تساءلت صحيفة ناشونال إنترست الأمريكية، عما إذا كانت تركيا تعمل على تصنيع أسلحة نووية، لأنه قبل بضعة أشهر، اتضح أن الاستخبارات الألمانية، بي إن دي، كانت تتجسس على تركيا. وأبدت القيادة التركية، بالطبع، استياءها. ولكن كان للاستخبارات الألمانية دواعيها لمراقبة نشاطات أنقرة، إذ لم تكن فقط الأزمتين في العراق وسوريا، ولا تهريب المخدرات، أو المتاجرة بالبشر ونشاطات بي كي كي هي التي جعلت تركيا محط أنظار الاستخبارات الألمانية، بل ما ثبت، منذ بعض الوقت، بأن أنقرة تسعى للحصول على أسلحة نووية.
وكما تلفت الصحيفة، دارت خلال العقدين الأخيرين، مناقشات وسط المجتمع النووي بشأن بروز قوى نووية جديدة، وهي دول بعينها، مثل إيران والبرازيل ومصر واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا. ولا عجب في تباين الآراء بشأن احتمالات وجود برامج عسكرية نووية. وفي حالة إيران، مثلاً، كانت الدلائل دامغة. وفي مقابل ذلك، كانت المؤشرات حيال تركيا مبهمة.
ومنذ ذلك الوقت، لم تتغير قائمة الدول الطامحة نووياً، ولكن احتمال وجود برنامج أسلحة نووية في تركيا نما بشدة. وتأكد اليوم لأجهزة استخبارات غربية بأن تركيا تسعى لتصنيع أسلحة نووية. ويبدو بأن نموذج إيران أصبح مثالاً يحتذى به.
ونتيجة لذلك، تقول ناشونال إنترست، دشنت تركيا برنامجاً نووياً مدنياً واسع النطاق، بحجة حاجة البلاد الكبيرة والماسة لمصادر الطاقة. وفي عام 2011، وقعت تركيا عقداً بقيمة 20 مليار دولار مع شركة روساتوم الروسية لإنشاء مفاعل نووي ضخم. وبعد عامين، تم توقيع اتفاقية مماثلة مع مجموعة من الشركات اليابانية ـ الفرنسية، وبقيمة تفوق هذه المرة 22 مليار دولار. كما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن بناء مفاعل آخر من قبل شركات تركية.
وترى الصحيفة، بأنه حتى تاريخه، قد يقول بعضهم بأن الحصول على الطاقة النووية يبدو خياراً منطقياً لتلبية بعض ما تحتاج إليه تركيا من الطاقة. ولكن، عند إجراء تدقيق للعقود المبرمة يتبين بأن تلك المشاريع لا تتعلق فقط بتطوير مصادر الطاقة هناك، بل تدل على أن تركيا فتحت باب الخيار النووي العسكري.
ولا تقتصر مقترحات بناء مفاعل يعمل بالماء الخفيف على مجرد الالتزام ببناء مفاعل وفقاً لمواصفات ومواعيد متفق عليها، بل بناء على التزامات بتشغيل المشروع لمدة ستين عاماً، من أجل توفير الكمية المطلوبة من يورانيوم منخفض التخصيب ولاسترجاع قضبان الوقود المستهلكة. ولكن، في كلا الحالتين، أكدت تركيا أن الصفقة لن تشمل شرط اليورانيوم، ولا إعادة قضبان الوقود المستنفذة.
وأرادت أنقرة التعامل مع هذه القضية على حدة، في مرحلة لاحقة. ولم تقدم تركيا تفسيراً لهذا القرار. ولكن، ليس من الصعب معرفة النية من وراء تلك المناورة غير العادية، بحيث تفضل تركيا الاحتفاظ بخيار إدارة المفاعلات بواسطة اليورانيوم الضعيف التخصيب الموجود لديها، ولإعادة معالجة قضبان الوقود المستهلكة بنفسها. وهذا بدوره يعني بأن تركيا تنوي تخصيب يورانيوم، على مستوى منخفض.
ويبدو، كما تقول ناشونال إنترست، بأن لتركيا رغبات أخرى. فإن خيار توفير يورانيوم منخفض التخصيب لثمانية مفاعلات متفق عليها حالياً (تخطط تركيا لبناء 23 مفاعلاً) يشير إلى عزم تركيا على تخصيب يورانيوم. كما يبدو أن الطريق الذي اختارته تركيا واضحاً، وهو السير على خطا إيران. وبحسب الرئيس الإيراني، حسن روحاني، تريد إيران بناء 16 مفاعلاً بحلول عام 2030، يفترض تشغيلها بواسطة يورانيوم مخصب.
وبالطبع، تقول الصحيفة، تنفي تركيا وجود أية نية لتخصيب اليورانيوم. ولكن أنقرة أعلنت في عدة مناسبات بأنها تؤكد على "حقوقها" ضمن معاهدة حظر انتشار السلاح النووي، وأنها تعتبر التخصيب للاستخدام السلمي أمر مشروع. وكان سعي الحكومة التركية لتبرير رفضها للحصول على يورانيوم ضعيف التخصيب من مصادر خارجية، فيما تقر بمصلحتها الوطنية في التخصيب قد اتضح عبر بيان صادر عن وزير الطاقة التركي، تانير يلديز، في يناير (كانون الثاني) 2014. فقد ادعى يلدز أن رفض التعاقد للحصول على اليورانيوم مع الشركات الآنفة الذكر يعود لرغبة تركيا في فهم كامل لدورة الوقود النووي. وليس تبرير يلديز ضعيف وحسب، بل إن التصريح عن السياسة النووية يشير إلى أن تركيا تسير على نفس الطريق الذي اتخذته إيران، وهو طريق لا يمكن إنكاره في ضوء حقائق مؤكدة.
وتلفت ناشونال إنترست إلى أن رفض تركيا لمواصلة روسيا والشركات الفرنسية واليابانية توريد اليورانيوم قد يبدو مريباً، كما أن رفضها إعادة قضبان الوقود المستهلكة إلى الدول الموردة لن يقود سوى لنتيجة كارثية واحدة، وهي تصميم تركيا على إنتاج البلوتونيوم لإنتاج أسلحة.