- اقتباس :
- فانا اتمنى ان تحوي مذكرات الجنرال نزار على افكار القيادة العراقية قبيل الحرب البرية.
مذكرات الخزرجي التي نشرت تنتهي فترتها الزمنيه عند نهاية الحرب العراقيه-الايرانيه
لكني ساورد انطباعاته عن غزو الكويت وحرب الخليج الثانيه في لقاء جرى بعد انشقاقه اواسط التسعينيات :
* متى عرفت بالغزو؟
- كنت نائماً في منزلي ليلة الاحداث. اتصل بي صباحاً سكرتير عام القيادة العامة الفريق علاء الدين الجنابي وطلب ان اذهب الى القيادة العامة وحين دخلت مكتبه قال: "اكملنا احتلال الكويت". سألت كيف؟ فقال: "الحرس الجمهوري والقوة الجوية وطيران الجيش انهوا احتلال الكويت". بعد ربع ساعة وصل وزير الدفاع عبدالجبار شنشل وتم ابلاغه بالطريقة نفسها. تصور ان الجيش يدفع في مغامرة من هذا النوع من دون علم وزير الدفاع ورئيس الاركان.
بعد ثلاثة او اربعة ايام حصل اللقاء الاول مع صدام حسين. استدعينا، وزير الدفاع وأنا، إلى لقاء ونقلتنا السيارات إلى منطقة الرضوانية. وبعد دوران في شوارع جانبية كان هناك كارافان. دخلناه فوجدنا خرائط معلقة على جدرانه. بعد ربع ساعة دخل صدام حسين. قال: "أرجو أن لا تزعلوا، أنا لم أخبركم بعملية تحرير الكويت وهذا لا يعني انني لا اثق بكم. فعلت ذلك لسببين: الأول هو انني لو ابلغتكم لقمتم بسلسلة من الاجراءات من بناء الخطط إلى الاستعداد كوزارة وهيئة أركان وكان من شأن ذلك أن يلفت النظر ويكشف السر، وأنا أردت أن تكون العملية مفاجئة. الثاني انني حررت الكويت بالقطعات التابعة لي مباشرة وليس قطعاتكم. بعدها قال لي: "فريق نزار، اريد أن أسحب الحرس الجمهوري وأريد منك استطلاع منطقة الكويت ووضع قطعات من الجيش مكان الحرس الجمهوري الذي سنسحبه إلى المنطقة الحدودية ليكون احتياطاً". لم يبد صدام مبتهجاً في الاجتماع، كانت ردود الفعل الدولية شديدة.
وبعد أربعة أسابيع من الاجتياح كتبت تقريراً عملياتياً بينت فيه كيف ستحدث المواجهة والاتجاهات التي ستسلكها قوات التحالف، مقارنة بين إمكانات الجانبين. وأشرت بشكل واضح إلى أن الحرب واقعة بنسبة مئة في المئة، وسنخسر هذه الحرب. ووضعت في التقرير توصية بأن ننسحب ونحل المشكلة بالوسائل الديبلوماسية. في 18 أيلول سبتمبر 1990، أي بعد نحو ستة أسابيع من الاجتياح، استدعانا صدام إلى اجتماع حضره وزير الدفاع وأنا وقائد القوة الجوية ومدير الاستخبارات، كما حضر سكرتير عام القيادة العامة الجنابي. منذ بدء الاجتماع بدا صــدام منزعجاً. قال صدام: "فريق نزار أنت أعددت تقريرين اريدك أن تناقشهما". بدأت في عرض التقريرين وأشرت إلى أن الإمكانات ليست متكافئة أبداً، ما يعني أن ليست هناك فرصة للقتال وسندمر في اماكننا. قلت إنه ستكون هناك غارات شاملة تستهدف تدمير المواقع الحساسة والبنية التحتية لفترة لا تقل عن شهر قبل أن يبدأ الخصم بضرب القوات عبر هجوم بري.
انفعل صدام وقال: "شنو، ليس هناك هجمات جوية تدوم شهراً، مجرد يوم أو اثنين وتبدأ المعركة الأرضية وفيها سنلقنهم الدرس".
أجبته: "سيدي، لن تتاح لنا فرصة مثل هذه المواجهة، سيدمرون الجسور والثكنات والمصانع وفي النهاية سيرتدون على القوات الأمامية".
كنت لا أزال في الجزء الأول من حديثي حين وقف مستاء، فوقفنا كلنا وخاطبني قائلاً: "فريق نزار لماذا لا تقول صراحة أنك لا تريد أن تحارب".
آلمني الكلام وأنا ضابط محترف أتحدث بصراحة عن موضوع يطرح مصير البلد.
قلت له بعدما فاجأني كلامه: "سيدي، أنا عسكري وأمضيت عمري في الجيش ورئيس أركان الجيش ولهذا السبب يجب أن أقول لكل الحقيقة. سيدي الحقيقة أسوأ مما ذكرت".
فرد: "إذاً ينهى الاجتماع". ظهر الغضب واضحاً في عينيه.
خرجت من الاجتماع متعباً ومتألماً. بلد يندفع نحو الحرب والرجل المسؤول لم يأخذ في الاعتبار انني أتكلم انطلاقاً من حبي لوطني واستناداً إلى خبرتي. خاطبني صدام وكأنني خائف. في الحقيقة كنت خائفاً على بلدي،
في اليوم التالي، وبعد الدوام، جاءني أحد الأشخاص الذين يعتمدهم صدام في نقل رسائله الشخصية واسمه ماجد ويعمل في القصر. سلمني رسالة اقالتي من منصب رئيس أركان الجيش. جاء في الرسالة ما أذكره: "من صدام إلى الفريق أول نزار الخزرجي، يصعب عليّ تبليغ الرجال والعسكريين منهم بصفة خاصة بتغيير مواقعهم. المرحلة الحالية تتطلب تغيير موقعك. نشكرك على كل الجهود والفعاليات التي قمت بها في حرب القادسية. عينت الآن في منصب مستشار في رئاسة الجمهورية. نتوقع أن تقوم بهذا الواجب كما عهدناك سابقاً. صدام حسين". الحقيقة أن المنصب الجديد رمزي وبلا أي قيمة ولذلك لم أدوام. اتصلت بالسكرتير العام للقيادة العامة وقلت له: "أنا موجود في البيت إذا كان لديكم ما تريدون رأيي فيه ارسلوه إليّ أو احضر اليكم إذا كان هناك ما يمكن أن أعمله". وهذا كان وضعي، مستشاراً عسكرياً في رئاسة الجمهورية، إلى أن غادرت البلد في 1996.
* أين كنت خلال الحرب؟
- كنت في بغداد. ولم استشر بشيء.
* من وضع خطة غزو الكويت؟
- ما عرفته هو أن صدام وضع الخطة شخصياً في حضور حسين كامل وعلي حسن المجيد. ربما استعانوا بآخرين من المقربين لمسائل تفصيلية، لكن الخطة كانت بين الثلاثة.
* ماذا تغيّر في تعامل النظام معك بعد اقالتك؟
- سحبوا الحرس الخاص الذي كان بين عناصره أقارب لي وكان يتولى حراسة منزلي. نقلوا حراسي إلى مكان آخر وجاؤوا بحراس من "الأمن الخاص" الذي كان يديره قصي. ووظيفة الحراس الجدد كانت متابعتي ومراقبة حركاتي. وضعوا سيارات من "الأمن الخاص" في أول الشارع وراقبوا هاتفي. عملياً صرت في ما يشبه الإقامة الجبرية من دون الإعلان رسمياً عن هذا الاجراء. كانت المراقبة شديدة.
* ماذا كان شعورك وأنت ترى الجيش العراقي يهزم؟
- صدقني لا اريد أن أذكر تلك الأيام الصعبة. أيام مؤلمة ومذلة توفر درساً كبيراً. دمر البلد وأهين الرجل لا يهمه شيء.
* هل تعتبر قصة الكويت برمتها خطأ فادحاً؟
- اعتبرها خطأ مرعباً.
* كم مرة زرت الكويت قبل اقالتك؟
- ثلاث مرات على ما اذكر.
* هل خطط لاحتجاز العائلة الكويتية الحاكمة؟
- طبعاً كان يتمنى.
* تصور ان المسألة تصل الى شفير الحرب ثم تحصل تسوية؟
- نعم. عندما طلب وزير الخارجية الاميركي جيمس بيكر الاجتماع بطارق عزيز لم يفهم ان هذا الانذار ستتبعه الحرب. اعتبر اميركا ضعيفة وبدأت ترضخ وان الوقت مناسب للتشدد وتحسين الشروط. اعطى تعليماته الى طارق عزيز بالتصلب. بيكر لم يخف نوايا بلاده قال لعزيز ان العراق سيدمر وسنعيدكم الى عصر سابق.
* ما قصة تنقله بين الملاجئ؟
- هذا اسلوبه. لا احد يعرف مكانه.
* وفوجئ بموقف السوفيات؟
- نعم، قال له السوفيات كيف تريدنا ان نجازف بحدوث حرب عالمية وانت لم تستشرنا حتى في عملك هذا.