يعد التدخل الروسي في سوريا هو أول عملية عسكرية روسية خارج حدود الاتحاد السوفيتي السابق منذ نهاية الحرب الباردة.
لكن الولايات المتحدة وشركاءها في التحالف الدولي شنوا بالفعل أكثر من 7,000 ضربة جوية في سوريا والعراق ضد ما يسمى بتنظيم "الدولة الإسلامية".
وكان تأثير هذه الضربات محدودا، حتى وفقا لأكثر التقييمات تفاؤلا.
لقد تم السيطرة على التنظيم، لكنه لم يهزم على أية حال. لذا، لماذا يجب أن تكون روسيا قادرة على القيام بما هو أفضل من ذلك؟
روسيا بالطبع تضع قيودا على هجماتها على سوريا. وتشير المهام القتالية الأولية إلى أن الهدف الأساسي هو تخفيف الضغط من على القوات المقاتلة للرئيس بشار الأسد، وأن قائمة الأهداف ستشمل ما هو أبعد من تلك المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية.
لكن ما هي القدرات العسكرية التي يمتلكها الروس؟ وما هي الأسلحة التي يمكنهم استخدامها؟ وكيف تقارن القوات الجوية الروسية بنظيراتها الغربية؟ وما الذي يمكنها تحقيقه في نهاية المطاف؟
خليط من القديم والحديث
تعد قوات الاستطلاع التي أرسلت إلى سوريا صورة مصغرة من القوات الجوية الروسية ككل.
يقول مايكل كوفمان، محلل بمركز التحليلات البحرية الذي يقيم في الولايات المتحدة، إن روسيا لديها 34 طائرة ذات أجنحة ثابتة في مدينة اللاذقية - خليط من الأنواع يشمل: 12 طائرة من طراز (SU-25s)، و12 طائرة من طراز (Su-24M2s)، وأربع طائرات من طراز (Su-30SMs)، وست طائرات من طراز (Su-34s).
وأضاف قائلا "يمثل هذا الجيل القديم الطائرات الهجومية التي صنعت خلال العهد السوفيتي، والطائرات الهجومية الجديدة الأكثر حداثة والقادرة على القيام بالمهام المتعددة التي يتعين على روسيا القيام بها".
وقال كوفمان إن "الطائرة سوخوي من طراز Su-25 تقدم الدعم البري وتعد منصة لتوجيه الضربات الجوية، وقد استخدمت في كافة الحروب التي خاضتها روسيا، بما في ذلك حرب الشيشان والحرب الروسية الجورجية".
وأضاف قائلا إن "هذه الطائرة قادرة على تقديم الدعم عن قرب، لكنها ضعيفة نوعا ما، ومن السهل إسقاطها، ولاسيما من منظومات الدفاع الجوي المحمولة (التي يحملها شخص أو صواريخ أرض جو تطلق من على الكتف)، والتي انتشرت في جميع أنحاء ساحة المعركة السورية".
وأردف قائلا إن "الطائرة سوخوي من طراز Su-24M2 هي طائرة كلاسيكية تكتيكية تقوم بمهام هجومية، وتم تحديثها منذ أيام الاتحاد السوفيتي وقادرة على القيام بمجموعة متنوعة من المهام الجوية، لكنها ضعيفة وقديمة نوعا ما".
أما العناصر الأكثر إثارة للاهتمام في هذه الأسلحة، حسب كوفمان، فهي الطائرات من طراز Su-30Ms وطائرات من طراز Su-34s.
ويضيف قائلا إن "الطائرات من طراز Su-30SM هي طائرات مقاتلة ثقيلة متعددة المهام وقادرة على القتال الجوي والقيام بمجموعة متنوعة من المهام الهجومية بدقة على ارتفاعات أعلى".
وقد اكتملت الصورة بوصول طائرات من طراز Su-34 في الآونة الأخيرة.
يقول كوفمان إن "هذه طائرة أكثر تقدما بكثير، وهي في الأساس بديل للطائرة من طراز Su-24M2 ، وقادرة على إجراء مجموعة كاملة من المهام منها القصف والدفاع عن نفسها في الهواء. لم تشارك هذه الطائرة مطلقا في الحرب، وروسيا لا تريد استخدامها في الحرب فحسب، لكنها تريد تجربتها في واقع الأمر".
قدرات الأسلحة
تمتلك الطائرات الروسية قدرات هائلة على هذا الأساس، لكن ماذا عن الذخائر التي تستخدمها؟
الأيام القليلة الأولى للحملة الجوية الروسية على سوريا أعطتنا فكرة أفضل عن الذخائر التي تستخدمها القوات الجوية الروسية.
يظهر مقطع فيديو صادر عن وزارة الدفاع الروسية، فضلا عن لقطات ومقاطع فيديو أخرى، استخدام مجموعة متنوعة من الأسلحة.
ويبدو أن الجانب الأكبر من هذه الذخائر هو قنابل غبية – أو غير موجهة – وليست الذخائر الموجهة بدقة التي تهيمن على الحملات الجوية الغربية.
وشوهدت قنابل (OFAB 250-270) الانشطارية وهي تُحمل على الطائرات الروسية في اللاذقية، فضلا عن قنابل (OFAB 250-500s) وقنابل (OFAB 100-120s).
كما شوهدت قنابل (KAB-500S) الموجهة بالنظام العالمي لتحديد المواقع. وظهرت أدلة على استخدام الذخائر العنقودية (SPBE-D)، رغم أنه يمكن إسقاطها أيضا عن طريق طائرة سورية.
يقول دوغلاس باري، زميل بارز متخصص في الفضاء العسكري بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في العاصمة البريطانية لندن إن "القوات الجوية الروسية في حاجة ماسة اليوم إلى توسيع نطاق الأسلحة الدقيقة وأنظمة الاستهداف كتلك التي تستخدمها نظيراتها من الدول الغربية".
ويضيف قائلا إن "هذه ليست مشكلة جديدة للقوات الجوية، إذ ظهرت هذه المشكلة خلال الحرب الجورجية عام 2008".
ويضيف قائلا إنه "منذ ذلك الحين، تبذل القوات الجوية والصناعة الروسية مزيدا من الجهد لإنهاء تطوير وامتلاك أنظمة تحديد موضع الأسلحة والأهداف مثل تلك الموجودة في الولايات المتحدة والدول الاوروبية الكبرى".
ويمضى قائلا "ظهرت هذه المشكلة مع انهيار الاتحاد السوفيتي وضخ استثمارات ضئيلة للغاية في تطوير أنظمة الأسلحة المتقدمة على مدى عقود تقريبا".
ثمة بعض الاختلافات البارزة الأخرى في مجال التكنولوجيا.
وفي حين يمتلك الروس قنابل وصواريخ شبه نشطة موجهة بالليزر ونظم استهداف بالليزر على طائرات من طراز (Su-25 Frogfoot) وطراز (Su-24 Fencer) ، فإنها لا تنشر هذا النوع من أنظمة التوجيه التي تحملها الطائرات الغربية التي تساعد في الحصول على الهدف وتوجيه السلاح نحوه.
وعلى الرغم من نشر بعض الطائرات بدون طيار في سوريا، فإن باري يشير إلى أن الروس "يفتقرون أيضا إلى مستوى النظم الجوية بدون طيار لجمع المعلومات الاستخبارية والمراقبة والاستطلاع التي استخدمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على نطاق واسع في أفغانستان، كما لا تملك نفس المستوى من الخبرة في مجال التكامل الجوي الأرضي خلال السنوات الأخيرة".
الهجوم من البحر
فضلا عن الغارات الجوية، شنت روسيا هجمات صاروخية على أهداف لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا من السفن الحربية الموجودة في بحر قزوين – على بعد 1500 كيلو متر (930 ميل).
وقال وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو إن أربع سفن حربية أطلقت 26 صاروخ كروز من البحر على 11 هدفا، مما أدى إلى تدميرها والتسبب في وقوع إصابات بين المدنيين.
ويعتقد خبراء غربيون أن الصواريخ التي أطلقت من سفن حربية روسية في بحر قزوين هي ما يطلق عليها اسم (Kaliber/Nk)، وهي جزء من أسلحة (3M-54) .
يذكر أن (Kalibr-Nk) هو صاروخ معد للهجوم البري، ويعادل على نطاق واسع صاروخ "توماهوك" الذي تستخدمه البحرية الأمريكية الذي يبلغ مداه 2600 كيلو متر.
وقرار استخدام صواريخ كروز التي تطلق من السفن الحربية يمثل بعدا جديدا في تدخل موسكو المتنامي في الأزمة.
ليس واضحا حتى الآن لماذا تم اختيار هذه الأسلحة بعينها لشن الضربات الجوية - لكن كان يتعين على الصواريخ قطع مسافة طويلة فوق إيران ثم العراق للوصول إلى سوريا.
لطالما كانت صواريخ كروز التي تطلق من البحر هي السلاح الذي اعتمدت عليه الولايات المتحدة لفترة طويلة في تدخلاتها العسكرية في الخارج، لذلك ربما كانت روسيا تسعى لأن تظهر أنها تمتلك مجموعة كاملة من الأسلحة القادرة على التعامل مع أسلحة أي "قوة عظمى".
قوات سورية على الأرض
ربما تعد القوات الجوية الروسية متخلفة من بعض النواحي عن الدول الغربية الأكثر تقدما، لكنها تمتلك بالتأكيد القدرة على شن حملة جوية فعالة. فما هي مهمتها بالضبط في سوريا؟
ربما يكمن هنا أعظم الفروق بين الحملات الجوية الروسية وتلك التي تقودها الولايات المتحدة.
تتمثل نقطة الضعف الأساسية التي تعاني منها الولايات المتحدة وحلفاؤها في عدم وجود قوات جديرة بالثقة على الأرض.
يمكن للقوة الجوية أن تحقق الكثير بالتنسيق مع القوات الأرضية لاحتلال أراضي والسيطرة عليها، لكن يكون التأثير محدودا في غياب القوات البرية.
لكن هذا الأمر لا ينطبق على الروس. صحيح أن الجيش السوري النظامي ليس كما كان، بعد أن تكبد خسائر فادحة وتعرض لانشقاقات، لكنه ما زال قوة يمكن الاعتماد عليها داخل سوريا.
ويمكن للجيش السوري الآن، بعد تزويده بمعدات روسية جديدة ودعمه بالقوة الجوية الروسية، أن يحافظ على وجوده في المعارك التي يخوضها ضد معظم قوى المعارضة.
الكاتب : جوناثان ماركوس
مراسل الشؤون الدفاعية في بي بي سي