في شتاء عام 1943 انتهت أعظم معركة في الحرب العالمية الثانية، حيث حاصرت ودمرت القوات السوفيتية في معركة ستالينغراد الفيلق السادس لقوات النخبة النازية، وتم أسر قائده المارشال فريدريك باولوس.
لقد كان فريدريك أفضل المفكرين الإستراتيجيين الألمان، وهو من وضع خطة هجوم ألمانيا النازية على الاتحاد السوفيتي. وبطبيعة الحال بعد أن تم أسره قرر جهاز المخابرات السوفيتي توظيفه للتعاون مع الجيش الأحمر، بحيث يصبح ورقة رابحة في الحرب ضد هتلر. وعلى أثر ذلك اقترح على باولوس الانضمام إلى اتحاد الضباط الألمان- من المنظمات الشيوعية الألمانية وأسرى الحرب المناهضين للفاشية. ولكن المارشال النازي رفض رفضاً قاطعاً مصرحاً: "أنا لن أخون وجهات نظري حتى لو قضيت بقية حياتي في الأسر"، وبطبيعة الحال فقد وصف باولوس جميع الجنرالات والجنود الألمان الذين وافقوا على التعاون مع روسيا بالخونة
.ومن أجل إقناع المارشال المتمرد، اضطر جهاز المخابرات السوفيتية أن يقوم بعملية محفوفة بالمخاطر في برلين، حيث تتبع عناصر الجهاز مكان وجود زوجة باولوس واسمها إلينا روزيت سوليسكو، وأخبروها عن أسر زوجها بعدما كانت تعتقد بأنه قد قتل.
وفي صيف عام 1944 أصيب باولوس بالدهشة عندما تسلم رسالة من زوجته. الجدير بالذكر أن لا أحد يعلم حتى الآن من وكيف تم إيصال الرسالة عبر الحدود وخط الجبهة، ولا أحد يعرف مضمون هذه الرسالة، التي اختفت في ظروف غامضة. ولكن بعد قراءتها وافق باولوس التعاون مع أعدائه السابقين واختار طريقاً حدد مصير حياته المستقبلية. انضم المارشال النازي في حرب ضد الهتلريين، حيث حث الشعب الألماني عبر الإذاعة للتخلي عن الفوهرر وإنقاذ البلاد من الكارثة، حتى أن الطائرات السوفيتية ألقت المنشورات على مواقع العدو والتي كانت تحتوي على نداء من باولوس إلى الجنود الألمان للانتقال إلى الجانب الروسي.
ومن شدة غضبه أمر هتلر، الذي كان يصف منذ فترة وجيزة باولوس علناً بأنه البطل المشير الفذ، باعتقال وإرسال جميع أفراد عائلته إلى المعسكرات للتعذيب.
وفي عام 1946 جرت محاكمة دولية ضد القادة السابقين لألمانيا النازية في مدينة نورمبرغ الألمانية، والذين وجهت إليهم تهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وفي هذه الأثناء أدلى المدعي رودينكو ممثل الاتحاد السوفيتي شهادة المارشال باولوس حول الإعداد لعدوان ضد الاتحاد السوفيتي. وبعد أن انتهى رودينكو احتج أولئك المدعى عليهم من الحضور النازيين قائلين: "هذا تزوير وكذب!". وهنا سأل المحامون رودينكو متى يمكن للشاهد باولوس المشاركة شخصياً في جلسة المحاكمة والتأكيد على هذه الشهادة. فأجاب المدعي العام بعد أن نظر إلى ساعته قائلاً: "بعد خمس دقائق". بالطبع أثارت هذه الكلمات ضجة وكانت بمثابة قنبلة انفجرت في قاعة المحكمة، ولم يكن الألمان ولا الأمريكيين ولا البريطانيين يعرفوا شيئاً عن وصول باولوس إلى نورمبرغ، وبالتالي فإن خطاب المارشال السابق لم يترك أي فرصة للمتهمين تبرير الهجوم الغادر لألمانيا على الاتحاد السوفيتي.
وبعد محاكمات نورمبرغ انتقل باولوس من معسكر أسرى الحرب إلى منزل مريح بالقرب من موسكو، وتم تخصيص له طبيب وطاه ومعاون وحصل على كل ما يريده ما عدا الحرية. وقد تسنى لباولوس قراءة المحاضرات عن فن الحرب للجنرالات السوفيت وقام بكتابة مذكراته، وفي أوقات الفراغ كان يطلع على كتابات ماركس ولينين وستالين. يشار إلى أن هذا النازي السابق الذي قاتل ضد الشيوعيين أصبح فجأة يهتم وبشكل جدي بالأعمال الماركسية. لقد حصل باولوس على حريته التي طال انتظارها في خريف عام 1953، وقتئذ دخل العالم عصر الحرب الباردة، عصر المواجهة بين دول حلف الناتو ودول حلف وراسو. ومرة أخرى شاءت الأقدار أن يواجه باولوس الخيار بين هذين الحلفين. وبالفعل اختار المارشال الألماني السابق، وأصدر بياناً نشر في صحيفة برافدا السوفيتية قبل مغادرته للإقامة الدائمة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية جاء فيها: "أنا جئت إلى الاتحاد السوفيتي كعدو، لكن أترك هذا البلد كصديق".
توفي المشير الألماني النازي السابق، صديق الاتحاد السوفيتي فريدريك باولوس في الأول من شهر شباط/فبراير من عام 1957، في اليوم الذي صادف ذكرى مرور 14 عاماً على هزيمة جيشه في ستالينغراد.