مرّ الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ومصر من دون ضجة إعلامية في الأوساط المصرية، على الرغم من الاهتمام الذي حظي به في واشنطن. فقد نشرت الصحف المحلية عناوين مثيرة تشير إلى أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري كان يمتلك أدلة على عنف جماعة «الإخوان المسلمين»، في حين أن كيري لم يدعِّ ذلك قط. من جهته، انتقد نائب رئيس تحرير نشرة شبه رسمية الصحفيين الأمريكيين لطرحهم أسئلة "عنيفة" على وزير الخارجية المصري. ويعتبر العديد من المصريين أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وقفت إلى جانب «الإخوان المسلمين» في عام 2013، عندما رد الجيش المصري على الاحتجاجات الجماهيرية من خلال إسقاط الرئيس السابق محمد مرسي، لذلك يعتبرون أن الجهود التي يبذلها كيري محدودة جداً ومتأخرة جداً.
لكن على الرغم من فشل الحوار في تغيير وجهة النظر الشعبية المصرية حيال سياسة الولايات المتحدة، وضع كيري القاعدة الأساس لإعادة تنشيط الجانب الاستراتيجي للعلاقات الثنائية حين أقرّ باستعداد واشنطن لإعادة مناورات «النجم الساطع»، وهي مناورات عسكرية جرت كل عامين بشكل شبه مستمر منذ عام 1980، ولكنها أُلغيت في عام 2011 في أعقاب انتفاضة "الربيع العربي" التي أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك. ومع ذلك، فحتى ذلك الوقت كانت هذه المناورات محور العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ومصر، ويجب أن يتم استئنافها في عام 2016 من دون حتى أي تفكير لثلاثة أسباب.
أولاً، ستثبت هذه المناورات التزام واشنطن المستمر بأمن حلفائها العرب السنة منذ فترة طويلة، وهو أمر ضروري خصوصاً بعد الاتفاق النووي مع إيران. وفي هذا الصدد قال الجنرال مايكل ديلونغ، وهو نائب سابق لقائد للقيادة المركزية الأمريكية، أن مناورات «النجم الساطع» "قد بنت نسبة هائلة من حسن النية بين الدول الخمس والعشرين في نطاق المسؤولية الخاصة بنا". وبينما تبحث إدارة أوباما عن سبل للحفاظ على الردع في الخليج العربي، تُعتبر مناورات «النجم الساطع» خياراً يحمل أرباحاً كبيرة ومخاطر منخفضة. وفي الماضي، دعت الولايات المتحدة ومصر عدداً من الدول الشريكة لمراقبة هذه المناورات والمشاركة فيها. وليس هناك شك في أن السعوديين والإماراتيين سيشاركون هذه المرة، وخاصة إذا كانت هذه المناورات مصممة خصيصاً لمعالجة التحديات الإقليمية، سواء من إيران، أو من تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية»، أو الحوثيين في اليمن.
ثانياً، من شأن مناورات «النجم الساطع» أن تبرهن عن متانة العلاقة الاستراتيجية المصرية الأمريكية على الرغم من الخلافات السياسية منذ الإطاحة بالرئيس مرسي. وقد وصلت العلاقة إلى وضع متدهور في تشرين الأول/أكتوبر 2013، عندما حجبت إدارة الرئيس أوباما نسبة كبيرة من المساعدات العسكرية التي تبلغ 1.3 مليار دولار احتجاجاً على حملة القمع المميتة التي شنتها الحكومة. ولكن في الأشهر الأخيرة، عملت الإدارة الأمريكية مع الكونغرس لإعادة العلاقة إلى المسار الصحيح من خلال إطلاق المساعدات في آذار/مارس، وتقديم المعدات العسكرية، وعقد محادثات على مستوى عالٍ. من هنا فإن جدولة مناورات «النجم الساطع» هي الخطوة المنطقية التالية لترجمة الشراكة المتجددة عبر التعاون المباشر.
ثالثاً، يمكن لمناورات «النجم الساطع» أن تمنح الولايات المتحدة المزيد من النفوذ في جهودها الرامية إلى تحسين استراتيجية مكافحة الإرهاب المصرية في شبه جزيرة سيناء. وفي الواقع، تسير الحملة الحالية التي يتم شنها ضد الجهاديين في سيناء، والتي بدأت في أيلول/سبتمبر 2013، بشكل سيئ. فوفقاً للتقارير، أدت التكتيكات غير البارعة التي اعتمدها الجيش، بما في ذلك هدم أكثر من 1000 منزل في رفح، إلى نفور السكان المحليين، في حين أن المتمردين، الذين يتبع بعضهم تنظيم «الدولة الإسلامية»، شنوا هجمات مميتة على نحو متزايد داخل سيناء وخارجها. وقد حذرت واشنطن القاهرة مراراً وتكراراً من نهجها في مكافحة الإرهاب وعرضت تدريب القوات المصرية، ولكن من دون جدوى. ومع ذلك، فمن خلال مناورات «النجم الساطع»، يمكن للمسؤولين العسكريين الأمريكيين العمل بشكل وثيق مع نظرائهم المصريين وتبادل الأفكار العملية على أساس سنوات من الخبرة القتالية. وبالتالي تكون الولايات المتحدة بمثابة شريك في مساعدة مصر على اقتلاع جذور الإرهاب، بدلاً من الظهور كناقد يقف مكتوف الأيدي.
من المؤكد أن استئناف مناورات «النجم الساطع» سيكون مثيراً للجدل إلى حد ما داخل مجتمع السياسة الخارجية في واشنطن، والذي يُجمع تقريباً على إدانته للمسار القمعي في مصر في عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي. وفي هذا السياق، يخشى العديد من المحللين من أن يؤدي القمع الجاري، والوحشي غالب الأحيان - الذي يمارسه نظام الرئيس السيسي ضد جميع نشاطات المعارضة تقريباً - إلى عدم الاستقرار في المستقبل، كما يقلقون من أن تجد الولايات المتحدة نفسها من جديد تراهن على الشخص الخطأ، كما فعلت مع الرئيسين مبارك ومرسي. بيد، بإمكان واشنطن، وكما أوضح كيري، أن تضغط على القاهرة في مجال حقوق الإنسان وأن تعزز في الوقت نفسه شراكة استراتيجية هامة. والأهم من ذلك، ففي حين أنه من الصعب التنبؤ بمدى استمرارية النظام الحالي، إلا أن مناورات «النجم الساطع» ستقوي علاقات واشنطن بمؤسسة مصرية ستظل محورية في الحالتين، وهي الجيش.
وليس هناك شك في أن مناورات «النجم الساطع» ليست حلاً لكافة المشاكل، كما لا ينبغي لأحد أن يتوقع حلول نعيم ثنائي بين البلدين في السنوات المقبلة حتى ولو جرت هذه المناورات. ولكن من خلال تعزيز التعاون المباشر ما بين الجيشين، تمثل هذه المناورات خطوة هامة نحو إعادة تنشيط العلاقات الاستراتيجية ومتابعة السعي لتحقيق المصالح التي توحد واشنطن والقاهرة، بدلاً من تخلّف هذه العلاقات بسبب القضايا التي تفرق بينهما.
----------
الكاتب : جلعاد وانيج هو باحث مشارك سابق في معهد واشنطن
و إريك تراجر هو زميل "استير واغنر" في المعهد.