وقعت معركة واترلو Battle of Waterloo في 18 يونيو عام 1815 قرب بروكسل، وهي آخر معارك القائد الفرنسي نابليون بونابرت هزم بها هزيمة شديدة لدرجة أن الإنجليز يصفون الشخص الذي يعاني من حظ سيء جداً بأنه صادف واترلو.
تعد واترلو المعركة الفاصلة والنهائية التي خاضها نابليون بونابرت Napoleon Bonaparte وانتهت بهزيمته التامة، ونزوله عن العرش للمرة الثانية، ونفيه إلى جزيرة القديسة هيلانة في جنوبي المحيط الأطلسي.
دارت رحى المعركة في 18 يونيو سنة 1815 إبان حكم المئة يوم التي قضاها نابليون بعد هروبه من منفاه الأول في جزيرة إلبا Elba واستعادته عرش فرنسا، وانتهت بنهايتها 23 سنة من الحروب بين فرنسا والقوى الأوروبية المتحالفة ضدها، وأنهت السيادة الفرنسية على معظم أوروبا، ونجمت عنها تبدلات جوهرية في الخريطة السياسية للقارة وتوازن القوى فيها.
نابليون ومباغتة أعداؤه
بعد أن احتلت فرنسا الصدارة في أوروبا في حكم نابليون بونابرت في الفترة بين عامي 1804 ـ 1813 لحقت بها هزيمة منكرة عام 1814 على يد تحالف القوى الأوروبية الرئيسية (بروسيا وروسيا وبريطانيا والنمسا)، وتم عزل نابليون عن العرش ونفيه إلى جزيرة إلبا في البحر المتوسط، ونصب على عرش فرنسا لويس الثامن عشر Louis XVIII.
وعقد في ڤيينا مؤتمر للحلفاء في شهر سبتمبر 1814 حضره مندوبون عن أكثر الدول الأوروبية للتباحث في المشكلات التي نجمت عن هزيمة فرنسا. وإبّان انعقاد المؤتمر تمكن بونابرت من الفرار من منفاه (26 فبراير 1815) واستعادة عرشه في فرنسا بمساعدة المخلصين من أنصاره، وقرر المجتمعون في ڤيينا التصدي لهذه الأزمة الجديدة بحشد 150000 جندي في بلجيكا لغزو فرنسا في الأول من يوليو سنة 1815.
علم نابليون في باريس بما يخطط له أعداؤه، فأراد أن يباغت الحلفاء في عقر دارهم قبل أن يتمكنوا من إنهاء حشودهم، وتمكن في غضون شهرين من تعبئة جيش تعداده 360 ألف جندي جيد التدريب، نشر نصفهم في داخل فرنسا تحسباً لأي طارئ، وسار على رأس 124 ألف جندي بمسير سريع وفي سرية تامة قاصداً الحدود البلجيكية، مخلفاً وراءه في المؤخرة 56 ألف جندي في الاحتياط.
مغامرة خطيرة
انطوت استراتيجية نابليون في حملته الجديدة على مغامرة خطيرة، فقد كان في انتظاره بالقرب من الحدود البلجيكية الجيش البروسي والسكسوني بقيادة بلوخر في نامور (Namur 116 ألف جندي) ـ وقد انتشرت طلائعه بين غيلي Gilly وشارلـروا Charleroi ـ وقـوات الحلفاء المتمركـزة في بروكسل بقيادة ولنغتون (93 ألف جندي)، وقد احتلت طلائعها موقعاً متقدماً عند كاتر ـ برا Quatre- Bras.
قرر نابليون أن يهاجم الجيشين في آن واحد على أمل أن يفصل بينهما ويدمرهما منفصلين، ومن ثم يتفرغ لملاقاة الجيشين الروسي والنمساوي اللذين يتقدمان باتجاه فرنسا من الشرق.
ولتنفيذ خطته هذه قسم قواته إلى جناحين هجوميين واحتفظ باحتياط استراتيجي يضم الحرس القديم المتمرس في الحروب. وفي اليوم الخامس عشر من يونيو، عبر نابليون الحدود البلجيكية في حركة مباغتة لم يتوقعها الحلفاء، فاجتاز نهر سامبر Sambre، واقتحم مواقع مقدمة البروسيين في شارلروا، وأمر جناحه الأيسر، بقيادة المارشال ميشيل ني Michel Ney بمهاجمة لواء الخيالة البريطاني في كاتر ـ برا (على بعد 19كم من شارلروا).
كما أوعز إلى جناحه الأيمن، الذي يقوده الجنرال إيمانويل دي غروشي Emmanuel de Grouchy بالتقدم شرقاً لمهاجمة اللواء البروسي في بلدة غيلي.
أتم غروشي مهمته بنجاح في غضون ساعات واندفع بقواته لمهاجمة القوى الرئيسية لبلوخر المتحشدة في فلوروس Fleurus، وما إن حل منتصف ليل اليوم الأول من القتال حتى كان نابليون قد أحرز المبادرة الاستراتيجية ونجح في الفصل بين قوات بلوخر وويلنغتون، مع استعداد قواته الرئيسية للفتح يميناً لمواجهة الأول أو يساراً في مواجهة الثاني.
في صباح يوم 16 يونيو تحرك نابليون مع احتياطيه نحو فلورو ليقود بنفسه جيش غروشي، واكتسح مواقع الفيلق البروسي بنجاح، ثم توجه شمالاً إلى منطقة لينيي Ligny ليشتبك مع بلوخر الذي سارع إلى الانسحاب غرباً على أمل قطع الطريق على الفرنسيين.
وبعد ظهر ذلك اليوم زج نابليون كل القوات التي كانت لديه (71 ألف جندي) ضد جيش بلوخر (83 ألف جندي) وبعد ساعة من القتال العنيف بعث الامبراطور برسالة إلى المارشال ني في كاتر ـ برا يأمره بتوجيه الفيلق الأول (30 ألف جندي) الذي بإمرته لتعزيز القوات المشتبكة في لينيي، لكن حامل الرسالة قام بتسليمها إلى قائد الفيلق بدلاً من المارشال، ونُفِّذ الأمر للتو من دون علمه، ولما علم المارشال بحركة الفيلق بعث إلى قائده يأمره بالعودة إلى كاتر ـ برا، وكان قد وصل إلى أرض المعركة، فارتد راجعاً ولم يشارك في أي قتال.
ومع ذلك فقد تمكن نابليون من هزيمة بلوخر في معركة دامية استمرت ثلاث ساعات وانسحب الجيش البروسي بقواه الرئيسة انسحاباً منتظماً مع غروب الشمس مخلفاً 12000 بين قتيل وجريح.
في تلك الأثناء أضاع المارشال ني بضع ساعات بلا طائل قبل أن يبدأ هجومه على مواقع البريطانيين والهولنديين عند كاتر ـ برا، وقد أتاح هذا التأخير لويلنغتون الوقت الكافي ليعيد تنظيم قواته وتعزيز مواقعها هناك بعدة فرق من الخيالة والمشاة، وتمكنت هذه القوات من رد هجمات الفرنسيين المتكررة.
نزوله عن العرش
في صباح 17 يونيو علم ولينغتون بالهزيمة التي لحقت ببلوخر، وأدرك أن الفرنسيين سيطوقونه من الجانب الآخر، فأرسل إلى بلوخر يطلب منه التوجه نحو الشمال الغربي لينضم إليه عند قرية مون سان جان Mont- Saint -Jean الواقعة جنوب واترلو.
وبعد بضع ساعات انسحب ولينغتون من كاتر ـ برا خفية، مخلفاً قوات تغطية من لواء خيالة لخداع المارشال ني. أما نابليون الذي كان عند ليني فقد أوعز إلى الجنرال غروشي أن يطارد بلوخر على رأس قوة من 30000 جندي، وبعث إلى المارشال ني يأمره ببدء الاشتباك مع ولينغتون من دون تأخير.
غير أن الماريشال لم يفلح في مهمته، وقد غاب عنه انسحاب ولينغتون. ومع حلول المساء لاحظ نابليون وجود قوات بريطانية وهولندية تتخذ مواقع لها على امتداد سهل مونت سان جين استعداداً للمعركة، في حين أخفق غروشي في ملاحقة بلوخر، وعلم من كشافته أن هذا الأخير يتوجه نحو الشمال الغربي للانضمام إلى ولينغتون، فبعث رسالة تحذير إلى الامبراطور، وجاءه الرد بأن عليه متابعة إقامة التماس مع بلوخر، غير أنه أخفق.
في صباح يوم 18 يونيو اتخذ كل من الطرفين مواقعهما القتالية، وبدأت المعركة في الساعة 11.30 بهجوم مزيف شنه نابليون على جناح ولينغتون الأيمن، تبعه تمهيد مدفعي قوي وهجوم فرنسي عنيف، لكن الهجوم رد بعنف أيضاً. وفي الساعة الرابعة بعد الظهر وصلت طلائع بلوخر، وزجت في القتال، وتم رد الفرنسيين نحو كيلومتر إلى الخلف.
رد الفرنسيون بهجوم معاكس استعادوا فيه مواقعهم واضطروا البروسيين إلى التراجع، ومع حلول الساعة السادسة مساء كان المارشال ني قد توغل عميقاً في مواقع البريطانيين وهدد قلب تراتيبهم، ولكنه لم يلبث أن رُدّ على أعقابه، وعندئذٍ غامر نابليون بهجوم عام زج فيه كل قواه محتفظاً باحتياط من خمس كتائب فقط.
غير أن مشاة الحلفاء صمدت وكبدت القوات الفرنسية خسائر فادحة، ومع أن نابليون أعاد تجميع قواته وشن هجوماً آخر، فإن وضع الفرنسيين أضحى ميؤوساً منه، واخترق البروسيون الجناح الأيمن للفرنسيين فدب الذعر في صفوفهم ولاذوا بالفرار إلى ما وراء نهر سامبر، ولم يتمكن الامبراطور من النجاة بنفسه إلا بفضل صمود ثلة من حرسه القديم، وأراد نابليون أن يزج بنفسه وسط النيران لولا أن أثناه ضباطه فلوى رأس جواده وبرح الميدان وهو يقول: خسرنا كل شيء إلا الشرف.
وعاد إلى باريس ليتنازل عن العرش، بينما كان ميدان واترلو مليئاً بجثث القتلى والجرحى.
وانتهت المعركة بعد أن بلغت خسائر الفرنسيين 40 ألف رجل، أما البريطانيون والهولنديون فكانت خسائرهم 15000 والبروسيون 7000 رجل.
في الثاني والعشرين من شهر يونيو نزل نابليون بونابرت للمرة الثانية عن العرش وتم نفيه إلى جزيرة القديسة هيلانة، وأعيد تنصيب لويس الثامن عشر على عرش فرنسا في يوليو من العام نفسه، وقد احتلت الدروس المستفادة من معركة واترلو صفحات بارزة في الملاحم الأدبية والدراسات العسكرية وكتب التاريخ، وتعتبر المعركة الفصل الختامي لحياة شخصية فذة في تاريخ الدول والسياسة والزعماء وبداية عصر جديد.