تعتبر السيطرة على الظلام الذي يحل مع قدوم الليل امرا يستحق التقدير نظرا لما توفره من ميزة عسكرية لتحقيق نتائج حاسمة في المعركة. على مدى السنوات الخمسين الماضية، وسجلت العديد من الخطوات في هذا المجال لاعطاء الجنود الراجلين الموجودين على الخطوط الامامية القدرة على الرؤية الليلية بوضوح تماما كما في النهار.
تتبع تكنولوجيا الجنود الراجلين الخاصة بالرؤية الليلية مسارين رئيسيين: الاول تكثيف الصورة I2) او (II التي تضاعف بشكل فعال الضوء المحيط مما يساعد في توفير الرؤية والثاني التصوير الحراري (TI) الذي بدوره يكشف الحرارة ويحدد بدقة النقاط الساخنة على غرار الناس ومحركات الآليات ضد الارض الباردة او السماء.
يضم النظامان حسنات وسيئات: فتكثيف الصورة يعتمد على القمر او ضوء النجوم لذلك فان هذه العملية تتأثر بشكل كبير عند غيابهما.
يميل النظام II الى ان يكون اكثر خفة ووزنا ويتطلب طاقة اقل بحيث يتمتع بسهولة ادخاله في نظم قابلة للاستخدام من قبل المشاة الراجلين مثل مناظير الرؤية الليلية القادرة على التركيب كأجهزة احادية او ثنائية العينية على خوذ الجنود. في المقابل، لا تعتمد تكنولوجيا التصوير الحراري (TI) على مصادر الضوء الخارجية لكنها قادرة على كشف المناطق الساخنة كالناس والعربات والتجهيزات المخبأة بفضل نظم التمويه او خلف اغطية نباتية. يكمن الجانب السلبي في تكنولوجيا (TI) انها اكبر واثقل وتتطلب طاقة اكبر من تلك الموجودة في النظم المعتمدة على تكنولوجيا تكثيف الصورة (II)، مما يعني ان نظم التصوير الحراري من المرجح ان تكون موجودة على متون الآليات او على اجهزة تسديد متخصصة بالاسلحة الكبيرة.
تعرف المكونات الرئيسية الموجودة في اجهزة II وخصوصا في اجهزة مناظير الرؤية الليلية NVG، بأنابيب II. تحول الضوء المحيط الى صورة تسقط في الجزء المخصص للعين في المنظار.
في الوقت الذي يبدو الشكل الخارجي لاكثرية العلامات التجارية لمناظير الرؤىة الليلية مشابها، الا ان التكنولوجيا المدخلة في انابيب تكثيف الصورة فيها يمكنها في ان تكون مختلفة تماما.
تستثمر كبرى الشركات العالمية المصنعة لانابيب تكثيف الصورة على غرار Northrop Grumman في الولايات المتحدة الاميركية وVectronix في سويسرا وSimrad في النروج وThales في فرنسا، تستثمر بشكل كبير في نقل هذه التكنولوجيا نحو الامام. ان آداء ما يسمى بأنابيب الجيل الاول التي ظهرت العام ١٩٦٠ هي اقرب ما يكون من تلك المستخدمة في القرن الحادي والعشرين. من المسلم به عموما ان الجيش الاميركي مجهز بمناظير رؤية ليلية نوع AN/PVS-7 مزودة بأنابيب تكثيف الصورة من الجيل الثاني (Gen 2) II Tube قادرة على رؤية الاهداف بحجم العربة والمستهدفة من اعلى مسافات ١٧٠ الى ١٨٠ مترا من النجوم. مهما كان نوع التكنولوجيا المستخدمة في الانبوب، فان وجود الضوء ينعكس فعالية اكبر في الوصول الى الهدف وتحديده.
تسعى تكنولوجيا الرؤية الليلية الى توفير افضل تكنولوجيا انبوب وافضل اداء من حيث شروط الضوء الخفيف على الرغم من كل التوقعات القائمة منذ سنوات خلافا لهذا التطور.
مع ظهور انابيب الجيل الثالث منتصف العام ١٩٨٠، تهاوت تكلفة مناظير الرؤية الليلية وزاد آداؤها، فمثلا منظار AN/PVS-7 NVG اصبح قادرا على العمل من مدى ٥٠ مترا ضد هدف الرجل الواقف في حين ان كلفته هي ٦٠٠٠ دولار اميركي، ومع حلول العام ١٩٩٨، بات هذا المنظار يعمل على مدى ١٦٠ مترا وبتكلفة اقل من ٣٠٠٠ دولار اميركي.
ضغط الزبائن الدوليين، منتصف العام ١٩٩٠، من اجل ابتكار المزيد من التطويرات الاضافية في ما خص تكنولوجيا انابيب II، شاملين بذلك الآداء والاعتمادية - او ما يسمى بالجيل الرابع (Gen 4). سلم النظام الاول من النظم الجديدة للولايات المتحدة الاميركية في شباط/فبراير ٢٠٠١، الى العميل الذي اعلن ان هذه التكنولوجيا تمثل افضل آداء لمناظير الرؤية الليلية.
جرى، على مدى السنوات ال ١٥ الماضية، المزيد من التحديثات من خلال تقديم انابيب جديدة من شأنها توفير مجموعة طيفية حساسة واسعة للمساعدة في الحصول على صورة مثالية بغض النظر عن المكان حيث المشغل يستخدم هذه المعدات مثل اوراق الشجر، على المياه، الثلج، الصحراء والاماكن الصخرية القاحلة. بما ان الثورة الرقمية تسير بسرعة عالية، تطمح الكثير من الجيوش حول العالم الى تطوير تجهيزات الرؤية الليلية التي تجمع تكنولوجيات II وTI على حدّ سواء لتوفير مرونة تكتية اكبر. يقود هذا الامر الى التحقق من صهر الصور من مصادر II وTI بغية جمع التكنولوجيتين ضمن وحدة معدات واحدة.
بدأت شركة ITT العمل مع Raytheon، في منافسة مع Northrop Grumman للتعاون على تطوير تكنولوجيا لصهر صور الرؤية الليلية ولتعزيز نماذج مناظير الرؤية الليلية التابعة لها التي اعتبرت مناظير من المستوى الاول التي تقدم صور II موفرة قدرات تحديد الهدف بشكل واضح، الامر الذي يسمح في تحسين قدرات الادراك الوضع الميداني والحركية المحسّنة.
لغاية اليوم، تعد مناظير AN/PVS-21 NVG النظم الوحيدة التي تدمج تكنولوجيا صهر الصورة هذه. تستخدم هذه الاخيرة ضمن القوات الجوية والبحرية وقيادة العمليات الخاصة (SOCOM) الاميركية الى جانب كندا والمانيا وايطاليا والمملكة المتحدة ودول اخرى في حلف ناتو.
على الرغم من الحسنات التي تقدمها مناظير الرؤية الليلية للجنود في ما خصّ القدرة على رؤية الاهداف ليلاً، الا ان عيبها يكمن في زيادة الوزن على رأس الجندي ورقبته. لذا، لم يكن مفاجئا القول ان وزن الجهاز وحجمه اصبحا من اولويات تطوير NVG. يحاول المصنّعون تحقيق هذا التقليل في الوزن والحجم لجعل الشكل الخارجي للمنظار مقتضبا، اي المسافة ما بين طرفي الجهاز للتخفيض من حدة الضغط على عنق الجندي.
تحتاج نظم NVG الى الكثير من المكونات البصرية لتوجيه الضوء من نوافذ الإدخال من خلال تكثيف الصورة على طول مسار نوافذ الاخراج في العين. لا يؤثر ذلك على وزن النظام فحسب، بل على ادائه ايضا حيث ان كل قطعة من البصريات سوف تمتص بعضاً من الضوء، مما يعني ان الانتاج سيقل نوعاً ما.
للتغلب على هذه الاخيرة، برز العديد من الحلول كان ابرزها تخفيف وزن الجهاز البصري وحجمه مما يشغل الى حدّ ما المهندسين في هذا المجال.
تهتم الجيوش حول العالم في عرض البيانات الخارجية، لذا عمدت الشركات الى العمل على ادراج البيانات ضمن نظمها. يعتبر هذا المطلب احد ابرز عناصر برنامج تحديث الجندي الذي انتشر في السنوات القليلة الماضية في جميع انحاء العالم. اساساً، التكنولوجيا التي تسمح بهذه العملية موجودة اليوم وهي تتم بطريقة تقليدية من خلال استخدام مفهوم نرى من خلال او اجهزة العرض البصرية التي تركب على الرأس (HUD). يكمن الجانب السلبي لهذه التكنولوجيا انها تضيف وزناً على كاهل الجندي كما ان صيانتها معقدة.
بعيدا عن تكنولوجيا ادخال البيانات، تأتي الحاجة الى التقاط صورة وتقديمها على شكل رقمي للمستخدم والسماح له في إحالة نسخة احتياطية عنها لمركز القيادة، تتضمن هذه الالكترونيات ألغوريتمات مبرمجة لتحسين الصورة وادخال الرموز حيث يتلقيها المستخدم من قناته الراديوية التي تضم البيانات في ساحة القتال ليتم في ما بعد جمع المعلومات كافة ضمن حل خفيف الوزن. يعد هذا الاخير ابتكارا مميزا ويدرّ بالفوائد على الجيوش.
بدأ الجندي الراجل المعاصر الاعتماد على مصادر طاقة خفيفة الوزن لتعزيز قدرات الرؤية الليلية. وبما ان المعدات التي يحملها جنود المشاة باتت معقدة، تزداد الحاجة الى وجود تحديثات مبتكرة ذات كفاءة عالية وسهلة الصيانة.
الى ذلك، وعلى الرغم من صرف الكثير من الاموال والوقت للتوسع في تطوير منتجات الرؤية الليلية الثورية، الاّ ان مثل هذه الاعمال تعتمد عموماً على البطاريات بغية العمل بكفاءة. تعتمد معظم مصادر الطاقة العسكرية الحالية على تكنولوجيات قد نجدها مستخدمة مدنيا.
تميل الجيوش، كلما أمكن، الى استخدام تكنولوجيات تجارية جاهزة للبيع ذات تكلفة منخفضة (COTS). ترتكز البطاريات العسكرية الاولى او تلك غير القابلة لاعادة الشحن الاكثر شيوعاً، ولسنوات عديدة على مادة الليثيوم، سواء أكانت مادة الليثيوم ثاني اوكسيد الكبريت (Li - SO2) ام مادة كلوريد تيونيل الليثيوم (Li - SOCI2)، في كل الحالات تمثل تحسناً نوعياً مطبقاً على التكنولوجيات القديمة على غرار مصادر الطاقة القائمة على اساس مادتي الزينك الكربوني والقلوية التي لا تزال تحقق مبيعاً عالمياً بكميات كبيرة. من بين موردي هذه المصادر شركة Saft الفرنسية التي تنتج مصادر طاقة عسكرية ومدنية على حد سواء الى جانب بطاريات ثاني أوكسيد الليثيوم المنغنيز (3V) التي تنتجها الشركة، حصدت بطاريات Li - SOCI2 بقوة ٥.٣ فولت وLi - SO2 بقوة ٣ فولت من Saft نسبة عالية في سوق بطاريات الاتصالات المتنقلة في ارض المعركة.
لقد كان الجيل القديم من مصادر الطاقة العاملة بالليثيوم عرضة للانفجار عند ثقبها وعرف عنها أيضا بعثها لأبخرة كيميائية مما كان يحدث انذاراً كيميائياً او يلحق الضرر بمستخدم المناظير الليلية.
في حين ان بطاريات الليثيوم تعد البطاريات الاكثر شيوعاً في الخدمة العسكرية، تعتبر طاقة بطاريات الليثيوم ايون القابلة للشحن او الثانوية قوية نوعاً ما.
تتسم البطاريات القابلة للشحن بحسنات واضحة نظراً اولاً لكلفتها المجدية وربما أيضاً لفعاليتا في البيئة التدريبية. لا تزال البطاريات العاملة بمادة الكادميوم نيكل (Ni-Cd) والبطاريات الهجينة المؤلفة من مادتي النيكل والمعدن القابلة للشحن، لا تزال تستخدم ضمن التطبيقات العسكرية بسبب تكلفتها المنخفضة نسبياً. ومع ذلك، فقد سمحت التطويرات الحديثة في تكنولوجيا الليثيوم ايون منذ تطويرها الاول بداية العام ١٩٩٠، بتخفيضات في الوزن وبتحسينات في كثافة الطاقة مما جعل منها خياراً مميزاً وجذاباً. لا تعاني البطاريات الثانوية المصنوعة من مادة الليثيوم ايون من تأثير الذاكرة الذي يؤثر على البطاريات الاخرى القابلة للشحن كما ان انتشارها في التطبيقات التجارية قطع شوطاً كبيراً نحو نشرها عسكرياً.
احدثت اجهزة الرؤية الليلية ثورة كبيرة في الحروب كما ان الجيوش حول العالم تسعى للحصول على افضل نظم لتحقيق افضل النتائج في المعارك. تشهد التكنولوجيا العسكرية نمواً متسارعاً في يومنا هذا ولحسن الحظ انه وبالرغم من كل التحديثات القائمة الا ان هذه النظم تأتي في ظل تكلفة منخفضة.