قبل 35 عاماً، أي في عام 1980، دخل حيز الخدمة أسرع مدفع طائرات رشاش GSH-6-23 . وقد تجاوزالمصممون الروس أقرانهم الأمريكيين -الآباء الأوائل لمدفع (غاتلينغ) الرشاش متعدد السبطانات - باختراعهم هذا، الذي يعد سلاحاً مثالياً للطائرات والمروحيات المقاتلة، بلغ بمواصفاته حدود الكمال.
من منا لا يتذكر ذلك المشهد الرهيب للممثل الشهير " أرنولد شوارزنيجر" في فيلم "المُبيد" (تيرميناتور-2) وهو يُصْلي بنيران مدفعه الرشاش سداسي السبطانات سيارات الشرطة، محيلاً إياها إلى مزق متطايرة في ثوان معدودة. إنه مدفع الطائرات الرشاش مينيغان (M134)الذي لم يكن ليتمكن من الإمساك به والرمي منه إلا رجل بقوة التيرميناتور. فوزن هذا الرشاش 76 كغ مع قوة ارتداد تتراوح ما بين 70 إلى 130 كغ.
هذه الجهود الفائقة يمكن لآلة ما ان تتحملها، ولكن من المؤكد أن أي إنسان مهما بلغت قوته عاجز عن تحملها.ومع ذلك، كان بإمكان التيرميناتور بذاته أن يطلق هذه النيران في حالة واحدة فقط، لو أنه استخدم المدفع الرشاش السوفياتي من نمط GSh وليس الرشاش الأمريكي مينيغان (Minigun).
الولادة الثانية لرشاش غاتلينغ
خلافاً لزملائهم الأمريكيين، قام المصممان السوفيتيان فاسيلي غريازيف وأركادي شيبونوف بتصميم الأقسام المتحركة للرشاش التي تعمل بقوة دفع الغازات المرتدة، الأمر الذي يؤمن الاستقلالية في عمله. في حين أن رشاش مينيغان الأمريكي يعتمد في عمله على محرك كهربائي، أي أن دوران السبطانات مرتبط بالطاقة الكهربائية المخزنة في البطاريات. ولهذا اضظر مخرج الفيلم، إلى إخفاء أسلاك التغذية الكهربائية تحت سروال "آرني الرائع" (أرنولد شوارزنيجر) .
ويتكرر المشهد في فيلم (المفترس)، حيث يستخدم أحد الأبطال رشاش مينيغان أيضاً. وليس من المستغرب أن "السبطانات الدوارة" بنيرانها الإعصارية، تحظى بهذه الشعبية الكبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، فمخترع رشاش(غاتلينغ) هو الأمريكي الدكتور ريتشارد غاتلينغ، الذي تمكن منذ زمن بعيد، في عام 1862، من صنع أول رشاش متعدد السبطانات مع قدرة على إطلاق النار دون انقطاع.
الأفلام الحديثة عن الأبطال الخارقين، تعرض عادةً "الأبناء الصغار" لمنظومة غاتلينغ بوزن وعيار أقل. ولكن المدافع الرشاشة الكلاسيكية يتراوح عيارها من 23 إلى 30 ملم، وهي تثبت على الطائرات والمروحيات والسفن.
الطريف في الأمر، أن قلة من الناس يعرفون أن نظام (غاتلينغ) ولد من جديد بفضل المصممين السوفيات تحديداً.
فهم الذين تمكنوا من زيادة معدل النيران إلى 10000طلقة في الدقيقة الواحدة، مما سمح باستخدام هذا النمط من الأسلحة على متن الطائرات لتدميرالأهداف الجوية.
وتعود القصة إلى أن الطيارين خلال الحرب العالمية الثانية، واجهوا مشكلة في الجمع بين سرعة الطيران ومهاجمة الأهداف الأرضية والجوية. فإذا علمنا أن سرعة الهجوم كانت حوالي 100 متر في الثانية، وأن معدل نيران المدفع الرشاش كان 600 طلقة في الدقيقة، يتبين أن الطلقات كانت تتوزع على مسافة عشرة أمتار عن بعضها البعض. وكان هذا الهامش يزداد خلال خوض المعارك الجوية. فكان لا بد من زيادة معدل نيران المدفع الرشاش.
في عام 1959، تمكن الأمريكيون من صنع رشاش الـ"بركان" (M61 Vulkan) سداسي السبطانة بكثافة نارية بلغت 4000 طلقة في الدقيقة.
وكان المصممان السوفييتيان غريازيف و شيبونوف قد تمكنامن تصميم نظير لهذا المدفع الرشاش GSh-6 ولكن بسبطانتين، قبل عام كامل،أي في عام 1958. ولكن العمل على هذا المشروع أوقف بقرار من القيادة السوفيتية.
فييتنام الملهمة
في منتصف الستينيات، زار أركادي شيبونوف هانوي (فييتنام)، جبهة المواجهة بين الفدائيين الفيتناميين الموالين للاتحاد السوفيتي، والقوات الأمريكية الغَازِيَة. وبعد عودته من فييتنام، التقى شيبونوف مع دميتري أوستينوف، وزير دفاع الاتحاد السوفيتي، وحدثه عن القوة الخارقة للرشاش الأمريكي فولكان (M61)، فحصل على موافقته لتصميم النسخة السوفيتية لمدفع غاتلينغ الرشاش.
عكف شيبونوف وغريازيف على شحذ التصميم الذي اقترحاه GSh-6-23 إلى حد الكمال. وفي عام 1974 ثُبِت المدفع الرشاش على متن سفينة حربية كسلاح مضاد للصواريخ، ومن ثم على الطائرات المقاتلة (ميغ-31) و(سو-24). كما حصلت المروحيات الهجومية أيضاً على "سلاح التيرميناتور". ويمكن تثبيت المدفع الرشاش GSh-6-23 على الحوامة المجنحة (كا-52).
لقد تجاوز المدفع الرشاش غريازيف- شيبونوف GSh مدفع فولكان (M61 Vulkan) حسب كل المواصفات التقنية. فإذا كان الأخير قادر على إطلاق 4000 طلقة في الدقيقة الواحدة، فإن مدفع GSh-6-23 وصل إلى معدل 6000 طلقة في الدقيقة، وبعد التعديلات؛ إلى 10000طلقة في الدقيقة. وهذا يعني 180 طلقة في الثانية الواحدة.
أما وزن مدفع الطائرات الرشاش السوفياتي فهو أخف بمرتين تقريبا من "شقيقه"الأمريكي (73 كغ مقابل 112 كغ). وهذا عامل مهم جداً بالنسبة لقدرة الطائرات على المناورة. ولأول مرة في العالم تمكن غريازيف وشيبونوف من صنع الأقسام المتحركة بقوة الغازات المرتدة بهذا القدر من الخفة والصغر والمتانة. في حين استخدم الأمريكيون محركات كهربائية تتطلب وجود مخزون من البطاريات لإعادة الشحن.
وفي المحصلة امتلك سلاح البحرية والطيران سلاحاً يليق بـ "تيرميناتور"تصعب مجابهته. ومما له دلالته، أن الآليات المدرعة فقط، هي التي تلعب دور الأهداف الافتراضية خلال التدريبات الميدانية، لأن السيارات العادية والشاحنات أوالطائرات، كانت ببساطة ستتمزق إرباً، ولن تخلف وراءها إلا كومة من الشظاياالصغيرة.