هكذا .... فجأة اكتشفت برلين أنها غير قادرة على استيعاب المزيد من أفواج اللاجئين سواء سوريين أو غير سوريين.
خلال الأسابيع المنصرمة كانت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أقرب إلى الملاك بنظر الفارين من الحروب حول العالم، فقد قدمت بلادها وكأنها أرض الميعاد لكل راغب بحياة أفضل لدرجة أن كثيرين من السوريين عفَّوا عن القبول بجنيف وطنا بديلا.
واقع الحال يقول وهو ما يردده السوريون إن ألمانيا تقدم امتيازات سخية للاجئ تتفوق على باقي دول أوروبا الغربية لذلك قرر عشرات الآلاف من السوريين تحدي الموت والاتجاه إليها دون سواها.
خلال هذه الفترة أيضا ظهرت تقارير كثيرة عن العوز الذي تعانيه ألمانيا في سوق العمل وعن نسب الولادات المتدنية ونسب الشيخوخة فيها ... مثل هذه المعطيات وإن كانت صحيحة بل وتفصيلية، إلا أنها لا تبرر احتضان برلين لكوارث البشر فأي شركة ألمانية ستستطيع حشد جيش من الكفاءات الخبيرة بمجالها بمجرد إعلان صغير عن وظائف شاغرة لديها على موقعها الإلكتروني.
يحدث هذا بينما يتابع العالم رحلات باتجاه واحد لا راد لها إلا الموت ... اسمها الرحلة إلى ألمانيا.. وهناك حيث خط النهاية يصطف المواطنون يرحبون بالزوار الجدد أيا كانت جنسياتهم يقدمون الأطعمة الخفيفة والشراب الدافئ علهم يبثون الطمأنينة في نفوس المنهكين.
مثل هذه المشاهد وجدت أصداء إيجابية في عواصم أوروبية اضطر من بعدها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى قبول عدد متواضع من اللاجئين السوريين أعطى فيه الأفضلية للأطفال والنساء في حين صمتت واشنطن واكتفت بعدد متواضع آخر رغم أنها لا تكف عن تصدير نفسها دائما كأول قوة كونية.
لقد ظن البعض أن أزمة اللاجئين السوريين ستعرف خواتمها عما قريب بعد نخوة ميركل للغرباء من العالم الثالث.
لكن الإجراءات المفروضة على نحو خاطف على أبواب ألمانيا والتي تشبه الإقفال منحت المرء حق السجال الطويل حول أسباب القبول الفجائي لعشرات الآلاف من اللاجئين وأسباب التراجع المخزي إن صح التعبير، فالأزمة السورية لم تكن حدثا طارئا وإحصائيات المتضررين يمكن التعرف عليها أغلب الظن في جميع أدراج وزارات خارجية مختلف الدول بما فيها الخارجية الألمانية.
أما برلين وكونها من المحركات الأساسية للاقتصاد الأوروبي فلن تغامر بابتلاع أعداد ضخمة من اللاجئين دون خطط مسبقة محكمة الدراسة لسنين قادمة إن لم نقل لعقود مقبلة.
جاء في إحدى المقالات المتابعة لشؤون اللاجئين أن شركات القطاع الخاص في ألمانيا كانت صامتة راضية عن قبول حكومتها لهذه المتواليات الهندسية للمهاجرين أيا كانوا، لذلك فإن تشديد الإجراءات على دخول الأراضي الألمانية ليس بالضرورة نتيجة التخمة باستقبال اللاجئين، بقدر ما هو تعام عن الإنسانية لأسباب سياسية.
ليس خافيا وجود حرج عربي وعالمي من قضية اللاجئين السوريين.. فالبعض يتساءل لماذا لم يحظ السوري بكرم الضيافة العربية عند أشقائه من الأثرياء طالما الأقربون أولى بالمعروف.
كما تطرقت مطبوعات غربية كثيرة إلى أن عواصم عربية محدودة الإمكانيات تحملت خلال السنوات الماضية أعباء جسيمة وقد حان الوقت كي يلتزم العالم الحر المتقدم بمسؤولياته إزاء الكارثة السورية.
نبأ تشديد الإجراءات على الحدود الألمانية تزامن مع غرق قارب صغير في مياه المتوسط كان يقل سوريين بينهم أطفال رضع..
هل يحتاج العالم للعلاج بالصدمات كي يستفيق مجددا على صورة طفل سوري راقد على شاطئ ما كألان الكردي يقدم قربانا تفتح بعده بوابة غربية تبكي برهة لحال السوريين.