نشرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية استعراضا لكتاب صدر حديثا بعنوان "الجاسوس الذي يساوي مليار دولار" استعرضت فيه قصة الجاسوس أدولف تولكاتشيف الذي عمل في عمق الدفاع الجوي السوفياتي.
يذكر الكتاب أن تولكاتشيف كان عميلا نادرا استطاعت الولايات المتحدة بفضله التعرف على مواطن ضعف الرادارات والدفاعات الجوية السوفياتية، وقد ظلّ يزود الأميركيين بالمعلومات بشكل منتظم طوال ست سنوات.
وتكمن أهمية هذا الجاسوس بأنه يعمل في عمق الجيش السوفياتي ولم يكن جاسوسا يستقي المعلومات أو يشتريها، بل هو ذاته كان مصدر للمعلومات الأمر الذي أدى إلى اختصار طريق إيصال المعلومات إلى الجهة الأخرى وكذلك خفض خطر الرصد.
ويفصل الكتاب الطرق المبتكرة التي عملت بها المخابرات المركزية الأميركية (سي آي أي) لضمان تواصل آمن بتولكاتشيف. ويدعي الكتاب أن السي آي أي نجحت بفضل تلك الطرق بلقاء تولكاتشيف 21 مرة في شوارع موسكو التي كان عملاء المخابرات السوفياتية (كي جي بي) يراقبونها كالصقور.
وقدر صدر الكتاب في 944 صفحة واعتمد على وثائق رفعت السرية عنها مؤخرا، إلا أن كاتب المقال أشار إلى أن السي آي أي لم تراجع الكتاب قبل الطبع إلا أنه يفصل بصورة دقيقة خفايا الحرب الباردة التي دارت بين الولايات المتحدة والغرب والاتحاد السوفياتي حتى انهياره في 25 ديسمبر/كانون الأول 1991.
ويشرح الكتاب قصة تولكاتشيف ويقول عنه إنه حمل رغبة قوية بالانتقام لعائلة زوجته من العذاب الذي ذاقته، حيث أعدمت أمها وأرسل والدها إلى معسكرات السخرة التي أعدها الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين في النصف الأول من القرن العشرين لمعاقبة المعارضين ومثيري القلاقل.
وعن تولكاتشيف شخصيا، يقول إنه كان معارضا للفكر الشيوعي قلبا وقالبا، وأراد أن ينتقم من النظام السوفياتي بكشف أسراره العسكرية للولايات المتحدة.
يقول ضابط اتصال من سي آي أي كان مسؤولا عن تولكاتشيف، إن الأخير غالبا ما بدا عازما على إيقاع أكبر ضرر ممكن بالاتحاد السوفياتي رغم المخاطر التي كانت تحيق بعمله الجاسوسي.
كان عقاب الخيانة في عهد الاتحاد السوفياتي هو الإعدام، إلا أن تولكاتشيف لم يرد أن يموت على أيدي الكي جي بي، لذلك طلب من السي آي أي تزويده بحبة انتحار ليستخدمها في حال أوقعت المخابرات السوفياتية به.
وطبقا للكتاب، فقد قدرت القوات الجوية للجيش الأميركي أن الأموال التي وفرتها بفضل تولكاتشيف ومعلوماته تقدر بحوالي ملياري دولار، لولاه كانت تلك الأموال قد أنفقت على أبحاث عسكرية وعلمية لمواجهة التقدم العسكري السوفياتي.
استخدم تولكاتشيف كاميرا من نوع بنتاكس35 مثبتة في كرسي بشقته لتصوير المستندات السرية، واستغل فترة الغذاء لتهريب الصور إلى خارج مكتبه، حيث كان يخبئها تحت معطفه.
يقول عملاء السي آي أي إن هذا الجاسوس كان يطلب المال مقابل خدماته، إلا أنه كان يشدد على أن المال هو للشعور بأن خدماته مقدرة حيث لم يكن هناك ما يشترى في موسكو الشحيحة تحت الحكم السوفياتي. وإضافة للمال، كان يطلب من ضباط السي آي أي تزويده بأسطوانات موسيقية غربية لأبنائه.
ويكرر الكتاب عدة مرات الميزة التي ميزت عملية تولكاتشيف وهي مقابلته أمام سمع وبصر عملاء الكي جي بي، وأحد الحيل التي استخدمتها السي آي أي للقاء عميلها المهم هي الإيهام البصري.
ويسرد الكتاب أحد تلك الحيل التي نفذت في خريف 1982، عندما ركب عميلان للسي آي أي يعملان في سفارة الولايات المتحدة في موسكو بسيارة برفقة زوجتيهما.
جلست الزوجتان في المقعد الخلفي وحملت إحداهن كعكة عيد ميلاد. تحركت السيارة وتبعتها كالعادة سيارة للكي جي بي عن بعد.
وفي أحد المنعطفات قفز العميل الذي كان يجلس جانب السائق ووضعت الزوجة الكعكة على المقعد ليتضح أن بداخلها جهاز يولد صورة ضوئية تشبه صورة العميل الذي قفز فيبدو للناظر من خارج السيارة وكأن شخصا يجلس على المقعد بصورة طبيعية.
أما العميل الذي قفز فقد كان يرتدي تحت ملابسه، طقما آخر يحمل ملامح رثة، سرعان ما كشف عنه وقام بلبس قناع للوجه ونظارات، وتحول خلال أقل من دقيقة من رجل أميركي ببدلة أنيقة إلى عجوز روسي فقير يجوب الطرقات بحثا عن لقمة يسد بها رمقه.
خطا العجوز الروسي المزيف أربع خطوات عائدا باتجاه الشارع، وفي الخطوة الخامسة مرت أمامه سيارة الكي جي بي التي كانت تراقب من بعيد فلم يكترث من بها له وتابعت ملاحقتها للسيارة التي خرجت من السفارة الأميركية.
أما العجوز فتابع طريقه ليلتقي تولكاتشيف، العميل الذي يساوي مليار دولار.