسكن فيه والد أشرف مروان.. وما أن انتقل أشرف مروان إلي رئاسة الجمهورية وأصبح سكرتير الرئيس أنور السادات للمعلومات حتي توسط لديه والد حسام رشدي لنقله من المباحث إلي شرطة الرئاسة.. فلم يتردد.. ووافق علي الفور.. وما إن ترك أشرف مروان الرئاسة إلي الهيئة العربية للتصنيع حتي نقله معه وأصبح واحدا من سكرتارية مكتبه في الدور الحادي عشر.. وما إن ترك أشرف مروان مناصبه الرسمية وسافر إلي لندن حتي أصبح حسام رشدي مسئولا عن تسهيل أمور عائلته في جميع المصالح الحكومية وغيرها.. تجديد تراخيص السيارات.. وتجهيز التوكيلات الخاصة.. مثلا.
بعد أن فضحت إسرائيل علاقة أشرف مروان بها واتهمته بالتجسس لصالحها بدأ يشك في أنه مراقب في مصر.. عيون ترصده.. وأذان تسمعه.. وأجهزة دقيقة ترصد نظراته وهمساته.. فبدأ يشك فيمن حوله.. وقرر التخلص منهم.. وكان حسام رشدي واحدا من هؤلاء الذين آثر الابتعاد عنهم بعد تعويضهم عن خدماتهم بوفرة.
وفيما بعد تضاعف شك اشرف مروان في حسام رشدي عندما وجده وهو فوق الستين (من مواليد 1944) يعين في جهة حكومية هي هيئة تنشيط السياحة.. وهو الشك الذي انتقل إلي عزة عبد الحافظ بمجرد اتصالها به.
وقد رفضت عزة عبد الحافظ أن تتقاضي راتبها من أشرف مروان بعد أن أجبرها علي التقاعد.. لكن.. بقيت مشكلة تصفية ما بينه وبين زوجها في مصنع الكيماويات.. وهي التصفية التي برر بها عصام شوقي وجوده في مكان سقوط اشرف مروان.. بل وفي لحظة سقوطه.
قال عصام شوقي: إنه حضر إلي أشرف مروان بناء علي اتفاق سابق بينهما ومعه ثلاثة أشخاص لتصفية الأسهم المعلقة بينهما في المصنع حسب روايته.. لكنهم لم يصعدوا إلي شقته رغم أن عصام شوقي كان مقربا له.. وليس غريبا أن لا يلتقي به فيها.. واكتفوا بتحفيزه علي لقائهم خارج البيت حسب الموعد.. وعندما اعتذر لهم بسبب شعوره بالتعب.. قيل إنهم استأجروا حجرة في مبني إداري مواجه لبيته في انتظار أن يأتي إليهم فيها.. وقد فرضت المصادفة أن تكون حجرة الاجتماعات المستأجرة تكشف شرفة اشرف مروان وتجعل عصام شوقي يراه جيدا وهو يتكلم معه في التليفون.. ثم فجأة وجده يلقي بنفسه من الشرفة.. فسارع بالنزول ليكون أول من يراه جثة هامدة.. ولحظتها اتصل بالسفارة المصرية وبالشرطة البريطانية.
وتبدو رواية عصام شوقي لأكثر المحققين الصحفيين أو الجنائيين سذاجة رواية مثيرة للدهشة.. فهو علي خلاف وصل مع أشرف مروان إلي حد القطيعة وتصفية ما بينهما.. وهو قد جاء معه برجال بحجة شراء أسهم المصنع تحولوا إلي شهود عيان دون ان تعرف عنهم الكثير ولا القليل.. وهو علي ما يبدو كان مصرا علي لقاء أشرف مروان رغم إرهاقه وتعبه وضعف صحته وكان سهلاً عليه تأجيل الصفقة برمتها فيما بعد.
ثم والأخطر أن مني عبد الناصر ذكرت أن زوجها كان يمشي علي عكاز.. لا يتحرك إلا به.. ولا مبرر لواحد مثله يعاني من ألم في الحركة بسبب فيروس ما أصاب ركبته أن يتمشي وهو يتكلم.. كما أن عرض الشرفة مع وجود إناء من الزهور يجعل من الصعب علي رجل مريض مثله أن يقفز بسهولة منها. وحسب ما علمنا من مصادر قريبة في بيت اشرف مروان في لندن فإن الطباخ (سليم) جادل عصام شوقي في المكان الذي شاهد منه اشرف مروان وهو يسقط.. فالمكان مغطي بأشجار تحجب الرؤية التي شهد عليها.. فهل هو شاهد ما شافش حاجة؟.
وحسب ما علمنا أيضا فإن أشرف مروان اكتشف قبل شهور قليلة من وفاته أن بخاخة التنفس وتفتيح شرايين الرئة التي كان يستعملها مسمومة وكان متوقعا إذا ما استعملها أن يموت بالاختناق وساعتها سيصعب اكتشاف الجريمة.. وسيبدو موته طبيعيا ( وكعادة الموساد عندما تنتهي صلاحيات العميل مع الموساد الإسرائيلي يتم قتله وبالطريق التي يراها مناسبة ) .
لم يكن سهلا الاستهانة بمواهب وقدرات أشرف مروان المخابراتية.. فقد سبق أن اكتشف عبثا بمكتبه وهو قريب من الرئيس أنور السادات.. كما اكتشف وجود ميكروفونات في بيته بالقاهرة فيما بعد.
ويتساءل المحققون : من الذي دس له بخاخة مسمومة لقتله؟.. من مسئول عن إحضارها له؟.. هل هناك علاقة بينها وبين التخلص من عزة عبد الحافظ وزوجها؟.. أم أن وراءها لغزا أكبر يمكن أن تكشفه خادمته البلغارية نيس التي اكتشف أنها علي علاقة بشاب إنجليزي شك في أن يكون عميلا لجهاز مخابرات يسعي خلفه.. فأخذ جواز سفرها.. وأمرها أن لا تتحرك من حجرتها إلا بتعليمات منه.. بل وقرر طردها.. لكن ارتباط زوجته بها أجل القرار إلي ما بعد الرحلة السنوية إلي إسبانيا حيث يحتفلان بعيد زواجهما في فندق يمتلكه كان يحمل من قبل علامة الشيراتون.
والخادمة البلغارية عملت عندهم في إسبانيا ثم انضمت إليهم في بريطانيا ووقت الحادث ادعت أنها كانت في المطبخ ولم تسمع شيئا وهو ما أثار الشك فيها خاصة أن جارة من الجيران شهدت بأنها سمعت صراخا وصخبا ثم عرفت بما جري.. وكان أن سحبت الشرطة جواز سفرها ومنعتها من مغادرة لندن وترددت أنباء أخيرة عن القبض عليها.
لكن.. ما يلفت النظر في القضية أن الصحف البريطانية تنشر عنها أخبارا لا تتوافق مع ما قالته مني عبد الناصر في العزاء لصديقاتها.. منها أن زوجها كان راقدا علي ظهره مرتديا بالطو، بينما قالت صحيفة «تايمز» في الأسبوع الماضي إن ملابسه تمزقت وحذاءه اختفي.. فهل هناك تضليل متعمد من الشرطة حتي تطمئن الجاني فيسهل القبض عليه؟.
وكانت مني عبد الناصر قد استأجرت مكتبين من أكبر مكاتب المحاماة في بريطانيا والولايات المتحدة للتحري والبحث عن أدلة جديدة تقنع المحكمة الأولية بأن ما حدث جريمة وليس انتحارا.. وتقول مني عبد الناصر إنها 'صعيدية' ولن تنسي ثأرها.. وإن لا يمنع ذلك أنها تسعي جاهدة كي لا تسجل القضية انتحارا.. فلو حدث ذلك فإن عائلتها ستخسر أكثر من 500 مليون جنيه قيمة بوالص التأمين التي كانت علي حياة زوجها.
--------------------------------------------