قليلون كانوا على علم بمدى تدهور صحة الملك حسين عندما عرض تقديم المساعدة كصانع للسلام في «واي ريفر». فقد كان يشعر في ذلك الوقت بضعف شديد وإنهاك جسدي بالغ. رافقته في تلك الرحلة إلى مقر المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين الملكة نور بغرض رعايته، وتوجها أولا إلى منزلهما في «ريفر هاوس» على نهر بوتوماك بغرض الراحة قبل التوجه في اليوم التالي إلى «واي ميلز» على متن مروحية الرئيس كلينتون «مارين 1». لدى وصولهما إلى هناك توجها إلى استراحة «هوتون هاوس» الخاصة المطلة على «واي ريفر».
بدا كلينتون منهكا تماما ومحبطا إزاء سير المفاوضات. وفي سياق وصف مشاعر المشاركين في المفاوضات عندما التقوا الملك حسين، أشارت الملكة نور في مذكراتها إلى ان الفلسطينيين المشاركين في المفاوضات شعروا بالصدمة وتأثر بعضهم بصورة بالغة عندما رأوا الملك حسين وهو في حالته تلك وقد بدت عليه آثار المرض وجلسات العلاج. وفي واحد من فصول كتابه حول عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط أورد دينيس روس وصفا مفصلا لتلك اللحظات: «مرض سرطان الغدة الليمفاوية الذي أصاب الملك حسين وصل مرحلة متقدمة، وكان الملك معرضا للإصابة بالالتهاب، لذا أبلغنا وزير الخارجية بمسح اليدين جيدا بسائل مطهر خاص قبل مصافحة الملك حسين. وطاف رئيس البروتوكول بوزارة الخارجية على المشاركين وهو يحمل قارورة صب منها السائل المطهر على أيدي كل من الرئيس كلينتون وعرفات ونتنياهو وبقية الحاضرين. ذلك المشهد ومنظر الملك حسين وقد ظهرت عليه آثار المرض، أضفيا جوا مؤثرا وشعورا بالألم».
ألقى الملك حسين على المشاركين كلمة مؤثرة ركز فيها على ضرورة تجاوز الخلافات والحرص على تحقيق مستقبل أفضل للأجيال المقبلة في المنطقة. وبات واضحا ان الكلمة التي ألقاها الملك حسين والهيئة التي بدا عليها بفعل المرض تركتا أثرا ملحوظا على المشاركين وكان لهما أثر أيضا على تبدل لهجة المفاوضات، إلا ان ذلك لم يستمر طويلا. وتوجه كل من الملك حسين والملكة نور عائدين إلى منزلهما في «ريفر هاوس» قبل العودة مجددا إلى مايو كلينيك.
لدى استئناف المفاوضين عملهم بشأن القضايا المطروحة على الطاولة عاد نتنياهو مجددا إلى تصلبه متعذرا باعتبارات سياسية داخلية في إسرائيل. حتى في قضية عدد السجناء الفلسطينيين المراد إطلاق سراحهم، وهي تعتبر قضية ثانوية مقارنة بالقضايا الأخرى المطروحة للتفاوض، كان موقف نتنياهو متقلبا ومربكا، الأمر الذي أثار غضب الرئيس كلينتون وانعكس واضحا في اللهجة التي تحدث بها إزاء موقف نتنياهو. فقد أورد دينيس روس في كتابه حول عملية السلام في الشرق الأوسط ان الرئيس كلينتون قال معلقا حول مسلك رئيس الحكومة الإسرائيلية: «نتنياهو لا يريد التوصل إلى اتفاق. انه يحاول إذلالي وإذلال عرفات. ماذا يتوقع نتنياهو ان يفعل عرفات في هذه الحالة؟»
اتصل كلينتون هاتفيا مساء ذلك اليوم بالملك حسين في «ريفر هاوس» وأبلغه بأنهم انتهوا مرة أخرى إلى طريق مسدود وأن نتنياهو يستعد للمغادرة عائدا إلى إسرائيل. نصح الملك حسين كلينتون بالتمسك بموقفه وعدم الاستسلام لمطالب نتنياهو، واقترح أيضا ان يعقد مع كلينتون مؤتمرا صحافيا مشتركا في حال مغادرة نتنياهو يوضحان من خلاله للعالم ما حدث وتحميل نتنياهو مسؤولية فشل المفاوضات. نام الملك حسين تلك الليلة وهو لا يدرك ما يمكن ان يحدث صباح اليوم التالي، إلا ان حديث نتنياهو عن حزم حقائبه والعودة إلى إسرائيل لم يكن سوى تهديد أجوف، ذلك ان الوفد الإسرائيلي كان موجودا صباح اليوم التالي في «واي ريفر».
اتصل كلينتون بالعاهل الأردني الراحل مجددا طالبا منه العودة إلى مقر المفاوضات مرة أخرى للمساعدة. وصل الملك حسين بالفعل وأبلغ الطرفين بأن لا مجال للفشل مذكّرا إياهما مجددا بمسؤوليتهما تجاه شعبيهما وتجاه الأجيال المقبلة. واصل الطرفان العمل طوال ذلك اليوم وتوصلا في نهايته إلى اتفاق متواضع، لكنه أفضل من الفشل الكامل. فقد وافقت إسرائيل على إعادة نسبة 13 بالمائة من أراضي الضفة الغربية إلى الفلسطينيين على مراحل، ووافقت أيضا على إطلاق سراح بعض السجناء الفلسطينيين. وجه كلينتون الدعوة إلى الملك حسين والملكة نور للمشاركة في الاحتفال المخصص لتوقيع الاتفاق في البيت الأبيض في 23 أكتوبر (تشرين الأول).
كان ذلك الاحتفال حدثا إعلاميا بارزا شارك فيه الرئيس كلينتون، إلا ان الذين شاهدوا الملك حسين عبر شاشات التلفزيون مشاركا في تلك المناسبة وقد بدت عليه آثار المرض أصيبوا بالصدمة. لكنه بدا قويا وفاعلا عندما ألقى كلمته حول السلام مؤكدا فيها ان الاتفاق أحيانا والاختلاف أحيانا أخرى والود في بعض الأحيان والعداء في غيرها لا يمنح أي طرف يملك الحق في إملاء الأفعال غير المسؤولة وضيق التفكير على أجيال المستقبل، وقال أيضا أنه يكفي الدمار والموت الذي حدث وأن الوقت قد حان للعمل سوية من أجل الشعوب ومستقبل أجيالها.
مساهمة الملك حسين في النهاية الناجحة للمفاوضات وجدت إشادة واسعة. الأردنيون نظروا إليها كونها تخدم مصالح أردنية حيوية وإثباتاً لدور لا غنى عنه لبلدهم على الصعيد الإقليمي. كما انهم نظروا إلى مشاركة الملك حسين في المفاوضات كتعبير عن الاعتراف الدولي بمكانته والاحترام الذي يحظى به. ويمكن القول ان مغادرة الملك حسين لسرير المرض بهدف دعم وتوجيه المفاوضين في «واي ريفر» كان بمثابة آخر مساهمة عملية له في قضية السلام. وجرى ترشيح الملك حسين للحصول على جائزة نوبل للسلام عام 1998 على الجهود التي ظل يبذلها على مدى سنوات من أجل قضية السلام، إلا ان جائزة ذلك العام منحت لساسة آيرلندا الشمالية، لكنه نال شرف الترشيح للجائزة. أجريت للعاهل الأردني الراحل عملية نقل نخاع العظام من شقيقته بسمة وشقيقه محمد. وكان الأمير حسن قد عرض استعداده للمساعدة، إلا ان فصيلة دمه لم تكن موافقة لفصيلة دم شقيقه الملك.
وفي مقابلة أجريت معه في ذلك الوقت وبثها تلفزيون الأردن طمأن الملك حسين الشعب الأردني بأن آخر الفحوصات التي أجريت له أثبتت عدم وجود آية آثار لسرطان الغدة الليمفاوية، وأكد خلال المقابلة على ان كل شيء يسير على ما يرام وان تلك الفترة ستكون الأخيرة في مراحل العلاج وسيعود بعدها للبلاد. مايو كلينيك أصدرت أيضا بيانا أكدت فيه ان الملك حسين لم يعد يعاني من أي أعراض لسرطان الغدة الليمفاوية.
جرت في ذلك الوقت حادثة كان لها أثرها في تغيير الملك حسين موقفه تجاه شقيقه الأمير حسن وريث العرش. فقد نشرت صحيفة «يديعوت احرونوت» الإسرائيلية تقريرا جاء فيه ان مصادر أميركية قالت ان الملك حسين لن يعيش أكثر من ثلاثة أشهر. وطلب مكتب وكالة الصحافة الفرنسية في القدس من مديرة مكتب الوكالة في عمان، رندة حبيب، متابعة موضوع التقرير وتوقعت نفيا رسميا على الفور للخبر. كان أول اتصال لمكتب الوكالة في عمان برئيس الوزراء فايز طراونة، مستفسرا إياه حول مدى صحة الخبر الذي نقلته صحيفة «يديعوت احرونوت»، ونفى طراونة فورا هذه التقارير. وعندما سألته مديرة مكتب الوكالة عن السبب في عدم إصدار نفي رسمي، بدا الحرج واضحا على رئيس الحكومة. اتصلت مديرة مكتب وكالة الصحافة الفرنسية بعد ذلك بوزير الخارجية عبد الإله الخطيب ووجهت له نفس السؤال، وأجاب بأن لديهم تعليمات بعدم الإدلاء بتعليق. توصلت رندا حبيب إلى نتيجة مؤداها ان لولي العهد الأمير حسن أجندة خفية تتلخص في انه كان يريد ان يسمع الأردنيون الخبر ويعتادوا على فكرة ان الوضع الصحي لملكهم لن يمكّنه من العيش لفترة طويلة.
ينص الدستور الأردني على ان غياب الملك لفترة تزيد على أربعة شهور خلال توقف عمل البرلمان يستوجب الدعوة لعقده جلسة خاصة، واجتمع البرلمان بالفعل في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) وعقد جلسة لم تكن أكثر من إجراء شكلي. أعد رئيس الوزراء، فايز طراونة، بيانا حول الوضع الصحي للملك حسين وزعم انه تعافى تماما وانه سيعود للبلاد في المستقبل القريب. وبعد ستة أيام افتتح الأمير حسن جلسة البرلمان بالحديث التقليدي من العرش، إلا ان أجواء الشائعات استمرت على الرغم من كل تلك التصريحات الرسمية.
السبب الرئيسي وراء حالة الغموض الذي لف مسألة خلافة العرش الهاشمي يتلخص في ان العاهل الأردني الراحل نفسه نادرا ما تحدث حول هذا الموضوع، حتى في الإطار الشخصي. كما انه كان بصورة عامة في السابق يتخذ خطواته وقراراته بصورة حاسمة، بل ومندفعة في بعض الأحيان، إلا انه واجه صعوبة كبيرة في التوصل إلى رأي في هذه القضية. فقد كان متنازعا بين الشعور بالواجب تجاه شقيقه الأصغر الذي خدمه بإخلاص طوال 34 عاما، وبين حبه لابنيه عبد الله وحمزة. ويمكن القول ان الملك حسين قد واجه خيارا معقدا: اما إزاحة شقيقه من ولاية العهد فورا، أو السماح له بخلافته في العرش ولكن مع إجراء الترتيبات اللازمة لعودة المُلك مستقبلا إلى خط الأسرة بعد انتهاء فترة حكم شقيقه. جدير بالذكر أن راشد، نجل الأمير حسن بن طلال، في سن الـ19 في ذلك الوقت، وإذا سارت الأمور سيرها الطبيعي من الناحية الدستورية، فإن راشد سيصبح ملكا للأردن بعد موت والده.
كان الملك حسين بعيدا في مايو كلينيك والاتصال مقطوعا مع شقيقه. كما ان مرضه وجلسات العلاج الكيماوي التي خضع لها جعلت التفكير بصورة واضحة والتوصل إلى نتيجة أمرا أكثر صعوبة لديه. إرجاء التفكير في الخيارات غير السارة نزعة إنسانية طبيعية، ولم يكن الملك حسين استثناء في هذا الأمر. فقد ظل يؤجل التفكير في هذا القضية باستمرار إلى ان اضطره الموت الوشيك لاتخاذ قرار حاسم بشأنها.
العقيد حسين المجالي، الضابط المعاون المرافق للعاهل الأردني الراحل، كان أكثر شخص، بعد الملكة نور، قضى وقتا طويلا إلى جانب الملك حسين خلال الفترة الأخيرة التي سبقت وفاته، وعلى وجه التحديد خلال السبعة شهور التي سبقت وفاته. قال العقيد المجالي ان مسألة خلافة الملك حسين في العرش لم تطرح على الإطلاق خلال فترة الشهر الأول له في مايو كلينيك في يوليو (تموز) 1998، ذلك ان الجميع كان يريد أن يصدق مسألة ان العاهل الأردني سيتماثل الشفاء التام. وقال أيضا ان الأمر لم يكن بالضبط قضية حُرّم النقاش حولها، وإنما بسبب انه لم يكن لدى أي من المقربين من الملك شعور بالرغبة في النقاش حول الموضوع. إلا انه برز بصورة واضحة في مناقشات وتفكير هؤلاء خلال شهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) 1998، أي خلال الفترة التي بدأت فيها صحة العاهل الأردني الراحل تشهد تدهورا خطيرا. المسؤول الأردني الوحيد الذي ناقش معه الملك مسألة خلافته في العرش كان الجنرال البطيخي، الذي كان يصل إلى روشستر لزيارة الملك في مايو كلينيك، حيث يبقى لفترة يومين، وكان كل لقاء له مع الملك حسين خلال اليومين يستمر لمدة ساعتين، أي أطول من أي لقاء كان يجريه الملك خلال تلك الفترة. ويعتقد المجالي ان قرار الملك عزل شقيقه ولي العهد الأمير حسن بدأ يختمر في ذهن الملك حسين في أكتوبر أو نوفمبر 1998 . إلا ان المجالي لم يسمع بذلك من الملك حسين نفسه.
وحتى عندما بدأ الملك حسين يفكر جديا في اتخاذ ذلك القرار، آثر ان يبقي على كل خياراته مفتوحة. وبدلا عن إبلاغ العقيد المجالي بصورة واضحة، كان الملك حسين يسأله حول ما إذا كان البطيخي قد أبلغه وأيمن بأي شيء (أيمن المجالي شقيق العقيد حسين المجالي ومدير البروتوكول)، دون الإشارة إلى الشيء الذي من المفترض ان يكون الجنرال البطيخي قد ابلغهما به. الاستنتاج الذي توصل إليه حسين وأيمن المجالي هو ان العاهل الأردني الراحل كان يعتزم إجراء تغيير على خلافة العرش، إلا ان الأمر لم يكن مؤكدا لديهما بصورة مطلقة. قرار الملك حسين بأن لا تأخذ الأمور مجراها الطبيعي توصل إليه فيما يبدو خلال مرحلتين. في المرحلة الأولى قرر الملك حسين ألا يخلفه شقيقه الأمير حسن في العرش، لكنه لم يتوصل إلى قرار بشأن بنية وهيكل خلافة العرش الهاشمي. وفي المرحلة الثانية استقر رأيه النهائي على ان يحل ابنه عبد الله محل شقيقه الأمير حسن. عبد الله لم يتخذ من جانبه خطوة لإزاحة عمه، ولكن لدى ظهور أول مؤشرات على حسم مصير عمه فيما يتعلق بالعرش، لم ير عبد الله سببا في استبعاد نفسه من احتمال تولي عرش البلاد خلفا لوالده. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من ذلك العام زار عبد الله والده في مايو كلينيك. وكان قد زاره أيضا قبل ستة شهور وطلب من والده في ذلك الوقت معرفة آفاق مستقبله العسكري في الجيش الأردني وانه إذا تقرر ان يواصل في هذا الطريق فإنه يرغب في الالتحاق بدورة دراسية في مدرسة مونتيري البحرية. نصحه والده بالمضي قدما وأن يتوقع ترقيته إلى نائب لرئيس هيئة الأركان بعد ذلك.
خلال زيارة نوفمبر (تشرين الثاني) 1998 تناول عبد الله ووالده إفطارا جلسا خلاله لمدة ثلاث ساعات. ويتذكر عبد الله ذلك اللقاء قائلا ان والده سأله عن الأمير حسن، وأجاب عبد الله قائلا: «الأمر صعب للغاية. أنت غير موجود والكل يشعر بالخوف. بكل أمانة، الناس لا يعتقدون انه سيكون هناك أردن بدونك، لا سمح الله إذا حدث لك أي شيء» ويواصل عبد الله حديثه قائلا ان والده الراحل قال له انه يشعر بالارتياح لأنه عندما يعود سيكون بينهما بعض الأحاديث، وقال له أيضا انه يريد مساعدته في قضايا محددة. يقول عبد الله أيضا انه ظن في ذلك الوقت ان والده كان يتحدث عن رئاسة هيئة الأركان، لكنه أوضح له قائلا: «أريد ان تكون هناك إصلاحات وتغييرات كثيرة، واحتاجك هناك لكي تساعدني في تغيير هذه الأشياء».
قضى الملك حسين والملكة نور احتفالات أعياد الميلاد في مايو كلينيك مع أنجالهما. ووصلت فترة مايو كلينيك في ذلك الوقت نهايتها أخيرا. وأصدروا بيانا آخر جاء فيه انهم بصدد مغادرة المستشفى اثر تراجع أعراض السرطان، إلا ان زوالها نهائيا سيستغرق فترة خمس سنوات. وقضت الأسرة اليوم الأول في العام 1999 في «ريفر هاوس»، وكانت أعراض الضعف خلال تلك الفترة بادية على الملك حسين، وكان يتمشى من حين إلى آخر في الحديقة مع الملكة نور وابنتهما إيمان وهو يعتمر قبعة ويتوكأ على عصا ويضع كمّامة لوقايته من أي التهاب محتمل. وبصرف النظر عن درجة السرطان الذي أصيب به العاهل الأردني الراحل، فقد بدا واضحا إنه كان في حاجة إلى فترة نقاهة طويلة. نصحه الأطباء قبل المغادرة بالتوقف في العاصمة البريطانية لمدة أسبوع لمزيد من الراحة قبل عودته إلى عمان،
وفي 5 يناير 1999 قاد الملك حسين طائرته بنفسه صوب لندن، حيث تلقى بعد أربعة أيام زيارة مفاجئة من شقيقه الأمير حسن. عدم زيارة الأمير حسن لشقيقه الملك في «مايو كلينيك» ولو لمرة واحدة استغلها أعداؤه كدليل على قسوته وعدم ولائه، إلا انه كلما اعتزم زيارة شقيقه لا يجد تشجيعا على ذلك. الملك حسين قال لشقيقه ان بقاءه في الأردن كان لازما لأنه (الملك حسين) شعر ان الزيارة كانت ستغذي الشائعات التي كانت تروج حول خطورة مرضه، كما شعر الملك حسين أيضا ان الوضع السياسي في الأردن كان لا يحتمل وجود كليهما خارج البلاد في وقت واحد.
غالى الملك حسين في مدحه لشقيقه الأصغر، وأشار إليه كثيرا بأنه الركيزة التي تسند الهاشميين جميعا، إلا أن الأمير حسن من جانبه كان يشعر بقلق بالغ إزاء الشائعات التي تدور حول تفكير شقيقه الملك في إجراء تغيير على خلافة العرش، الأمر الذي اضطره للسفر إلى لندن دون ترتيب مسبق لزيارة شقيقه الملك. ووصفت الأميرة ثروت، زوجه الأمير حسن، لقاء زوجها وشقيقه الملك بأنه كان حميما ووديا، وأن الحديث الذي دار بينهما جرى في جو ودي تماما، وقالت انه أبلغهما بأنه لم يتمكن بعد من استعادة قوته تماما وينوي البقاء في انجلترا لوقت أطول ويريد ان يستمر الأمير حسن مسؤولاً عقب عودته إلى البلاد. وصل على نحو مفاجئ خلال حديث الملك حسين وشقيقه الأمير حسن كل من الملكة نور والأمير عبد الله. وبدا من الواضح تماما ان وصول الأمير حسن إلى لندن لم يكن متوقعا. قام الأمير حسن واستقل سيارته بعد ذلك اللقاء متوجها إلى المطار. اللقاء الخاص بين الملك حسين وشقيقه الأمير حسن في لندن أثار موجة جديدة من التكهنات على صفحات الصحف، وكذلك اللقاء بين الملك حسين والأمير عبد الله، الذي كان أصلا في لندن وطلب منه والده، بواسطة العقيد حسين المجالي، البقاء لمدة يوم أو يومين بغرض اللقاء وتبادل الحديث. ويعتقد المجالي ان ذلك اللقاء هو الذي أبلغ خلاله الملك حسين ابنه الأمير عبد الله بأنه يفكر في أمر خلافته له في العرش. إلا ان الأمير عبد الله نفسه لم يكن متأكدا، لكنه عرف ان والده كان متوترا للغاية عقب لقائه مع الأمير حسن. قال الأمير عبد الله انه لا بد ان يعود إلى الأردن لأنه بوصفه قائدا للقوات الخاصة كان مسؤولا بصورة مباشرة عن الترتيبات الأمنية لموكب استقبال والده لدى عودته إلى البلاد. ومن خلال الحديث الذي جرى بينهما، توصل الأمير عبد الله إلى ان والده كان يعتزم العودة إلى الأردن في وقت أسرع مما كان يتوقعه الأمير حسن، حسب الحديث الذي دار بينه وشقيقه في لندن.