لإقناع إسرائيل ومؤيديها في الكونغرس أن البيت الأبيض بالفعل منتبه جيدًا للتهديدات التي تشكلها إيران، فلا ينفك الرئيس الأمريكي باراك أوباما وكبار مسؤولي مجلس الوزراء يرددون حقيقة أن إسرائيل هي المتلقي الإقليمي الحصري لطائرات F-35، المقاتلات الأمريكية الأبرز.
“في الواقع، إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تبيع لها الولايات المتحدة طائرات الجيل الخامس”، هذا ما ورد في رسالة أوباما الشهر الماضي للنائب جيرولد نادلر، لديمقراطية نيويورك، والتي تمثل النسبة الأكبر من اليهود على مستوى البلاد.
يضغط بعض العسكرين والقادة السياسين في إسرائيل لجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة التفرد الإقليمي الدائم لإسرائيل.
في وقت مبكر من هذا الشهر، ساعيًا لجذب دعم للكونغرس من أجل خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران، استخدم وزير الخارجية جون كيري لهجة مماثلة تقريبًا لما يقوله أوباما.
وقد أشار كيري، في رسالة كتبها إلى المشرعين في الثاني من سبتمبر، أن مقاتلات F-35 لإسرائيل ما هي إلا مظهر أساسي من مظاهر التزام الإدارة للحفاظ على ما يسمى بالتفوق العسكري لإسرائيل ضد أعداء المنطقة الخصوم الإقليمين.
وكتب كيري: “سوف تسلم أول طائرة F-35 إسرائيلية في عام 2016، جاعلة منها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك مقاتلات الجيل الخامس الأمريكية”.
وفي أثناء عيد استقلال إسرائيل، الشهر الماضي، أخبر نائب الرئيس جو بايدن مئات من المشجعين المتجمعين عند السفارة الإسرائيلية في واشنطن أن “السنة المقبلة، ستستلم إسرائيل طائرات F-35، أفضل طائراتنا، جاعلة من إسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك طائرات الجيل الخامس، وليس آحد آخر”.
والآن، ومع ظل تصاعد الضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتخلي عن معركته مع البيت الأبيض ويقبل بعرض الرئيس بتحصين التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في المستقبل، هناك مناقشات من خبراء هنا وفي واشنطن تتحدث عن وضع أوباما تحت الاختبار.
كما يشير خبراء هنا لضرورة حصول نيتنياهو على ضمانات قاطعة بأن إسرائيل ستبقى المستفيد الحصري في المنطقة لطائرات F-35 خلال السنوات القادمة، وألا يكتفي بمجرد مليارات من الدولارات في شكل منح إضافية وقائمة باحتياجات التحديث العسكري.
حتى متى؟
“إلى الأبد”. كانت هذه إجابة اللواء المتقاعد عاموس جلعاد، رئيس الشؤون السياسية والعسكرية لوزارة الدفاع الإسرائيلي منذ وقت طويل، والذي قاد المحادثات المتعلقة بالتفوق العسكري النوعي مع الـ Pentagon ووزارة الخارجية. وكانت إجابته تلك في تعليق ساخر له على سؤال حتى متى يجب على الولايات المتحدة الالتزام بحظر تصدير طائرات F-35 للشرق الأوسط.
وفي السابع من سبتمبر، خلال مؤتمر التبادل التالي الذي أقيم هنا، رفض جلعاد أن يقول ما إذا كان حظر تصدير طائرات F-35 للشرق الأوسط سوف يكون بند في جدول أعمال المباحثات الثنائية بخصوص تعزيز التفوق العسكري الإسرائيلي أم لا، مكتفيًا فيما ورد عنه لجريدة Defense Newsبقول “لقد قالوا رسميًا أنهم لن يبيعوا لأي أحد في المنطقة ما عدا إسرائيل”.
لكن عندما اضطر للإجابة عن سؤال “حتى متى تتوقع إسرائيل استمرار تلك الالتزامات؟” أجاب جلعاد “يتعلق الأمر بالمفاوضات، كما أن الأمر معقد جدًا. ولا يمكنني التعليق على هذا الموضوع”.
أما بالنسبة للسيناتور الأمريكي توم كوتون، السيناتور الجمهوري في أركنساس، فقد كان حذرًا عندما سُئل في أثناء زيارته مبكرا هذا الشهر حول المصالح الإسرائيلية في التفرد لأجل غير مسمى بطائرات F-35.
وقد أجاب: “لا أريد أن أدخل في تفاصيل، لكن من الواضح أن التفوق العسكري الإسرائيلي يعتمد على ماذا سيكون عند مقارنة ما لدى الدول المجاورة. ولقد قيل الكثير من الكلام من هذه الإدارة حول الحفاظ على إسرائيل. لكن الكلام بلا كلفة، بالأخص عندما يأتي الموضوع لمسألة الشرق الأوسط”. موضحًا إلى أنه والعديد من أعضاء الكونغرس ملتزمون 100% بالتنفيذ وليس بالكلام فقط على المحافظة على التفوق العسكري الإسرائيلي وتحسينه.
“بالطبع أحد الطرق التي نعمل عليها على الصعيد الثنائي لحفظ التفوق العسكري النوعي لإسرائيل ولتنظيم مخاطر العمل المشترك هو أن نحافظ على وضع إسرائيل الحصري فيما يتعلق بطائرات F-35″، جاء هذا في حوار لجريدة Defense News مع عاموس يادلين، اللواء الجوي المتقاعد والذي يدير حاليًا معهد دراسات الأمن القومي بتل أبيب، والذي يعتبر أحد الأصوات البارزة التي تعمل على إعادة الارتباط مع واشنطن لتخفيف المخاطر السياسية والاستراتيجية والتشغيلية الناجمة عن الصفقة النووية الإيرانية.
كما أشار في حوراه إلى أن حلفاء واشنطن في الخليج العربي يطلبون ويستحقون ضمانات أمنية كنتيجة عن الصفقة النووية مع إيران:
“تمثل الموازنة بين الحاجة لحفظ وتعزيز تفوقنا العسركي في نفس الوقت الذي نستجيب لمخاوف مجلس التعاون الخليجي، مزيجًا إبداعيًا” وعقَّب قائلًا: “إنها أفكار حذرة جدًا وسنحتاج إلى التنسيق أثناء مضينا قدمًا الفترة القادمة”.
وعندما سئل عن مصالح إسرائيل في الحفاظ على الحصرية الإقليمية بالنسبة لطائرات F-35، أجاب مدير مشروع سلاح الجو الإسرائيلي ـــ وهو أحد الطيارين الأوائل المختارين للطيران بالجيل الخامس ـــ أن تلك الأنواع من النقاشات أعلى بكثير مما يطلب منه تأديته أو ويتقاضى أجر عليه، قائلا: “أنا لا أعرف ما هو موضوع النقاش على المستوى السياسي. كل ما يمكنني قوله أنني أؤمن أن الولايات المتحدة لن تعطي تلك الطائرات في المستقبل المتوقع لأية دولة يمكن أن تسبب مشاكل مع إسرائيل.
كما أعرب ضابط بسلاح الجو الإسرائيلي عن رأيه قائلًا: “في حالة فعلوا ذلك، ستكون العواقب، فقداننا لتفوقنا العسركي”.
و مؤخرًا في مؤتمر صحفي في واشنطن، ذكر مديرو تنفيذ برنامج طائرات F-35 من شركة Lockheed Martin، المقاول الرئيسي لمقاتلة stealth strike، أن للبرنامج امكانات تفوق رهيبة. مثل برنامج F-16، والذي انتج أكثر 4000 طائرة نفاثة على مدار أربعة عقود، وقد توقع المدراء التنفيذيون سوق عالمية مماثلة لطائرات F-35 في الـ 40 سنة القادمة.
“كانت السنة الماضية الذكرى السنوية الأربعين لطائرات F-16… وليس هناك سبب يمنعنا من الاعتقاد بأننا سوف نشهد بعد 40 سنة من الآن برنامج طائرات F-35 يضم 4000 مقاتلة”، كان هذا تصريح ستيف أوفر، مدير Lockheed Martin لتطوير الأعمال الدولية لطائرات F-35.
هذا، وقد أصر على أن الشركة أن ليس لديها حتى الآن رخص لتسويق F-35 بين دول مجلس التعاون.
“نحن بالتأكيد لسنا في الخارج هناك الآن نسوّق لطائرات F-35 بطريقة عشوائية عبر العالم”. هذا ما قاله.
كما أعرب مايك هاو، مدير شركة F-35 لإسرائيل وأوروبا قائلًا: “هذه قضية أمن قومي من الدرجة الأولى”، مردفًا “نحن لن نتخطى حكوماتنا بأي شكل من الأشكال فيما يتعلق بالمبيعات في المستقبل للدول الأخرى”.
قال إيال بن رؤوفين، لواء إسرائيلي متقاعد ومشرع من حزب الاتحاد الصهيوني المعارض بإسرائيل، أن الشؤون الخارجية في الكنيست ومجلس الأمن، حيث ينتمي هو، ليست عل إطلاع على تفاصيل الخطط الإسرائيلية للتحسينات الأمنية للتأمين من واشنطن. لكنه ذكر ضرور طلب إسرائيل الحفاظ على احتكار طائرات F-35 على المدى الطويل بشكل بدا “حصيفًا ومعقولًأ للغاية” نظرًا لعدم الاستقرار وعدم القدرة على التنبؤ في المنطقة.
وأشار بن رؤفيين قائلًا: “في الخمس سنوات الماضية، فشلت كافة المصادر الاستخباراتية، طرقًا ووسائلًا، في توقع تداعيات الربيع العربي، فلم نستطع نحن، ولا الأمريكان، ولا أحد التنبؤ بما سيحدث في سوريا وليبيا واليمن. لذلك اليوم، وفيما يبدو ظاهرًا بأن المملكة العربية السعودية مستقرة، لكن غدًا مَن يعلم ما سيحدث؟”.
قال أفرايم انبار، أستاذ جامعي في جامعة Bar Ilan وأخصائي في شؤون أمن الشرق الأوسط أنه مرتاب فيما إذا كانت واشنطن ترغب أو تستطيع الالتزام بحظر طويل الأمد في تصدير طائرات F-35 للشرق الاوسط. مشيرًا إلى “الضغوط السياسية والاقتصادية الهائلة التي تحدث” من خلال قطاع الدفاع الأمريكي وزبائنه التقليديين في الشرق الأوسط، وقد حذر انبار من أن مبيعات طائرات F-35 في تلك المنطقة ستؤدي للمعركة الكبيرة التالية بين الإدارة الأمريكية المستقبلية وإسرائيل.
“استطاعت الحكومة الأمريكية أن تبيع طائرات F-15 للسعودية بالرغم من الضغط الهائل من إسرائيل ومؤيدوها في الكونغرس. ما الذي سيضمن عدم تكرار هذا بالنسبة لطائرات F-35؟” هذا على حد ما ذكره أنبار.
وقد أشار مسؤول دفاع إسرائيلي سابق أنه صُدق للمملكة العربية السعودية في استلام طائراتها الـ F-15 في عام 1978، في أقل من ثلاث سنوات بعد سلاح الجو الإسرائيلي ومع طائرات F-16، أصبحت الفجوة بين إسرائيل ومصر ــــ شريكتها في معاهدة كامب ديفيد ــــ أقل من سنتين، بينما سمح للأردن بطائرات F-16 في 1996، بعد عام توقيعها معاهدة السلام مع إسرائيل.
“إذا أردنا معرفة ما تخبأه الأيام لنا، فمن الأفضل أن ننظر وراءنا لبرنامج طائرات F-16. فقد أخذت أقل من 10 سنوات لتصل للبحرين والإمارات العربية المتحدة ، ثم توسعت لتصل لعمان والمغرب والآن فإن تلك الطائرات تحلق في سماء العراق. وماذا بعد، أسنراها عما قريب في سماء لبنان؟”
ولقد رفض المسؤول السابق ذكر اسمه، إذ إنه يقدم المشورة أحيانًا لوزارة الدفاع الإسرائيلية بخصوص مسائل التعاون الاستراتيجي مع واشنطن.