الأيام تدور.. وتقول، وهي تدور «كما تدين تدان».. في واحدة من المرات، في شهر رمضان من عام 2005، نظمت جماعة الإخوان المسلمين في مصر حفل إفطار. وكانت الجماعة في نظر السلطات جماعة محظورة، وتنظر إليها الحكومة والرئاسة بتشكك وعداء، كما كان قادة الجماعة ينتقدون مبارك و«الحزب الوطني» الحاكم وقتها بعنف. ودعت الجماعة مئات الشخصيات العامة والمشاهير لحضور الحفل، وروجت لهذا الأمر في وسائل الإعلام، حيث قامت الكثير من محطات التلفزيون بنقل الحفل على الهواء مباشرة. ويبدو أن الرئيس مبارك أو أحد قيادات الرئاسة المصرية شاهد أحمد قذاف الدم، عبر الشاشات، وهو يتناول الإفطار بجوار مرشد «الإخوان»، مهدي عاكف، في ذلكم الحفل، وهي واقعة أسرها مبارك في نفسه، على ما سيظهر لاحقا.
كان اليوم هو يوم الأربعاء، وشوارع القاهرة لم ترفع بعد زينتها التي تزينت بها بمناسبة فوز مبارك بولاية رئاسية جديدة، وبسبب ذكرى حرب السادس من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 التي جرت في شهر رمضان أيضا من ذلك العام. ولا يأتي شهر الصوم متزامنا مع شهر أكتوبر إلا كل عدة سنوات، ولهذا كان احتفال المصريين بشهر رمضان وأكتوبر في عام 2005 احتفالا وطنيا خاصا، يضاف إليه تطبيق التعديل الدستوري الجديد الذي كان اقترحه مبارك وجرى إقراره من الشعب وجعل اختيار رئيس الدولة بالاقتراع المباشر من جماهير الناخبين ومن بين أكثر من منافس، وذلك لأول مرة في تاريخ البلاد.
المهم، كان الجميع، من القصر الرئاسي حتى أصغر قيادي في حزب مبارك، يشعرون بسعادة، إلى أن أمسك عاكف الميكرفون في ذلك المساء وشن هجوما حادا على القصر، وبينما كان يهدد ويتوعد على مائدة الإفطار، كان وجه أحمد قذاف الدم يظهر على الشاشة وهو يجلس جواره.
ويقول قذاف الدم، وهو يواصل حديثه لـ«الشرق الأوسط» إنه وهو عائد إلى بيته بعد حفل الإفطار وجد اتصالا هاتفيا من أحد الرجال المهمين في رئاسة الجمهورية المصرية، وعبر له عن أن هناك انزعاجا من ظهوره بجوار المرشد. ويضيف: «أولا دق الهاتف الجوال وأنا عائد في السيارة، وحين نظرت إلى الرقم عرفت أنها الرئاسة، وجاء الصوت من الطرف الآخر أولا، وهو يتحدث كأنه يمزح معي، قائلا: متى انضممت إلى جماعة الإخوان؟!».
ويضيف: «المهم بعد هذه المكالمة، شعرت للحظات بأنني تسببت في إزعاج البعض، لكنني قلت في نفسي إنني لست سفيرا لليبيا لدى مصر حتى تكون تحركاتي بحساب.. فأنا ألتقي الجميع في مصر بصفتي مسؤولا (غير مقيم) عن العلاقات المصرية - الليبية وغيرها.. نعم، كنت أذهب وألتقي (الإخوان) وغير (الإخوان). لكن بعض مساعدي الرئيس مبارك احتجوا على وجودي على مائدة واحدة مع المرشد، بل قبولي دعوته لحضور حفل الإفطار.. هم لم يحتجوا بشكل رسمي، ولكن بحكم الصداقة، وأنا عائد بالسيارة، كلموني، وقالوا لي: أنت طبعا تأكل مع (الإخوان) وقاعد مبسوط معهم». وحين التقيت بعدها الرئيس مبارك، وكان سمع بالقصة، قال لي من باب المزاح على ما بدا لي، وباللهجة المصرية: «إيه.. أنت بقيت إخواني ولا إيه؟».
وبعد مهدي عاكف، جاء المرشد الجديد، محمد بديع، الذي ينتمي إلى التيار الإخواني المتشدد نفسه في القاهرة. وحالما اشتعلت الحرائق في المنطقة، فيما عرف باسم «الربيع العربي» مطلع 2011.. وصعد «الإخوان» إلى السلطة أو أصبحوا ينازعون عليها بالحديد والنار، خاصة في ليبيا ومصر. ولا تشبه جماعة الإخوان في ليبيا الجماعة المصرية، لأسباب تتعلق بالتنظيم الداخلي وبالتنازع بين القيادات القديمة والأخرى الجديدة وولاء كل منها للتيارات الإسلامية الأخرى، سواء المعتدلة أو المتطرفة. لكن على أي حال، لم يكن قذاف الدم الذي كان انتقل للعيش في مصر لاجئا سياسيا، منذ الأيام الأولى للانتفاضة المسلحة ضد القذافي في فبراير (شباط)، يتوقع أن إخوان مصر الذين تعامل معهم بالحسنى سيبيعونه لإخوان ليبيا بملياري دولار، لكن الصفقة فشلت.. ويصمت قبل أن يقول متعجبا لأحوال الدنيا: «بل لحقوا بي في السجن نفسه.. من كان يتوقع هذا؟».
كان الرئيس المصري محمد مرسي يحكم مصر. وجرت مناوشات حول شقة قذاف الدم في ضاحية الزمالك بالقاهرة من أجل القبض عليه وتسليمه لجماعة الإخوان التي كانت تحكم ليبيا في تلك السنة.. جرى أولا سحب الحراسة الرسمية من أمام العمارة التي يسكن فيها، قبل أن تتقدم عناصر مسلحة - قيل إنها «أمنية» - وتشتبك مع الحرس الخاص داخل الشقة نفسها طوال الليل، مما دفع شرطة المنطقة للتدخل في المعمعة، وتحولت محاولة تسليم إخوان مصر هذا اللاجئ السياسي، إلى إخوان ليبيا، لفضيحة يجري التحقيق فيها حاليا، وترتب على تلك الواقعة دخول قذاف الدم سجن طرة (جنوب القاهرة)، على ذمة التحقيق، لمدة تزيد على 8 أشهر، ولمعرفة قانونية تسليمه للشرطة الدولية ومن ثم لليبيا، من عدمه.
وفي السجن، وجد المثل الشعبي الذي يقول إن دوام الحال من المحال، يتجسد أمامه، وهو يستقبل قادة «الإخوان» ليقيموا معه بالزنزانة متهمين، عقب الإطاحة بمرسي، بقضايا التخابر والقتل وخرق القانون. لكن، هل إخوان ليبيا، وهي جماعة لم يكن لها تأثير يذكر في المجتمع الليبي، كانوا بتلك القوة بحيث يتمكنون من إلزام الدولة دفع ملياري دولار لحكومة مرسي بمصر من أجل تسليم قذاف الدم لليبيا.
ويقول قذاف الدم: «عدد (الإخوان) في ليبيا قليل جدا، ومحدود، لأن ليبيا ليست أرضا خصبة لقيام مثل هذه التنظيمات. وحين أعلن معمر قيام ثورة 1969، كانت ليبيا تعج بالخمَّارات والبارات والنوادي الليلية والمُجون، فقام بإغلاقها، وعمل نظاما اقتصاديا لم تكن فيه طبقات أو حقد طبقي.. وجعل القرآن شريعة المجتمع، وكان لدينا مليون ونصف المليون ليبي يحفظون القرآن».
ويضيف أن حظ «الإخوان» كان ضعيفا في ليبيا، لأنه «لم يكن هناك مبرر لوجودهم، ولذلك غادر بعضهم وأصبح ناشطا في أميركا أو في سويسرا، ضمن التنظيم العالمي لـلإخوان المسلمين»، مشيرا إلى إجراءات اتخذها القذافي، خاصة منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، حيث حرم الحزبية وأعلن عن «سلطة الشعب، لم تكن ضد (الإخوان) تحديدا، لكنها كانت ضد كل من يريد أن يقيم حزبا.. هذا كان أمرا ممنوعا.. نحن في ذلك الوقت حرمنا الحزبية في ليبيا، ومن ثم لا فرق.. كان (الإخوان) مثل الشيوعيين، مثل القوميين.. أو أي آيديولوجية أخرى، محظور عليهم تشكيل أحزاب أو الإعلان عن أنفسهم في جماعات.. هل تريد أن تمارس ما تقول به؟ إذن، تفضل داخل المؤتمر الشعبي (وحدة محلية) وعبر فيها عما تريد دون تحزب».
ويقول قذاف الدم إن طريقة حكم القذافي التي تعامل معها من قرب، لم تكن تفرق بين من يتولي المواقع الرسمية طالما التزم بما توافق عليه الليبيون، بما في ذلك رئاسة الحكومة، وطالما كان لديه القدرة على العمل.. «القذافي لم يكن يفرق آيديولوجيا بين الليبيين. كان لدينا أكثر من 3 وزراء يحملون فكر جماعة الإخوان المسلمين.. وكان معمر القذافي يعرفهم جيدا»، ويضيف أن معمر كان دائما يمزح بشأن الوزراء «الإخوان»، ويقول لهم: «ها أنتم في موقع المسؤولية فأرونا، يا إخوان، ماذا ستفعلون».
وظل هذا الأمر مستمرا في ليبيا بحق تنظيمات «الإخوان» والتيارات السياسية الأخرى، التي انتقلت للعمل في المنفى من خلال أحزاب ومن خلال التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، إلى أن بدأ ظهور الخطوات الإصلاحية التي يقوم بها سيف الإسلام، تقريبا منذ أواخر عام 2005 وبدايات 2006، خاصة أن بعض مطاريد «الإخوان» في الخارج تلقفوا هذا الشاب الذي لم يكن عمره يزيد على 32 سنة، ليستفيدوا منه إلى أقصى حد ممكن، وهو ما برهنت عليه الأيام فيما بعد.
لكن، ما الأجواء التي تسببت في ظهور سيف على الواجهة الليبية، وكيف كان يمكنه أن يستمر وسط من تبقى من «الضباط الأحرار»، أي العسكريين المخضرمين، سواء الموجودين مع والده في الحكم منذ البداية، أو ممن كانوا ما زالوا يخدمون في معسكراتهم.
على أي حال.. السؤال لقذاف الدم هو: متى بدأت تلاحظ أن سيف أخذ يلعب دورا سياسيا في الدولة؟ يجيب قائلا إنه بعد انتهاء أزمة لوكيربي وصدور حكم بإدانة أحد المتهمين وتبرئة الآخر في 2001، تحدث القذافي، وقال لنا إن الليبيين عانوا كثيرا وصبروا، وإن هناك تجاوزات حصلت وأخطاء حدثت. ويضيف قذاف الدم: «كان سيف في تلك الفترة بدأ الانتهاء من دراساته الجامعية والأكاديمية، وكانت لديه أيضا جمعية اسمها (جمعية القذافي لحقوق الإنسان)، فتبنى تصحيح التجاوزات التي سبق أن أشار إليها والده في أكثر من مناسبة. وكان سيف متحمسا، و.. حين أراد أن يستعين، استعان بكل الناس وعمل معهم دون تحفظ، بداية من جماعة الإخوان والجماعة الليبية المقاتلة وغيرهم.. استقبلهم، وقام بتعويضهم ماليا وأعاد من كان في الخارج إلى ليبيا وأعاد من كان في السجن إلى أهله، وأعطاهم حقوقهم كافة».
ويمضي قذاف الدم قائلا: «حين ذاك، بدأ سيف مشروع (ليبيا الغد)، وكان متحمسا، حيث أجرت تلك الجماعات بمن فيها (الإخوان) و(الليبية المقاتلة)، مراجعات من خلال هذا المشروع.. مراجعات أقسموا فيها على القرآن، بألا يخونوه، وألا يغدروا به، وخرجوا من السجون، لكن بعد أحداث 17 فبراير 2011 فوجئنا بكل هؤلاء الناس الذين كان يرعاهم، يتنكرون لكل ما قدمه لهم.. وبينما أصبح سيف في السجن، ولا يحصل حتى على الحق الأساسي للمسجون، صعد كل أولئك الذين كانوا يتشدقون بالحرية وحقوق الإنسان وتحولوا إلى ظلمة، بل مجرمين، يعيثون فسادا في الأرض ولا يراعون أي مبادئ».
وكان القادة المقربون من القذافي ينظرون بتشكك إلى تجربة سيف، خاصة أنه فتح الأبواب على اتساعها لجماعات، ظهر فيما بعد أنها ظلت تحتفظ بتطرفها؛ منها جماعة الإخوان والجماعة الليبية المقاتلة التي تأسست أصلا في جبال أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، وأن ترك الحبل على الغارب لسيف يؤشر إلى أنه ربما سيخلف والده في الحكم. ويقول قذاف الدم حول هذا الموضوع: «من الطبيعي أن يكون هناك داخل كل مجتمع تيارات وآراء مختلفة. ولا يمكن أن يكون هناك إجماع على أي شيء.. هكذا طبيعة البشر.. وسيف كان يعبر عن جيل جديد ظهر وليس لديه أحلام والده نفسها ولا القيم نفسها.. ما كنا نراه نحن لا يراه هو، وهذا الجيل كان من حقه أن يعبر عن نفسه ويشق طريقه، ويبني حياته الخاصة به». ويضيف: )لكن بالنسبة لما كان يقال عن توريث سيف الحكم، فإنه لم يكن هناك تفكير في ذلك. في الحقيقة، لم يكن سيف يفكر في هذا ولا كان هناك توجه بهذا الشكل».
وبينما كان نفوذ «الإخوان» والجماعات المتطرفة الأخرى يتزايد مستغلة علاقاتها بسيف الإسلام، كان سيف نفسه يواجه مقاومة لخطواته الإصلاحية التي بدا أنها تسير في طريق غير مأمون العواقب. لكن، ماذا بالنسبة لرجال الدولة أنفسهم، وهل كان هناك تصور معين لمرحلة ما بعد القذافي؟ يقول قذاف الدم: «قال لنا القذافي إن هذا الأمر سيطرح على الليبيين في مرحلة لاحقة في عملية تشبه الاستفتاء.. ماذا يريد الشعب الليبي؟ ما النظام؟ إذا أرادوا أن يستمروا في سلطة الشعب التي لم تُبنَ كما ينبغي، أم نظام جمهوري، تقليدي كبقية الجمهوريات، أو أي شيء يرونه مناسبا».
ويضيف: «ما أنا واثق به أن الأخ معمر كان لديه استعداد للقبول بكل ما يقبل به الليبيون في هذا الأمر. لكن، للأسف جرى القفز على كل ذلك، وجرت الاستعانة بالغرب المتربص بنا أساسا.. وما نراه اليوم في ليبيا تجاوز كل المعقول. وما تم خلال السنوات الثلاث الأخيرة، يفوق ما تم من قتل ونهب وسرقة واستباحة في 42 سنة.. السجون لم تكن مكدسة بالنساء والأطفال كما هي الآن، وكذا التعذيب، والنهب للثروات، وهذا الذي يجري لا يقاس ولا يقارن بما كان عليه النظام السابق، ولهذا حين يقولون إنهم يريدون محاكمة النظام السابق، لا أدري، في هذه الحالة التي نحن فيها، مَنْ سيحاكم مَنْ؟!».
ومنذ الإطاحة بنظام القذافي، هيمنت جماعة الإخوان على شؤون البرلمان والحكومة، وتمكنت من استخدام التيارات المتطرفة الأخرى في إدارة الأمور بالدولة، وهي متهمة أيضا بالوقوف ضد تشكيل الجيش والشرطة، وتريد الإبقاء على الميليشيات المسلحة التي تحالفت معها من خلال ما يعرف بمجالس الثوار أو الدروع أو الكتائب. وتمكنت الجماعة وأنصارها من طرد غالبية الكوادر الليبية التي كانت تعمل في الدولة، بقانون «العزل السياسي» الذي صدر منتصف العام الماضي، بالإضافة إلى وضع القيادات الليبية السابقة، دون تفرقة، على قوائم الشرطة الدولية، لتسليمهم إلى ليبيا ومحاكمتهم فيها، وجرى سداد مبالغ مالية طائلة من أجل القبض على سياسيين سابقين في هذه الدولة أو تلك، وكان من بين هؤلاء قذاف الدم نفسه الذي يعيش في القاهرة.
ويقول قذاف الدم إن عملية الهجوم على بيته بالقاهرة كانت مدبرة من جانب خصومه السياسيين في ليبيا.. «وهم، للأسف، هؤلاء الذين نصبتهم صواريخ الغرب على ليبيا، ولم يأتوا من أجل ثورة، ولكن جاءوا بروح انتقامية.. أنا ليست لدي أي قضية في ليبيا، ولكن هم وضعوا كل خصومهم في الإنتربول بتهم كيدية، وليس علينا أي مؤاخذة من الناحية القانونية، ولهذا لجأوا لدفع الفلوس للدول لشرائنا من أجل أن يغطوا سوءاتهم أمام الرأي العام في ليبيا، حين فشلوا في إدارة الدولة، ويوهمون الناس بأن المشاكل التي تحدث في ليبيا نحن السبب فيها، وهذا غير صحيح».
ويتابع قائلا إنه حين حكم «الإخوان» مصر، «جرت بينهم وبين الحكومات المتعاقبة في ليبيا مفاوضات لتسليمي، وبدأوا بمليار دولار لمصر في أيام حكم مرسي، وانتهوا بمليارين». ويكشف قذاف الدم عن أن رئيس البنك المركزي الليبي، كان اشترط أن يوقع على طلب صرف هذه الأموال كل من رئيس «المؤتمر الوطني» (البرلمان المؤقت وقتها) محمد المقريف، ورئيس الوزراء حينذاك علي زيدان، حتى يؤمن نفسه من أي مساءلة مستقبلا.
لكن، كيف أصبح إخوان ليبيا بكل هذا الزخم والهيمنة والتوغل بعد 17 فبراير؟ يقول قذاف الدم: «ليست هناك هيمنة ولا توغل.. في تقديري أن الذي حدث أنه بعد فبراير هو أن المجموعات الليبية المقاتلة و(أنصار الشريعة) أصبحوا هم الذارع العسكرية لحركة الإخوان، وعملوا كفريق لهدف واحد.. طبعا هذه المجموعات، خاصة بعض التنظيمات الدينية، وأيضا (الإخوان)، لديهم تنظيم عالمي.. وانضمت مجموعات أخرى غير ليبية إلى هؤلاء، فأصبح العدد كبيرا بالمجموعات غير الليبية. عدد المتطرفين الأجانب يقدر بالآلاف».
ويواصل موضحا: «إذا كان العمل عملا ليبيا، حسنا، يكون من فيه ليبيون فقط، وأنا لا أتحفظ على أي من التنظيمات أيا كان توجهها.. نحن لسنا ضد أن تكون هناك دولة للخلافة، ولا ضد الشريعة، ولا ضد أن يأخذ من لديه هذه الأفكار فرصته في أن يمارس حقه في إدارة الأمة أو الدولة أو البلد، ولكن نحن نختلف على استخدام السلاح لفرض هذه الآراء أو الاستعانة بأطراف أجنبية للوصول لهذا الهدف».
ويضيف أن «الذي يحدث الآن هو أن هناك جنسيات كثيرة من دول العالم جاءوا ليقاتلوا مع المتطرفين في ليبيا ويقتلون الليبيين. ولو دخلنا في هذه الدوامة، فكل سيستنصر بمن يريد، وندخل في حرب أهلية ندمر فيها أنفسنا نيابة عن قوى أخرى أجنبية، وهذا ضار بنا وبهم، ولا يخدم لا توجهاتنا ولا توجهاتهم، ولذلك علينا أن نأتي لكلمة سواء نخرج بها من هذه المآزق التي نحن فيها. أما في الاجتهاد، فكل عليه أن يجتهد، هو حر، لأن هؤلاء الشباب الليبيين شباب عربي مسلم، ونتيجة للوضع البائس الذي فيه العرب، تداعوا واستُقْطِبوا من قبل مجموعات فكرية متطرفة، واستخدموا استخداما لن يأتي بنتيجة سوى بمزيد من الدمار لهذه الأمة».
لكن، هل لدى قذاف الدم أي تأكيد عن أن ليبيا تحت هيمنة جماعة الإخوان أعطت لمصر أيام حكم مرسي ملياري دولار، وما مصير هذا المبلغ الآن؟ يقول: «مسؤولون ليبيون صرحوا في اليوم التالي للهجوم على بيتي، العام الماضي، بأن أمر تسليمي أصبح حتميا، وأقروا بأن ليبيا أعطت مصر ملياري دولار، وعدت أغلى صفقة في التاريخ بشأن تسليم لاجئ سياسي، وطبعا دُفعت بعض الرشى هنا وهناك، وفي الوقت الحالي هناك تحقيقات كبيرة تجرى في مصر، وأعتقد أنه أيضا سيكون هناك تحقيق حول هذا الموضوع في ليبيا».
ويضيف: «لكن إرادة الله كانت أقوى من هذا التآمر.. فقد هجموا على بيتي في الساعة الثانية فجرا، وكانت لدي حراسة جرى سحبها، ثم بعد ذلك جرى إطلاق نار، ومواجهة استمرت 10 ساعات، وتجمع ليبيون ومصريون أحرار وعدوا ما يحدث إهانة لمصر، واعتصموا تحت البيت، دفاعا عن قيم مصر التي لا تسلم من يلجأ إليها.. مما أفشل العملية، وأصبحت قضية داخلية، إلى أن سقط حكم (الإخوان) بمصر وانتهت القصة وحكمت المحكمة ببراءتي، بعد 9 أشهر من الاحتجاز في السجن».
وكما يقال «مثلما تدين تدان»، وكما يقال أيضا «الأيام دول».. يعلق قذاف الدم: «لقد دخلت سجن طرة و(الإخوان) في السلطة وهم من كان يريد تسليمي، إلا أن هذه القيادات وجدتها تسجن في الزنزانة نفسها التي كنت فيها، وذلك بعد أن ثار المصريون في 30 يونيو (حزيران) 2013 ضد حكم الجماعة. ويتابع: «كانت هذه آية من آيات الله، أن هؤلاء الناس باعوني بغرض تسليمي إلى ليبيا وأنا لاجئ سياسي لمصر، مقابل صفقة معروفة، وأفاجأ بأنهم يأتون إلي في السجن، بعد كم شهر.. ومع ذلك، جلسنا بعضنا مع بعض في السجن، وتحاورنا وتكلمنا، وصدمت بالحالة التي هم فيها.. فمعالجتهم للموقف الذي وجدوا أنفسهم فيه في مصر، كانت متواضعة، وهي معالجة تدل على أنهم أناس ليست لديهم أي تجربة أو خبرة أو معرفة، ولم يستمعوا إلينا حين نصحناهم في السابق بأن يحافظوا على الدعوة وأن يتركوا السياسة لأهل السياسة».
ويتحفظ قذاف الدم على الإفصاح عن أسماء قيادات «الإخوان» الذين سجنوا معه في الزنزانة بسجن طرة، ويقول: «لا أريد أن أذكر أسماء من قابلتهم في السجن، لأنهم الآن ما زالوا في السجن، لكن أريد أن أؤكد أن قيام (الإخوان) بإعادة الكرّة بالدخول في السياسة، يدل على أنهم كانوا متمسكين بالسلطة ومصرين عليها، مما يبين أن شغفهم بالسلطة والإصرار عليها كان أقوى من حبهم للدين أو الدعوة التي ناضلوا من أجلها سنوات طويلة».
وعن كيفية الحوار الذي كان يجريه مع قادة «الإخوان»، عبر الزنازين، فيوضح: «أحيانا، تكون هناك مناقشات أثناء فترات التريض في فناء السجن، وأحيانا ونحن في الزنازين.. كان كل منا محبوسا في زنزانة، ونتحدث عبر الفتحات الصغيرة الموجودة.. نتكلم منها ويصل الكلام إلى الآخرين. وننتظر حتى نتلقى الردود. وكانت هذه وسيلة تسلية أيضا. والسجن هو السجن، وبالنسبة لي كان تجربة مهمة في حياتي استفدت منها، وقرأت كثيرا والتقيت كثيرا من الحالات السياسية وغير السياسية من السجناء، وتعرفت على السجانين أيضا. على أي حال، أنت تمارس رياضة التأمل واليوجا داخل السجن. وكنت أحتاج هذه الاستراحة؛ استراحة محارب.